بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله

كل شيء يفنى إلا الأشياء التي كتب الله لها البقاء
وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى، إلا الجنة والنار والعرش والكرسي واللوح والقلم والصُّوَر –يعني: الأنفس، ليس يفنى شيء من هذا أبدًا، ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة فيحاسبهم بما شاء، فريق في الجنة، وفريق في السعير، ويقول لسائر الخلق ممن لم يُخلق للبقاء: كونوا ترابًا.
نعم، يقول المؤلف رحمه الله: كل شيء مما أوجب الله عليه الفناء فإنه يفنى؛ لقول الله عز وجل: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ولقوله سبحانه: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ولقوله سبحانه: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولقوله سبحانه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ .
فكل شيء يفنى ممن أوجب الله عليه الفناء إلا الأشياء التي كتب الله لها البقاء، وهي ثمانية أشياء، ثمانية كتب الله لها البقاء فلا تفنى، ذكرها المؤلف، منها: الجنة لا تفنى، والنار هذه الثانية لا تفنى، +فهما دائمتان، مخلوقتان الآن دائمتان أبدًا لا تفنيان، والعرش هذا الثالث، والكرسي الرابع، واللوح الخامس، والقلم السادس، والصُّوَر يعني: الأرواح، الروح إذا خرجت لا تموت، إذا خرجت روح الميت نقلت إلى الجنة ولها صلة بالجسد، وروح الكافر تنقل إلى النار ولها صلة بالجسد، والبدن يفنى ويصير ترابًا ثم يعيده الله خلقًا جديدًا، ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصُّور فتعود الأرواح إلى أجسادها مرة أخرى.
الأرواح باقية إما في نعيم أو في عذاب، ما تفنى، ذكر سبعة أشياء المؤلف، والثامن ما ذكره، وهو عجْب الذَّنَب، عجْب الذنب: وهو العُصعص، آخر فقرة في العمود الفقري، في الحديث: كل ابن آدم يفنى إلا عجْب الذَّنَب، منه خلق ابن آدم، ومنه يُركَّب ؛ ولهذا يقول الناظم:
ثمانيـةٌ حُـكْمُ البقـاء يعمُّهــــا
مِن الخَلق, والباقون في حيِّز العدمْ
هـي: العـرشُ والكرسيُّ نارٌ وجنـةٌ
وعجْـبٌ وأرواحٌ, كذا اللوحُ والقلمْ
ثمانية أشياء، ولهذا يقول المؤلف: ليس يفنى شيء من هذا أبدًا، هي باقية بإبقاء الله لها، والجهم بن صفوان يرى أن الجنة والنار تفنيان، أنكر عليه أهل السنة وبدَّعوه وضلَّلوه وكفَّروه.
ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه؛ جاء في الحديث أن كل إنسان يبعث على ما مات عليه، مَن مات على الخير يُبعث على الخير، من مات على الإيمان يبعث على الإيمان، من مات على الكفر يبعث على الكفر، ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة، ويحاسبهم بما شاء.
وجاء في الحديث أن الله تعالى يحاسب الخلائق في وقت واحد، لا يلهيه شأن عن شأن، يحاسبهم في وقت واحد، كما أنه يخلقهم ويرزقهم ويعافيهم ويجيب سؤالهم في وقت واحد، يحاسبهم في وقت واحد، لا يلهيه شأن عن شأن سبحانه وتعالى، لكن المخلوق ضعيف، أنت لو تكلم اثنين.. ثلاثة ما تستطيع أن تتكلم، تُكلم واحدًا تقول للثاني: انتظر حتى أنتهي، ثم أكلمك.
لكن الخالق يحاسب الخلائق كلهم في وقت واحد، سبحانه وتعالى، ويفرغ منهم سبحانه وتعالى من حسابهم في مقدار منتصف النهار، إذا انتصف النهار انتهى سبحانه.. فرغ من حسابهم، ثم ينتقل أهل الجنة إلى الجنة في وقت القيلولة ويقيلون فيها، قال الله عز وجل: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا يحاسبهم بما يشاء فريق في الجنة وفريق في السعير، ويقول لسائر الخلق ممن لم يُخلق للبقاء: كونوا ترابًا.
جاء في الحديث أن البهائم تبعث يوم القيامة ويقتص بعضها من بعض، حتى يُقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، إذا كانت الشاة التي لها قرون نطحت أختها الشاة التي ليس لها قرون تُبعثان يوم القيامة ثم يقتص للجلحاء من القرناء، تنطحها يوم القيامة، تأخذ حقها منها، فإذا أخذت حقها منها قال الله لها: كوني ترابًا فتكون، وذلك حين يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا
موقع الراجحي حفظه الله

ثمانية لا تفنى ولكنها قابلة للفناء بمشيئة الله



المخلّدات أو المخلوقات التي لا تفنى بمشيئة الله طبعا , فهي التي نظمها الإمام جلال الدّين السَّيوطي فقال :


ثمانية حُكْمُ البقاء يعُمُّها ********* من الخلق والباقون في حيِّز العدمْ




هي العرش والكرسي نار وجنة *** وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم



وسأحاول أن أُدَلِّل عليها من القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة من العلماء سائلة الله أن يفتح
على قلبي من بركات علمه، وأن يجعل عملي في رضاه، وأن يتقبله مني فأقول و بالله التّوفيق



1_ العرش لا يفنى لأن الله عز وجل مُستوٍ عليه إستواء يليق بجلاله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } طه5



2_والكرسي تَبَعٌ للعرش فقد روى الحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر

قدره إلا الله تعالى"


قال الذّهبي في التلخيص حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم و قال الإمام ابن القيم في قصيدته


" الكافية الشافية في الإنتصار للفرقة الناجية "


والعرش والكرسي لا يفنيهما *** أيضا وإنّهما لمخلوقان



3+4_وأما الجنّة والنّار فيكفي في عدم فنائهما قول الإمام أبي جعفر الورّاق الطّحاوي في كتابه المشهور


الذي يعتبر مرجع أهل السنة والجماعة في أمور العقيدة والمسمى " العقيدة الطحاوية "


فقال والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ,وإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق ,


وخلق لهما أهلا فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه ,ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه ,


وكل يعمل لما قد فرغ له وصائر إلى ما خلق له "



5_وأما العَجْب فهو عَجْبُ الذَّنَب أو عَجْب الظَّهْرو قد قال فيه رسول الله

"ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يُرَكَّب الخلق يوم القيامة " متفق عليه


وفي حديث آخر قال :"إن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبداً،


قالوا أي عظم هو؟ قال: عجب الذنب" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ,


قال الإمام ابن القيم في نوننيته :


وكذاك عجب الظهر لا يبلى بل ***** منه تركب خلقة الانسان


:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}


وفي الحديث الشريف :{كل ابن آدم يفنى إلا عجب الذنب}


ولا تعارض بينهما لأن الحديث خاص والآية عامة، فيكون عجب الذنب


مستثنى من الفناء والعدم كما يستثنى عرش الرحمن والجنة والنار باتفاق السلف وأهل السنة .




6 _وأما الرّوح فقد روى الإمام مالك في الموطأ والنَّسائي ابن ماجة في السنن والإمام أحمد


في مسنده كلهم من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله
" إنما نسمة المؤمن طير تعلق بشجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه الله "


ونسمة المؤمن روحه , قال الإمام ابن القيم في نوننيته :


وكذلك الأرواح لا تبلى كما *** تبلى الجسوم ولا بلى اللحمان


فالشأن للأرواح بعد فراقها *** أبدانها والله أعظم شأن


إما عذاب او نعيم دائم*** قد نعمت بالرَّوْحٍ والرّيحان



7+8_و أما اللّوح والقلم فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين الطويل وفيه


أن النبي قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء،


وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض"


قال الحافظ ابن حجر أن المراد بالذكر هنا: هو اللوح المحفوظ ,


و ذكر الإمام السيوطي في " الدّر المنثور " من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:


" خلق الله اللوح المحفوظ لمسيرة مائة عامٍ فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق:


اكتب علمي في خلقي، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ".


قال الإمام ابن القيم في نونيته :


وكتابة القلم الشريف تعقّبت *** ايجاده من غير فصل زمان


لمّا براه الله قال أكتب كذا *** فغدا بأمر الله ذا جريان


فجرى بما هو كائن أبدا الى*** يوم الميعاد بقدرة الرحمن



: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30-31]


فكل شيء يفنى ممن أوجب الله علية الفناء إلا الأشياء التي كتب الله لها البقاء


والله تعالى أعلم
منتدى الألوكة