بسم الله الرحمن الرحيم

هل هناك فارق بين أرواح الشهداء في الجنة، وغيرهم من المؤمنين؟
الدار الآخرة أسئلة وأجوبة حول القبر

س: هل هناك فارق بين أرواح الشهداء في الجنة، وغيرهم من المؤمنين؟
والجواب: نعم، هناك فرق بين حياة الشُّهداء في الجنة وغيرهم من المؤمنين.

قال الإمام ابن رجب الحنبلي:
"والفرق بين حياة الشهداء وغيرهم من المؤمنين الذين أرواحُهم في الجنة من وجهين:
أحدهما: أن أرواح الشُّهداء تُخلق لها أجسادٌ، وهي الطَّير التي تكون في حواصلها، ليكمل بذلك نعيمها، ويكون أكمل من نعيم الأرواح المجردة عن الأجساد، فإن الشهداء بذلوا أجسادهم للقتل في سبيل الله، فعُوِّضوا عنها بهذه الأجساد في البرزخ.

والثاني: أنهم يُرزقون في الجنة، وغيرهم لم يثبت له في حقِّه مثل ذلك، فإنه جاء أنهم "يعلُقون" في شجر الجنة، ورُوي: "يعلَقون" (بفتح اللام وضمها)، فقيل: إنهما بمعنى، وأن المراد الأكل من الشجر، قال ابن عبدالبر: وقيل: بل رواية الضم معناه "الأكل"، ورواية الفتح معناها "التَّعلُّق" وهو التَّستُّر، وبكلِّ حال فلا يَلزم مُساواتهم للشُّهداء في كمال تَنَعُّمهم بالأكل، واللهُ أعلمُ"؛ (أهوال القبور: ص 165).

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - عن نعيم الشهداء وعلو درجتهم:
"نصيبهم (أي: الشهداء) من هذا النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من الأموات على فرشهم، وإن كان الميت على فراشه أعلى درجة منهم، فله نعيم يختصُّ به ولا يشاركه فيه مَن هو دونه، ويدل على هذا أن الله - سبحانه - جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خُضر، فإنهم بذلوا أنفسهم لله حتى أتلفها أعداؤه فيه، أعاضَهم منها في البرزخ أبدانًا خيرًا منها تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من نعيم الأرواح المجرَّدة عنها؛ ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسَمة الشهيد في جوف طير، وتأمَّل لفظ الحديثَين! فإنه قال: ((نسمة المؤمن طير)) فهذا يعم الشهيد وغيره، ثم خص الشَّهيدَ بأن قال: ((في جوف طير))، ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير، صدق عليها أنها طير، فصلوات الله وسلامه على من يُصدِّق كلامه بعضه بعضًا، ويدل على أنه حق من عند الله".
موفع الألوكة


قال السيخ ابن باز رحمه الله
الشهداء لشرفهم ، وفضل عملهم بين الله - سبحانه - أنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، حياة خاصة، حياةً برزخية ، وهم أموات، هم أموات ، وقد حُكم فيهم بأحكام الموتى ، لكن أرواحهم في نعيم الجنة، في أجواف طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ؛ كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام - ، وهذا شرف لهم ، وحث لهم على الجهاد في سبيل الله. وهكذا أرواح المؤمنين عند الله في الجنة، حية عند الله أيضاً في الجنة، لكنهم دون الشهداء، جاء في الحديث الصحيح أن روح المؤمن طائر يعلقه في شجر الجنة، روح المؤمن يجعلها الله طائراً يعلق في شجر الجنة ، ويأكل من ثمارها حتى يعيده الله إلى جسده، وهذا فضل عظيم. وهكذا أرواح الكفار حية تعذب في البرزخ وفي النار، في البرزخ مع الجسد، الجسد في الأرض وهي تعذب في النار، والجسد والروح يوم القيامة يعذبان في النار أيضاً - نسأل الله العافية-. فالمؤمنون ينعمون في البرزخ وفي الجنة، أرواحاً وأجساداً ، والكفار يعذبون في البرزخ وفي النار أرواحاً وأجسادا. وللروح نصيبها وللجسد نصيبه، ولو لم يبقَ منه إلا القليل. فالواجب على كل مسلم أن يحذر ، وأن يعد العدة للقاء ربه، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عليه، والعاصي على خطر إذا مات على المعاصي على خطر من العذاب في قبره ومن عذاب النار ، وإن كان لا يخلد فيها لو دخلها لكنه خطر. الواجب الحذر من المعاصي كلها، لعلّ الله ينجيه من شرها، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى شخصين يعذبان في قبورهما : أحدهما يعذب بالنميمة ؛ كان يمشي بالنميمة، وهي معصية ، كبيرة من الكبائر، والثاني : يعذب بأنه ما كان يستنزه من البول، ما كان يتحرز من البول، هذا يفيد الحذر من المعاصي ، ويفيد الحذر من التساهل بالبول.