يقول بعض المبتدعة من الروافض أصحاب هذه الشبهة في معرض الحديث عن علم أحوال الرواة وعلوم جرح وتعديل الرجال:
(...أما الشيعة فتمتاز عن غيرها من المذاهب بإخضاع كافة الرواة من دون استثناء لهذا التقييم للتعرّف على حالهم ولتمييز الصالحين منهم من الطالحين و المؤمنين عن المنافقين ، كي يتسنى لهم الأخذ من الصالحين و المؤمنين دون غيرهم . أما السنة فيستثنون الرواة من الصحابة من هذا التدقيق و التقييم ، فهم لا يخضعونهم أبدا ًإلى التقييم ويقولون بعدالة جميع الصحابة بلا استثناء .
هذا وإن موضوع عدالة الصحابة من المواضيع الحساسة التي شغلت جانباً مهماً من أبحاث الحديث والرجال ، وقد ذهب جمهور من أبناء العامة إلى أن جميع الصحابة عدول ولا ينبغي أن تنالهم يد الجرح و التعديل كما تناله غيرهم من المسلمين.. والعجيب أنهم مع ادعاء الإجماع على قداسة الصحابة، وأنهم فوق مستوى الجرح والتعديل ، رووا عشرات الأحاديث التي اختارها أصحاب الصحاح حول ارتداد الصحابة عن الدين والتمرّد على أصوله ومبادئه على نحو لا يدع مجالاً للريب في أنهم كانوا كسائر الناس فيهم الصالح والطالح ، والمنافق والمؤمن، إلى غير ذلك من الأصناف التي يقف عليها المتتبع لآيات الذكر الحكيم والسنة النبوية ، وهذا أمر عجيب جداً ...).
ثم ذكر هؤلاء المبتدعة من الروافض مواصفات الراوي المقبول روايته و مؤهلاته وهي: الإسلام والعقل و البلوغ والعدالة والإيمان، وفسروا الإيمان بقولهم: (أي كون الراوي شيعياً إمامياً إثنا عشرياً).
فمدار هذه الشبهة على ادعاء النزاهة في البحث العلمي وادعاء الموضوعية في الحكم على الرواة كل الرواة، والنفوذ من خلال هذه الدعوى إلى وضع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في ميزان الجرح والتعديل، وإيهام أن هذا المسلك هو المسلك العلمي الذي تقتضيه ضرورة التثبت والتحري في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبطبيعة الحال فإن هذا المسلك يقوم على عدم تعديل أحد من الصحابة بمجرد ثبوت الصحبة، بل لا بد من أن يقوم معدلوهم بنقد كل صحابي على حدة والحكم عليه بالجرح أو التعديل وفق مواصفات الراوي المقبول التي ذكروها، ولعلهم اختزلوا عناء البحث عن عدالة كل صحابي على حدة عندما فسروا مواصفات الراوي المقبول بكونه (شيعياً إمامياً اثنا عشرياً) لأن أحداً من الصحابة ليس على هذا الوصف حاشاهم.

جواب الشبهة:
- إن هذه الشبهة مشتملة على عدة مغالطات وأباطيل من وجوه هي:
* المغالطة الأولى: تتمثل في الدعوى الزائفة التي تَنسب إلى أهل السنة (ادعاء الإجماع على قداسة الصحابة): إذ ليس لهذه الدعوى أصلٌ لا في كلام أهل السنة ولا في إجماعهم، فمسألة العدالة شيء ومسألة التقديس شيء آخر، ولكنه محض الافتراء.
* والمغالطة الأخرى: هي ادعاء أن أهل السنة لا يبحثون في عدالة الصحابة: وهذا كذب؛ فإن علماء الحديث من أهل السنة يبحثون في عدالة الصحابة من وجهين:
• أحدهما: التثبت من كون الراوي صحابياً.
• والثاني: الإذعان والقبول والتسليم المطلق لشهادة الله عز وجل للصحابة بالعدالة كما قدمنا الأدلة على ذلك في مبحث عدالة الصحابة.
والذي يستدرك على شهادة الله عز وجل أَولى بأن يُجرح هو نفسه لا أن يكون هو جارحاً لغيره، فأهل السنة يقيمون على عدالة الصحابة أقوى الأدلة على الإطلاق، وهؤلاء يجرحون الصحابة بأوهى الأكاذيب على الإطلاق ليصلوا إلى مبتغاهم وهو رد السنة الصحيحة، بل ومبتغاهم الأكبر وهو رد القرآن الكريم الذي لم ينقله لنا إلا الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
وأعيد في هذا المقام كلام أبي زرعة الرازي رحمه الله ليتبين غرض هؤلاء: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة) [الكفاية في علم الرواية – البغدادي – 1/49].
وأما زعمهم أنه يجب أن نميز بين كافة الرواة بما فيهم الصحابة (للتعرّف على حالهم ولتمييز الصالحين منهم من الطالحين والمؤمنين عن المنافقين ، كي يتسنى لهم الأخذ من الصالحين والمؤمنين دون غيرهم)، فهذا كلامٌ بيِّن البطلان، لأن حقيقته أن هؤلاء يدعون أن في الصحابة من هو صالح ومن هو طالح، ومن هو مؤمن ومن هو منافق، وبطلان هذا الكلام من وجهين:
* أحدهما: أننا في تعريف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم قد قيَّدنا الصحابي بوصف الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والموت على الإسلام.
* والثاني: أن مبحث العدالة بالنسبة للصحابة لا يراد منه النظر في تلبس بعضهم بذنب أو بمفسق، وإنما يراد منه إثبات عدم الحاجة للتكلف في البحث عن أحوالهم لحصول الثقة فيما ينقلونه إلينا بقرائن أخرى هي أقوى وأرجح من قرائن العدالة عند غيرهم (وسيأتي مزيد بيان لهذه النقطة إن شاء الله في جواب الشبهة الثالثة).
قال ابن الأنباري: (المراد من عدالة الصحابة قبول روايتهم من غير تكلف البحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية إلا أن يثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت).
إن حقيقة هذه الشبهة تنجلي عند النظر في مواصفات الراوي المقبول عند هؤلاء، حيث فسروا وقيدوا وصف الإيمان بقولهم (كون الراوي شيعياً إمامياً إثنا عشرياً)، فهم مع ادعاء النزاهة والبحث العلمي في عَرض الصحابة على ميزان الجرح والتعديل قد أصدروا حكمهم المسبق على كل الصحابة حين وضعوا هذا الشرط والقيد الزائف الباطل، لأن الصحابة جميعاً أبرأ وأنقى وأسمى وأشرف من أن تكون هذه صفتهم، بل إن علياً والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين لا تنطبق عليهم هذه المواصفات والقيود التي افتراها هؤلاء الذين يزعمون التشيع إليهم، وهم على هذا شأنهم شأن الصحابة في ميزان مبتدعة الروافض ليسوا عدولاً كلهم – حاشاهم – بناء على قول هؤلاء الباحثين العلميين النزهاء، فتأمل ما في كلامهم وهرائهم هذا من باطل، ثم قل: سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور: 16].
فهم قد افتروا قيداً في مواصفات الراوي المقبول يُخرج كل الصحابة عن العدالة المزعومة عندهم، ونحن نتحداهم أن يثبتوا لنا اسم صحابي واحد ينطبق عليه شرط العدالة الذي زعموه، فإذا لم يثبتوا ولن يثبتوا تبينت حقيقة دعواهم وهي الطعن في كل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وهذا دليل بطلان شبهتهم لما يترتب عليها من لوازم فاسدة ، وبالله التوفيق.