دراسة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية

التي أعدّها ريجيس بلاشير

الشيخ فودي سوريبا كمارا


بسم الله الرحمن الرحيم


تصدير
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنـزيل: ]ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين [ (الروم:22) وأصلي وأسلم على من خاطبه الله بقوله تعالى ] وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا[ (سبأ:28) سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن هذا البحث يتكون من مقدمة وفصلين وخاتمة. ألقيت في المقدمة نظرة سريعة على تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوربية بصفة عامة، وإلى اللغة الفرنسية بصفة خاصة. وبينت في الفصل الأول آراء بلاشير بالنسبة إلى القرآن الكريم، وكونه منـزلاً من عند الله وما إلى ذلك. أما الفصل الثاني فقد فصَّلْت فيه القول في بعض أخطائه في ترجمته لمعاني القرآن الكريم، وذكرت ذلك في مبحثين. ذكرت في المبحث الأول بعض أخطائه في المسائل النحوية، كما ذكرت في المبحث الثاني بعض أخطائه في المسائل اللغوية. وذكرت في الخاتمة تعليقات وتوصيات.





مقدمة



إن الترجمة وسيلة تبليغٍ لرسالة الله، وهمزة وصل بين الثقافات، وأداة اتصال وتفاهم بين الشعوب والأمم،لذلك "فإن الحاجة إلى الترجمة ضـرورية" كما صرح بذلك سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية رحمه الله([1]). ويرى فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين –رحمه الله- أن ترجمة معاني القرآن الكريم واجبة. وقال: "وأما الترجمة المعنوية فهي جائزة في الأصل؛ لأنه لا محذور فيها، وقد تجب حين تكون وسيلة لإبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين بالعربية. لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب"([2]) .كما أن الترجمة – شأنها في ذلك شأن كل العلوم تقريباً – سلاح ذو حدين: يمكن استعماله أداة للبناء أو معولاً للهدم.

وقد بدأ الصحابة رضوان الله عليهم في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى مختلف اللغات منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم([3])، واستغلها المسلمون الأوائل استغلالاً حسناً في جزء لا يستهان به من أنحاء المعمورة، وذلك بشرح معاني القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والكتب الإسلامية المعتمدة، بواسطة مترجمين، للشعوب غير العربية في المجالس العلمية والاحتفالات الدينية. والواقع الملموس يشهد على أن جهود هؤلاء المسلمين الأوائل – مع حسن معاملتهم للناس- قد آتت ثمارها في كل أنحاء العالم، في نشر الإسلام من أقصى الأرض إلى أقصاها في فترة وجيزة وبسرعة مذهلة لم يشهد التاريخ لها مثيلا. وفي المقابل استغل بعض أعداء الإسلام من المنصِّرين و المستشرقين وغيرهم الترجمة في محاربة الإسلام الذي أقضَّ مضجعهم سرعة انتشاره وشدة تمسك معتنقيه به، وذلك رغم كل ما يستعملونه ضد الإسلام من مختلف أنواع التهديد والإغراء ورغم ما يتهمونه به من التخلف والجمود والسحر والشعر والكهانة وغير ذلك، فبدؤوا يفكرون في تطوير هذه الأساليب التي باءت بالفشل الذريع وصارت موضع سخرية لدى الجميع، حتى وصلوا بأفكارهم العنيدة إلى القيام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغاتهم. فرأوا في ذلك ضالتهم المنشودة لما يتيح لهم من فرصة ظهورهم أحيانا في ثياب أصدقاء مع أنهم في الحقيقة أعداء ألدّاء، كما يسهّل عليهم دس السم في الدسم كما يريدون. لذلك اهتموا بترجمة معاني القرآن الكريم اهتماماً كبيراً، ويشجعهم في هذا العمل العدائي ضد كتاب الله الكريم كون عدد قارئي الترجمات أكثر من عدد قارئي النص العربي،وبعبارة أخرى كون المسلمين غير العرب أكثر من المسلمين العرب.




نبذة تاريخية عن تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوربية


يبدو أن أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم ظهرت إلى حيز الوجود في أوربا الغربية كانت بمبادرة من بيير المحترم Pierre le vénérable ) ) رئيس دير كلوني (Cluny) المتوفى سنة 1156م الذي طلب من بيير الطليطلي Pierre de Tolède أن يقدم له ترجمة لاتينية لمعاني القرآن الكريم. وقد نشرت هذه الترجمة في مدينة بال سنة 1543م، ثم نشرت بعد ذلك بقليل في مدينة زيورخ. وقد قال بلاشير([4]) عن هذا القس ما يلي: "وكان طلبه لترجمة القرآن (الكريم) استمرارا لروح الحروب الصليبية، ومن جهة أخرى لحاجته إلى ما يمحو به أية آثار ما زالت عالقة بذهن المسلمين الأسبان الذين تم تنصيرهم حديثا، ويبدو أن الترجمة التي تمت في مدينة طليطلة لم تكن أمينة بالمرة وكانت غير كاملة".

أما أول ترجمة فرنسية فقد أعدها في منتصف القرن السابع عشر أندريه دوريير André de Ryer.([5]) وعن ترجمة دوريير الفرنسية هذه ترجم القرآن الكريم إلى الإنجليزية بواسطة ألكسندر روس A..Ross عام 1649م، وإلى الهولندية بواسطة جلازماخر Glazemaker عام 1657م ([6]). ومن الترجمات الفرنسية ترجمة سافاري (Savary) الفرنسية التي حظيت برواج كبير في القرنين الماضيين. وقد نشرت هذه الترجمة في عامي 1783 م و 1951 م كما يبدو، وكذلك طبعت ترجمة كازيمرسكي Kasimirskiفي عام 1840 م. ويقول موريس بوكاي([7]): "ويطغى على الترجمات الأولى التصرف الواسع بالنص، لأن همَّ المترجمين كان منصرفا إلى"محاربة البدعة" أكثر من اهتمامهم بدقة الترجمة ومطابقتها لمضمون القرآن الكريم". وقد بلغت ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، حسب إحصائيات الأستاذ حميد الله في مقدمة ترجمته الآنفة الذكر، ستاً وثلاثين ترجمة، أكثرها ترجمات المستشرقين، من ضمنها ترجمة لمستشرقة كتبت على ترجمتها اسماً شبه مستعار([8]). وحاولت في ترجمتها أن تحذو حذو بلاشير في ترجمته، وأن تقتدي به في كثير من الأحيان، وهو ما جعلها تقع في أخطاء كثيرة.([9]) وقد كتبت ترجمتها
بتشجيع من لوي ماسينيون . Louis Massignon([10])

وقد ظهر عدد كثير من هؤلاء المترجمين المستشرقين "في ثياب صديق" كأمثال جاك بيريك وريجيس بلاشير وغيرهما. فقد كان جاك بيريك عضوا بالمجمع اللغوي المصري، كما كان ريجيس بلاشير من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق !!! ولقد عانى القرآن الكريم الأمرّين من هذين " العضوين" في ترجمتيهما لمعانيه. وبما أن (ما لا يدرك كله لا يترك كله) سأحاول الإشارة في هذه العجالة إلى بعض الأخطاء أو المغالطات التي لاحظتها في ترجمة ريجيس بلاشير هذا العضو للمجمع العلمي العربي بدمشق.




فمن ريجيس بلاشير ؟


ريجيس بلاشير (Régis Blachère) (1318–1393هـ = 1900–1973م) من أشهر مستشرقي فرنسا في القرن العشرين ومن أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق(!). ولد في مونروج (من ضواحي باريس). تعلم العربية في الدار البيضاء (بالمغرب) وتخرج في كـلية الآداب في الجـزائر (1922م) و عين أستاذاً في معـهد الدراسات المغربية العليا في الـربـاط (1924– 1935م) وانتقل إلى باريس محاضرا في السوربون (1938م)، فمديراً لمدرسة الدراسات العليا العلمية (1942م) وأشرف على مجلة "المعرفة" الباريسية، بالعربية والفرنسية. وألف بالفرنسية كتبا كثيرة ترجم بعضها إلى العربية، ونجح في فرض تدريسها في بعض المعاهد الثانوية الفرنسية. من كتبه:

1 – ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية في ثلاثة أجزاء، أولها مقدمة القرآن الكريم. ثم نشر الترجمة وحدها في عام 1957م ثم أعيد طبعها عام 1966م.

2 – تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية د. إبراهيم الكيلاني.

3 – قواعد العربية الفصحى.

4 – أبو الطيب المتنبي، نقله إلى العربية د. أحمد أحمد بدوي.

5 – معجم عربي فرنسي إنكليزي.


الفصل الأول
منهج بلاشير في الترجمة


1 - في عام 1949م قام ريجيس بلاشير بترجمة معاني القرآن الكريم. وفي الطبعة الأولى وضع ترتيب السور وفق نزولها، سيرا على نهج بعض المترجمين البريطانيين، وذلك بقصد تفسير التشريع على ضوء الوقائع التاريخية. ثم تخلى عن ذلك في الطبعات التالية بعدما اقتنع بعدم جدوى مخالفة ترتيب المصحف العثماني.

2 - ويذكر دائما في مقدمة السورة مصدر اسمها وآراء المفسرين المسلمين وغير المسلمين في مكيتها أو مدنيتها جزئيا أو كليا. لكنه يرجِّح آراء غير المسلمين في أغلب الأحيان، وقد يذكر معلومات أخرى عن السورة.

3 - ويترجم بعض الآيات مرتين أو أكثر، إذا رأى أن للآية أكثر من معنى.

4 - ويذكر في ترجمته رقمين للآية: الرقم الأول هو رقمها حسب طبعة فلوجل للمصحف الذي اعتمد في عدِّ آياته على ترقيم خاص به مخالف لما عليه علماء الأمة، والرقم الثاني رقمها حسب طبعة القاهرة. وقد أشار إلى ذلك في " التنبيه " الذي كتبـه قبل مقدمـة ترجمته قائلا([11]) إن: "الآية في ترجمته تحمل رقمين: الرقم الأول (أي رقم طبعة F lugel) هو الذي ما زال يستعمل غالبا في أوروبا، والرقم الثاني هو رقم طبعـة القاهرة".

5 - اعتمد في ترجمته –كما يدعي- على أربعة تفاسير وهي: الطبري، والبيضاوي، والنسفي، والرازي. ولكن عند قراءة ترجمته يلاحظ أنه يرجح دائما آراء المستشرقين على ما جاء في هذه الكتب.

6 – ومن آرائه أنه يرى أن بعض الآيات إلحاقية نزلت متأخرة عن الآية السابقة لها. ويشير إلى هذه الآيات التي يراها متأخرة بطباعتها بطريقة خاصة تميزها عن الآيات الأخرى وذلك إما بطباعتها في الجانب الأيمن من الصفحة أو بطباعتها بحرف مائل. ومثال ذلك الآية 129 في سورة النساء ([12]).

7 - ويدَّعي في مواضع أن الآيات ناقصة، فيأتي بعبارات من التوراة ليستكمل بها هذا النقص المزعوم.

8 - كما قام بنقل بعض الآيات من أماكنها.

وقد وصف جاك بيرك ترجمة بلاشير هذه بقوله: "ترجمة بلاشير لها مزاياها، فهو من أفضل المستشرقين الأوربيين اطلاعاً وضلاعة في قواعد اللغة العربية وآدابها، ولكن من نواقصه أنه كان علمانياً، أي أنه لم يكن قادراً على تذوق المضمون الروحي للقرآن وأبعاده. … إن ترجمته للقرآن – على الرغم من مزاياها- فإن لها نواقصها، ولكنها تبقى من أفضل الترجمات القرآنية للقرآن مع ترجمة الجزائري حمزة بوبكر) ([13]).



موقفه تجاه القرآن الكريم
هدف المستشرقين في ترجماتهم لمعاني القرآن الكريم معروف. وهو محاربة القرآن الكريم بالقرآن الكريم نفسه. وذلك بما يبثون في ترجماتهم ومقدماتهم وحواشيهم من أكاذيب وافتراءات يحاولون بذلك إقناع القراء بأن القرآن الكريم من تأليف محمد e، لأنهم يرون أن ذلك يصيب الإسلام في الصميم. وتقع مقدمة([14]) الطبعة الأولى لترجمة بلاشير في 310 صفحة ضمنها عدة موضوعات، منها:

- تدوين القرآن الكريم.

- وصف للمصحف العثماني.

- انتقادات مثارة من خلال النص القرآني.

- الترجمات الأوربية.

أما طبعة عام 1980م للترجمة المذكورة([15]) والتي نحن بصدد دراستها الآن، فلم تتجاوز مقدمتها عشر صفحات، حاول فيها تقسيم فترة النبوة المحمدية إلى أربع مراحل، ضمنها تحليلات وتعليقات مزيفة تهيئ ذهن القارئ لقبول ما يختلقه في ترجمته من افتراءات للنيل من القرآن الكريم. وسترى نماذج من هذه الافتراءات في الصفحات القادمة إن شاء الله.

وهذا يدل على ما بذله بلاشير – الذي هو من أشهر المستشرقين- من مجهودات مضنية لتحقيق هذا الهدف الاستشراقي.




بيان لآراء بلاشير في القرآن الكريم


1- التشكيك في أصالة ترتيب سور القرآن الكريم:([16])
ذكر بلاشير أنه: "لم تعد هذه النصوص القرآنية تظهر حسب تسلسل الوحي، لكن طبقا لتدرج طول سورها تنازليا. وبناء على ذلك يمكن القول إلى حد بعيد إننا نقرأ القرآن (الكريم) اليوم مقلوبا، لأن النصوص الأولى (يعني السور)، التي هي الأطول، هي على العموم آخرها وصولا إلى محمد e".اهـ فقد بدأ بلاشير بادئ ذي بدء بالتلميح إلى أن القرآن الكريم كان في البداية مرتبا حسب تسلسل النـزول، أي كما سبق أن قام هو بترجمته مرتبا بحسب النزول، ثم تغير الترتيب حسب ترتيب طول السور تنازليا.

فرأيه هذا غير صحيح،فلم يتغير ترتيب سور القرآن الكريم لا تنازليا ولا تصاعديا، بل هو كما كان منذ عهد النبوة. فقد ثبت في كتب التفاسير والأحاديث الموثوقة أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتبة يكتبون القرآن الكريم، يقول لهم: ضعوا آية كذا في مكان كذا في سورة كذا، وأنه كتب كل القرآن الكريم في حياته في الرقاع واللخاف طبقا لتوجيهاته عليه الصلاة والسلام.



2- زعمه أن القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم
ومن أقواله في ترجمته لدعم هذه الفرية:

أ - كتب في حاشية الصفحة 48 معلقاً على الآية: ]سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقـيم[ (البقرة:142) مـا يلـي: "بقي (أي القدس) قبلة المسلمين مدة 16 أو 17 شهراً أي حتى يئس محمد صلى الله عليه وسلم من ولاء إسرائيل ثم تحول إلى الكعبة". هذه إشارة واضحة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكل ذلك من تلقاء نفسه بدون وحي من السماء، لأن القرآن الكريم، كما يزعم، من تأليفه.

ب - وفي تعليقه في حاشية الصفحة 53 على هذا الجزء من الآية الكريمة ]فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة[ (البقرة:178)، قال: "في هذه الآية إقرار- بكل بساطة- للدية التي كانت سائدة في الجاهلية" ثم جاء بكلمات منمقة ليخفف من وطأة هذه التهمة الشنيعة التي يؤكد فيها تأثير حكم الجاهلية في الشريعة الإسلامية، متناسياً استهجان الإسلام الصريح لهذا الحكم في قول الله تعالى: ] أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون[ (المائدة:50).

ج - ما قال في مقدمة سورة الأنعام (ص151) من وجود آيات هامة في هذه السورة أدخلت عليها تعديلات بعد الهجرة إلى المدينة المنورة بزمن وجيز.

د - كما زعم في مقدمة سورة إبراهيم (ص 278-279) أن الآيات الخاصة بسيدنا إبراهيم في هذه السورة (أي من الآية الـ 38 إلى 42) هي بكل تأكيد نصوص قديمة تمَّ تنقيحها بالمدينة المنورة.

هـ– ومن تخميناته السخيفة في حاشية الصفحة 484 ما قال في قوله تعالى: ]…وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم … [ (ص:24) من أن هذا الجزء الذي يمكن عدُّه تفكيراً لداود u حسب زعمه، أضيف إلى الآية مؤخراً ليكون عبرة مستخلصة من القصة.

و – وفي الصفحة 664 استدل بطول الآية الثالثة نسبياً في سورة العصر على أن هذه الآية ضمت مؤخراً.



3 – إيهامه بأن القرآن الكريم تأثر باليهودية والنصرانية
أ - قال في حاشية الصفحة 69 معلقا على قوله تعالى: ] أو كالذي مر على قرية [(البقرة:259) "إن هذه القصة مطابقة للأسطورة المنتشرة جداً في الشرق وفي الثقافة اليهودية النصرانية".

ب – علق في حاشية الصفحة 589 على الآيتين الكريمتين (23 و24:الحشر) بأنهما تذكّران بالتأبينات اليهودية قلبا وقالبا.



4 – زعمه أن بعض الآيات في غير محلها
أ- وصلت به الجرأة على كتاب الله العزيز إلى أن قال في حاشية الصفحة 96: إن قوله تعالى] فأثابكم غما بغم[ (آل عمران:153) قد تغير مكانه في الآية! ثم تقدم باقتراحين، أولهما: وضعه على رأس الآية لتكون كما يلي: (فأثابكم غما بغم إذ تصعدون ولا تلوون على أحد…)، والثاني: وضعه على رأس الآية 154 فتكون كما يلي: (فأثابكم غما بغم ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا…).

ب - ومن غرائب أعماله الشنيعة ما قام به في الصفحة 478 من تغيير مكان هاتين الآيتين:} فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم[ (الصافات:88، 89). فقد غيَّر مكانهما بالفعل ووضعهما بعد الآية 99 فكان الترتيب كما يلي: (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم رب هب لي من الصالحين….) ثم قال في الحاشية، بعد ما استبعد صحة أقوال المفسرين، إن قبول هذا التغيير يجعل تتمة القصة الثانية سليمة.



5- اتهام المفسرين بتغيير معنى بعض الآيات طبقا للجو السياسي
أ- وزعم أيضا في حاشية الصفحة 305 معلقا على قوله تعالى: ]سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى[ (الإسراء:1) أن المسلمين الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم (أي الصحابة رضي الله عنهم) كانوا يرون -فيما يبدو- أن المراد من المسجد الأقصى مسجد في السماء([17])، وأن الإسراء يعني المعراج أي الصعود في السماء، ولكن في عهد الأمويين كانت هناك محاولة لتجريد مكة المكرمة من مركزها الفريد عاصمةً للإسلام، وتبعا لذلك لم يعد المسجد الأقصى مسجدا سماويا لكنه صار يعني مدينة في دولة يهودية.

6 – الاعتماد على القراءات الشاذة لغرض في نفسه
أ - ومن مزاعمه ما قال في حاشية الصفحة 429 معلقا على قوله تعالى:
]الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون [ (الروم:1-3). فقد جاء بقراءتين:

أولاهما: (غُلِبت) بصيغة المبني للمجهول. اعترف في البداية بإجماع كل القراء تقريبا على هذه الصيغة. ثم جاء باعتبارات تاريخية (معتمدا في ذلك على آراء استشراقية) مفادها استبعاد صحة معنى قراءة "غلبت" بالمبني للمجهول.

والقراءة الثانية (غَلَبت) بصيغة المبني للمعلوم. وبعد ما استبعد أن يكون المراد هنا انتصار الروم على فارس في عام 624م، أضاف،بعد كلام، أنه يمكن التفكير في أنها (أي الآيات المذكورة) جاءت لرفع معنويات المسلمين بعد هزيمتهم في غزوة مؤتة بينهم وبين البيزنطينيين عام 8هـ (630م). والخبر، في هذه الحالة، ينم عن عداوة ضد الروم.



7 – اعتماده على رواية غير ثابتة
للإساءة إلى القرآن الكريم
أ - ومما يدل على تصميمه على النيل من القرآن الكريم: قيامه عند ترجمة معاني سورة النجم في الصفحة 561 بإضافة (وإنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهنَّ لترتجى) بعد الآية الـ 20 بدون تعليق([18]). فقد جعل هاتين الجملتين آيتين في القرآن الكريم. وكان عند تعليقه في الصفحة نفسها على قوله تعالى: ]عند سدرة المنتهى[ (النجم:14) قد جاء ببعض ما قال المفسرون ثم أيد ما زعم أنه توصل إليه كايتانيCaetani وهو أن "المنتهى" مكان معلوم قرب مكة المكرمة، وأن المراد بـقوله تعالى: ]إذ يغشى السدرة ما يغشى [ (النجم:16) هو: الفصل الذي يغشى السدرة فيه ما يغشى من الثمار العنبية.



8 – النيل من شخص النبي صلى الله عليه وسلم
أ – ومن مزاعمه المغرضة تعليقه في حاشية الصفحة 584 على قوله تعالى:
]يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة[ (المجادلة:12) من أنه لم يذكر اسم المستفيد أو المستفيدين من هذه الصدقة، وأنه ليس من المستبعد أن يكون المستفيد محمدا صلى الله عليه وسلم بصفة كونه رئيسا للأمة.([19])

ب - وفي تعليقه في حاشية الصفحة 655 على قوله تعالى: ] ألم نشرح لك صدرك [(الشرح:1) قال: "أدت هذه الآية إلى صياغة الأسطورة القائلة إنه جاء ملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سن الصبا وفتح صدره وأخرج قلبه ثم غسله فملأه بالإيمان والتقوى".

9 – تغيير ترتيب كلمات وإقحام كلمات في الترجمة للإساءة إلى أسلوب القرآن الكريم
أ - وأحيانا يغير ترتيب كلمات بعض الآيات مع إضافة كلمات أخرى عند ترجمتها ليبث بعض سمومه، كما فعل في الآية الكريمة التالية: ]زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب [ (آل عمران:14) فقد ترجم أول هذه الآية الكريمة في الصفحة 77 كما يلي: Pour les hommes, ont été parés ( de fausses apparences ) l’amour des voluptés tirées des femmes, ( l’amour ) des fils, ……….. أي: "للناس زينت (المظاهرالكاذبة) من حب الشهوات المستخرجة من النساء (حب) البنين والقناطير…" إلى آخر الآية.فقد استعمل كلمة "حب" مرتين وأقحم كلمة "المستخرجة" في الترجمة ليوهم القارئ أن القرآن الكريم يستعمل العبارات النابية المستهجنة متناسيا في ذلك ما جاء في قوله تعالى: ]لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم [ (النساء:148).



10 – افتعال بعض الأخطاء لغرض في نفسه
19 - و في الصفحة الـ 657، ترجم ] اقرأ باسم ربك الذي خلق [ (العلق:1) كما يلي: “ Prêche au nom de ton Seigneur qui créa !” أي: (عظ باسم ربك الذي خلق) وهذا يعني أن معنى القراءة الوعظ. ثم قال في الحاشية ما يلي: " "اقرأ" معناه "عِظ" ليس معناه " اقرأ " كما يترجم غالبا" انتهى كلامه. أليس الغرض من هذه الترجمة المفتعلة الكاذبة التشكيك في اهتمام القرآن الكريم بالعلم الذي لا يُنال إلا بالقراءة ؟ " وإلا فلماذا لم يترجم كلمة " اقرأ " في ]اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا[ (الإسراء:14) كما ترجمها في سورة العلق ؟ فقد ترجمها هنا بكلمة Lis أي "اقرأ". وقد أشار د. موريس بوكاي في كتابه " القرآن الكريم والعلم العصري " المترجم إلى العربية (صفحة الترجمة 131) إلى الازدواجية الخبيثة المماثلة التي استعملها في ترجمة كلمة " أزواجا " في سورتي الرعد ويس.



11- بث السموم للتشكيك في أصالة النص القرآني:
فمن ذلك:

أثبت العبارة التالية: en son état actuel أي (في وضعه الحالي)، كأن النص القرآني انتقل من وضع سابق إلى وضعه الحالي (انظر أول سور: النساء، والحجر، والزمر، وعلى حاشية الصفحتين 76 و 289 وفي الصفحة 436). وسبق أن زعم بلاشير أن ([20]): (تدوين القرآن الكريم كان جزئيا وناتجا عن جهود فردية ومثارا للاختلاف). لكن الحقيقة التي يشهد بها التاريخ الصحيح هو أن ([21]): "الواقع الذي عليه المسلمون منذ أربعة عشر قرناً هو تمسكهم الشديد بالمحافظة على الوحي القرآني لفظاً ومعنى، وليس ثمة مسلم يستبيح لنفسه أن يقرأ القرآن بأي لفظ شاء ما دام يحافظ على المعنى. وليبحث المستشرقون اليوم في أي مكان في العالم عن مسلم يستبيح لنفسه مثل ذلك وسيعييهم البحث، فلماذا إذن هذا التشكيك في صحة النص القرآني وهم يعلمون مدى حرص المسلمين في السابق واللاحق على تقديس نص القرآن لفظاً ومعنى؟ إنهم يبحثون دائماً –كما سبق أن أشرنا – عن الآراء المرجوحة والأسانيد الضعيفة ليبنوا عليها نظريات لا أساس لها من التاريخ الصحيح ولا من الواقع. فنحن المسلمين قد تلقينا القرآن الكريم من الرسول e، وهو بدوره تلقاه وحياً من الله. ولم يحدث أن أصاب هذا القرآن أي تغيير أو تبديل على مدى تاريخه الطويل. وهذه ميزة فريدة انفرد بها القرآن وحده من بين الكتب السماوية كافة، الأمر الذي يحمل في طياته صحة هذا الدين الذي ختم به الله سائر الديانات السماوية".




الفصل الثاني
ضعف بلاشير في اللغة العربية


هذه الأمثلة غيض من فيض، أما الأخطاء النحوية واللغوية في هذه الترجمة فحدث عنها ولا حرج. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ما من شك في تمكن بلاشير من اللغة الفرنسية. أما ما يخص اللغة العربية، فالمفروض، بصفة كونه عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، أن يكون متمكناً منها. إلا أن ترجمته لكثير من الآيات تؤكد عكس ذلك. فالأخطاء متفشية في كل صفحات ترجمته. وهذا يؤكد ما كتبته الدكتورة زينب عبد العزيز في كتابها " ترجمات القرآن إلى أين؟ (وجهان لجاك بيرك) من أنه([22]) "… أثبتت الدراسات التي قام بها العلماء العرب والمسلمون بأن أولئك المستشرقين الذين يدعون فهم العربية، هم في الحقيقة لا يحسنونها.. وعلى الرغم من هذا الجهل الواضح بالعربية –مع أنها أداة العمل العلمي الرئيسة-، فهم يصدرون أحكاما مغرضة من حيث الشكل والمضمون وأمانة تنـزيه القرآن، وذلك فيما يكتبونه من مقدمات علمية ليست في الواقع سوى معاول هدم متعددة الأوجه، تدور حول محور أساسي واحد هو: زعم أن القرآن عقبة في سبيل ارتقاء الأمم الإسلامية!! وذلك بعينه هو ما كان يردده اللورد كرومر في كتابه في مطلع هذا القرن (أي: القرن الماضي) وبناء على آراء مستشاريه من المستشرقين: "أن القرآن هو المسؤول عن تأخر مصر في مضمار الحضارة الحديثة" أو "لن يفلح الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن" اهـ.

وسنعالج هذه الأخطاء في مبحـثين. ففي المبحث الأول نذكر بعض أخطائه في المسائل النحوية، وفي الثاني بعض أخطائه في المسائل اللغوية.