إعداد

د. محمد حمادي الفقير التمسماني


المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد أنزل الله كتابه العظيم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، وأمره بتبليغه إلى الناس أجمعين، وتولّى حفظه بنفسه فقال: ]إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُوْن[(الحجر:9) وهيأ له رجالاً مخلصين ذادوا عن حرمته، وتصدوا لكل المحاولات التي تهدف إلى تشويهه، وبذلوا جهوداً خيرة في كشف زيف ما يثيره أعداؤه عنه من أباطيل وأكاذيب.

هذا وإن أخطر حملة عدائية واجهها القرآن العظيم هي تلك الهجمة الشرسة التي شنَّها المستشرقون عليه، فكان أول همهم أن يبحثوا لأوروبا عن سلاح غير أسلحة القتال، لتخوض المعركة مع هذا الكتاب الذي سيطر على الأمم المختلفة الأجناس والألوان والألسنة، وجعلها أمة واحدة، تعد العربية لسانها، وتعد تاريخ العرب تاريخها، وقد لخَّص (وليم غيفورد بلغراف) عداء الغربيين وحربهم للقرآن في كلمته المشهورة: "متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العرب يتدرج في سبل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه"([1])

ولا ريب أن هذه الصورة بدأت تتغير قليلاً الآن، ولكن التيار القوي في مراكز الاستشراق والكنائس الغربية، ومعاهد الدراسات ما زال هو التيار المعادي للإسلام المتحفظ تجاهه.

لقد نتج عن حقدهم وكراهيتهم بانقطاع صلة معظمهم بالعالم العربي ولا سيما بعد استمرار تدهور العلاقة بين المستشرقين والعالم العربي بداية من النصف الأول من هذا القرن (القرن العشرين)([2]).

إن خطر معاداتهم وحربهم للقرآن الكريم قد اشتد وتزايد أواخر هذا القرن وحتى أيامنا هذه، نتيجة كون تلك الأحكام السابقة والضلالات التي ينتجها العقل الاستشراقي لم تعد محصورة في المجال الجامعي، فقد تلقفها الإعلام الماكر وأخذ ينشرها على أوسع نطاق، وتسرَّب الكثير منها أيضاً إلى المناهج الدراسي في معظم البلاد الأوربية، وبهذا يربون الأجيال الجديدة على كراهية المسلمين ويعدونهم لقبول أية قرارات بحصار الشعوب المسلمة، والموافقة على أية تدخلات عسكرية لحماية القرن الحادي والعشرين!

وهنا تتجلى أهمية الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه ألا وهو "تاريخ حركة ترجمة معاني القرآن الكريم من قبل المستشرقين ودوافعها، وخطرها"


أهمية الموضوع:

تتلخص أهمية الموضوع فيما يأتي:

أولاً – كون المؤسسة الاستشراقية قد نجحت بالفعل في تقديم مادة معرفية مزورة ومشوهة عن القرآن الكريم ، وبالطبع لن يعرف تشويهها وخطرها إلا من أوتي معرفة منطلقة من الأصول الصحيحة، وإلا فإنه سينزلق مثلما انزلق كثير من المعاصرين من أبناء هذه الأمة.

ثانياً – ما يقتضيه واجب التبليغ والدعوة، فعلى الداعية المسلم – لا سيما في أيامنا هذه – أن يقف على ما يثيرونه من شكوك وشبهات، ويتصدى لها بالعلم والمعرفة، ويواصل جهوده بخطى ثابتة من غير كلل ولا ملل ؛ لأن الناس في حاجة ماسة إلى ترجمة صحيحة ووثيقة، لكي يفهموا كلام الله سبحانه وتعلى الذي قرر فيه أوامره ونواهيه، بل إنَّ كل مسلم مطالب شرعاً بعرض كلام ربه على غيره بشكل واضح وسليم، كي يحصل على صورة إيجابية وصحيحة لهذا الكتاب الجليل، فإن جل الذين أسلموا من كبار علماء العالم هم ممن خوطبوا به في البداية بلغتهم، وفهموا الإسلام بتلك اللغة.

ثالثاً – كون ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية الواسعة الانتشار أصبحت اليوم ضرورية بصفة مبدئية، نخص منها: الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وذلك بهدف أن يقرأ، الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين من غير أهل لغة الضاد في ترجمة أمينة.

لذا يتأكد تظافر الجهود بين أهل العلم في مختلف التخصصات، وإيجاد تعبئة عامة: أكاديمية وإعلامية وثقافية ودبلوماسية وسياسية، ولا جدوى من مؤتمرات الحوار التي ينظمها الموظفون ولا تخطط لأي عمل جاد مؤثر([3]).

لا شك أن هناك جهوداً خيرة مباركة بذلت في مجال ترجمة القرآن الكريم أواخر هذا القرن، نخص منها بالذكر:

1. الجهد الكبير الذي بذله الدكتور عبدالله نصيف، والدعم الذي قدمه للجنة الترجمة التي استمرت تعمل خمس عشرة سنة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وقت أن كان مديراً للجامعة، ثم أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. إذ استمرت هذه اللجنة في عملها تحت إشرافه واستعرضت عشرين ترجمة، وخلصت إلى أن خير الترجمات:

- ترجمة محمد مارماديوك بكثال، وهو مسلم عاش في الهند ، وترجمته خير الترجمات لحرصه على مدلولات الألفاظ وتمكنه من لغته الإنجليزية.

- ترجمة: آربري، وهو عالم فذ بالعربية وبلسانه الأصلي الإنجليزية، وترجمته رائعة من حيث أسلوبها الممتاز([4]).

2. من الجهود الخيرة أيضاً الندوة الدولية الأولى التي انعقدت بعمان سنة 1998م والتي صدرت أعمالها في كتاب ضخم (510 صفحات من الحجم الكبير) وأبحاث الكتاب قاربت الثلاثين، وشملت الترجمات أهم اللغات: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبرتغالية والتركية والبوسنوية والألبانية والفارسية والبلغارية والأردية والروسية.

ولقد أثلج صدورنا الخبر السار الذي نشرته مجلة "الرابطة" في أحد أعدادها([5]) وهو: أن مجمع الملك فهد بن عبدالعزيز لطباعة القرآن الشريف قد تبنى مشروعاً لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية، فجزى الله المشرفين على المجمع خير الجزاء، وفي مقدمتهم الأمين العام للمجمع ورئيس اللجنة التحضيرية لندوة "ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل" سعادة الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي.



التمهيد
من خلال استقراء جهود الاستشراق في الدراسات القرآنية وتتبعها نجد أن الكثير منها يدور حول ترجمة القرآن الكريم إلى مختلف اللغات العالمية والألسن الحية ترجمة حرفية أو تفسيرية أو لغوية جزئية وكلية.

وطبيعة هذا الموضوع تفرض علينا أن نمهد لـه بكلام موجز نبين فيه حقيقة الترجمة، وإمكانها في القرآن الكريم، ومدى صعوبتها.



حقيقة الترجمة:
لغة([6]): استعملت الكلمة في اللغة للدلالة على معان: يقال: ترجم الكلام: إذا بيَّنه وأوضحه، ويقال: ترجم كلامه إذا فسره بلسان غيره، وترجم كلام غيره وعنه: نقله من لغة إلى أخرى ومنه التّرجمان، ويقال: تَرجُمان ولك أن تضم التاء لضمة الجيم فتقول: تُرْجُمَان والجمع: تراجم، قال الفيومي في: "المصباح المنير": "وفيه لغات أجودها فتح التاء وضم الجيم، والثانية ضمهما معاً بجعل التاء تابعة للجيم، والثالثة فتحهما بجعل الجيم تابعة للتاء"([7]).

إصطلاحاً: يقول الدكتور صفاء خلوصي: "الترجمة: فن جميل يعنى بنقل ألفاظ ومعان وأساليب من لغة إلى أخرى، بحيث إن المتكلم باللغة المنقول إليها يتبين النصوص بوضوح، ويشعر بها بقوة كما يتبينها ويشعر بها المتكلم باللغة الأصلية([8]).



هل يمكن ترجمة القرآن الكريم؟
لقد شغلت الإجابة عن هذا السؤال العلماء في القديم والحديث، وتباينت فيها آراؤهم، ووقعت بسببها معركة حامية بينهم، كثر فيها ردُّ بعضهم على بعض، واحتدم النقاش بينهم في عشرينات وخمسينات هذا القرن، فكان منهم من يرى الجواز، ومنهم من عارض ومنع، وألفت في ذلك رسائل خاصة.

والمختار من القولين - والله أعلم – هو: ما ذهب إليه من أجاز – وعليه جرى العمل ([9]) – يقول العلامة الحجوي المغربي – رحمه الله تعالى - في كتابه القيم "حكم ترجمة القرآن الكريم": "زُعم أن الإسلام ألزم الناس العربية وتعلمها، ونَبَذَ ألسنتهم ومنعهم من ترجمة القرآن العظيم، وهذه الشنعة تكفل بردها والتشنيع بها كتابي (جواز ترجمة القرآن) فقد برهن فيه على أن الدين لا يلزم الأمم التي دخلت في الإسلام التكلم بالعربية، بدليل بقائها إلى الآن تتكلم بألسنها، وما منع ترجمة القرآن أصلاً ولا ورد المنع في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس"([10]).

وقال أيضاً: "إن ترجمته من الأمور المرغب فيها، بل يضح لنا أن
نقول: إنها من فروض الكفاية التي يجب على الأمة القيام بها، فإذا قام بها البعض سقط عن الباقين، وإن لم يقم بها أحد أثم الكل([11])، برهان ذلك: انه تبليغ عن سول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: "… فليبلغ الشاهد الغائب"([12]). وقال "بلغوا عني ولو آية"([13]). وقد أوجب الله على رسوله التبيلغ فقال: ] يَا أَيَّهَا الرَّسُوْلُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه[(المائدة:67) فهو بلغ للعرب بلسانهم ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رِسُوْلٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ[(إبراهيم:5) ويجب على العرب أن ينوبوا عنه، ويبلغوا لغيرهم من الأمم، فلذا قال لهم: "بلغوا عني ولو آية" ولا يمكن التبليغ لجميع الأمم إلا بالترجمة إلى لسانهم([14])"([15]).

بقي القول بأن الترجمة اللفظية كلمة بكلمة من لغة إلى أخرى لأي تعبير كان ليست من قبيل الممكن، إذ كل لغة نظامها في القواعد والترتيب، وإنما يراد بالترجمة هنا: أداء المعنى المراد باللغة الأخرى، تبعاً لقواعدها إلى من لا يفهم لغة النص المترجم، يقول العلامة الحجوي رحمه الله أيضاً: "لا نريد بالترجمة إبدال كل لفظ بما يرادفه أو يقاربه في اللغة الأخرى، فهذا تبديل، وربما يقال عنه تحريف. لأن ما يظن من الترادف أو التقارب قد لا يكون،
فإنا نرى كثيراً من الألفاظ في لغتنا يظن ظانون أنها مترادفة، فإذا هي متخالفة، وإنما المراد: ترجمة المعنى الأصلي من كل جملة مع ما يتبعه من المعاني التي تقتضيها دقائق اللغة وبلاغتها بقدر الإمكان، وإن لم تكن الإحاطة بكل المعاني العظيمة التي احتوى عليها اللفظ المنزل من حكيم حميد، كما لا يمكن لـه الإتيان بما يشتمل عليه من طرق الإعجاز الراجعة
لفصاحته، وطلاوة لفظه ومتانة أسلوبه، ولطائف إشارته، وغير ذلك مما هو مقرر في وجوه إعجازه، كل ذل لا تفي به ترجمة كائن، ولا تطمح في
الوفاء بـه، لمكان الإعجاز الذي ينقضي الدهر ولا تنقضي عجائبه
وغرائبه([16]).



صعوبة الترجمة:
تعد المحاولات المبذولة لترجمة معاني القرآن الكريم من أصعب المحاولات في ميدان الترجمة عموماً، فترجمة معنى آية كريمة واحدة بنقلها من النص القرآني المحكم البليغ إلى أي نص في لغة أجنبية تواجه صعوبات كبيرة، إذ يهتز المعنى الجميل الرائع ويفقد التركيب البلاغي للآية الكريمة رونقه ودقته، ويفرغ اللفظ من وقعه الجميل المؤثر([17]).

إن إشكالية نقل المعنى في ترجمات القرآن ارتطمت على صخرة الإشكال اللساني المرتبط بالمثبطات المعجمية والدلالية والتركيبية أو الأسلوبية المشكلة لأس الإعجاز القرآني([18]). يقول أحد المتخصصين في ترجمة القرآن الأستاذ صلاح الدين كرشيد – وهو مترجم لمعاني القرآن إلى الفرنسية – قال: "إني وجدت بالفعل صعوبات جمة في ترجمة بعض الكلمات القرآنية مثل الأمة، الحق، الفاسقون، اللطيف، البر، المعروف، المنكر، وحزب. بما لها من معان مختلفة.. ومع ذلك، وبالرغم من حرصي الشديد على ذكر كل التأويلات الممكنة للآية الواحدة، فلا يمكن للنص الفرنسي، أن يلم بكل المعاني التي توحي بها الآية القرآنية، ولكن الترجمة تمثل ما توصل إليه اجتهاد المترجم نفسه وفهمه الخاص، مما يقرب معاني القرآن من عقل القارئ بالفرنسية"([19]).

ومن المسائل العويصة التي تقف عائقاً في طريق الترجمة([20]):

- مسألة: الحروف المقطعة في أوائل السور.

- مسألة: غياب الترادف.

- مسألة: أسماء الله الحسنى.

- مسألة: اختلاف اللغة العربية وغيرها في التأنيث والتثنية.

- مسألة: الضمير هل هو عائد إلى اسم مذكر أو إلى اسم مؤنث؟

- مسألة: الأسماء التي ذكرت مرة واحدة أو الكلمات المعرَّبة مثل: (زمهرير) (زنجبيل) (بابل).

- مسألة: الآيات المتشابهات والمحكمات.

- مسألة: وجازة ألفاظه ووفرة معانيه.

- مسألة: ترجمة لفظ الجلالة.

وهذه الصعوبات وغيرها تفرض على المترجم أن يكون أهلاً لهذه المهمة العظمى، بأن تتوافر فيه مجموعة من الأمور الضرورية واللازمة ؛ لأن ترجمة القرآن الكريم اليوم "أصبحت علماً يحتاج إلى القواعد والضوابط التي اشترطها أهل الفن من العربية، وعلوم الإسلام، والعلوم الإنسانية واللغوية، وهذه العملية ليست منفرة ولا شاذة، بل تخضع لشروط تفسير القرآن الكريم، لأن الترجمة هي من قبيل التفسير وتدخل في علم التفسير"([21]). وللعلامة سيدي عبدالله كنون كلام جامع في المسألة. يقول رحمه الله: "من المشكلات التي تواجه الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر: ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية، ذلك أن القرآن – كما هو معروف – في القمة من البلاغة العربية، ولأجل النفاذ إلى أسراره، وفهم مقاصده، يجب أن يكون المترجم ممن لهم تضلع في قواعد اللغة العربية نحواً ولغةً وبياناً، وذلك فضلاً عن المعرفة بعلوم القرآن وأسباب النزول والفقه والحديث والتفسير.."([22])



الفصل الأول:
تاريخ ترجمة المستشرقين لمعاني القرآن الكريم وبيان خطرها


المبحث الأول: تاريخ حركة ترجمة معاني القرآن من قبل المستشرقين وبيان أشهر مدارسها

المبحث الثاني: في بيان خطرها على القرآن الكريم


المبحث الأول: تاريخ حركة ترجمة معاني القرآن من قبل المستشرقين وبيان أشهر مدارسها

عدَّ الغرب النصراني الإسلام منذ البداية خطراً حقيقياً يتهدده مما جعله يخشى ويخاف أول الأمر من ترجمة القرآن إلى اللغة اللاتينية لقرون
طويلة، حيث لم تظهر أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن إلا بعد حوالي خمسة قرون من ظهور الإسلام، وبعد تدخُّل مارتن لوثر ونشر أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن أصبح هناك اتجاه قوي في الغرب لا يمانع في ترجمة القرآن إلى اللغات الأوربية ولكنه يسعى إلى توظيف هذه الترجمة في توجيه المزيد من الطعنات إلى الإسلام([23]).

فتتابعت الترجمات وشملت معظم اللغات الحية، وبخاصة الإسبانية والألمانية الإنجليزية والفرنسية، حتى إنه لا توجد اليوم لغة أوربية أو شرقية إلا وفيها ترجمة أو ترجمات عدة لمعاني القرآن الكريم.

إن اللغة اللاتينية هي اللغة الأولى التي ترجم إليها القرآن الكريم، في المحاولة الأولى التي احتضنتها الأندلس (إسبانيا)" ويبدو أن الترجمة اللاتينية التي صار لها رواج في اللغات الأوربية هي ترجمة دير كلوني. إذ إن سقوط القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية عام 1453م رافقه نشوء الدول القومية في غرب أوربا مثل إسبانيا وفرنسا والبرتغال التي شجعت
التدوين باللغات الوطنية، واعتمدت في ذلك على ما قد دون أو ترجم عن الإسلام إلى اللاتينية. وقد ترجمت نسخة كلوني إلى اللغات الإيطالية
والألمانية والهولندية والفرنسية والإنكليزية والروسية([24]).

والمهم أن نعلم أن حركة ترجمة القرآن الكريم من قبل المستشرقين عرفت مدارس متخصصة عنيت بالموضوع أشهرها وأهمها: المدرسة الإسبانية والمدرسة الألمانية والمدرسة الإنجليزية.

المطلب الأول: عناية المدرسة الاستشراقية الإسبانية بترجمة القرآن الكريم:
لم يحظ الاستشراق الإسباني بدراسة كافية بالرغم من أهميته البالغة ؛ إذ هو الأصل والأساس لجميع المدارس الاستشراقية الأوربية الأخرى([25])، بل
يعد الاستشراق الترجمي في أوروبا عامة عالة على المدرسة الإسبانية.

لقد أدى استيلاء ألفونسو السادس على طليطلة سنة: 1085ه‍ إلى أن يسعى النصارى إلى تحقيق هدفين متكاملين([26]):

أولهما - تصحيح نصرانية المستعربين بالأندلس وتهذيبها من الفساد الذي اكتسبته من جراء التقائها بالإسلام - حسب زعمهم -.

وثانيهما - معرفة هذا الدين لتيسير إمكان مواجهته ونفيه، وإقامة سد منيع بينه وبين إفساد النصرانية من جديد.

انطلقت هذه العملية من دير كلوني بوصفها توبة وتكفيراً حربياً عن الغضب الإلهي الذي تمثل في انتشار الإسلام وتوسعه. اقتضت إدارة هذه الحرب وضمان استمرارها، أن انتقل النصارى من تعرف الإسلام إلى تنظيم معرفته وتعميقها عبر ترجمة معانيه مصدرها القرآن الكريم.

وبهذا كانت الأندلس (إسبانيا) منطلق بداية المحاولات الأولى لترجمة القرآن الكريم في أوروبا([27]).

1 – أنجزت الترجمة الأولى مطلع القرن الثاني عشر الميلادي سنة 1130م بأمر وتوجيه من رئيس رهبان دير كلوني بطرس الموقر ولقد تولى مهمة الترجمة روبرت القطوني وتتميز هذه الترجمة بأمور:

· أنها أول ترجمة استشراقية للقرآن الكريم على الإطلاق([28])

· أن المترجم أدرج في مقدمة ترجمته هذه مقالة عبد المسيح الكندي([29]).

· أن هذه الترجمة لم تتقبل قبولاً حسناً لرداءتها ولأنها وجهت بالأساس إلى الناطقين باللاتينية خاصة.

ثم تبعتها ترجمات أخرى:

2- ترجمة أخرى تولتها جماعة دير كلوني سنة 1143م([30])

تتميز بأنها كتبت بأسلوب أكثر قبولاً من سابقتها

ولقد رافقت هاتين الترجمتين – على فترات متقاربة ومتتالية – ترجمات أخرى للقرآن الكريم، وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر اللذين يمثلان أهم مراحل الاستشراق الإسباني ظهرت عدة ترجمات منها:

3- ترجمة القرآن إلى اللغة القشتالية بدلاً من اللاتينية وتعد الأولى من نوعها وذلك بأمر من الملك ألفونسو العاشر.

4- ترجمة (الشماس ماركوس دي طوليدو) للقرآن الكريم ولعقيدة المهدي بن تومرت بأمر رئيس الأسقفية وإشرافه: (رودريغو خيمينث دي رادا)

5- ترجمة مطران كنيسة سقوفيا جون السقوفي من العربية إلى الإسبانية ثم إلى اللاتينية "وأشرك معه في هذه المهمة فقيهاً حاذقاً اسمه عيسى ابن جابر السقوفي، - وذلك قبل أربعين عاماً من غزو غرناطة وسقوطها سنة 1492م - وقد تفرغ الاثنان سنة 1455م في صومعة في مدينة سافوي لهذه المهمة مدة أربعة أشهر، في الشهر الأول قام الفقيه عيسى بن جابر بنسخ القرآن الكريم على قطع من الورق العريض تاركاً حواشي كبيرة للترجمة. وفي الشهر الثاني قام بترتيب حلقات التجليد لكل القرآن. وفي الشهر الثالث بدأ بكتابة الترجمة الإسبانية على الصفحة المقابلة للنص القرآني. وفي الشهر الرابع قام كل من جون السقوفي وعيسى بن جابر السقوفي بمراجعة الترجمة الإسبانية للتأكد من صحتها. وبعدئذ قام جون السقوفي بنقل الترجمة الإسبانية إلى اللغة اللاتينية " ([31])، ثم تتابعت الترجمات بعد ذلك.

المطلب الثاني: عناية المدرسة الاستشراقية الألمانية بترجمة القرآن الكريم
عرف الاستشراق الألماني واشتهر باهتمامه بالقرآن والدراسات القرآنية على وجه العموم، فمعلوم أنه في عام 1856م قدم المستشرق الألماني (تيودور نولدكه) لجامعة جوتنجن أطروحته لنيل الدكتوراه عن تركيب سور القرآن بعنوان: "تاريخ القرآن" وحاز بها جائزة أكاديمية الآداب في باريس في العام نفسه ثم نشرها في عام 1860م وكان لهذه الدراسة من الأهمية والتأثير: أنها مهدت لدراسة القرآن في أوروبا([32]).

أما ما يتعلق بالترجمة: فإن أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية قام بها (سولومون شفايجر) الواعظ بكنيسة فراون في نورمبرج ونشرها تحت عنوان: "القرآن المحمدي" ظهرت في ثلاثة مجلدات اعتباراً من عام 1616م، وأهم ما يلاحظ على ترجمته:

· كونها ترجمة فرعية لم يتعد صاحبها فيها النقل من اللغة العربية مباشرة.

· التحريف المتعمد، فيه ترجمة تكشف عن سوء فهم كامل كما يبدو من العنوان.

· تمتلئ بالاختلافات والتصرف في معاني الآيات "وربما يرجع ذلك إلى انطلاقها من الاعتقاد الذي كان منتشراً في الغرب لقرون مضت ومؤداه: أن الإسلام فرقة مسيحية منشقة"([33]).

· كانت المنبع الرئيس للترجمات الألمانية التي ظهرت حتى أواخر القرن الثامن عشر.

وقد ترجمت إلى الهولندية عام 1641م

ثم قام (فريدرش ماجر لاين) بنشر ترجمة للقرآن الكريم بعنوان "الإنجيل التركي" وذلك عام: 1770م اعتمد فيها النقل من العربية مباشرة، وهو بذلك يكون قد فتح الباب لمرحلة جديدة تم خلالها الترجمة من العربية مباشرة، فنجد مثلاً في السنة نفسها 1770م المستشرق (فريدريش البرهاد) أعد ترجمة أخرى من العربية مباشرة تحت عنوان "القرآن" أو "قانون المسلمين" ثم تبعته سلسلة من الترجمات كانت في أغلبها مختارات لا ترقى للترجمة الكاملة.

وفي القرن التاسع عشر ظهرت ترجمات عديدة من أشهرها:

ترجمة (سامويل فريدريش جينز)

ترجمة أولمان وهي ترجمة حرفية

بجانب ترجمات لبعض السور قام بها:

(فريدريش ريكارت) عام 1824م

و(داومر) عام 1848م

و(شبربلجر) عام 1861م

و(بلومان) عام 1876م

وقد شهد القرن العشرين أكثر من ترجمة جديدة وكاملة عن العربية مباشرة منها:

ترجمة (تيودور ينجول) عام 1901م

وترجمة (هاكس هينتج) عام 1901م أيضاً

وترجمة (رودى باريت) التي نشرها عام 1996م ثم ألحقها بتعليق وفهرس عام 1971م


المطلب الثالث: عناية المدرسـة الاستشـراقية الإنجليزية بترجمة القرآن الكريم

كانت البداية الأولى لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، وإليك أشهر المحاولات:

ترجمة ألكسندر روس عام 1688م إذ نقل عمل المستشرق الفرنسي (أندرودي راير) من الفرنسية إلى الإنجليزية ، وعدَّ عمله هذا أول نسخة إنجليزية مترجمة للقرآن الكريم.

وتوالت الترجمات الإنجليزية التي استند الكثير منها على ترجمة لاتينية قام بها الأب (لا دوفيك ماراكس) عام 1668م وكان كاهناً وتعلم العربية
على يد أحد الأتراك!

وفي القرن الثامن عشر ظهر المستشرق (جورج سيل) الذي ترجم القرآن الكريم إلى الإنجليزية عام 1734م وتعد ترجمته هذه أشهر الترجمات باللغة الإنجليزية للقرآن الكريم على الإطلاق، كما يعد صاحبها شيخ المترجمين الإنجليز في هذه المرحلة:

ثم وجدت محاولات عديدة جلها اعتمد على ترجمة (سيل) منها:

- ترجمة (رودويل) في عام 1861م

- ترجمة (بالمر) في عام 1880م

- ترجمة (بل) في عام 1939م

- ترجمة داود في عام 1976م

- ترجمة (البروفسور أوبري) نشرت عام 1955م.


المبحث الثاني: في بيان خطرها على القرآن الكريم

تكاد الدراسات التي اهتمت بأسباب بداية نشأة الاستشراق تُجْمِع
على أن مجمل هذه الأسباب يمكن أن تؤول إلى:

· اضطرار الغرب النصراني في القرون الوسطى إلى معرفة الإسلام للإحاطة بعوامل قوته الدافعة بأبنائه إلى الانتشار في العالم المعروف آنذاك، وذلك بقصد الرد على عليه ومواجهته، والحيلولة بينه وبين أن يستهوي نفوس النصارى أو إعجابهم.

· تمكين النصرانية من تحقيق رغباتها في القوة والانتشار

· التقاء النصرانية بالإسلام في الأندلس

· الحروب الصليبية

· حملات التبشير النصرانية

· تأثير الفكر الإسلامي الرشدي في الفكر النصراني الوسيط في أوروبا

فالتقاء الإسلام والنصرانية في الأندلس استلزم نشوب صراع على الأرض وعلى قضايا الإنسان بينهما اتخذ أشكالاً متعددة ومختلفة، ومن ضمنها شكل الحروب التي استرسلت بينهما، وبخاصة بعد استيلاء ألفونسو السادس على طليطلة سنة 1085م.





المطلب الأول: لماذا ترجم المستشرقون القرآن الكريم؟
سلك المستشرقون طرائق ومناهج في دراسة القرآن الكريم تختلف عن تلكم المتبعة في قضايا وعلوم إسلامية أخرى "لقد بات من المعروف أن كل
ما تعلق بالقرآن في دراسات القوم لا يمكن الاعتداد به ألبتة، لأنه لا محالة محطم للمسلَّمات التي يجزم بها المسلمون، ومشكك في الأسس التي يؤمنون بها وأصبح في حكم اليقين: أن عالم المشرقيات عندما يتأهب لدراسة القرآن الكريم يضع نصب عينيه دعوى بشرية القرآن، محتملاً أن يكون مصدره من كل جهة إلا من السماء، وبالتالي وبناء على هذا الاعتقاد الذي يصبح عند الرجل مسلَّمة بدهية تأتي كل أبحاثه وجميع دراساته قد استوت على أساس غير صحيح، وانحرفت عن المنهج الصائب الذي يفرض نوعاً من التعاطف أو على الأقل نوعاً من الاحترام النسبي للمصدر الغيبي الذي ينبني عليه الوحي القرآني"([34]).

لم يكن غرضهم من ترجمته: الاطلاع عليه أو الاستفادة منه، وإنما كان هدفهم محاربته بعد الوقوف على مضمونه، وإثارة الشبهات والتشكيك حوله، وكانت تلك المحاولة هي البوادر الأولى للاستشراق، الأمر الذي يؤكد لنا أن الاستشراق في محاولته الفكرية لفهم الإسلام كان دافعه الأصيل: العمل من أجل التنديد والاستخفاف بالمقومات الثقافية. "فقد بينت الدراسات المحققة في الموضوع أن القرآن ترجمه المستشرقون ليحاربوه، وكانت عملية الترجمة تسودها المعاداة المطلقة للإسلام"([35]).

وانطلقوا من فكرة ترجمة القرآن الكريم صراحةً لدحض المبادئ الإسلامية وتفنيدها.. ولنا على ذلك مثل في الترجمة الإسبانية التي وضعها موكيوندو أي أو كراتوندو وعنوانها هكذا بكل صراحة: القرآن مترجماً بأمانة إلى الإسبانية ومعلقاً عليه ومدحضاً طبقاً للعقيدة والتعاليم المقدسة والأخلاق الكاملة للدين الكاثوليكي المقدس الرسولي الروماني"([36]).







المطلب الثاني: ما سوَّغوا به جهودهم
لقد تضافرت جهودهم فيما بينها لتحقيق هدف واحد، ألا وهو: تشويه القرآن بطرق شتى، وباسم المناهج العلمية، والأمانة الأخلاقية، والمنظورات المذهبية والعقدية، شارك في هذا المجهود: المفكر المثقف والراهب والقسيس، ورجل الدين المبجل، والسياسي الاستعماري المحنك، وقبل البدء وضعوا بين يدي هذا المشروع – مشروع تشويه القرآن – مسوغات متعددة الأشكال والألوان، من بينها:

· زعمهم: أن القرآن عقبة في وجه التقدم، وأنه لا يتماشى مع طبيعة العمران البشري. يقول اللورد كرومر في كتابه "مصر الحديثة": "إن القرآن هو المسؤول عن تأخر مصر في مضمار الحضارة الحديثة" وقال أيضاً "لن يفلح الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن"([37]).

· زعمهم: أن القرآن يقف حاجزاً أمام المد الفكري والثقافي للغرب، ومن الذين أطلقوا هذا التسويغ المستشرق الفرنسي (ريجيس بلاشير) قال: "قلما وجدنا بين الكتب المشرقية كتاباً بلبل بقراءته دأبنا الفكري أكثر مما فعله القرآن([38])"

· زعمهم: أن القرآن يحول دون إخضاع المسلمين تحت أقدام الغرب أعلنه (جلادستون) أمام مجلس اللوردات البريطاني حيث أمسك المصحف بيده وقال: "ما دام هذا الكتاب على الأرض، فلا سبيل لنا إلى إخضاع المسلمين"([39]).





المطلب الثالث: تباين اتجاهاتهم
لقد عرف الاستشراق الترجمي في تاريخه اتجاهين متفاوتين في الخطورة والعداء([40]):

1.اتجاه قديم، وهو الاتجاه العدائي الصرف الذي كان سائداً قبل مطلع هذا القرن، ويتميز بأمور منها:

· كانت أبحاث المستشرقين القرآنية يطبعها منهج عدواني سافر، يوجه من خلاله الشتم والسب والتجديف في حق القرآن الكريم والنبي الكريم.

· كانوا يدرسون في هذا العهد القرآن على أساس أنه هرطقة ومجموعة من التخيلات والتصورات جاء بها نبي مزيف.

· لم يكن من هدفهم البحث العلمي الحر، وإنما درسوه من أجل نقده فقط فهم: "يعتقدون أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي ألف القرآن، ولإثبات اعتقادهم هذا حاولوا اكتشاف أية أخطاء في القرآن – بحسب زعمهم – كما حاولوا إثبات أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يعرف القراءة والكتابة، وأنه قرأ التوراة والإنجيل والمزامير، واستفاد منها في تأليف القرآن"([41]).

2. الاتجاه الجديد المعاصر بدأ من أول هذا القرن، حيث يرجع الباحثون والدارسون تأسيسه إلى المستشرق الألماني (تيودور نولدكه) ت:1931م والمعروف بلقب شيخ المستشرقين في الدراسات القرآنية " فلقد اتبع طريقة في التأليف استرعت انتباه زملائه المتخصصين.. في سائر معاقل الاستشراق في أوروبا وأميركا، إذ حرص على إبراز سائر وجهات النظر الثابتة في مسألة من مسائل علوم القرآن الكريم، معتمداً في ذلك على استقصاء مختلف الآراء من مصادر عربية وأجنبية شهيرة ومغمورة، مخطوطة ومطبوعة على حد سواء، كما أنه اتبع في عملية الاستقصاء والاستقراء ثم الاستدلال منهجاً أكاديمياً صارماً: لم يكن معهوداً فيما قبل".



من أهم مميزات هذا الاتجاه
· الرجوع مباشرة إلى المصنفات العربية اللصيقة بمجال القرآنيات.

· المنهج الصارم في الدراسة والتحليل.

· الاهتمام بالدراسات اللغوية.

والحق أن المستشرق الذي يدرس القرآن ولا يؤمن بكونه من عند الله مهما حاول التجرد من الهوى والتزام شيء من الموضوعية والحياد، فإنه واقع لا محالة في أخطاء فظيعة ونظريات واهية([42]).


الفصل الثاني:

جهود المستشرقين في ترجمة القرآن الكريم في الميزان


المبحث الأول في الكشف عن دوافعهم

المبحث الثاني: روافدهم وعيوب منهجهم في الترجمة وأخطاؤهم فيها


المبحث الأول: في الكشف عن دوافعهم
لا شك أن الباحث يجد صعوبة في استبيان طرائق المعالجة وآليات المنهج الموظف والمطروق عند المشترقين، وكذا تنوُّع مداخل وطرق البحث المطبقة عندهم، ولهذا فإن المرء يحتاج بالتأكيد إلى كثير من التنقيب والبحث لمتابعة المستشرقين في عملهم خطوة بعد خطوة، من أجل الوقوف على خطورة دوافعهم.

المطلب الأول: دوافعهم:
إن دوافع المستشرقين في ترجمة معاني القرآن الكريم تكاد تنحصر في أمرين اثنين:

أولهما – خدمة مصالحهم، وتحقيق مقاصدهم المتمثلة في تشكيل المسلمين في دينهم، تمهيداً لاحتوائهم والقضاء على ثقافتهم، ثم إخضاعهم سياسياً وثقافياً واقتصادياً.

ثانيهما – استثمار الترجمات لشن المزيد من الغارات والهجمات الشرسة على الإسلام.

فلا ينبغي أن ننخدع بما قد يظهره بعض المستشرقين من تعاطف بالغ مع قضايا الإسلام ومن ذلك: استشهادهم بنصوص قرآنية مسندين إياها إلى الله تعالى، فالأمر لا يعدو أن يكون مظهراً جمالياً وحضارياً يسعى من ورائه المستشرق إلى التقرب إلى المسلمين وكسب مودتهم([43]).

إن الازدواج والتناقض سمتان رئيستان عند متعصبي المستشرقين، فالواحد منهم يجد نفسه أحياناً مضطراً إلى مدح الإسلام حتى ينجو بنفسه من سوء العقاب، وأحياناً أخرى يهرب هؤلاء المستشرقون المتعصبون من التخصصات التي تنكشف فيها بسهولة أحقادهم وسمومهم، مثل العقيدة والتفسير بل وجميع الدراسات الإسلامية، فيتوجهون إلى دراسة الأدب ويتخذونه قناعاً يخفون وراءه وجههم القبيح. وهو ازدواج ظاهري فحسب إذ إن الموقف الأساسي هو واحد، لا ازدواج فيه، ولا تناقض.

ومن أمثلة هذه الازدواجية الظاهرية في سلوك المستشرقين: ما عرف من سلوك المستشرق الألماني يوسف فان إس فهو شديد التحامل على الإسلام، يشن هجمات شرسة عليه عندما يكون في قلعته الحصينة في جامعة تيبينغن، ولكن عندما تضطره الظروف للسفر إلى دولة إسلامية، تجده يلبس قناعاً ملوناً عجيباً يخفي وراءه كل هذه الأحقاد، فلا يتحدث عن الإسلام إلا بالمدح والإطراء([44]).

المطلب الثاني: الشواهد على ذلك من كلامهم
لقد أعلنوا عن دوافعهم هذه وصرح بها بعضهم، والشواهد على ذلك كثيرة نذكر منها:

1- ما صرح به المترجمون أنفسهم، من ذلك:

- صنيع المترجم جورج سيل (1697 – 1736م) الذي ترجم معاني القرآن إلى الإنجليزية – وقد نجح في ترجمته هذه فأعيد طبعها مراراً ووضع لها حواشي ومقدمة مسهبة هي في الحقيقة بمنزلة مقالة إضافية عن الدين الإسلامي عامة، حشاها بالإفك واللغو والتجريح، مما قاله: "أما أن محمداً كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيس له فأمر لا يقبل الجدل، وإن كان من المرجح أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لم تكن معاونة يسيرة"([45])

- ما بينه المستشرق الكبير (ريجيس بلاشير) في مقدمة كتابه عن القرآن كيف أن ترجمة القرآن الكريم كانت بدافع الحقد الصليبي المعادي للإسلام وليست لهدف علمي كما يدعي بعضهم. يقول: "من المرجح أن بطرس الموقر – الذي رحل إلى إسبانيا بين 1141م و1143م – هو الذي فكر بتأثير من روما ومن البابا في ترجمة القرآن إلى اللاتينية فأوعز بذلك إلى (روبيرت الكيتوني) Rodestus detenesis الذي تولى عمل الترجمة بمساعدة بعض الرهبان، وقد جاءت هذه المبادرة بدافع من روح طبيعية، تدل على ذلك رسالة بطرس الموقر الموجهة إلى القديس برنار مع نسخة من الترجمة المنجزة، كما كان الداعي إلى هذا العمل: الحاجة إلى محو أثر الإيمان من نفوس معتنقي الإيمان"([46]).

2- شهادة المنصفين منهم، ولنأخذ على ذلك بعض الأمثلة:

- يقول الأب (روبير كاسبار): "إن الغرب لم يفهم الإسلام على حقيقته أبداً، بل ولم يحاول ذلك مطلقاً.. وحتى خيرة المسيحيين القلائل الذين كانوا يعيشون علىمقربة من الإسلام من أمثال يوحنا الدمشقي، وتيودر أبي قرة، أو بولس الصيدوني، فلم يتمكنوا من إدراك جوهر الإسلام وعظمته، وهي: التصعيد إلى الله الواحد الأحد. ولعل ذلك يرجع أساساً إلى أن الغرب المسيحي اكتفى قروناً طويلة بتلطيخ الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وسلم) بأسخف الأقوال من دون أن يكلف نفسه عناء دراسة هذه العقيدة. فأول ترجمة للقرآن لم تظهر سوى في القرن الثاني عشر أي بعد خمسة قرون من ظهور الإسلام، وتمت بناء على مبادرة من بطرس المبجل، وتحت إشراف أسقف دير كلوني ولا بد لنا من إضافة أن هذه الترجمة وكل الترجمات التي تلتها لم تكن لها أي هدف آخر سوى أن تكون الأساس لتوجيه المزيد من الإدانات ضد القرآن، تلك الإدانات التي امتدت سلسلتها على مدى قرون تتناثر عليها بعض أشهر الأسماء"([47]).

- ويقول المفكر الألماني (هوبرت هيركومر) – وهو يحكي قصة أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن الكريم -: "يبدوا أن الصليبيين جنوداً وضباطاً – رفضوا الاعتراف بحقيقة انهم يواجهون إحدى ديانات التوحيد القريبة جداً من دياناتهم، في شهادتها المقرة بالله الواحد الأحد، والصلوات اليومية والصيام، والزكاة، كانت معرفة الصليبيين بالقرآن محدودة جداً. صحيح أن أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن ظهرت سنة 1143م بقلم (روبرت الكيتوني)، ولكن الأوروبيين كانوا يتطلعون إلى توظيف ترجمة معاني القرآن للطعن في الإسلام.

كان هذا الإنجليزي (روبرت الكيتوني) المستقر في مدينة طليطلة بإسبانيا يترجم تراث المسلمين في علمي الهندسة والفلك من العربية إلى اللاتينية، وأنجز هذا المشروع بتكليف من بطرس المبجل رئيس دير
مدينة كلوني (1092 أو 1094 – 1156م) واشترك في هذا المشروع مسلم اسمه محمد.

ولا شك في أن هذه الترجمة الدقيقة لمعاني القرآن بينت للغرب اللاتيني أيضاً أوجه التشابه بين القرآن والأناجيل، ولنتذكر فقط التبجيل العميق لسيدنا إبراهيم وسيدنا عيسى ومريم البتول في كل من المسيحية والإسلام، ومع ذلك لم يفكر أحد في ذلك الوقت في التوصل إلى حد أدنى من الاتفاق والتفاهم بين المسلمين والمسيحيين على أساس كتابيهما السماويين، ولم تغتنم الفرصة المتاحة مع توافر أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللاتينية للتوصل إلى فهم أعمق وأدق للإسلام، وبدلاً من استخدامها وسيلة للتفاهم استغلت ترجمة (روبرت الكيتوني) اللاتينية لمعاني القرآن كمجرد ينبوع محبب للطعن في الإسلام على مدى قرون طويلة، وحتى بداية العصر الحديث لم يتغير من ذلك شيء، فعندما قام السويسري البازلي (يوحنا أوبورين) سنة 1542م بطبع هذه الترجمة اللاتينية سارعت بلدية مدينة بازل بخطر نشرها، ولم تسحب حظرها إلا بعد التدخل المكثف لمارتن لوثر مؤسس الكنيسة البروتستانتية الإصلاحية، بيد أن حجة لوثر في ذلك كما صاغها هو بنفسه، كانت كما يلي: "لقد استيقنت انه لا يمكن عمل شيء أكثر إزعاجاً لمحمد أو الأتراك، ولا أشد ضرراً – أشد من جميع أنواع السلاح – من ترجمة قرآنهم ونشره بين المسيحيين، عندئذ سيتضح لهم أي كتاب بغيض وفظيع وملعون هذا القرآن.. مليء بالأكاذيب والخرافات والفظائع".

إن لوثر البروتستانتي – الذي حاول توجيه إهانةٍ لنبي الإسلام بلا أدنى حياء أو تأنيب للضمير - كان ينظر إلى قرآن مترجم إلى اللاتينية في عصر الحروب مع الدولة العثمانية على أنه وسيلة مثالية لتسليح القلوب اليائسة للمسيحيين ورفع روحهم المعنوية، حيث أعلن قائلاً: "بعد ظهور الأتراك على حقيقتهم، أرى أن القساوسة عليهم أن يخطبوا الآن أمام الشعب عن فظائع محمد حتى يزداد المسيحيون عداوةً لـه، وأيضاً إيمانهم بالمسيحية، ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم في الحرب، ويضحوا بأموالهم وأنفسهم". من شأن موعظة كهذه أن يكون أثرها النفسي في المسيحي أشد من طبول الحرب وأبواقها، بل إنها ستمنحه قلب أسد حقيقي في ساحة القتال"([48]).

المطلب الثالث: اتحاد رؤيتهم
يختلف المستشرقون، وتتباين أساليبهم وطرائقهم التي اعتمدوها في
الترجمة ولكن رؤيتهم تكاد تظل رؤية مقيدة ومتحدة، حتى لقد قال (ماكسيم ردونسون) منتقداً هذه الرؤية: "لقد أصبح النظر في عدم أصالة الإسلام واعتمـاده على الأديـان السابقـة ديـدناvogue بيـن عموم المستشرقين"([49]).

من أجل ذلك فقد اعتمدوا منهجاً في الترجمة لا صلة لـه بالعلم
والبحث، يتسم بالقصور والخلل في المنهج، وهذه بعض معالمه نذكرها إجمالاً:

· إخضاع النصوص للفكرة التي يفرضونها حسب أهوائهم.

· التحكم فيما يفرضونه أو يقبلونه من النصوص.

· تحريف النص تحريفاً مقصوداً.

· تأويل معنى النص حين لا يجدون مجالاً للتحريف.

· حرصهم على تجاوز كل ما من شأنه أن يثبت أن القرآن كلام الله.

· تصيد النصوص الملائمة والموافقة لهواهم.

· الخلط بين شيء قليل مما هو مبثوث في المصادر وما كانت تمليه تخيلات وتكهنات المستشرقين.

ثم إنهم يسلكون في سبيل التأثير والإقناع مسالك خبيثة، حيث
"يعدون محاور التحريف ونقاط التشويه والإدانة، ثم يبنون عليها ترجماتهم حتى تأتي دليلاً على ما سبق وأعدوه من مخطط مغرض؟!"([50]) كما أنهم يمهدون لعملهم هذا بكتابة دراسات ومقدمات لا تحصى عن القرآن
– نشرت قبل الترجمة – وهي غالباً ما تتضمن التشهير بالإسلام والنبي صلى الله عليه سلم، لكي يترسخ في ذهن القارئ الغربي بالدرجة الأولى زيف الإسلام وكراهيته([51]).

"لقد اعتمدوا على آلية التمركز عل الذات والتمحور حولها، ذلك
هو ما يفسر تشويه ترجمات القرآن وتحريفها، وتجدر الملاحظة إلى أن هذا التشويه وذاك التحريف لا يرجعان إلى رغبة النصارى فيهما فقط، بقدر ما يؤولان إلى اعتماد هؤلاء لهذه الآلية، ولمنهجية التأثير والتأثر وتعقبهما، وهي ذات المنهجية التي ما فتئت تخضع لها بعض الإنتاجات الاستشراقية لحد الآن.. وهذا ما يفسر لنا تحاشي الترجمات اللاتينية للقرآن لكل المفردات التي تحيل فيه على معاني الإسلام والتسليم والمسلمين، وإسقاطها وتعويضها بمفردات ومعاني الإسماعيلية والمحمديين. وذلك هو ما يفسر قلق النصارى تجاه هذا الكتاب عندما ذكر بعض القصص التي وردت في كتبهم بصورة لا تتفق مع ما يعهدون فيها. كما يفسر حيرتهم عندما دعا إلى الإيمان بما جاء به عيسى ضمن الإيمان بما أتى به جميع الرسل والأنبياء، منكراً عليهم التثليث والصب والحلول والذنب الأصلي إلخ"([52])


المبحث الثاني: روافدهم وعيوب منهجهم في الترجمة وأخطاؤهم فيها

إن موقف المستشرقين من القرآن الكريم لا يمثل شيئاً جديداً بالنسبة للباحث المتخصص، فهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئاً أكثر من ترديد كلام خصوم الإسلام الأولين وأعدائه في كل وقت وحين.

المطلب الأول: روافدهم:
إن المتتبع لما كتبوه في هذا الخصوص يرى أن أهم الروافد والمناهل التي استمدوا منها فكرهم وتصورهم وموقفهم المعلوم، تتمثل في ثلاثة أشياء، نبينها إجمالاً فيما يأتي:

أولاً: الإسرائيليات:

لقد احتضنت الصهيونية بدايات الاستشراق، وهي في الوقت نفسه إحدى روافده الأصيلة التي تمده بتصوراتها وأفكارها، كما أنها رافقت جميع مراحل ترجمات القرآن الكريم وأطوارها العديدة.

يقول الباحث السويسري (أرنولد هوتينغر): "إن اليهود كانوا وما زالوا أكثر الناس اهتماماً بالعالم العربي"([53]).

وهذا ما يفسر لنا الكثرة الملحوظة لعدد اليهود بين المستشرقين، بل ومن أقطابهم وأكثرهم حقداً وعداءً للإسلام من أمثال: (غولتسيهر) و(باول كراوس) و(غرونباوم) و(برناد لويس) و(يوسف فان إس) الذين عرفوا بالتحامل الشديد على الإسلام، والتشكيك في أصوله، ومحاولة إثبات أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت بشيء جديد، بل سرق كل شيء من اليهود والنصارى.

إن تغلغل الإسرائيليات وانتشارها في التراث الإسلامي عامة، وفي كتب تفسير القرآن خاصة، له أثر سيئ.

لقد عكفوا على دراسة المصادر الإسلامية في خطة ترمي إلى تشويه الإسلام وإثارة الشكوك حوله من كل جانب. "كانت مهمتهم في مرحلة التحضير: تحريك الإسرائيليات إلى موضع جديد، ينقلونها من حواشي كتب التفسير وأشتات التراث البعيدة عن التناول العام، والمرسلة من غير توثيق، فيروونها على وجه التدليس الخفي إلى نصوص من مصادر يهودية، تشد إليها وثاق القرآن والسنة والفقه.. انطلاقاً من مقولتهم الجريئة الفاحشة: الإسلام بضاعة إسرائيلية"([54]).

"كان وراء تيار الإسرائيليات أهداف لتدمير البنية العقلية والوجدانية للإنسان العربي، وبعث الشكوك والريب في التراث. حتى يعاني الفرد المسلم نوعاً من الانقسام الذاتي، هذا إلى أهداف أخرى جزئية تتضافر وتتآزر لتحقيق الأهداف الكلية العامة ضد الإسلام والمسلمين. من هذا مثلاً: محاولة التهوين من شأن الأنبياء في نطاق التهويد والحط من العقائد والقيم الخلقية بشكل عام"([55]).

ثانياً: الإلحاد:

ارتبطت الدراسات الاستشراقية منذ بدايتها بالكتابات الإلحادية في الإسلام فقد رفع الغرب منذ صراعه مع الإسلام شعاراً عاماً اتخذه أساساً وقاعدة لسياسته تجاه العالم الإسلامي. هذا الشعار هو: أن كل من يطعن في الإسلام من المسلمين أنفسهم فلا بد من تأييده بقوة، وتشجيعه بجميع السبل حتى يواصل هجومه على الإسلام. بحثوا عن أي نص إلحادي ينفعهم في شن المزيد من الغارات الشرسة على حضارة الإسلام واعتنوا بنشر كتب كبار الملاحدة أمثال:

ابن المقفع([56]): نشر المستشرق الألماني فان إيس مقاطع من معارضة ابن المقفع للقرآن الكريم في كتاب طبعته الجامعة الأمريكية في بيروت([57]).

والملحد أبو بكر بن زكريا الرازي: نشر بعض كفرياته المستشرق الصهيوني باول كرواس في القاهرة سنة 1936م تحت عنوان "رسائل فلسفية" ويعد باول أكبر باحث غربي اهتم بالميراث الإلحادي في
الإسلام ([58]).

والملحد الكبير ابن الراوندي: اهتم المستشرقون به واعتنوا بدراسة
مواطن كفره وشبهاته وأكاذيبه([59]).

ثالثاً: الأهواء:

لم يكن عمل المستشرقين في الترجمة قائماً على مبدأ العمل المتجرد والبحث العلمي النزيه والمنزه عن الأهواء. فقد التزموا حرية الترجمة بحيث تأتي موافقة لأهوائهم من حيث التصرف بالنصوص عن طريق التقديم والتأخير والإهمال والتحوير وغير ذلك، ومن مظاهر ذلك([60]):

- الخلط بين شيء قليل مما هو مبثوث في المصادر وبين ما تمليه تخيلاتهم وتكهناتهم.

- اندفعوا نحو الترجمة الكيفية لا الصحيحة والعلمية أو حتى النسبية إلى حد ما، إمعاناً منهم في التحريف والتضليل.

- واهتموا بنشر الترجمات التي تنطوي على الأضاليل والأخطاء الفنية والشطحات التي سداها الحقد والتعصب.

- واستعملوا لغة قديمة بائدة في الترجمة أصبحت مهجورة وغير مألوفة.

- ونشروا الترجمات تحت أسماء مستعارة، أو بأحرف فقط تدل على اسم المترجم (OBBJ) و(JBB) وذلك بغية عدم إظهار شخصيته الحقيقية.

ولقد سبقتهم تجارب متعددة من قبل أهل الأهواء، كلها تصرفت في
المعنى واستعملت وسائل تتماشى مع أهدافها وغاياتها في الوجود كانت محاولات للهدم، لكنها لم تستطع أن تؤثر في القرآن لا من قريب ولا من بعيد([61])



المطلب الثاني: عيوب منهجهم
قام المستشرقون بعديد من المحاولات لترجمة القرآن، ولكنها جميعها قاصرة ومشوهة ومعيبة، لاستحالة ذلك، ولعدم استيعاب القوم لمقومات اللغة العربية وأسرارها، فحرفوا النص وشوهوا مدلوله. ووقعوا في عيوب فادحة وأخطاء جسيمة.

أبرز عيوب منهجهم:

إن جل أبحاثهم وجميع دراساتهم قد استوت على أساس غير صحيح، وانحرفت عن المنهج الصائب، وإن كانوا يتفاوتون في التحريف والتلاعب بالنص القرآني إلا أن من القواسم المشتركة بينهم: عيوب المنهج وهي كثيرة نذكر هنا بعض ما وقفنا عليه خلال مطالعتنا لبعض الكتب المختصة([62]):

- الجهل بأسرار اللغة العربية.

- الجهل بالتورية القرآنية.

- الجهل بالمعاني الدقيقة للكلمات العربية.

- الانحراف بالنص عن قصده الحقيقي.

- الفهم المقتصر على جانب واحد من المعنى.

- الخلط بين الكلمات العربية المختلفة.

- المعرفة المحدودة بالعربية والمقترنة بالتلفيق الخيالي.

- الخلط بين العربية وكل من العبرية والسريانية.

- الخلط مع بعض المعتقدات اليهودية.

وهذا مما شهدوا به هم أنفسهم في انتقاد بعضهم بعضاً ومن أمثلته:

انتقاد شيخ المستشرقين الإنجليز بعض الترجمات منها:

ترجمة أندري ديرار الفرنسي واعتبرها ترجمة سيئة لا يعول عليها معللاً ذلك بأمور([63]):

- لوجود عيوب فادحة في الترجمة.

- لما فيها من الإسقاطات والإضافات.

- لكثرة أخطائها فلا تكاد تخلو صفحة منها من أخطاء.

وترجمة ألسكندر روس Agexander Ross التي تعد أول نسخة إنجليزية لترجمة معاني القرآن الكريم حيث نعتها بالسوء والرداءة([64]).

المطلب الثالث: الأخطاء وأسبابها
إن الأخطاء التي وقع فيها المستشرقون كثيرة جداً([65]) نكتفي بالإشارة
إلى نوعين يعدَّان من الأهمية والخطورة بمكان:

الأخطاء الدلالية واللغوية.

الأخطاء المتعلقة بالنص القرآني رسماً وضبطاً وأداءً.

أولاً: الأخطاء الدلالية واللغوية:

إن أكثرية المستشرقين الذين ترجموا القرآن الكريم لم يكونوا على علم باللغة العربية لغة القرآن، ومن ادعى ذلك كانت معرفته بها ضعيفة إلى أقصى حد. لقد أوقعهم جهلهم الفادح باللغة العربية في العديد من الأخطاء بل وكان عائقاً لهم عن الفهم، يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى في كتابه القيم "الوحي المحمدي" تحت عنوان: "الأسباب العائقة عن فهم الأجانب للقرآن:

Elles vous êtes le leur sont votre vêtement et vous

ثانياً – الأخطاء المتعلقة بالنص القرآني:

إن أخطاءهم فيما يرجع إلى جهلهم بأحكام القرآن وعلومه كثيرة جداً نذكر منها:

ما يتعلق بالقراءة:

-مثاله: كلمة حافّين في قوله تعالى: ]وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِحُوْنَ بِحَمْدِ رَبِهِم[(الزمر: 75) ترجمها (سافاري) (Savary) فقال (إنها تعني حفاة الأقدام، لأنه قرأها حافين بتخفيف الفاء، على أن المعنى الصحيح للآية – بتشديد الفاء – "إنك ترى الملائكة يطّوّفون حول العرش
معظمين مقدسين لربهم"([67]).

ما يرجع إلى الفواصل القرآنية التي يسمونها الجمل الأخيرة من الآيات: حيث نجدهم ينطلقون منها ويستندون إليها – مع جهلهم – في ادعاء:
أن لغة القرآن تشبه إلى حد بعيد لغة الشعر العربي القديم في إيقاعه
ووزنه وقافيته، يقول