يعود اهتمام المستشرقين بالقرآن الكريم لأنه الكتاب المقدس عند المسلمين فهو حسب تعريف العلماء المسلمين "كتاب الله المعجز المنزل على رسوله r، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته."[1] وقد حفظه الله عز وجل كما جاء في قوله تعالى)إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(ء[2] فإذا ما نجحوا - بزعمهم- في هذه الناحية كان النجاح في غيرها أكثر سهولة. وسنتناول اهتمام المستشرقين بالقرآن الكريم من عدة نواحي:



ترجمة معاني القرآن الكريم

ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم في القرن الثاني عشر، وقام بها عالم إنجليزي هو روبرت الكيتوني Robert of Ketton وساعده ألماني اسمه هرمانوس وراهب إسباني مجهول، وقد تضمنت الترجمة شروحات وتعليقات وردود وملاحظات، وكان القصد من الترجمة ليس معرفة ما يقوله القرآن الكريم بقدر ما كان القصد منها تفنيد مافيه بزعمهم والرد عليه وتنفير النصارى من الإسلام.[3]

وظهرت ترجمات أخرى إلى اللاتينية من بينها ترجمة الألماني جوستاف فلوجيل Gustav Flugel وهو الذي وضع أول معجم لألفاظ القرآن الكريم.[4] وتوالى ظهور ترجمات لمعاني القرآن باللغات الأوروبية المعاصرة، كالألمانية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية.



المستشرقون ومصادر القرآن الكريم

لا تكاد شبهات المستشرقين قديماً أو حديثاً تخرج كثيراً عن الشبهات التي أثارها كفار قريش سوى أن المستشرقين قدموا شبهاتهم بطريقة أكثر تفصيلاً، وصبغوها بالصبغة العلمية الأكاديمية، وانطلت هذه الشبهات على الأوروبيين، وغيرهم من الشعوب التي تخضع للفكر الأوروبي.

وأول مفترياتهم هي أن القرآن مستمد من المصادر اليهودية والنصرانية، ويستدلّون على ذلك بالقصص القرآني زاعمين أن الرسول r قد أخذها عن التوراة. ويمكن الرد على هذه الفرية من ثلاثة جوانب:

1- أن وحدة المصدر تجعل من الممكن وجود تشابه القصص القرآني مع القصص التوراتي.

2- إن المقارنة بين القصص القرآني والقصص في الكتب السابقة توضح مدى التحريف الذي تعرضت له الكتب السابقة، فهم يرمون القرآن بالأخذ منهم حتى يداروا ما بكتبهم من تحريف، فالقصص المذكورة في الكتب السابقة يطغى عليها الجانب المادي والصنعة البشرية التي تهتم ببعض التفاصيل والجزئيات التي لا تظهر في القصص القرآني، كما إن كتابة هذه القصص في الكتب السابقة تحوي صوراً فاحشة لا يليق أن يكون مثلها في الكتب المقدسة.

3- أن الرسول r كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يثبت له صلة باليهود أو النصارى في مكة قبل البعثة فكيف يتأتى له أن يأخذ منهم، فقد ورد في القرآن الكريم الرد على هذه المزاعم حين زعم كفار قريش أن الرسول r كان يعلمه غلام نصراني وهو قوله تعالى )وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ(ء.[5]

وزعموا أيضا أن الرسول r أخذ عن الأحناف، وقد كان هؤلاء بضعة نفر من العرب أدركوا ما عليه قومهم من ضلال وانحراف فبحثوا عن الهداية في اليهودية والنصرانية فلم يجدوا فيهما ما يشفي الغليل، وبذلك فقد اطلعوا على الكتب المقدسة لدى الديانتين، ويكون الرد على هذه الشبهات أن الأحناف لم يكونوا يملكون تصوراً واضحا في العقيدة ليدعوا قومهم إليه، كما أن الرسول r لم يحتك بهم لدرجة التتلمذ عليهم والأخذ منهم، ولو صح هذا لدى قريش لاتخذته ذريعة لعدم إتباعه ولما سكتوا عنه.[6]



الوحي

نالت مسألة الوحي اهتماما كبيرا من المستشرقين سواءً اليهود أو النصارى، وحاولوا بشتى الوسائل الطعن في الإسلام من خلال هذا الأمر بمحاولة تفسير الوحي الذي نزل على سيدنا محمد r بشتى التفسيرات المادية والعقلانية. والوحي من الأمور الاعتقادية التي لا تخضع لمناهج المستشرقين المتصفة بالمادية، ولا تعترف بالقضايا الغيبية، ولا نستطيع إثباتها عن طريق العقل والحواس وحدهما ولكن علينا الإيمان بها، ولذلك كان من أول صفات المؤمنين كما جاء في بداية سورة البقرة قوله تعالى)ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(ء[7]

ومن أبرز هذه الشبهات زعمهم أن الوحي يشبه الصرع الذي يصيب الإنسان، فكان النبي r حين يجيئه الوحي يصاب به فيعتريه احتقان فغطيط فغثيان كما جاء في كتاب جوستاف لوبون (حضارة العرب) فقد كتب مونتجمري وات يصف الرسول r بأنه كان من الذين يتمتعون بما سمّاه "الخيال الخلاق" وحاول الرجوع لعلم النفس لشرح هذا المصطلح بإرجاعه إلى اللاشعور أو الوعي الجمعي وغيره من المصطلحات الغامضة التي تبعده عن تفسير الوحي التفسير المعقول.

وللرد على هذه الافتراءات نذكر ما قاله محمد رشيد رضا بأن الذي يصاب بالصرع حقيقة يفقد وعيه فإذا أفاق لا يذكر من تلك الفترة شيئا،ولكن الوحي الذي كان يجيء نبينا محمداً r لا يذهب حتى يكون قد وعى وحفظ ما أوحي إليه به، ويضيف رشيد رضا بان المصاب بالصرع لا يمكن أن يأتي بدين ورسالة إلى العالم، ثم إن الوحي لم يكن دائما بالصورة التي تشبه الغيبوبة بل كان يأتي في الواقع كثيرا والرسول r في يقظة تامة، ويلخص ساسي الحاج هذه القضية بقوله "إن الصرع يعطل الإدراك الإنساني وينزل بالإنسان إلى مرتبة آلية يفقد أثناءها الشعور والحس، أما الوحي فهو سمو روحي اختص الله به أنبياءه ليلقي إليهم بحقائق الكون اليقينية العليا كي يبلغها للناس، وقد يصل العلم إلى إدراك بعض هذه الحقائق ومعرفة سننها وأسرارها بعد أجيال وقرون، وقد يظل بعضها لا يتناوله العلم، ومع ذلك فتبقى حقائق يقينية يهتدي بها المؤمنون الصادقون."[8]



نقد النص

ومن الموضوعات التي خاض فيها المستشرقون فيما يخص القرآن الكريم ما أطلقوا عليه نقد النص القرآني، وهذا الأمر ناتج عما أحدثه الغربيون بخصوص كتبهم المقدسة حيث أعملوا فيها نظريات نقد النص، وقد أدى هذا النقد إلى التشكيك في طريقة نقل هذه الكتب وروايتها، وكذلك في الحقائق التي وردت فيها، وإن كانت كتب النصارى واليهود قد تعرضت للتبديل والتحريف وأثبت نقد النص ذلك فهذا الأمر لا يمكن تطبيقه على القرآن الكريم لأنه في المقام الأول قد نقل إلينا بالتواتر القطعي الذي لم يتيسر لكتاب في العالم اهتمام ورعاية كما ناله القرآن الكريم.

ومع علمهم بفشل مثل هذه الممارسة مع القرآن الكريم إلا إنهم لم يتورعوا عن هذا العمل، وقد تأثر بعض المسلمين فظهر من يزعم أنه لابد من تطبيق نقد النص على القرآن الكريم ومن هؤلاء محمد أركون في الجامعات الفرنسية، وفضل الرحمن الذي كان يرأس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أمريكية، ونصر حامد أبو زيد في مصر الذي يعمل حالياً أستاذاً زائراً في جامعة ليدن بهولندا بعد أن صدر ضده حكم التفريق بينه وبين زوجه بسبب ما كتبه من تجديف وافتراء على القرآن.
- الحواشي :
[1] - الإتقان في علوم القرآن

[2] - سورة الحجر آية9

[3] - ساسي سالم الحاج .الظاهرة الاستشراقية.

[4] - عباس ارحيلة ."

[5] - سورة النحل آية 103

[6] - انظر عبد اللطيف طيباوي المستشرقون الناطقون باللغة الإنجليزية. ترجمة قاسم السامرائي .(الرياض: إدارة الثقافة بجامعة الإمام 1410)

[7] - سورة البقرة آية 2

[8] - الظاهرة الاستشراقية1/2 ص 360 عن محمد حسين هيكل ،حياة محمد ط5ص41