اللهم مزق ملكهم كل ممزق

هذه دعوة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم التى دمرت مملكة الفرس

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسوله إلى المجوس ، وكتب كتابا إلى كسرى ملك الفرس ، كما كتب إلى ملوك النصارى ، كما تقدم عن قيصر والمقوقس ، ولكن ملوك النصارى تأدبوا معه وخضعوا له ، فبقي ملكهم . وأما ملك الفرس فمزق كتابه ، فدعا [ ص: 316 ] عليهم فقال : اللهم مزق ملكهم كل ممزق
، فلم يبق لهم ملك .


قال ابن عباس : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بكتابه إلى كسرى ، فدفعه إلى عظيم البحرين ، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى ، فلما قرأه يعني كسرى مزقه ، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق .

وقال ابن إسحاق كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر ، فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه ، وأما قيصر لما قرأ الكتاب طواه ووضعه عنده ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما هؤلاء يعني كسرى فيمزقون ، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية .

قال ابن إسحاق : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 317 ] عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي إلى كسرى بن هرمز ملك الفرس ، وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فإني أدعوك بدعاية الله ، فإني رسول الله إلى الناس كافة ; لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ، فأسلم تسلم ، وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك .

فلما قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شققه ، وقال : يكتب إلي بهذا الكتاب وهو عبدي ؟

[ ص: 318 ] قلت : وسبب قول كسرى هذا استعلائه : أن الحبشة كانوا قد ملكوا اليمن ، وملكهم سار إلى مكة بالفيل ; ليخرب البيت ، وكانوا نصارى ، فأرسل الله عليهم من ناحية البحر طيرا أبابيل ، وهي جماعات في تفرقة تحمل حجارة من طين ، فألقتها على الحبشة النصارى فأهلكتهم ، وكان هذا آية عظيمة خضعت بها الأمم للبيت وجيران البيت .

وعلم العقلاء أن هذا لم يكن نصرا من الله لمشركي العرب ; فإن دين النصارى خير من دينهم ، وإنما كان نصرا للبيت وللأمة المسلمة التي تعظمه ، وللنبي المبعوث من البيت ، وكان ذلك عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله في ذلك : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول .

ثم إن سيف بن ذي يزن ذهب إلى كسرى ، وطلب منه جيشا [ ص: 319 ] يغزو به الحبشة ، فأرسل معه عسكرا من الفرس والمجوس ، فأخرجوا الحبشة من اليمن ، وصارت اليمن بيد العرب ، وبها نائب كسرى ، وسيف بن ذي يزن هذا ممن بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهوره ، وأخبر بذلك جده عبد المطلب لما وفد عليه .

فلما كانت اليمن مطيعة لكسرى ، لهذا أرسل إلى نائبه على اليمن أن يأتيه بالنبي صلى الله عليه وسلم ; لأن عسكر اليمن في العادة يقهر أهل مكة والمدينة .

قال ابن إسحاق : فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مزق الله ملكه حين بلغه أنه شقق كتابه .

ثم كتب كسرى إلى باذان - وهو على اليمن - أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز من عندك رجلين جلدين فليأتياني به ، قال : فبعث [ ص: 320 ] باذان قهرمانه ، وهو بابويه ، وقال غيره : فيروز الديلمي ، وكان حاسبا كاتبا ، وبعث معه برجل من الفرس ، وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى ، وقال لبابويه : ويلك ، انظر ما الرجل وكلمه وائتني بخبره .

قال : فخرجا حتى قدما إلى الطائف فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : هو بالمدينة واستبشروا يعني الكفار ، وقالوا : قد نصب له كسرى كفيتم الرجل ، فخرجا حتى قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه بابويه ، وقال : إن شاهنشاه ملك الملوك كسرى كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك ، وقد بعثني إليك فانطلق معي ، فإن فعلت كتب معك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكف عنك به ، وإن أبيت فهو من قد علمت وهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك .

وكانا قد دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما ، وأبقيا شواربهما فكره النظر إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال لهما : ويلكما من أمركما بهذا ؟ ، قالا : أمرنا بهذا ربنا - يعنيان كسرى - فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 321 ] لكن ربي عز وجل أمرني بإعفاء لحيتي وبقص شاربي ثم قال لهما ارجعا حتى تأتياني الغد .

قال : وجاء الخبر من السماء : أن الله عز وجل سلط على كسرى ابنه شيرويه ، فقتله في شهر كذا ، في ليلة كذا ، في ساعة كذا ، فلما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لهما : إن ربي قتل ربكما ليلة كذا ، في شهر كذا ، بعدما مضى من الليل كذا ، سلط عليه ابنه شيرويه فقتله ، فقالا له : هل تدري ما تقول ؟ إنا قد نقمنا منك ما هو أيسر من هذا فنكتب بهذا عنك ونخبر الملك به ؟ قال :نعم أخبراه ذلك عني ، وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى ، وينتهي إلى منتهى الخف والحافر ، وقولا له : إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء . وأعطى رفيقه منطقة من ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك ، فخرجا من عنده حتى قدما على باذان وأخبراه الخبر .

[ ص: 322 ] فقال : والله ما هذا بكلام ملك ، وإني لأرى الرجل نبيا كما يقول ، ولننظرن ما قد قال ، فلئن كان ما قد قال حقا ما بقي فيه كلام إنه لنبي مرسل ، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا ، فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه : أما بعد ، فإنني قد قتلت كسرى ولم أقتله إلا غضبا لفارس لما كان قد استحل قتل أشرافهم وتجهيزهم في بعوثهم ، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك ، وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب إليك فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه .

فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال : إن هذا الرجل لرسول الله ، وأسلم لله ، وأسلمت أبناء فارس من كان منهم باليمن .

[ ص: 323 ] وقال أبو معشر : حدثني المقبري قال : جاء فيروز الديلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن كسرى كتب إلى باذان : بلغني أن في أرضك رجلا تنبأ فاربطه وابعث به إلي ، فقال له [ ص: 324 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ربي غضب على ربك فقتله ، فدمه بنحره سخن الساعة فخرج من عنده فسمع الخبر فأسلم وحسن إسلامه ، وكان رجلا صالحا له في الإسلام آثار جميلة منها قتل الأسود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الأسود جبارا استدعى بأبي مسلم الخولاني ، فقال له : أتشهد أني رسول الله ؟ فقال أبو مسلم : ما أسمع . فقال له : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم . فردد ذلك عليه مرارا ، فأمر بنار عظيمة فأضرمت ، ثم أمر بإلقاء أبي مسلم فيها فلم تضره ، فأخمدها الله تعالى حين ألقي فيها ، فقيل له : أخرج هذا عنك من أرضك ; لئلا يفسد عليك أتباعك فأخرجه .

فقدم أبو مسلم المدينة ، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه [ ص: 325 ] وسلم ، واستخلف أبو بكر ، فأناخ راحلته بباب المسجد ، ثم دخل المسجد فقام يصلي إلى سارية ، فبصر به عمر ، فقام إليه فقال : ممن الرجل ؟ قال : من أهل اليمن . قال : ما فعل الذي حرقه الكذاب ؟ قال : ذلك عبد الله بن ثوب . قال : نشدتك بالله أنت هو ؟ قال : اللهم نعم . فاعتنقه ، ثم بكى ، ثم ذهب به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن .

[ ص: 326 ] ثم خرج فيروز الديلمي على الأسود العنسي فقتله ، وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وهو في مرض موته ، فخرج فأخبر أصحابه . وقال : قتل الأسود العنسي الليلة رجل صالح من قوم صالحين . وقصته مشهورة ، وكذلك قصة مسيلمة الكذاب ونحوهما من المتنبئين الكذابين .

موقع الإسلام سؤال وجواب