التسامح والإخاء من القيم العظيمة التي يدعو إليها الدين الإسلامي ، بين أبناء هذا الدين بعضهم البعض ، ومع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى ، والذي يعتمد على الكثير من القيم ، ومنها قبول الآخر مع الصفح ، والعفو ، والتعايش السلمي في إطار واحد بين البشر جميعاً .
فالإسلام دين عالمي يتجه برسالته إلي البشرية كلها ، تلك الرسالة التى تأمر بالعدل ، وتنهى عن الظلم ، وترسي دعائم السلام فى الأرض ، وتدعو إلى التعايش الإيجابي بين البشر جميعاً في جو من التسامح بين كل الناس بصرف النظر عن أجناسهم ، وألوانهم ، ومعتقداتهم ، فالجميع ينحرون من نفس واحدة (1 ) ، ومن ثم أردت في الكلمات التالية عرض بعض نماذج من أقوال الغرب حول الإسلام ، والتسامح الذي دعا إليه كشهادات لهذا الدين الذي جاء إلي البشرية جمعاء .
هذه الشهادات جاءت لتعبر عن الدين الإســــــــلامي المتسامح مع كل البشر ، والذي يقبل كل فئات المجتمع ، ويساعد على الائتلاف مع الآخرين ، وقبول الحوار مع الآخر بكل أشكال الحوار الممكن دون التعصب لغاية أو هدف معين ، فسمة الحوار فى الإسلام ، والذي قام عليه القرآن الكريم هو الإقناع ، هذه السمة التي ترتبط بكل ما يحيط بالإنسان المسلم من أفعال ، وأقوال ، حتي تطبيقه لقيم هذا الدين علي أرض الواقع .
فخير شاهد على التزام الإسلام والمسلمين بنشر ثقافة التسامح ، هي تلك الشهادات المتتابعة الواردة من الغرب ، والتي سجلها مؤرخو الشرق والغرب عن الإسلام ، و منها :
1ـ يقـــــــــول ول ديورانت : ” لقد كان أهل الذمة ، والمسيحيون ، والزرادشتيون ، واليهود ، والصابئون يستمتعون فى عهد بنى أمية بدرجة من التسامح ، لا نجد نظيرها فى المسيحية فى هذه الأيام ، فلقد كانوا أحراراً فى ممارسة شعائر دينهم ، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم ” (2 ).
2ـ يقول روبرتسن فى كتابه ( تاريخ شارلكن ) : ” إن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم ، وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى ، وإنهم مع امتشاقهم الحسام نشراً لدينهم ، تركوا من لم يرغبوا فيه أحراراً فى التمســــــك بتعـــــــــــاليمهم الدينيــــــــة “(3 ) .
3ـ يقول المؤرخ الإنجليزي السـير توماس آرنولد فى كتابه ( الدعوة إلى الإسلام ) : ” لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة ، واستمر هذا التسامح فى القرون المتعاقبة ، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التى اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار و إرادة حرة ، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون فى وقتنا هذا بين جماعات المسلمين تشاهد على هذا التسامح ” (4 ).
4ـ وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه : ” العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوة الدخول فى الإسلام ، فالمسيحيون والزرادشتية ، واليهود الذين كانوا قبل الإسلام أبشع أمثلة التعصب الديني ، وأفظعها ، سمح لهم جميعا دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائرهم دينهم ، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم ، وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذي ، أو ليس هذا منتهى التسامح ؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ؟ ومتى ؟(5 ) .
5ـ يقول المستشرق دوزي فى كتابه : ( نظرات فى تاريخ الإسلام ) قوله : ” إن التسامح ومعاملة المسلمين الطيبة لأهل الذمة أدى إلى إقبالهم على الإسلام ، وأنهم رأوا فيه اليسر ، والبساطة مما لم يألفوه فى دياناتهم السابقة “(6 ) .
6ـ يقول المستشرق غو ستاف : ” وما جهله المؤرخون من حلم العرب الفاتحين وتسامحهم كان من الأسباب السريعة فى اتساع فتوحاتهم وفى سهولة امتناع كثير من الأمم بدينهم ولغاتهم ، والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب ، ولا دينا سمحاً مثل الإسلام ” (7 ).
7ـ يقول المؤرخ ول ديورانت : ” وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التى كان ينتهجها المسلمون الأولون ، أو بسبب هذه الخطة اعتنق الدين الجديد معظم المسحيين وجميع الزرادشتيين والوثنيين إلا عددً قليلاً منهم ، واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب فى البلدان الممتدة من الصين وأندونسيا إلى مراكش والأندلس وتملك خيالهم وسيطر على أخلاقهم ، وصاغ حياتهم ، وببعث آمالا تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها “(8 ) .
ويتضح من الأقوال السابقة ما يلي :
1ـ تميز دين الإسلام بأنه دين اليسر ورفع الحرج والمشقة فلا عسر فيه ، ولا أغلال، وهذه الميزة للإسلام دون غيره من الديانات الأخرى .
2ـ شمل الإسلام بتسامحه ومسامحته المسلمين وغير المسلمين ، فتسامح مع الجميع فى الكثير من القضايا والأحكام ، ومحنهم كثيراً من الحقوق .
3ـ حرص الإسلام على دخول معظم الناس إليه ؛ وذلك للهداية وترغبيهم فيه بتسامحه وقبوله للآخر مهما كانت صفاته ، لإنقاذهم من الضلالة إلى النور ، ومن عذاب الله إلى رضوانه .
4ـ من أهم مبادئ الإسلام فى التسامح مع غير المسلمين تركهم على دياناتهم مقابل الجزية فالقاعدة تقول : ” لكم دينكم ولى دين ” ، فلا يجوز توجيه الظلم إلى هؤلاء بمختلف أجناسهم ، ودياناتهم .
5ـ التسامح فى الإسلام يعنى معرفة الحقوق والواجبات التى لابد أن تكون معروفة ومعلومة لدى الأشخاص ، فهناك كثيراً من الناس يجهلون مفردات هذه الثقافة ودورها فى رسم معالم المستقبل عن طريق تطبيق مبدأ التسامح في الإسلام فى شتى مناحي الحياة. بقلم د. عبدالرحمن عبدالناصر سيد
الهوامش:
(1) مجلة التسامح ، مقال د / محمود حمدي زقزوق ( التسامح فى الإسلام ) ص12 العدد الأول ، مسقط ، عمان .
(2) قصة الحضارة 4/222
(3) الدعوة إلى الإسلام ص99
(4) شمس العرب تسطع على الغرب ص364
(5) شمس العرب تسطع على الغرب ص364
(6) الإسلام وأهل الذمة ص111 .
(7) حضارة العرب ص605 .
(8) قصة الحضارة 13/