الإسلام دين شامل فهو منهاج كامل للحياة فهو ليس دينا يغطي النواحي التعبدية والروحية فقط بل يمتد ليشمل تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والنظام الأخلاقي في الإسلام هو جزء من النظام الإسلامي ككل. والنظام الإسلامي ككل نظاما مترابطا ومتشابكا لا يمكن فصل الأخلاقي عن الروحي عن الاجتماعي عن الاقتصادي عن السياسي فيه. فالأخلاق في الإسلام من الأعمال الصالحة التابعة للعبادة. والإسلام لم يفرق بين الدين وبين الأخلاق. ان الصدق والاحسان وطاعة الوالدين والعطف على المحتاجين وترك إيذاء الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعدل في الرعية والوفاء والنظافة الداخلية بترك الحسد والحقد والخارجية من نظافة البدن والملبس أمور تلحق بالتعبد في الإسلام. بل ان بعضها فوق واكثر أهمية من التعبد. فبر الوالدين وطاعتهما والشكر لهما تأتي مباشرة بعد الشكر لله "ان اشكر لي ولوالديك إلي المصير" ان عقوق الوالدين كالشرك بالله يؤدي إلى النار .
ولو تأملنا النظام الإسلامي ككل بكل نواحيه فهو يؤدي إلى نمو وقيام مجتمع وفرد مسلم على خلق حسنة رفيعة المستوى. ان الركن الأول في الإسلام هو التوحيد شهادة ان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله . ان توحيد الله بالعبادة هو قمة الأخلاق الحسنة. هو اعتراف بالجميل لصاحبه جل شأنه، الذي اوجدك من العدم ورزقك من كل النعم. ان الإشراك بالله ، او إنكاره جل شأنه، هما أحط المستويات الأخلاقية. وهما بداية لانهيار اي نظام أخلاقي . فلا يمكن بناء نظام أخلاقي قوي ومتماسك من دون مفهوم التوحيد .
أما الركن الثاني في الإسلام فهو الصلاة، وهي التطبيق العملي للركن الأول التوحيد. فقد أوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين أداء خمس صلوات يوميا كحد أدنى. وللصلاة أهداف شتى. أما من الناحية الأخلاقية فهي تذكير للعبد على فترات متقطعة وطوال اليوم بواجباته الأخلاقية . هي لحظات ودقائق يقتطعها المسلم ليهرب من التنافس والتحاسد على الدنيا. لحظات يطهر فيها العبد نفسه من الادران والأحقاد. ان الصلاة هي صلة بني العبد وربه تجعله يتذكر الاس المتين لحياته وهو الإيمان بالله . كما إنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى "ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " والصلاة عمود الدين ومن تركها فقد كفر كما قال صلى الله عليه وسلم وما ذلك إلا لدورها المحوري في النظام الإسلامي بكل نواحيه.
أما الركن الثالث في الإسلام فهو الزكاة. حق للفقراء على الأغنياء. يتحقق من خلالها ترابط المجتمع. فيحس الغني بواجبه تجاه الفقير، ويحس الفقير بعطف المجتمع عليه. ويكون هناك ترابط وتعاون بين الأغنياء والفقراء بدلا من الصراع الطبقي الذي تشهده المجتمعات الأخرى. ان الزكاة ركن مهم من أركان تماسك وترابط المجتمع المسلم من النواحي الاجتماعية والسياسية وكذلك من النواحي الأخلاقية . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الفقر والكفر ففيهما خسارة الدنيا والآخرة . والفقر هو أبو المشاكل الاجتماعية فالفقر قد يؤدي إلى السرقة والنصب والاحتيال وقد لا يجد الفقير إلا طرق سيئة لكسب المعيشة. أما لو طبقت الزكاة التطبيق الكامل فسيصبح المجتمع مجتمعا متحابا ومترابطا. وسيستطيع هذا المجتمع محاربة الفقر الذي هو سبب للكثير من الفساد الأخلاقي .
أما الركن الرابع في الإسلام فهو صوم شهر رمضان المبارك كحد أدنى واجب وصيام غيره من الأيام على سبيل الندب . والصيام تدريب عملي على الامتناع عن شهوات الأكل والشرب والجماع، وكبح جماح النفس البشرية التي لا تشبع من الشهوات وتدريبها وحرمانها وترويضها لتنصاع للحدود الأخلاقية ولا تتطلق خلف الشهوات التي لا تنتهي . ان الصيام يرتقي بالأرواح إلى مستويات أعلى عند كبح شهوات الأجسام ، لتنطلق الروح في ذلك العالم اللامادي الجميل.
والحج هو الركن الخامس في الإسلام وفيه يلتقي المسلمين من كل حدب وصوب على صعيد واحد. يشكو بعضهم لبعض همومهم وآمالهم . فيه يتجرد المسلمون من همومهم الدنيوية ، وبملابس بسيطة واحدة ، تدل على وحدتهم كأبناء لآدم واخوة متحابين . وكثير من الناس تتغير أخلاقه إلى الأفضل بعد رحلة الحج المباركة.
وتلحق المعاملات من بيع وشراء ودين وشركة ووصاية وغيرها من معاملات بالعبادات . لان على المسلم ان يسلك فيها مسلك الدين فيفرق بين الحلال والحرام . فلا يغش ولا يدلس في البيع والشراء ولا يرابي في الدين ، ويؤدي الحقوق التي للشركاء والموصى عليهم . ولا يجوز للمسلم ان يبيع خمرا ولا خنزيرا ولا أصناما. ولا يجوز له الغبن في البيع والغبن هو رفع السعر الفاحش ، بل عليه ان يرضى بالربح القليل والمعقول .
وأمر الإسلام الرجل والمرأة بالالتزام بالأخلاق. فأمر المرأة بالحجاب الشرعي وأمر الرجل بغض البصر وبمنع اختلاطهما في الأماكن التي توجب شبهة . ومنع الخلوة وقاية للفرد والمجتمع وحفاظا على المجتمع من الرذائل .
ولحسن الخلق في الإسلام قيمة كبيرة كما أسلفنا . ومن مواعظ لقمان لابنه في سورة لقمان "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ، ان الشرك لظلم عظيم . ووصى الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين ان اشكر لي ولوالديك إلي المصير . وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي، ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون" ففي هذه النصيحة يعظ لقمان ابنه أولا بتوحيد الله ثم بر الوالدين ثم تتوال مواعظ لقمان فيقول في نفس السورة "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور" إذن بعد توحيد الله وبر الوالدين، إقامة الصلاة والأمر بالمعروف ثم الصبر الذي هو مفتاح لكل خلق حسن. ثم يختم لقمان وصيته لابنه بقول الحق تبارك وتعالى "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان أنكر الأصوات لصوت الحمير" وفيها حث على التواضع وعدم الكبرياء وعدم انكار الحق .
والقيم الأخلاقية السياسية كثيرة ومنها العدل والمساواة والتسامح والشورى. وفي حالة الحرب عدم قتل النساء والأطفال والمدنيين غير المحاربين وعدم التمثيل في قتلى الحرب وحسن معاملة الأسرى . ان قيمة الشورى هي إحدى أهم القيم الأخلاقية السياسية. ولأهميتها فقد ربط الله بينها وبين الصلاة التي هو عمود الدين فقد قال الله جل وعلا "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" وفي هذه الآية تقديم للشورى على الزكاة ، التي من المعتاد ان تربط مع إقامة الصلاة في آيات كثيرة من القران الكريم . وفي سورة آل عمران تأكيد على أهمية الشورى حيث يقول الله سبحانه وتعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله ، ان الله يحب المتوكلين" (سورة آل عمران ، الآيات (157،158)) ثم بعد ان تتحقق الشورى الحقيقية والكاملة فيجب على الرعية طاعة أولي الأمر. فالطاعة هي إحدى القيم الأخلاقية السياسية الهامة ، قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" (النساء آيه 59). والطاعة طبعا في غير معصية حيث قال صلى الله عليه وسلم [لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق] .