النمص في اللغة:

قال ابن فارس: "نَمَصَ: النون والميم والصاد أُصَيْلٌ[1] يدل على رِقَّة شعر، أو نتف له، فالنَّمَصُ: رِقَّةُ الشَّعَرِ" [2].
وقال ابن الأثير في النهاية[3]: "النامصة: هي التي تنتف الشعر من وجهها".
وقال الزمخشري في الفائق: "النمص: نتف الشعر"[4].
وقال في أساس البلاغة[5]: "في وجهها نمص شبه الزَّغَب، ونمصته الماشطة بالمنماص: نتفته".
وقال الخليل: "النمص: رقة الشعر حتى تراه كالزغب، وامرأة نمصاء، وهي تتنمص أي: تأمر نامصة، فتنمص شعر وجهها نمصًا؛ أي: تأخذه عنها بخيط فتنتفه"[6].
وقال ابن منظور: النمص: رقة الشعر ودقته، حتى تراه كالزغب، والنَّمص: نتف الشعر، تنمصت المرأة: أخذت شعر جبينها بخيط لتنتفه، قال الفَرَّاء: النامصةُ: التي تنتف الشعر من الوجه"[7].
وفي المعجم الوسيط: "انتمصت المرأة: أمرت النامصة أن تنتف شعر وجهها، ونتفت شعر وجهها. تنمَّصت المرأة: نتفت شعر جبينها بخيط. أنْمَصُ الحاجبَيْنِ: دقيقُ مؤخرهما مما يلي العذار"[8].
وفي تاج العروس: "أنمص الحاجب، وربما كان أنمص الجبين، إذا رَقَّ مُؤَخَّرُهُمَا، كما في "الأساس"، وقيل: امرأة نمصاء تأمر نامصة فتنمص شعر وجهها نمصًا؛ أي: تأخذه عنه بخيط"[9].
وفي تهذيب اللغة: "قال الليث: النمص: دقة الشعر ورقته، حتى تراه كالزَّغَب، ورجل أنمص الرأس أنمص الحاجب، وربما كان أنمص الجبين، وامرأة نمصاء تتنمَّص؛ أي: تأمر نامصة فتنمص شعر وجهها نمصًا؛ أي: تأخذه عنها بخيط"[10].
ويتلخص مما تقدم عن أهل اللغة ما يلي:1- جميع الذين ذكروا متعلق النمص، ذكروا أنه شعر الوجه[11]، وبعضهم أضاف الجبين، أو الحاجب[12].
فالنمص هو نتف شعر الوجه، أو الجبين، أو الحاجب.
2- النمص في اللغة: رقة الشعر أو نتفه؛ أي: إن رقة الشعر من معاني النمص الأصلية، وليس فقط نتف الشعر.
3- الغرض من النمص: رقة الشعر، ودقته.
النمص في الاصطلاح:اختلف الفقهاء في تعريف النمص على قولين:القول الأول: إنَّ النمص هو إزالة شعر الوجه.ولم يقصره هؤلاء على إزالة شعر الحاجب، وهو قول جمهور أهل العلم، فهو مذهب الأحناف[13]، وقول للمالكية[14]، ومذهب الشافعية[15]، ومذهب الحنابلة[16]، والظاهرية[17]، وهو قول القرطبي في تفسيره، وابن حجر الهيتمي[18]، والمناوي[19]، وعلي القاري[20]، والشوكاني[21]، وغيرهم، واختاره من الفقهاء المعاصرين: شيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز[22]، وشيخنا محمد بن صالح العثيمين[23].
قال في الدر المختار: "النامصة: التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة التي يفعل بها ذلك"[24].
وقال ابن جزي المالكي: "التنمص: نتف الشعر من وجهها"[25].
وقال القرطبي: "والمتنمصات جمع متنمصة، وهي التي تقلع الشعر من وجهها بالمنماص، وهو الذي يقلع الشعر"[26].
وفي نهاية المحتاج - للشافعية -: "التنميص، وهو الأخذ من شعر الوجه والحاجب المُحَسّن"[27].
وفي شرح مسلم للنووي: "وأما النامصة - بالصاد المهملة - فهي التي تزيل الشعر من الوجه"[28].
وفي كشاف القناع - للحنابلة -: "ويحرم نمص، وهو نتف الشعر من الوجه"[29].
وفي المُحَلَّى - للظاهرية -: "النمص: هو نتف الشعر من الوجه"[30].
وها هنا تنبيهان:الأول: ذُكر في الموسوعة الفقهية[31] أن المعتمد عند المالكية أن شعر الوجه غير داخل في النمص. اهـ.
وفي هذا نظر ظاهر؛ فإن القرطبي وابن جزي من المالكية أدخلا الوجه في حد النمص، وابن العربي يقول: "النامصة هي ناتفة الشعر تتحسن به"[32].
والذي يظهر لي أنهم خلطوا بين الحكم والتعريف، ولعلهم اغتروا بما في الفواكه الدواني[33]؛ حيث جاء فيه: "التنميص: هو نتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقًا حسنًا، ولكن رُوِيَ عن عائشة - رضي الله عنها - جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه، وهو الموافق لما مرَّ، من أن المعتمد جواز حلق جميع شعر المرأة، ما عدا شعر رأسها، وعليه؛ فيحمل ما في الحديث على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها، كالمتوفَّى عنها، والمفقود زوجها". اهـ.
ففي كلامه أن النمص هو: "نتف شعر الحاجب".
ولكن إذا تأمل الإنسان باقي كلامه، تبين له أن نتف شعر الوجه داخل في حد النمص لقوله: "جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه".
كما يفيد هذا النقل أن المعتمد عند المالكية هو جواز حلق جميع الشعر، وليس دخول أو خروج شعر الوجه عن حد النمص، والله أعلم.
الثاني: ذكر النووي في "المجموع"[34] أن النمص: أخذ شعر الحاجب، وهذا يخالف ما في شرح مسلم له[35]، ويخالف ما في شروح وحواشي المنهاج، والمذهب الاصطلاحي هو ما في المنهاج وشروحه.
دليل القول الأول:أن النمص جاء تحريمه في السُّنَّة، ولم يأت عنه - صلى الله عليه وسلم - حَدٌّ لهذا النمص المحرَّم، فوجب أن نرجع في تحديد مدلوله إلى اللغة، وتقدم أن النمص في لغة العرب يشمل الوجه عند جميع أهل اللغة - الذين وقفْتُ على كلامهم - إلا صاحب "المحكم" كما سبق[36].
وإذا كان النمص في لغة العرب إزالة الشعر من الوجه، فإن تخصيصه بالجبين فقط تحكُّمٌ بلا دليل، وتخصيص بلا مخَصِّص، ومعلوم أن قصر الدليل على بعض مدلوله بلا حجة لا يجوز.
قال ابن قدامة: "متى شككنا في الدليل المخَصِّص، وجب العمل بمقتضى العموم"[37].
وقال أيضًا: "ولا يجوز تخصيص العموم بغير دليل"[38].
وقال أيضًا: "يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصِّص، وبالإطلاق في المطلق إذا لم يوجَدِ المقَيِّد"[39].
القول الثاني: إن النمص هو إزالة شعر الحاجب:وهو قول للأحناف[40]، وقول للمالكية[41]، وقول للشافعية[42]، وقول أبي داود في سننه[43].
قال أبو داود في "السنن": "النامصة: التي تنقش الحاجب حتى ترقه"[44].
وقال النووي: "النامصة: التي تأخذ من شعر الحاجب"[45].
ولم أقف على دليل لهؤلاء يدل على تخصيص النمص بإزالة شعر الحاجب فقط.
الترجيح:ما ذكره أبو داود[46] والنووي مخالف للمعنى اللغوي - كما سبق بيانه - وهو تخصيص بلا دليل.
على أن النووي قد لا يريد قصر المعنى على الوجه، بدليل قوله في "شرح مسلم": "وأما النامصة - بالصاد المهملة - فهي التي تزيل الشعر من الوجه"[47].
وقال ابن حجر الهيتمي: "النامصة: التي تنقش الحاجب حتى ترقه، كذا قال أبو داود، والأشهر ما قاله الخطابي وغيره: أنه من النمص، وهو نتف شعر الوجه"[48].
وفي حاشية العدوي: "وما ذكرناه من تفسير النامصة عن أبي داود، وقد قال بعض شراح المصنف: وفسرها عياض - ومن وافقه - بأنها التي تنتف الشعر من الوجه، والأول يقتضي جواز نتف شعر ما عدا الحاجبين من الوجه، وتفسير عياض يقتضي خلاف ذلك"[49].
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى تضعيف القول بقصر النمص على شعر الحاجب، فقال: "النمَاص: إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويقال: إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما"[50].
فقوله: "ويقال" فيه إشارة إلى تضعيف هذا القول، كما لا يخفى.
والخلاصة:أن الراجح - دليلاً - قولُ جمهور أهل العلم أن النمص لا يختص بإزالة شعر الحاجب؛ بل يشمل مع ذلك إزالة شعر الوجه، والله تعالى أعلم.
فيكون النمص - بناءً على ما سبق -: نتف شعر الوجه، أو الحاجب، أو الجبين.

[1] هكذا في المطبوع.
[2] مقاييس اللغة 5/481، ط. دار الجيل 1420هـ.
[3] النهاية في غريب الحديث والأثر 5/119، ط. المكتبة العلمية 1399هـ.
[4] الفائق 4/26، ط. دار المعرفة ط الثانية.
[5] أساس البلاغة، ص473، ط. دار المعرفة.
[6] العين 7/138، ط. دار ومكتبة الهلال.
[7] لسان العرب 7/101، ط. دار صادر ط الأولى.
[8] المعجم الوسيط 2/955، ط. دار الدعوة.
[9] تاج العروس 18/192، ط. دار الهداية.
[10] تهذيب اللغة 12/212، ط. الدار المصرية.
[11] ينظر المراجع اللغوية السابقة، وأيضًا: غريب الحديث لأبي عبيد 1/166، ومشارق الأنوار 2/13.
[12] إلا صاحب المحكم 8/345؛ فقد تفرد بذكر شعر الجبين فقط.
[13] حاشية ابن عابدين 6/373، ط. دار الفكر.
[14] القوانين الفقهية ص293. توزيع عباس الباز، تفسير القرطبي 5/392، ط. بدون.
[15] حواشي الشرواني على تحفة المحتاج 2/128، ط. دار الفكر، نهاية المحتاج 2/25، ط. دار الفكر، حاشية الجمل على شرح المنهاج 1/418، ط. دار الفكر.
[16] منتهى الإرادات 1/45، ط. عالم الكتب، كشاف القناع 1/81، ط. دار الفكر، الشرح الكبير 1/263 ط هجر.
[17] المحلى 2/218، ط. دار الفكر.
[18] الزواجر 1/273، ط. المكتبة العصرية.
[19] فيض القدير 5/273، ط. المكتبة التجارية الكبرى.
[20] مرقاة المفاتيح 8/305، ط. دار الكتب العلمية.
[21] نيل الأوطار 6/342، ط. دار الجيل.
[22] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز 6/505.
[23] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 4/123 ط الأولى.
[24] 6/373، ط. دار الفكر.
[25] القوانين الفقهية ص293.
[26] تفسير القرطبي 5/392.
[27] 2/25.
[28] شرح النووي على صحيح مسلم 14/106.
[29] 1/81 ونحوه في منتهى الإرادات 1/45، وكذلك في دقائق أولي النهى 1/46.
[30] 2/218.
[31] 14/81.
[32] أحكام القرآن 1/501.
[33] 2/314.
[34] 3/141.
[35] 14/106، ط. دار إحياء التراث العربي.
[36] ص: 8، 10.
[37] المغني 10/488، هجر.
[38] المغني 8/540.
[39] المغني 10/490.
[40] شرح فتح القدير 6/426، ط. دار الفكر.
[41] حاشية العدوي 2/599، ط. دار الفكر.
[42] المجموع 3/141.
[43] سنن أبي داود، كتاب الترجل، باب في صلة الشعر، ص 586 ط. دار السلام، وينظر: فتح الباري 10/377.
[44] سنن أبي داود كتاب الترجل، باب في صلة الشعر ص586 ط. دار السلام، وينظر: فتح الباري 10/377.
[45] المجموع 3/141.
[46] إن كان يريد قصره على الحاجب؛ إذ يحتمل أنه عرَّفه بالغالب؛ لأن الغالب على النساء نتف الحاجب.
[47] شرح النووي على صحيح مسلم 14/106.
[48] الزواجر 1/142.
[49] حاشية العدوي 2/599.
[50] الفتح: 377.