لا يختلفُ اثنان أن حسنَ تدبير المرأة لبيتها، وإدارتَها الجيدة لإمكاناتِها المتاحة لديها، مهما كانت قليلة، لها شأنٌ عظيم في ارتقاءِ شأنِ الأسرة، وسعادةِ الرجل، واستقرارِ البيت، فضلاً عن تأثيرها في مستقبل الأطفال، وشعورهم بالاطمئنانِ النفسيّ والاجتماعي.

فلا عجبَ إذن -وربةُ المنزل هي المكلفةُ بتدبير شئونه باعتباره مسئوليتَها الأولى، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((والمرأةُ راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها))؛ رواه البخاري.

أن تبذلَ هذه الزوجةُ -التي تستضيء بتعاليم ربها، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم- كلَّ طاقتها وجهدها، وتسخّر جميعَ ملكاتِها وقدراتِها في حسن القيام على شئون مملكتها، لتجعل من بيتها خيرَ البيوت، وأسعدَها، وأكثرها استقرارًا وارتقاء، بل ولتكون هي من أنجح الزوجات، وأكثرِهن يُمنًا وبركةً وخيرًا على زوجها.

فكم من زوجة كانت نكبةً على زوجها، وشرًا على بيتها، وبسوء تدبيرها أهلكت ثمرةَ أعماله، وهدمت أركانَ بيتها!! وكم من سيدة عاقلة مدبّرة كانت بركة على زوجها، وخيرًا على بيتها، وبحسن تدبيرها حفظت، بل نَمَّت ثمرات جهده، فأحيت موات بيتها، وحولته واحةً وبستانًا وَرِيفَ الظلال والثمار.

معينات ووسائل... تيسر حسن التدبير:
من المأثور عن حكماء العرب قولُهم: حسنُ التدبير نصفُ الكسب، وهو نصف المعيشة.

وحسن التدبير غيرُ مقصور -كما تعتقد الكثيرات- على معرفة أفضل وجوه استعمال المال المتاح فحسب، بل يشمل العنايةَ والرعاية، والنظام والترتيب لكل شئون رعيتها؛ من زوج وبيت وأولاد وسائر أمور المنزل، بما يؤدي إلى أفضل الأوضاع الممكنة، وأحسن كفاءة لإمكاناتها.

ويمكننا أن نطرح هنا بعضَ الأساليب والوسائل التي أثبتت نجاحَها في تحسين القدرة على تدبير جيد لشئون العيش والبيت، وإدارة حسنة للإمكانات المتاحة، من خلال العناصر التالية:
1- القصد.. لبُّ التدبير:
المالُ عصبُ الحياة، وحسنُ استغلاله أدعى لبقائه وزيادته، ولأن ربة المنزل هي المكلفة بتدبير شئونه، ولا يغني عن الرجل كسبُه شيئًا إذا لم تقتصد زوجتُه، فقد جاءت الشريعةُ السمحة تؤكد القصد (الاعتدال والتوسط في الإنفاق)؛ قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29].

وقال صلى الله عليه وسلم مُثنيًا على المقتصدين في كل أحوالهم وأمورهم: ((ما أحسنَ القصدَ في الغنى، ما أحسنَ القصدَ في الفقر، ما أحسنَ القصد في العبادة))؛ رواه البزار في (مسنده).

والزوجة الواعية الذكية مقتصدة، ولذا تبحث عن أفضل وأجدى الوسائل لحسن استخدام ما لديها من المال، لتعين زوجَها على مطالب العيش أولاً، وتحسين إمكاناته وأوضاعه ثانيًا، ثم لتقلبات الأحوال وطوارئ الزمان، ولأنها بذلك أيضًا تزيدُ من سرور أسرتها وسعادتها.

وقد كان النبي صلى لله عليه وسلم ينصح من تُبتلى بزوج بخيل -وإن كان غنيًا- بقوله: ((خذي ما يكفيك وولدَك بالمعروف))؛ رواه البخاري؛ لأن في الأخذ على قدر الحاجة، ودون إسراف مهما كثر المال، استدامةً للنعمة، وحفظًا للمودة والألفة بين الزوجين، وفي الحديث إشارةٌ لطيفة إلى ذكاء وقدرة المرأة العجيبة على إدراك القدر الذي يحفظ توازن البيت، أو يهوي به إلى درك البلاء والشقاء.
وما أحسنَ قولَ الشاعر:

ومن الوصايا النبوية ذات الدلالة الواضحة في هذا الشأن: قوله صلى الله عليه وسلم في حق الزوج على زوجته: "وإذا غاب عنها حفظته" رواه أبو داود.

فأنت مؤتمنة أيتها الزوجة المؤمنة، فلا تفرطي ولا تُهملي في أمانتك، ولا تستهيني بإنفاق القليل من المال على التوافه، فالقليل مع القليل يصبح كثيرًا، وإياك وكثرة التطلع إلى الكماليات، أو الإسراف في مكالماتك الهاتفية غير ذات الفائدة.

بل أثبتي فضلَك وتميزك على غيرك من الغافلات اللاهيات عن شئون دُورهن، بتحسين الوضع المادي لأسرتك بتوفير شيء ولو قليل من المال، خاصة وأن الحياة مليئة بالمفاجآت والاحتياجات غير المحدودة التي تبرز كل يوم، حتى لا تُضطري أنت أو زوجك يومًا للاستدانة وإراقة ماء الوجه، ويمكنك ذلك عن طريق صُنع صندوق ادخار بالبيت، تدخرين فيه (5%) أو أكثر قليلاً من الدخل الشهري، لوضعه في هذا الصندوق، ليستخدم فيما بعد عند المفاجآت المُلجئة، أو الاحتياج الضروري المُلِحّ.

2- اكتساب المهارات:
في الحديث: ((إن الله يحب المؤمن المحترف))؛ رواه الطبراني في (الأوسط).

وفي الأمثال: "حرفةٌ في اليد أمانٌ من الفقر".

والزوجة المسلمة الواعية تدرك بفطرتها -كما تدرك بفطنتها- أن الحياة لا تدوم على وتيرة واحدة، والأيامُ متقلبةٌ، وتجارِب الحياة وخبراتُها تثبت ذلك، وليس عنا ببعيد قولُ عمر رضي الله عنه: ((اخشوشنوا))؛ رواه عبد الرزاق (في مصنفه).

ذلك أن النعمة لا تدوم، ولهذا فالزوجة الذكية لا تكتفي بما تعلمته في المدارس والجامعات مما لا يمكن الاستفادةُ منه إلا عبر وظيفة ما، يُعد الحصولُ عليها اليومَ أشبه بمهمة صعبة للغاية، أو بشروط لا تتوافق مع تعاليم دينها، لذا فالزوجةُ الفطنة تحرص، إلى جانب تعليمها النظري، على اكتساب حرفة أو مهنة تكون عونًا لها في أوقات الأزمات والشدائد التي يمكن أن تلم بزوجها أو بيتها.

ومن ميزات الحضارة المعاصرة: أنها أوجدت فرصًا أكثر للعمل، فقد صار هناك الكثيرُ والكثير من المهن والحرف والصناعات التي يمكن اكتسابُها وإتقانها في بضعة أسابيع، سواء في مجالات الدعاية والإعلان، أو الحاسوب، أو الاتصالات، أو الصيانة، أو غير ذلك من الأعمال.

ولا أحسب امرأة ذكية نشيطة طموحة إلا وستفكر بجدية في استخدام جزء من أوقات فراغها في اكتساب مهارة، أو تطوير بعض قدراتها، أو تعلُّم بعض المهن الخفيفة التي تستفيد من ورائها في تحسين وضعها المعيشي، أو تأمين عمل مربح عند اللزوم.

أهم المهارات لبيت الزوجية:
وأولى وأهم ما يجب على الزوجة الواعية الذكية، وأجدره باهتمامها من المهارات، أن تتقن أولاً، وقبل كل شيء، ثلاث مهارات لا تكون المرأة قادرة على تدبير بيتها باقتدار من دونها، ألا وهي:
أ- الطهي.. تجدد وتنوع ومذاق:
بإمكان أي امرأة كانت أن تصنع أصنافًا من الطعام، ولكن يظل المهم بالنسبة للزوجة المتميزة التي تحسن التدبير، وتتقرب بذلك إلى قلب زوجها، أن تُؤمِّن له نوعًا من الشعور بالتحسن الدائم، والتنوع المُحبب، فيشعره ذلك باهتمامها، ويُطيِّب نفسه وخواطره، ويفتح شهيته، ويعينه على إقباله على أموره.

وهو ما يمكن تحقيقُه إذا اهتمت الزوجةُ بالنقاط التالية:
1- الاجتهاد في إتقان مهارات الطهي، وتعلُّم الطرق الصحيحة لإعداد أصناف الطعام والشراب والحلوى.
2- الحرص على تعلُّم إعداد أصناف الغذاء الجديدة المبتكرة والمتنوعة، وخاصة تلك التي يحبها الزوجُ، مع الاهتمام بتقديمها في أحسن صورة.
3- العناية بتنويع الوجبات واحتوائها على العناصر الغذائية السليمة والمهمة.
4- اكتساب القدرة على التعامل مع بعض الظروف الطارئة (مثل اصطحاب الزوج ضيوفًا وهو عائد من العمل، حضور ضيوف بشكل مفاجئ)، والمرونة في ذلك، بحيث تحققين عند اللزوم السرعة في الإنجاز مع الكفاءة في الأداء.

ب- الخياطة.. توفير وإصلاح فوري:
فإتقان الزوجة للخياطة وأعمال الإبرة يضمن لها أمرين مهمين تكثر حاجةُ الزوج والأولاد إليهما، بل وحاجتها هي أيضًا، ألا وهما:
1- توفير ثمن إصلاح بعض العيوب اليسيرة التي تحدث لملابس الزوج أو الأولاد مثل: (تفكك الخياطة الأصلية لبعض الملابس، أو سقوط بعض الأزرار، أو الحاجة لإطالة أو ثني بعض الملابس للأولاد)، في حال الحاجة إلى ذلك، كما أنها تُؤمّن لك القدرة على توفير ثمن شيء من ملابس الزوج أو الأطفال إذا تمكنت من صناعتها بنفسك في البيت.
2- الإصلاح الفوري لأي عيوب تطرأ على ملابس أفراد بيتك، فتحلين المشكلة في سهولة وسرعة، بدلاً من الانتظار تحت رحمة الخياطين الذين لا تخفى مواعيدُ أكثرهم غير المنضبطة على أحد.

ومن هنا أيتها الزوجة الحريصة على بيتها وإرضاء أفراده، احرصي على أن:
1- تتعلمي فن الخياطة وأشغال الإبرة، وتتقنيهما، بل وأن تتعلمي فنونهما ما أمكنك ذلك.
2- تجتهدي في تعلم حياكة بعض الأشياء بنفسك.
3- تصلحي العيوب في ملابس أفراد أسرتك أولاً بأول.

ج- الصيانة.. كفاءة واستدامة:
إذ لا يغيب عن بال الزوجة الأريبة أن الطريقة الخاطئة في استعمال الأجهزة المنزلية تؤدي إلى إتلافها، فضلاً عن تعطيلك أنت عن أداء بعض مهامك الملحة. وإن إحداث خلل في النظام العام للبيت يفضي بك وبزوجك إلى الشعور بالضيق والضجر.

وحتى تتجنبي ذلك يمكنك الاستعانة بالأفكار التالية:
1- تعلمي كيفية صيانة الأجهزة المنزلية من المتخصصين، سواء من أهل الخبرة مباشرة، أو بالقراءة، أو مشاهدة البرامج التي تقدم هذه الخدمة مجانًا.
2- احرصي على تعلم الطريقة الصحيحة لتشغيل الأجهزة الكهربائية عند شرائك لها، أو عند حضور المهندس أو المندوب لتركيبها، أو بسؤال من سبقك إلى شرائها.
3- تجنبي فعل كل ما يؤدي إلى إتلاف هذه الأجهزة أو التقليل من كفاءتها.
4- بادري دائمًا لإصلاح أي خلل أو عيب حال حدوثه لدى الضمان أو المختصين.

وثقي أن قدرتك على تحديد أسباب مشكلة ما، ومراجعة تصرفاتك بين حين وآخر، سيساعدانك كثيرًا على وضع يديك على بدايات الحلول لأي مشكلة يمكن أن تطرأ.

ومن ثَمَّ حلها قبل أن تكبر وتتفاقم، شريطة ألا تعلقي الحلول على الآخرين، أو تحسُّن الظروف، أو أمانيّ في ضمير الغيب، وألا تقدمي لنفسك الحلول السهلة التي تؤجل المشكلات ولا تنهيها أو تحسمها.

والخلاصة: أن إحسان التدبير لمطالب العيش الكثيرة، وشئون البيت المتعددة والمتجددة، تتطلب استعدادًا صادقًا، وتنظيمًا واعيًا للأولويات، وملاحقة مستمرة من الزوجة الحصيفة لأوجه القصور والخلل في تعاملها مع كل ذلك، وألا تكُفَّ عن الاستمرار في التفكير والاجتهاد لتحقيق الارتقاء الدائم بمملكتها.