الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله أجمعين، وبعد:

فإن من البدع التي اندثرت من أكثر بلاد الإسلام، ولكنها موجودة في بعض البلدان بدعة التوسع في يوم عاشوراء.

ومعلوم أن الصحابة-رضي الله عنهم- تبعوا نصوص الكتاب والسنة في كل أمور دينهم وعباداتهم؛ فكانوا من أصدق الناس لهجة، وأحسنهم عملاً، ولا يعرف من بينهم من وقع في البدع؛ بل كانوا أحرص الناس على الشرع المتبع.

حتى جاء بعدهم الخلوف فقالوا ما لا يفعلون، وعملوا بما لا يعلمون؛ فجمعوا بين الخُلفِ في العمل، والابتداع فيه.

وقد مضى قرن الصحابة الأول، ولا يَعرفون في «عاشوراء» ولا في غيره إلا ما جاء عن خاتم الأنبياء عليه وعلى آله الصلاة والسلام من الصيام فيه، والتقرب إلى الله بذلك.

ثم نشأ قرن عملوا بالبدع والمحدثات، وتركوا السنن الثابتات، ومن البدع التي انتشرت في شهر الله «المحرم» بدعتان على طرفي نقيض:

أحدها: بدعة التقرب إلى الله بالوعيل والصراخ، وضرب الرؤوس والصماخ، وشق الجيوب والنفاخ.

الثانية: بدعة التقرب إلى الله بالفرح والسرور، والتوسع على الأولاد وأهل الدور، وكأنه يوم عيد وحبور.

وهؤلاء وأولئك وضعوا لتسويغ تقربهم البدعي أحاديث وأقوال لا تروج إسناداً ومتناً على المحققين من أهل العلم المختصين به من أهل الفن.

ولم ترد هذه الأحاديث في شيء من دواوين الإسلام العظام، ولا في الصحاح المعروفة بين الأنام.

فلم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم.

وإنما حصلت هذه البدع في يوم عاشوراء؛ لأن الكوفة كان فيها طائفة ناصبة تبغض علياً وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى؛ فوضعت الآثار في الاحتفال بعاشوراء لما ظهرت العصبية فوضعت الناصبة آثاراً تقتضي التوسع فيه، واتخاذه عيداً( ).

وأحاديث المتقربين إلى الله بالفرح والسرور في يوم «عاشوراء»، من جملة الأحاديث التي لا تثبت؛ فأقرب ما استندوا عليه «من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته»، وأسانيده لا تخلو من متكلم فيه: إما متهم بالكذب، أو واهٍ، أو مدلس، أو مخلط، أو ضعيفٍ، أو مجهولٍ( ).

قال ابن القيم -رحمه الله-: «وأما أحاديث الاكتحال والادهان والتطيب يوم عاشوراء فَمِن وَضْعِ الكذابين، وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن، والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة، وأهل السنة يفعلون ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع».

وقال ابن رجب-رحمه الله-: «اتخاذ عاشوراء مأتما.. لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فهو مِن عمل مَن ضل سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، و لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما؛ فكيف بمن دونهم!؟»

وقال الألباني-رحمه الله- في مقدمة صحيح الترغيب والترهيب: «ما يُروى في فضل صوم يوم عاشوراء: الصلاة فيه، والإنفاق، والخضاب، والادهان، والاكتحال، بدعة ابتدعها قتلة الحسينt».

وخيرى الهدى هدى محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وفي الاتباع غنية عن الابتداع، رزقنا الله التوفيق والسداد والهدى والرشاد، والحمد لله رب العالمين