شبهة العنانية، والشمعونية من اليهود: وتتمثل شبهتهم في أن التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى (عليه السلام) لن تنسخ، وأنّها باقية. وهي منقولة إليهم بالتواتر؛ ويستندون إلى نصوص في التوراة تفيد عدم النسخ، ومنها: (هذه شريعة مؤبدة ما دامت السموات والأرض).
ومنها أيضاً: (الزموا يوم السبت أبداً) ويرون أن مثل هذه النصوص تعني امتناع النسخ؛ لأن نسخ أحكام في التوراة: كتعظيم يوم السبت إبطال لما هو من عند الله تعالى، وهذا متعذر.

تفنيد هذه الشبهة:
أولاً: إن لفظ التأييد لا يصلح دليلاً يستند إليه اليهود في القول بعدم النسخ؛ لأنّ التأييد كثيراً ما يستعمله اليهود معدولاً عن حقيقته. ومن ذلك ما جاء في البقرة التي أمروا بذبحها: (هذه سنة لكم أبداً). وما جاء في القربان: (قربوا كل يوم خروفيْن قرباناً دائماً) وهذان الحكمان منسوخان باعتراف اليهود أنفسهم، رغم التصريح بأنهما مؤبدان.
ثانياً: إنّ التواتر الذي نعتوه للتوراة لا يصلح دليلاً يستند إليه في القول بعدم النسخ؛ لأنّ التوراة غير منقولة بالتواتر؛ وبشهادة، واعتراف الكثير من أخبار اليهود، ومنهم الذي أسلم: كعبد الله بن سلام، وكعب الأخبار. ولو كانت التوراة متواترة، لعارضوا بها خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وسلم) ولنقل واشتهر لدى الناس.
ثالثاً: إنّ ادعاء يهود أن شريعة موسى لم تنسخ لم يمنعهم من الاعتراف بأنّ الشرائع السابقة نسخت بشريعة موسى؛ فكيف نفسر إذن إنكارهم لوقوع النسخ سمعاً؟!!. أي شرعاً؟!!.
رابعاً: إنّ ادعاء يهود بأنّ توراة موسى لم تنسخ، وأنّها لا تزال موجودة إلى الآن ادعاء باطل ليس له دليل عقلاني أو نقلي سليم.
وما ورد في نصوص كتب التوراة الموجودة لديهم الآن ما يناقض بعضه بعضاً. فطائفة السامريين في مدينة نابلس بفلسطين تدعي أن النسخة الأصلية للتوراة موجودة فقط عندهم؛ وهي تزيد في عمر الدنيا نحواً من ألف سنة على ما جاء في النسخة الموجودة عند طائفة العنانيين. والنسخة التي عند النصارى تزيد في عمر الدنيا نحواً من ألف وثلاثمائة سنة. وقد ورد في بعض نسخ التوراة ما يفيد أن نوحاً أدرك جميع آبائه إلى آدم، وأنّه أدرك من عهد آدم نحواً من مائتي سنة، في حين ورد في نسخ أخرى ما يفيد أن نوحاً أدرك من عمر إبراهيم ثمانياً وخمسين سنة.
وما ورد في نسخ التوراة الموجودة حالياً يؤكد بطلانها، ويؤكد أنّها محرفة، وأنّ التوراة الأصلية فعلاً لم يكن لها وجود حيث يستحيل أن يرد فيها من أقوال منكرة نسبوها إلى الله ورسله. ومنها على سبيل المثال: أن الله ندم على إرسال الطوفان إلى العالم، وأنّه بكى حتى رمدت عيناه، وأنّ النبيّ يعقوب صارع الله تعالى، وأنّ إبراهيم كان يجلس تحت ظل شجرة بلوط في قرية (نمرة) قرب القدس، وأنّه رأى الله قادماً عليه بين ملكين، فنهض إليه إبراهيم، وقال: لو أن عبدك يجد نعمة بين عينيك، فاقبل طعامي، وذبح له، وأكلوا جميعاً. ومن ذلك أيضاً: أنّ لوطاً شرب الخمر حتى ثمل، وزنى بابنتيْه. ومن ذلك أيضاً: أن هارون هو الذي اتخذ العجل لبني إسرائيل ودعاهم إلى عبادته. وأن يُوسف النجار خطيب مريم العذراء زنى بها، وأنجبت عيسى (عليه السلام) وتكفي الدلالة على فساد ادعائهم بأنّ التوراة الأصلية لا تزال موجودة هو ارتداد اليهود مرات عديدة عن ديانتهم، وقتلهم الأنبياء، والمصلحين؛ وخرافاتهم التي تملأ توراتهم المحرفة، والتي تنأى التوراة الأصلية عن قبولها.