بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .

قبل أيام قليلة ودعنا شهر الصيام والقيام وشهر القرآن وشهدنا فيه مشاهد العزة ومشاهد الأخوة الإيمانية والإقبال على الله تعالى والبذل والجود والعطاء بشكل يعجز القلم عن وصفه ،واللسان عن بيانه وهذه المعاني الجليلة التي نعيشها كل عام تشعرنا بعزة هذا الدين وقرب النصر والتمكين فهي صور مشرقة وأمل براق يشع بين هذه الجموع الغفيرة التي قامت بين يدي ربها رافعة يديها، في ذل وانكسار ترجو رحمة الرحيم الغفار ،تركت شهواتها ،وملذاتها وأعرضت عن سيل من الزخم الإعلامي والكيد الخبيث المتمثل في أبواق ناعقة، وصور خليعة ،وأفلام هابطة ،قد أعدت لها العدة لصد العباد عن ربهم في هذا الموسم العظيم. ورفعت لها أعلام الدعاية مزخرفة براقة... ومع ذلك نقول لهم (قل موتوا بغيظكم)

فماذا لو اتحدت كلمة المسلمين لنصر الإسلام في هذه الأيام التي تعصف بأمتنا.. والأزمات القوية .. التي تمر على أمة الإسلام ،مابين وقت وآخر من غزو صليبي شيوعي ..! غاشم يدمر ويقتل بلا حسيب ولا رقيب..
فهل سيستطيع أن يمارس هذا الجبروت والطغيان وأن يقاوم قوة الإيمان والتوحيد؟!

وهيهات لهم لولا أن الأمة تبايعت بالعينة ورضيت بالزرع .. وتركت الجهاد..!! .
ومن هنا أقول:
لاشك أن هذه الأزمات أيقظت الأمة من سباتها العميق؛ فثبات غزة وبلاد الشام أمام زحف العدو ..وصواريخ الباطل وقنابل الظلم.. وتكالب الأحزاب من اليهود والنصارى والمنافقين والروافض ،عليهم من كل صوب ومع ذلك صمد أهلها وصبروا وصابروا مع قلة الناصر وخذلان القريب، كل ذلك يبعث في قلب المؤمن الشجاعة والثقة بأن نصر الله قريب ..

وهذا نستمد منه الدروس والعبر التي من أهمها:

أولا: إحياء عقيدة الولاء والبراءة تلك العقيدة التي ضاعت معالمها ومحيت آثارها بين المسلمين إلا من رحم الله فأصبح الكافر الذي أمرنا الله بعداوته والبراءة منه صديق مقرب، وارتفعت شعارات تدعو إلى تقارب الأديان ووحدة الشعوب .

ثانيا: إذكاء روح الجهاد في الأمة فلن يهز عروش بني صهيون والباطنية إلا جهاد ترفع فيه راية التوحيد خالصة غايتها أن تكون كلمة الله هي العليا ،يتحقق بهاوحدة الإسلام بلا أحزاب وفرق تزيد المسلمين فرقة ووهنا.
فكلمة الجهاد كابوس يقص مضاجعهم ،ويجدد ذكرى انتصارات المسلمين في القادسية، واليرموك، وحطين، وعين جالوت! وغيرها من معارك الإسلام الخالدة.

ثالثا: معنى الانتصار الحقيقي فليس الانتصار بكثرة قتل النساء والأطفال وهدم البيوت كما فعلت اليهود والباطنية بالمسلمين ،بل الانتصار هو الثبات على الإيمان والصمود، وانتصار المبادئ والقيم والأخلاق ..

رابعا: حاجة المسلمين للوحدة والتآلف واجتماع الكلمة ليقفوا صفا أمام العدو .فلايكن بعضهم عدوا لبعض فتكون الفشل والهزيمة؛ قال تعالى:( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)

خامساً: توجيه النظرة الإعلامية، فلا شك أن هناك إعلام مضلل وهو من أعظم الوسائل في الصد عن سبيل الله، وقد غرر بالأمة طويلاً باسم الحق ، فغير الحقائق واستطاع أن يجلب الرأي العام إليه ،وبعد هذه الأزمة انكشف الباطل وسقط القناع، وآن الأوان بضرورة إيجاد إعلام صادق ،يتحمل مسئولية الكلمة ونقل الأخبار وإذكاء روح الجهاد والإنتصار على الأعداء.

سادساً: تربية الجيل الصاعد من الشباب المترف ،على القوة والشجاعة فهذه المواقف تعطي دروس عملية لهؤلاء الشباب ،ممن جعل همه وحياته متابعة فريق يلعب الكرة أو مشاهدة قنوات هابطة وجوالات وبرامج تنشر الفاحشة وقد أهدر زمانه في تصفيف شعره والنظر في عطفيه!

سابعا: تدبر القرآن.
فما أحوجنا في هذه الفترة إلى تدبر القران لنأخذ من الآيات عبر وعظات ونبراس لأزماتنا ومنهاج لحياتنا، تأمل قوله تعالى (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين ءامنوا ويتخذ منكم شهداء والله لايحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين .أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) سورة آل عمران 140ـ142
فمن هذه الآية تظهر الحكمة في ظهور الكافرين في غزوة أحد ومنها كما هو واضح في الآيات :

1 ـ تميز المؤمنين والصابرين.
2 ـ نيل الشهادة لبعض المؤمنين .
3 - محق الكافرين نتيجة طغيانهم وظلمهم.

وتأمل قوله تعالى (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير .وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين .وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ اقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون)سورة آل عمران 166ـ167.
وفي هذه الآية بيان لمواقف المنافقين عبر التاريخ حيث يرفعون راية التخذيل والذل في أصعب المواقف وأشدها على المسلمين؛ ففي غزوة أحد لما كانوا بين أحد والمدينة انخذل عنهم عبد الله بن أبيّ بن سلول بثلث الجيش وقال :(والله ماندري علام نقتل أنفسنا ههنا؟ !

وأحفاد ابن أبي سلول يقومون بنفس الدور في كل زمان؟!

وتأمل قوله تعالى: (إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا).

وقال تعالى:(إن ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) .

وقال تعالى(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )

وهذه الآيات ذكرتنا بواقع أهل الشام وغزة ..فمن لأهلها غير الله .؟!
والأمة قد خذلتهم والمعابر قد أغلقت عليهم وليس أمامهم إلا الموت المحقق!!
ولكن نصر الله قريب ،و النصر ليس بكثرة العدة والعتاد ولكنه بالصدق والإخلاص مع الله تعالى ،فدولة فارس والروم كانت دول كبرى تملك الجيوش والرجال ومع ذلك لم تصمد امام المسلمين ، وأسقطها الله بقوته وعزته، وهذا كان محل ذهول وانبهار مفكري الغرب!
يقول "توماس كاريل": خرجت جيوش رعاة الأمس تقتحم الأرض شرقا وغربا وتفتح باسم الدين الجديد , وخلال قرن واحد من الزمان قضت على القوى العظمى, وملكت الأرض من تحت أرجلهم إنها معجزة ولولا أنها حقيقة تاريخية لقلت: إنها خرافة أو خيال.."

فالنصر لابد أن يقوم على قوة العقيدة واليقين وصدق التوكل،وقوة تعلق القلب بخالق السموات والأرض ومدبرها، والهزيمة أن تنصرف القلوب لطلب النصرة من أعداء الإسلام والمنافقين والرافضة الذين ماعهدنا منهم على مر العصور سوى الخذلان للمسلمين
فيكون حالنا كقول القائل:
المستجير بعمرو عند كربته*** كالمستجير من الرمضاء بالنار
ومن الآيات العظيمة في اقتلاع اليأس من القلوب ،مهما بلغت الحال
قوله تعالى :( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) البقرة:الآية214

قال قتادة والسدي : نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة الخوف والبرد وضيق العيش وأنواع الأذى
كما قال الله تعالى : ( وبلغت القلوب الحناجر ) الأحزاب: الآية 10
وقيل نزلت في حرب أحد .

( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) سورة ال عمران :الآية١٣٩

يقول البغوي -رحمه الله -في تفسيره:"هذا حث لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد ، زيادة على ما أصابهم من القتل والجرح يوم أحد "انتهى.

ثامنا:دروس الابتلاء وهي كثيرة ومنها:
1ـ إن الله تعالى يبتلي الأنبياء والصالحين ، وقد مر على الأنبياء وهم صفوة الخلق أشد البلاء ومع ذلك صبروا وثبتوا ولأتباعهم في ذلك أسوة .
ولله حكمة سبحانه في كل ماقضاه وقدره، ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين) ال عمران :آية 140
2ـ توطين النفس على تحمل الأذى في سبيل الله من شياطين الأنس والجن ،وأعداء الرسل في كل زمان، وهم يتواصون في النيل من أولياء الله جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن.
3 -تعلق القلب بالله ،وقطع العلائق وتحقيق قوة التوكل واليقين وصدق الدعاء.
4ـ إن دين الإسلام هوالدين الذي لايقبل الله سواه ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة العالمية الخاتمة،ويجب على المسلم أن يعتز بدينه ويبذل النفس رخيصة في نصر دين الله والذب عنه .
وليكون القتال لتكون كلمة الله هي العليا،
روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ((قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).


وقد قرت أعيننا بصور مشرقة رأيناها وسمعنا بها .فالحمد لله رب العالمين.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينصر دينه ،ويعلي كلمته وأن يرد كيد الأعداء من اليهود والنصارى ومن شايعهم وأعانهم إلى نحورهم..
اللهم ثبت أقدام المجاهدين في سبيلك في كل مكان .وانصرهم عاجلا ياقوي ياعزيز
وارحم ضعفاء المسلمين ،اللهم استر عواراتهم وآمن روعاتهم
حسبنا الله ونعم الوكيل.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.