ماذا تعني عائشة بقولها: " لا ورب محمد لا ورب إبراهيم " ؟

قالوا: إذا كان أقرب النساء لرسولِ الإسلامِ أحيانًا لا تؤمن به، وقالوا ما نصه: عائشة إذا كانت راضية عن محمدٍ تقول في حلفها: ورب محمد، وإذا كانت غضبانة تقول: ورب إبراهيم!
وتعلقوا بما جاء في صحيح مسلم كتاب ( فضائل الصحابة) باب ( في فضل عائشة - رضي الله تعالى عنها- ) برقم 4469 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r:" إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى" . قَالَت : فَقُلْتُ : وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟ قَالَ: " أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ". قَالَتْ : قُلْتُ: " أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ ".

الرد على الشبهة

أولًا: إن هناك سؤالًا يطرح نفسَه هو: لماذا كانت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تقول: " لا ورب محمد " في حين، وفي حينٍ آخر تقول:" لا ورب إبراهيم " ؟!
الجواب: قالت ذلك من بابِ الغيرةِ التي جُبِلت عليها النساء، وما سلمت منها زواجات النبِيِّ r... ومما يدلل على ذلك ما ذكره النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِِه للحديث قال: قَوْله r لِعَائِشَة : ( إِنِّي لَأَعْلَم إِذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَة ، وَإِذَا كُنْت عَلَيَّ غَضْبَى إِلَى قَوْلهَا : يَا رَسُول اللَّه مَا أَهْجُرُ إِلَّا اِسْمك )
قَالَ الْقَاضِي : مُغَاضَبَة عَائِشَة لِلنَّبِيِّ rهِيَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْغَيْرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِلنِّسَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَام كَمَا سَبَقَ لِعَدَمِ اِنْفِكَاكِهِنَّ مِنْهَا حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاء الْمَدِينَة : يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إِذَا قَذَفَتْ زَوْجهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ . قَالَ : وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: " مَا تَدْرِي الْغَيْرَاء أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَله "، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى عَائِشَة فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا فِيهِ ، لِأَنَّ الْغَضَب عَلَى النَّبِيّ r وَهَجْره كَبِيرَة عَظِيمَة ، وَلِهَذَا قَالَتْ : لَا أَهْجُرُ إِلَّا اِسْمك ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا وَحُبَّهَا كَمَا كَانَ، وَإِنَّمَا الْغَيْرَة فِي النِّسَاء لِفَرْطِ الْمَحَبَّة .اهـ

ثانيًا: إن قيل: هل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقصد أن تهجرَ دينَ محمدٍ r ، وتنكره ولا تؤمن به ، لما كانت تقول: " لا ورب إبراهيم " أم أنها كانت تهجر اسمه r فقط؟
قلتُ: إن عائشةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أجابت بنفسها في ذاتِ الحديثِ حينما قَالَتْ:" وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ ".
قال ابنُ حجرٍ في الفتح: قَالَ اِبْن الْمُنَيِّر: مُرَادهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَتْرُك التَّسْمِيَة اللَّفْظِيَّة وَلَا يَتْرُك قَلْبهَا التَّعَلُّق بِذَاتِهِ الْكَرِيمَة مَوَدَّة وَمَحَبَّة. وَفِي اِخْتِيَار عَائِشَة ذِكْر إِبْرَاهِيم u دُون غَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء دَلَالَة عَلَى مَزِيد فِطْنَتهَا ، لِأَنَّ النَّبِيّ r أَوْلَى النَّاس بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا بُدّ مِنْ هَجْر الِاسْم الشَّرِيف أَبْدَلَتْهُ بِمَنْ هُوَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ حَتَّى لَا تَخْرُج عَنْ دَائِرَة التَّعَلُّق فِي الْجُمْلَة . اهـ

ثالثًا: إنني افترض جدلًا أن عائشةَ - رضي اللهُ عنها- كفرت بالنبيِّ r على الحقيقة؛ كفرت كُفرًا صريحًا - وحاشاها ذلك - هل هذا يقدح في نبوتِه نظرًا لمعاييرِ النبوةِ في الكتابِ المقدس؟

الجواب: إن هذا لا يقدح في نبوتِه قط؛ لأن الكتابَ المقدس ذكر لنا زوجات أنبياء كفرن باللهِ I، فعلى سبيل المثال لا الحصر أكتفي بذكر زوجة لوطٍ u التي ذكر عنها سفر التكوين إنها هلكت مع الهالكين حيث إنها فعلت الشرَ في عيني الرب، وذلك في الإصحاح 19 عدد 23وَإِذْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ دَخَلَ لُوطٌ إِلَى صُوغَرَ، 24فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. 25وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتَِ الأَرْضِ. 26وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ. لا تعليق!

كتبه/ أكرم حسن