هل قرأ النبي القرآنَ في حِجرِ عائشة وهي حائض ؟

قالوا: رسولُ الإسلام كان يقرأ القرآنَ وهو متكئ على حجرِ عائشةَ وهي حائض...يا له من أشكالٍ !!
استدلوا على ذلك بما جاء في الآتي:

1- صحيح البخاري كِتَاب ( الْحَيْضِ ) بَاب (قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حَجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ ) برقم 288 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ سَمِعَ زُهَيْرًا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ .

2- صحيح البخاري أيضًا كتاب ( التَّوْحِيدِ) بَاب (قَوْلِ النَّبِيِّ r :الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَزَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ ) برقم 6994 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ r يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ.

الرد على الشبهة

أولًا: إن هذا الحديثَ يدل على عظمةِ ورحمةِ هذا الدين، وهذا النبي الأمين r مع أهلِه؛ لأن الإسلام لم يقل: إن المرأةَ الحائض نجسة؛ تنجس كل شيءٍ تمسه، ولم يقل: إن المسلم يَنجُس عمومًا ، بل الثابت أن المسلمَ طاهرٌ لا ينجس؛ ثبت ذلك في صحيح البخاري برقم 274 عن أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ النَّبِيَّ r لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ : كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ " .
وعليه فإن المسلمة الحائض ليست بنجسة، وهذا كافٍ لإبطالِ الشبهة- بفضل الله -I.
تنبيه هام: إن بعض المسلمين إذا سلم على كافرٍ وهو متوضئ، أعاد الوضوء اعتقادًا منه أن الكافر نجس ينقضُ وضوءه لمجرد مصافحته...ويستدل على فعلِه بقولِه I : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ (التوبة28 ) .

قلتُ: إن هذا الفهمَ مغلوط، فالنجاسة هنا ليست نجاسة جسد؛ وإنما هي نجاسة عقيدة، نجاسة معتقد ؛ نجاسة ليس مادية ، بل معنوية ؛ فما أعظمَ هذا الدين الذي كرم بني آدمَ لما قال I : ] وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [ (الإسراء70).
وما أعظمَ هذا الرسول الذي يتكئ علي حِجرِ زوجته الحائض، ويقرأ القرآنَ؛ حتى لا يُشعرها بنقصٍ فيها، ويشعرها بأنها ليست نجسة، وأن الحيضَ كتبه اللهُ I على بنات حواء لا ينقص من قدرها ومكانتها....
كما أن في الحديثِ فائدة ذكرها ابنُ حجرٍ في فتحٍ الباري قائلًا : قال النَّوَوِيّ : وَفِيهِ جَوَاز اِسْتِنَاد الْمَرِيض فِي صَلَاته إِلَى الْحَائِض إِذَا كَانَتْ أَثْوَابهَا طَاهِرَة ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيّ . اهـ

ثانيًا: إن الإشكالَ الحقيقي يكمن في تصورِهم المتطرف لوضعِ المرأةِ الحائض، وجعلها كالقاذوراتِ ومن النجاسات التي تنجس كل ما تمسه، وذلك بحسبِ ما جاء في الكتابِ المقدس، وهذا ليس من شريعةِ الإسلامِ الوسطيةِ العادلة الرحيمة، فالمرأة إن كانت لا يمكنها الصلاة، أو الصيام وهي حائض، إلا أنها لا تُنّجس زوجَها إذا مسته، و لا تنجس أي شيء تمسه، ولا ينظر إليها في حيضها بهذا الازدراء؛ لكن بالنظر إلى الكتابِ المقدس نجد أن المرأة الحائض مذنبة !

أكتفي بذكر ما جاء في سفر الآويِّين سفر الآويِّين إصحاح 15 عدد 25«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ. 26كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا. 27وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِسًا، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ28وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ سَيْلِهَا تَحْسِبُ لِنَفْسِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطْهُرُ. 29وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 30فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ وَالْآخَرَ مُحْرَقَةً وَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِ نَجَاسَتِهَا...

قلتُ: إن تلك النصوص تبيّنُ أن المرأة الحائض نجسة، وصاحبة خطيئة...وبعد ذلك ينكرون علينا أننا لم نقل بنجاستها !

وأما عن اعتراِضهم على أن رسولَ الله r كان يقرأ القرآنَ وهو متكئ على حِجرِ عائشةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهي حائض فقد بيّنتُ أن المرأة ليست نجسة في حيضتها، وأن المؤمن لا ينجس، وأن الحيض أمر كتبه اللهُ على بنات حواء...لكن الأمر المثير للدهشة هو أنني سمعتُ زعيمَهم القمص الموقوف زكريا بطرس يقول: لا مانع من أن نقرأ الكتابَ المقدس في الحمامِ؛ لأن اللهَ في كل مكانٍ؛ في الحمام، وفي المسران الغليظ يعني: في الخراء......!

قلتُ: - سبحان الله - إن أتباعه لم ينكروا عليه أنه يقرأ الكتابَ المقدس في الحمام وفيه ما فيه من نجاسةٍ، وينكرون علينا أن رسولَ اللهِr كان يقرأ القرآن وهو متكئ على حجر زوجته التي ليست بنجسةٍ !
كتبه/ أكرم حسن مرسي