لابد لكل علم من ثمرة وفائدة يقطفها الإنسان من وراء نصبه وتعبه في تتبع نظريات هذا العلم، وإذا كانت الفائدة من دراسة الفقه هي تصحيح الأعمال والأقوال وفق حكم الله تعالى، فما هي إذا الفائدة من دراسة علم أصول الفقه.

الفائدة الأصلية من علم أصول الفقه هي معرفة طرق استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها وضوابط هذا الاستنباط، وبذلك يكون هذا العلم الأداة التي يستخدمها المجتهد في استخراجه الأحكام من أدلتها، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن علم الأصول لا يستطيع أن يستفيد منه إلا المجتهدون، بل هو مقصور عليهم، وبذلك يثار تساؤل كبير، فأي فائدة لنا من هذا العلم بعد ما أقفل كثير من الفقهاء باب الاجتهاد، وعلى التسليم بعدم إقفال هذا الباب فأي فائدة لطالب العلم العادي أو للفقيه بصورة عامة من هذا العلم إن لم يبلغ درجة الاجتهاد؟ والجواب على ذلك واضح لا لبس فيه، نعم إن الفائدة الأساسية لهذا العلم هي التبصر بقواعد الاستنباط مما يمكِّن المجتهد من استنباط الأحكام من أدلتها، وعلى ذلك لا يكون مفيداً إلا للمجتهدين فقط، ولكن لا يعني هذا أنه ليس هناك أي فائدة أخرى لهذا العلم وراء تلك الفائدة! إذ هنالك فوائد أخرى كثيرة تأتي تبعاً لتلك الفائدة الرئيسة، وأهم هذه الفوائد هـي:

1- الفائدة التاريخية، وهي اطلاع المتعلم على تلك القواعد الدقيقة التي استنبط الفقهاء بواسطتها الأحكام، ليزداد وثوقه بدقة الأحكام وأصالتها، مما يثير العزة في نفوس المؤمنين والرضا الكامل عما قدمه المجتهدون لهم من علم الفقه الذي يحتكمون إليه في كل علاقاتهم ومعاملاتهـم.

2- اكتساب الملكة الفقهية التي تمكن الطالب من الفهم الصحيح والإدراك الكامل للأحكام الفقهية، والإطلاع على طرق الاستنباط الدقيق للاستفادة منها والقياس عليها إذا ما دعت الحاجة، وهي لابد داعية إلى ذلك، فإن النصوص التشريعية والقواعد الفقهية محدودة ومشاكل الناس ومسائلهم لا حدود لها، ومن المنطقي أن لا يصلح المحدود حلا لغير المحدود، مما يضطر الفقيه عند تعرضه لبعض الوقائع التي لا نص عليها لدى الفقهاء من إعمال فكره والاستفادة من الملكة الفقهية التي احتواها في استنباط أحكام هذه المسألة على النسق الذي استنبط المجتهدون به مسائلهم وأحكامهم.

- الموازنة والمقارنة بين المذاهب والآراء الفقهية لبيان الأرجح والأصح والأولى بالقبول منها، استناداً إلى الدليل الذي صدر عن قائلها، فإن لكل قول من أقوال الفقهاء معياراً أصولياً خاصاً استند إليه، ولابد في الترجيح من جمع هذه المعايير والموازنة بينها على أسس علم أصول الفقه وقواعده، للوصول إلى الرأي أو المذهب الذي يشهد له الدليل الأقوى والأصح.