التدوين في القرن الخامس الهجري



المؤلف:

هو الإمام الحافظ مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري المولود سنة (544هـ)، والمتوفى (606هـ) صاحب التصانيف المشهورة.
[راجع تفاصيل ترجمته في: سير أعلام النبلاء (21/ 488-491)]

موضوع الكتاب:


جمع المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب أحاديث الكتب الستة – الصحيحين والموطأ وسنن أبي داود والترمذي والنسائي – وأعاد ترتيبها وفق المعاني التي تضمنتها تلك الأحاديث ليسهل على طالب العلم الوقوف على الحديث الذي يريده، والمعنى الذي يدل عليه.
قال رحمه الله في الفصل الرابع من الباب الأول: "ورأيت كتاب رزين بن معاوية السرقسطي هو أكبرها –كتب الجمع بين الكتب الستة- وأعمها؛ حيث حوى هذه الكتب الستة التي هي أم الحديث... فحينئذ أحببت أن أشتغل بهذا الكتاب الجامع لهذه الصحاح، وأعتني بأمره، ولو بقراءته ونسخه. فلما تتبعته وجدته – على ما قد تعب فيه – قد أودع أحاديث في أبواب غير تلك الأبواب أولى بها، وكرر فيه أحاديث كثيرة، وترك أكثر منها... فناجتني نفسي أن أهذِّب كتابه، وأرتب أبوابه، وأوطئ مقصده، وأسهل مطلبه، وأضيف إليه ما أسقطه من الأصول، وأتبعه شرح ما في الأحاديث من الغريب والإعراب والمعنى، وغير ذلك مما يزيده إيضاحًا وبيانًا..".


منهجه وطريقة ترتيبه:


بين ذلك مفصلاً - رحمه الله - في الباب الثاني من مقدمة كتابه [ابن الأثير: جامع الأصول (1/ 53-68)] ، ويمكن إيجازه في النقاط التالية:

1- حذف الأسانيد، ولم يثبت إلا اسم الصحابي إن كان الحديث مرفوعاً، أو اسم الراوي عن الصحابي إن كان الحديث موقوفاً، وقد أفرد لأسماء هؤلاء وتراجمهم باباً في آخر الكتاب ورتبهم على حروف المعجم.
أما المتون فإنه لم يثبت منها إلا ما كان حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أثراً عن الصحابي، وما كان من أقوال التابعين ومن بعدهم فلم يذكره إلا نادراً.
وقد أثبت أيضاً ما وجد من الزيادات من المتون في كتابي الحميدي "الجمع بين الصحيحين"، ورزين بن معاوية "الجمع بين الكتب الستة".

2- بنى ترتيب الأبواب على المعاني التي دلت عليها الأحاديث؛ فكل حديث انفرد بمعنى أثبته في باب يخصه، فإن اشتمل الحديث على أكثر من معنى واحد فلا يخلو: أن يكون اشتماله على ذلك اشتمالاً واحداً، أو أحد المعاني فيه أغلب من الآخر، فإن كان اشتماله عليه اشتمالاً واحداً أورده في آخر الكتاب في كتاب سماه: "كتاب اللواحق" وقسمه إلى أبواب عدة، يتضمن كل باب منها أحاديث تشتمل على معاني من جنس واحد، أما ما كان مشتملاً على أكثر من معنى واحد إلا أنه بأحدها أخص وهو فيه أغلب، فإنه يثبته في الباب الذي هو أخص به وأغلب عليه، وقد قصد فيه غالباً أن يكون في باب المعنى الذي هو في أول الحديث.

3- ثم قسم كل كتاب إلى أبواب وفصول وأنواع، وأحياناً إلى فروع وأقسام - أيضاً - بحسب ما اقتضته القسمة التي أوردها في كتابه، وكان الموجب لهذا التقسيم اختلاف معاني الأحاديث التي تختص بكل كتاب، فإن منها ما يتعلق بوجوبه، ومنها ما يتعلق بأركانه وحقيقته، ومنها ما يتعلق بالحث عليه والترغيب فيه، ومنها ما يتعلق بفضله وشرفه.

4- جمع ما جاء من الأحاديث في فضائل جميع الكتب المودعة في كتابه، وما جاء في فضائل الأنبياء والصحابة وغيرهم فجعله كتاباً واحداً سمَّاه: "كتاب الفضائل والمناقب"، وأودعه أيضاً كل حديث يتضمن فضل شيءٍ من الأعمال والأقوال والأحوال والرجال.

5- قال - رحمه الله -: " ... فخرجت أسماء الكتب المودعة في الكتاب وجعلتها مرتبة على حروف أب ت ث طلباً لتسهيل كلفة الطلب، وتقريباً على المريد بلوغ الأرب، ولم أضبط في وضعها الحرف الأصلي من الكلمة فحسب، وإنما لزمت الحرف الذي هو أول الكلمة، سواء كان أصلياً أو زائداً، ولم أحذف من الكلمة إلا الألف واللام التي للتعريف حسب، فأودعت كتاب: الإيمان، والإسلام، وكتاب الإيلاء، وكتاب الآنية في حرف الهمزة، وهذا حرف أصلي ووضعت فيه كتاب الاعتصام، وكتاب إحياء الموات، وهذا حرف زائد؛ فإن الاعتصام حقه أن يكون في حرف العين، وإحياء الموات في حرف الحاء، وكذلك جميع الكتب على هذا الوضع، ولم أقصد به إلا طلب الأسهل، فإن كتب الحديث يشتغل بها الخاص والعام، والعالم بتصريف اللفظ والجاهل به.
ثم وجدت في الأبواب أبواباً عدة، هي من جملة الكتب التي انقسم الكتاب إليها، وإذا ذكرتها في الحرف الذي يختص بها أكون قد أفردت أحد أحكام ذلك الكتاب عنه، وفرقتها ووضعته في غير موضعه الأولى به.
مثال ذلك: أن كتاب الجهاد هو في حرف الجيم، وفي جملة أحكام الجهاد أبواب عدة لا يجوز أن تنفرد عنه، مثل: الغنائم، الغلول، والنفل، والخمس، والشهادة، وكل واحد منها يختص بحرف غير حرف الجيم فإن ذكرته في حرفه تقسم كتاب الجهاد، وعدلت في واجب الوضع فذكرت هذه الأبواب في جملة كتاب الجهاد في حرف الجيم، ثم عمدت إلى آخر كل حرف من تلك الحروف التي تختص بهذه الأبواب فذكرت فيه فصلاً ليستدل به على مواضع هذه الأبواب من الكتاب، فذكرت في آخر حرف الغين أن الغنائم والغلول في كتاب الجهاد من حرف الجيم، وفي آخر حرف الفاء أن الفيء في كتاب الجهاد من حرف الجيم، وكذلك تتبعت جميع الحروف وفعلت بها هذا الفعل".

6- أثبت المؤلف اسم راوي كل حديثٍ أو أثرٍ على هامش الكتاب حذاء أول الحديث وذلك لفائدتين:
إحداهما: أن يكون الاسم مفرداً يدركه الناظر في أول نظرة، ويعرف بها أول الحديث.
والثانية: لأجل إثبات العلايم التي رقمها المؤلف بالهمزة على الاسم. وذلك أنه رقَّم على اسم كل راوي علامة من أخرج ذلك الحديث من أصحاب الكتب الستة التي علم لها ب "خ" البخاري، "م" لمسلم، "ط" لموطأ مالك، "ت" للترمذي، "د" لأبي داود، "س" للنسائي، فإذا كان الحديث قد أخرجه جماعتهم أثبت - رحمه الله - قبل اسم الراوي العلايم الست، وإن كان قد أخرجه بعضهم أثبت عليه علامة من أخرجه.
والأحاديث التي وجدها في كتاب رزين بن معاوية وليست في الأصول الستة أثبتها، ولم يثبت عليها علامة.

7- اعتنى - رحمه الله - بشرح غريب كل حديث، لكنه خوفاً من الإطالة بالتكرار أو كثرة الإحالات إن هو جعل غريب كل حديث أو فصل أو باب عقيبه، خوفاً من ذلك جمع غريب كتب كل حرف في آخر ذلك الحرف، فمثلاً غريب أحاديث الكتب المذكورة في حرف الألف جمعه في آخر حرف الألف وهكذا [في الطبعة التي بتعليق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط أعيد توزيع الغريب حيث جعل غريب كل حديث عقيبه، وهكذا، وهذا أمر قد أعرض عنه المؤلف لئلا يطول الكتاب بالتكرار وكثرة الإحالات] ....، ولم ير المؤلف أن ينفرد الغريب في كتاب مستقل كما فعل الحميدي، خشية أن يهمل عند الاستنساخ فلا يستفاد منه، وقد عول - رحمه الله - على كتب أئمة اللغة ك "تهذيب اللغة" للأزهري و "الصحاح" للجوهري، وكتب غريب الحديث ك "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام وغيره.

8- بعد أن استقر وضع الحديث في الأبواب، والكتب والحروف رأى المؤلف أن هناك أحاديث قد تختلف الأنظار في المكان المناسب لوضعها فيه، وإن كان الموضع الذي وضعها فيه يرى هو أنه أولى بها من غيره، وخوفاً من التباس مكانها لنوع اشتباه في معانيها، واختلاف وجهات النظر في المكان الأولى بها، وخوفاً من الكلفة على الطالب والمشقة في البحث عن مكانها، خرج المؤلف - رحمه الله - منها كلمات ومعاني تعرف بها تلك الأحاديث وأفرد لها باباً في آخر الكتاب أثبت فيه تلك الكلمات مرتبة على حروف المعجم (أب ت ث)، ويضع الكلمة أو المعنى بالهامش وبإزائها ذكر موضعها من أبواب الكتاب، فإذا طلب الباحث حديثاً فيه نوع اشتباه وغاب عنه موضعه؛ فما عليه إلا أن يختار لفظة أو معنى مشهوراً في ذلك الحديث ثم يعمد إلى ذلك الباب في آخر الكتاب ليطلبها فيه.

[هذه هي الطريقة التي سلكها المستشرقون في كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث، وها هو ابن الأثير قد سبقهم إلى ذلك، وقبله أهل معاجم اللغة وكتب غريب الحديث التي رتبت على الكلمات الغريبة، وانظر: جامع الأصول (1/ 76-86) مقدمة المؤلف، الفصل السادس من الباب الثاني، وهذا الباب في آخر الكتاب لم أره مطبوعًا، ولعله سقط من تلك الطبعتين، والله أعلم.]