للبروفسور إدوار سعيد رأي مفاده أننا تأخرنا في الاهتمام بالغرب أو بالولايات المتحدة الأمريكية بخاصة. ولاشك أن الاهتمام الذي يقصده سعيد يختلف عما أعنيه في هذه المقالة. فالبروفسور سعيد يرى قوة أمريكا وهيمنتها في الشؤون العالمية ولذلك فاهتمامنا بنقل وجهات نظرنا إليهم قد يجعلهم يميلون إلينا أو على الأقل ربما يقفون على الحياء بيننا وبين أعدائنا.

يمكن أن ينقسم اهتمامنا بالغرب عدة أقسام كما يأتي:

أولا: دراسة علمية أكاديمية فاحصة لتطور موقف الغرب منا منذ ظهور الإسلام حتى العصر الحاضر. وذلك بأن تدرس متى بدأ الغرب يهتم بالإسلام وتتعرف على أبرز اتجاهات الدراسات الغربية للإسلام. وهذه هي دراسة الاستشراق بداياته وأهدافه ودوافعه ومدارسه وأعلامه.. الخ

ثانيا: دراسة موقف الغرب من الإسلام والمسلمين في القرن العشرين وذلك بالتعرف إلى المدارس الاستشراقية المعاصرة ومراكز الدراسات الاستشراقية والمعاهد العلمية وأبرز أعلام الاستشراق، وكذلك علاقة الاستشراق بمراكز صناعة القرار السياسي في الغرب.

ثالثا: دراسة الغرب ذاته من الناحية التاريخية والسياسية والاجتماعية والجغرافية والاقتصادية والثقافية...الخ لا بد أن تعرف جذور الفكر الأوربي ليس لنفخر بأثر حضارتنا الإسلامية ونمن على العالم بذلك ولكن جذوره اليونانية واللاتينية. ونتعرف إلى واقع الحياة الأوربية بدقة. انظر إلى القرآن الكريم كيف تحدث عن موقف العرب في جاهليتهم من المرأة {وإذا بضر أحدهم بالأنثى ظل موجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به } الآية. فلو لم تكن هذه المعرفة بطبيعة مجتمع الدعوة مهمة لما اهتم بها والأدلة على ذلك واضحة وصريحة وكثيرة. ومن سبيل هذه المعرفة كما سماه البعض علم الاستغراب أو الدراسات الأوروبية والأمريكية بأن تتعلم لغات القوم أولا ثم التخصص في المجالات العلمية المختلفة شريطة أن يتزود الباحث أولا بالعلوم الشرعية الإسلامية ليكون لديه المعيار والميزان الذي يمكنه من الحكم بإنصاف على القضايا التي يدرسها.

ولما كان الغرب في الوقت المعاصر يواصل دراساته للإسلام وبالذات لمحاولة المسلمين النهوض ورفض الهيمنته الغربية وذلك من خلال مراكز البحوث والجامعات وأقسام دراسات الشرق والأوسط، وعقد عشرات المؤتمرات والندوات وإصدار الكتب والدوريات فكيف نستطيع أن نغفل كل هذه الجهود وقد كتب الدكتور أحمد بن يوسف في كتابه ((الصحوة في منظار الغرب) يقول: (( إن الفهم المتوازن لظروف وأوضاع المسلمين يقتضي تقويما واقعيا، لمدى قوتهم الراهنة، وعلاقاتهم بالقوى الدولية المختلفة ذات المصالح المتعددة والمتشابكة في العالم الإسلامي، مثل هذا التقويم الواقعي يستلزم منا عدم الاقتصار الو التقويم داخل وجهات نظرنا في أنفسنا والتي هي في أغلبها منحازة تطيب الاتكاء على أمجاد الماضي، إننا بحاجة إلى استيعاب وتفهم كافة الاتجاهات الدولية سواء اتخذت موقف موضوعية أو معادية أو متخوفة أو محذرة من الصحوة الإسلامية المعاصرة بصفتها نمن أكثر الظواهر أهمية ليس فقط بالنسبة للاستقراء السياسي للعالم الإسلامي الذي يقع معظمه داخل ما يسمى بحزام عدم الاستقرار، وإنما أيضا لتأثيرات تلك الصحوة على مصالح القوى الدولية في العالم الإسلام ي من حيث موقعه الجغرافي المميز والممرات البحرية التي يتحكم فيها ومصادر الطاقة والموارد الضخمة الكامنة فيه)).

ويمكن أن نضيف سببا آخر وهو أننا أمة الشهادة وأننا الأمة الوسط وقد قال الإمام القرطبي في تفسير ذلك ((أنبأنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه بما أنعم علينا من تفضله لنا باسم العدالة وتولية خطير الشهادة على جميع خلقه فجعلنا أولا مكانا وإن كنا آخر زمانا)) ويقول سيد قطب: ((إن هذه العقيدة منهج حياة كامل. وهذا المنهج هو الذي يميز الأمة المستخلفة الوارثة لتراث العقيدة الشهيدة على الناس المكلفة بأن تقود البشرية كلها إلى الله..)) ومسؤولية الشهادة تتطلب من هذه الأمة أن تكون واعية مدركة لما يحث في هذا العالم من أحداث، وما يعج فيه من مذاهب وأفكار. إن الغرب الذي يرى نفسه في مكان القيادة والسيادة والسيطرة يحرص على أن يمسك بزمام المعرفة بأحوال العالم ولا يألو جهدا في دراسة كافة الشعوب وإلا فلماذا تجعل مكتبة الكونجريس لها مندوبا في كل ركن من أركان الأرض ليجلب غليها كل ما يصدر مهما كانت قيمة العلمية. إنهم لا يفعلون ذلك ليفخروا بضخامته مكتبتهم ولكن ليعرفوا.

وأختم بآية كريمة توضح أهمية ما يقوله الغرب مما يمكن أ يؤثر في أفراد من الأمة أولئك الأعداء الداخلين وهذه الآية جاءت حول تغيير القبلة)سيقول الشهداء من الناس ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ( اللهم بصرنا بالحق وبالعمل به والحمد لله رب العالمين.
مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق