الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله.
قال الله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (أل عمران، 19) دين الله تعالى هو الاسلام ومرجع هذا الدين هو كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمحفوط بحفظ الله والمنقول إلينا بالتواتر، ولهذا قبله المسلمون جميعا على اختلاف مشاربهم.
والقرآن احتوى الحكمة التي ظهرت من خلال تطبيق النبي إياه، وكذا كانت أقواله صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالتشريع حكمةً مستنبطة من القرآن، وهو بذلك قد التزم أمر الله تعالى بقوله {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام، 106) ولما سُئل النبيُّ أن يأتي بآية من عنده كان الرد الالهي لنبيه {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف، 203) فالنبي متبع للوحي وليس بمشرع، وقد نُقلت أقواله إلينا عن طريق الآحاد، فهي ظنية في ثبوتها، لهذا ينبغي التحقق من الرواية سندا، وعرض متنها على القرآن لنجد الموافقة التامة بينهما، فالسنة تابعة للقرآن، ولا يمكن للتابع أن يخالف المتبوع أو أن يأتي بحكم مستقل عنه.
مصطلح السنة والشيعة ليس له علاقة بالدين، وإنما هما اصطلاحان ظهرا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واكتمال التشريع بعشرات السنين؛ وذلك للتفريق بين كيانين سياسيين لا أكثر ولا أقل، فليس لدين الله تعالى علاقة بهاتين التسميتين، فالمنتسبون لهاتين الجماعتين مطالبون بتحكيم كتاب الله تعالى في واقع حياتهم ونسج معتقداتهم وأفكارهم بناء على هذا الكتاب، فإن كان كذلك فنعما هو، وإلا فلا بد من مراجعة النفس وكل إنسان مرتهن بعمله خيرا كان أو شرا. قال الله تعالى {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (يونس، 30).
المسلم الحق هو الذي يلتزم أمر الله تعالى حتى بالتسمية، وقد سمانا الله تعالى بالمسلمين، فعلينا أن لا نتجاوز هذه التسمية. قال الله تعالى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الحج، 78)
التعصب للتسميات التي ظهرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فرقت المسلمين شيعا وأحزابا متناحرة، وكل حزب بما لديهم فرحون، وما زال الجرح غائرا يتسع يوما بعد يوم، وكان نتيجة ذلك أن ضاع الانتماء الحقيقي لدين الله تعالى الذي يجمع ولا يفرق. وقد حذر الله تعالى من التفرق في دينه بقوله {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام، 159)
وحالة التشرذم التي تسود أوساط المسلمين ستستمر وتزداد غورا إلا أن يرجع المسلمون لكتاب ربهم رجوعا حقيقيا لا صوريا ليكون مصدر المعارف والأحكام.