للشيخ : محمد القحطاني حفظه الله .

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.


الكيد لهذا الدين كما سبق في أول الحديث هو سنة ربانية في هذه الحياة ليميز الله الخبيث من الطيب.


نشـأت مذهب عصرنة الإسلام:


إنَّ التيار الوارد السؤال عنه لم ينشأ في فراغ، فإننا أحياناً نكثر في الحديث عن الغزو الفكري، وعن خطط الأعداء، وهذا أمر مهم جداً، ولكنه ينبغي علينا أن لا نهمل الأمر الذي يمكن كيد الأعداء منا، ذلكم هو الخلل الذي يرتكبه المسلم على مستوى الأمة أو الفرد فتحل العقوبة، وقد حدث على اجتهاد بسيط من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة أُحد أن نزلت آيات قرآنية ترسم منهج المحاسبة: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[والله ما كنت أظن أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل قول الله تبارك وتعالى . مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152] ]] فالشاهد أنه لم ينشأ هذا التيار وغيره من الأفكار الضارة إلا حين ابتعد أهل السنة والجماعة عن المنهاج الرباني، وحين سيطرت الخرافة على معظم رقعة العالم الإسلامي، حتى جاء في وقت من الأوقات كان المدخل الوحيد لهذا الدين هو الصوفية ، ويرددون مقولتهم المشهورة: من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان.
وذكر الشيخ محمد رشيد رضا طرفة مضحكة مبكية: أنه لما قدمت جحافل استالين للاستيلاء على الممالك الإسلامية في جنوب الاتحاد السوفييتي ، ذهب الناس في تلك الفترة إلى العلماء فقالوا: هاهي الجيوش الملحدة قد قدمت، فما الحل تجاه الكفرة الملاحدة؟
فانظروا إلى الإجابة، وانظروا إلى الواقع العملي، إن هؤلاء العلماء لم يرشدوا الأمة إلى مصدر العزة وإلى الرجوع إلى دين الله، والاعتصام بالحبل المتين، وإنما لجئوا إلى الخرافة، فقال لهم الشيوخ: المسألة بسيطة، نذهب إلى قبر الولي النقشبندي ، فإذا اقتربت الجيوش طفنا بقبر "نقشبند " ونستغيث به فبلحظة يخرج يده ثم بإشارة يمسح هذه الجيوش الملحدة.
فذهبت هذه الجموع المستغفلة لتطوف بقبر "نقشبند "، وتقول: يا نقشبند انقذنا من استالين ، يا نقشبند انقذنا من استالين ، وينتظرون اليد المباركة متى تخرج لتدمير جحافل استالين ، وفي أول ضربة تقول الإحصائيات في العشرة الأيام الأولى أنه ذهب ثلاثة ملايين قتيل.
إذاً غفلة أهل الحق هي التي تسمح بانتشار الباطل، والتيار الذي نتحدث عنه هو أنه نشأ جيل يسمى جيل الهزيمة، موجود في قلوبهم حب للإسلام، ويريدون التلفيق -ولا أسميه التوفيق- بين الحضارة الغربية التي بهرت الناس وبين هذا الإسلام، فينظرون إلى الكافر على أنه في المكان العالي، وينظرون إلى أنفسهم على أنهم أقزام، وحققوا ما صبا إليه الاستعمار، من أنه وجد في هذه الفترة التي نشأ فيها هذا التيار جيل ينتسب إلى الإسلام تربى على المبادئ والأفكار الغربية.
ونشأ هؤلاء الذين يريدون أن يبرزوا للناس أنهم علماء متحضرين أو كما يسمون الإسلام "المودرن"، ويطوعون الفتاوى المطلوب تطويعها؛ لأن هناك صنماً يخشى من جبروته وهو الاستشراق ، فيبررون بهذه الفتاوى ما يجعلهم يقفون أمام المستشرقين وأذنابهم على أنهم أصحاب رقي، وأصحاب تطور، ويمكن أن يوفقوا بين الحضارة الغربية، والإسلام وهؤلاء يقول فيهم الشاعر:
لكيما يقال الشيخ حرٌ ضميره فيبلغ عند القوم مرتبة كبرى



مبادئ مذهب عصرنة الإسلام :

هذا التيار تبنى المنهج الاعتزالي، وهو تقديم العقل على الشرع، وتعلمون أن من بدهيات معتقد أهل السنة والجماعة ، أن الوحي وحي الله، والعقل خلق الله، ومحال أن يكون هناك تعارض بين وحيه وخلقه، وإنما ينشأ التعارض في العقول التي لم تتنور بنور الوحيين الكتاب والسنة.
وسأذكر كلمة أرى أنه من المناسب ذكرها؛ لأننا سنمر على شخصيات لها وزنها -كما يقولون: حنة، ورنة- فتبرز علامات الاستفهام هل مثل هؤلاء الأقزام الصغار يرقب أولئك العمالقة، فأعجبتني كلمة لرجل رائد -رحمة الله عليه- هو الدكتور/ محمد محمد حسين في كتابه "الإسلام والحضارة الغربية " وهي كلمة في تقويم الرجال يقول رحمة الله عليه.
'ونحن حين ندعو إلى إعادة النظر في تقويم الرجال، لا نريد أن ننقص من قدر أحد، ولكننا لا نريد أن تقوم في مجتمعنا أصنام جديدة معبودة لأناس يزعم الزاعمون أنهم معصومون من كل خطأ، وأن أعمالهم كلها حسنات لا تقبل القدح والنقد، حتى أن المخدوع بهم والمتعصب لهم والمروج لآرائهم ليهيج ويموج إذا وصف أحد الناس إماماً من أئمتهم بالخطأ، في رأي من آرائه، في الوقت الذي لا يهجون فيه ولا يغضبون حين يوصف أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لا يقبلون أن يوصف بهم زعماؤهم المعصومون.
فيقبلون أن يوسم سيف الله المسلول خالد بن الوليد بأنه قتل مالك بن نويرة في حروب الردة طمعاً في زوجته، ويرددون ما شاع حول ذلك من أكاذيب.
ويقبلون أن يلطخ تاريخ ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه بما ألصقه به ابن سبأ اليهودي من تهم، ويقبلون ما يرويه الأصبهاني في كتابه الأغاني في سكينة بنت -سيد شباب أهل الجنة- الحسين رضي الله عنهما من أخبار اللهو والمجون.
ويرددون ما يذاع من أخبار هارون الرشيد الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً، ثم أصبح في أوهام أبناء هذا الجيل رمزاً للخلاعة والترف، بل كاد يصبح رمزاً للإسراف في طلب الشهوات، وصورة من صور أبطال ألف ليلة وليلة، يقبلون ذلك كله ثم يرفضون أن يمس أحد أصنامهم بما هو أيسر منه، ويحكمون بحرية الرأي في كل ما يخالفون به إجماع المسلمين، ويأبون على مخالفيهم الرأي في هذه الحرية، يخطئون كبار المجتهدين من أئمة المسلمين ويجرحونهم بالظنون والأوهام، يثورون لتخطي ساداتهم أو تجريحهم بالحقائق الدامغة' هذه كلمة لا بد أن ننتبه لها فإنها كلمة حق.
إن من أسباب أو من عوامل نجاح الفكر الصليبـي اليهودي فيه هو زعزعة الثقة عند الأجيال المتأخرة بسلفها الصالح، وكما قال أحد المستشرقين: ' إننا قد خدعنا الأمة المسلمة فيما يسمى بالتنقيب عن الآثار، ونخدعهم بأن هذا كنز حصلنا عليه، وإن هذا علم ومدنية وحضارة وتأريخ، وليس هذا هو هدفنا الأول، وإنما هدفنا الأول أن نزعزع ولاء المسلم القائم في البراءة من كل معبود ومرغوب من دون الله، ونزعزع ولاءه لدينه الذي يعتقده، وما يصوره له هذا الدين تجاه الحضارات السابقة، فإن قرآنه يصور الحضارات السابقة على أنها كفر وجاهلية، ونحن نصورها له على أنها تقدم وحضارة، فإذا تزعزع ولاؤه بين الاثنين فهذا يكفينا
وبالفعل خرج جيل الهزيمة، وخرجت بعض الأسماء من أمثال "رفاعة الطهطاوي ، والكواكبي ، وجمال الدين الأفغاني ، وخير الدين ، ومحمد عبده " وتوالت البعثات الخارجية، ورجعوا يكتبون الإبريز في تاريخ باريز ، ويقولون: إن رقص الفتيات من الرياضة، فأنتم أناس أصحاب تحجر، ولا تدرون ما الذي يدور في العالم، وستمر أسماء أخرى مثل : "فتحي عثمان ، وفهمي هويدي " الذين يكتبون بكل وقاحة أن فقهاء المسلمين قد اعتدوا على تاريخ الإنسانية بآرائهم، ومن ثم فلا بد من إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين المسلمين وبين الأمم الأخرى، فإن ما يصور في تاريخ المسلمين أن هناك دار إسلام ودار كفر، قد آن الأوان بعد قيام المنظمات الدولية لإلغاء هذا، ومسحه حتى من على الكتب التي في الرفوف، بل ويكتب فهمي هويدي كتاباً يسميه: العلاقة بين المسلمين والآخرين أشواك وعقبات على الطريق.


[]منقول من موقع الشيخ: سفر الحوالي حفظه الله:

http://www.alhawali.com/index.cfm?me...ID=1074