من بين الشعائر الوثنية التي اقتبسها المسيحيين : شعيرة تقديس وعبادة الصور والتماثيل ، فلا نكاد نجد ديراً أو كنيسة إلا وهما ممتلئان بشتى الصور والتماثيل ، للمسيح ، ولمريم ، والقديسين منهم . وهي موضع تقديسهم وعبادتهم.ونحن نتسائل : هل كان لتقديس الصور ، والتماثيل مكان في العهد القديم ؟الواقع اننا لا نجد في العهد القديم ما يبرر للنصارى فعلتهم هذه بل على العكس من هذا ، لقد نهى العهد القديم في صراحة تامة المؤمنين عن اتخاذ الصور ، ونحت التماثيل ، وتوعد بالهلاك ، والإبادة من يخالف ذلك . من ذلك ما جاء في سفر التثنية [ 5 : 8 ] :(( لا تصنع لك تمثالا منحوتا ، ولا صورة ما مما في السماء من فوق ، وما في الأرض من أسفل ، وما في الماء من تحت الأرض . لا تسجد لهن ، ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك غيور . . . ))وجاء في تثنية [ 4 : 15 ] :(( فَاحْذَرُوا لأَنْفُسِكُمْ جِدّاً، فَأَنْتُمْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً مَا حِينَ خَاطَبَكُمُ الرَّبُّ فِي جَبَلِ حُورِيبَ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. لِئَلاَّ تَفْسُدُوا فَتَنْحَتُوا لَكُمْ تِمْثَالاً لِصُورَةٍ مَا لِمِثَالِ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ . . . ))وفي سفر اللاويين [ 26 : 1 ] :(( لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَصْنَاماً، وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تَمَاثِيلَ مَنْحُوتَةً، أَوْ أَنْصَاباً مُقَدَّسَةً، وَلاَ تَرْفَعُوا حَجَراً مُصَوَّراً فِي أَرْضِكُمْ لِتَسْجُدُوا لَهُ ))هذه هي نصوص التوراة التي وردت في النهي عن عمل الصور والتماثيل وعن عبادتها ، والسجود لها . ولا شك أن التوراة تعتبر كتابا مقدساً لدى المسيحيين ، بالإضافة إلى أن العهد الجديد خال من هذه البدعة ، لكن يأبى النصارى إلا مخالفة شريعة الله والجري وراء أهوائهم ورغباتهم ، فيدخلون شعيرة تقديس الصور والتماثيل والفطيرة والخمرة – وهي شعيرة وثنية – ضمن شعائرهم ، شأنها في ذلك شأن كافة الشعائر والبدع التي اقتبسوها عن الوثنين .وبالتتبع التاريخي لهذه الشعيرة نجد أنها لم تكن في أول أمرها كما هي عليه الآن ، بل قد كانت نشأتها في البداية محدودة النطاق ، ثم ما لبثت أن نمت تدريجيا ، وانتشرت انتشارا واسعاً ، ثم أصبحت من ضمن شعائر النصرانية ، وذلك عن طريق مجامعهم .وإيضاحا لذلك يقول المؤرخ المسيحي ( ول ديورانت ) :( كانت الكنيسة أول أمرها تكره الصور والتماثيل ، وتعدها بقايا من الوثنية ، وتنظر بعين المقت إلى فن النحت الوثني الذي يهدف إلى تمثيل الآلهة . ولكن انتصار المسيحية في عهد قسطنطين ، وما كان للبيئة والتقاليد والتماثيل اليونانية من أثر .. كل هذا قد خفف من حدة مقاومة هذه الأفكار الوثنية . ولما تضاعف عدد القديسين المعبودين ، نشأت الحاجة إلى معرفتهم وتذكرهم ، فظهرت لهم ولمريم العذراء كثير من الصور . ولم يعظم الناس الصور التي يزعمون أنها تمثل المسيح فحسب ، بل عظموا معها خشبة الصليب ، حتى لقد أصبح الصليب في نظر ذوي العقول الساذجة طلسماً ذا قوة سحرية عجيبة .وأطلق الشعب العنان لفطرته ، فحول الآثار ، والصور ، والتماثيل المقدسة إلى معبودات ، يسجد الناس لها ، ويقبلونها ، ويوقدون الشموع ويحرقون البخور أمامها ، ويتوجونها بالأزهار ، ويطلبون المعجزات بتأثيرها الخفي .وفي البلاد التي تتبع مذهب الكنيسة اليونانية بنوع خاص ، تستطيع أن ترى الصور المقدسة ، في كل مكان – في الكنائس ، والأديرة ، والمنازل ، والحوانيت – وحتى أثاث المنزل ، والحلي ، والملابس نفسها لم تخل منها .وأخذت المدن التي تتهددها أخطار الوباء ، أو المجاعة ، أو الحرب ، تعتمد على قوة ما لديها من الآثار الدينية أو على ما فيها من الأولياء والقديسين للنجاة من هذه الكوارث . )وما إن انتشر الإسلام ، وعم أرجاء المعمورة ، وخاصة في القرن الثامن الميلادي ، وعرفت تعاليمه لغير أهله – وما فيه من النهي عن اتخاذ الصور والتماثيل فضلا عن تقديسها – حتى بدأ بعض المنصفين من المسيحيين وأرباب السلطان في نبذ هذه البدعة والعمل على إزالتها . من هؤلاء : الإمبراطور ( ليو الثالث ) ، الذي تشبعت نفسه بفكرة سرت إليه من المسلمين وغيرهم الذين ذموا عكوف جمهرة المسيحيين على تعظيم الصور والتماثيل في الكنائس وفي خارجها . فعقد مجلسا من الأساقفة وأصدر مرسوما عام (726م) يطلب فيه إزالة جميع الصور والتماثيل الدينية من الكنائس ، وحرم تصوير المسيح والعذراء ، وأمر بأن يغطي بالجص ما على جدران الكنائس من صور ، لكن لم يقابل هذا المرسوم بالموافقة الجماعية فكان أن عارضته الكنيسة ، وثار عليه الشعب . واتفقوا على عزل (ليو) وطرده من الحكم .واجتمع مجلس من أساقفة الغرب دعا إليه البابا ( جريجوري الثاني ) ، وصب اللعنة فيه على محطمي الصور والتماثيل ، إلا أن أولاد (ليو الثالث) ساروا على نهجه ، منهم ابنه ( قسطنطين الخامس 741 – 775م ) حيث جمع هذا الإمبراطور مجلسا من أساقفة الشرق في القسطنطينية سنة (754م ) قرر فيه بصفة قاطعة : تحريم اتخاذ الصور والتماثيل في العبادة ، ووصفها بأنها عمل ممقوت ، وحرم طلب الشفاعة من العذراء ، وأمر بأن يمحى أو يدمر كل ما في الكنائس من صور وتماثيل . وكذلك أحفاده من بعده ساروا على نفس نهجه حتى كان عام (787م) حيث دعت الإمبراطورة (إيريني) – التي كانت معاصرة لهارون الرشيد – رجال الدين في العالم المسيحي إلى عقد مجمع عام للبحث في مسألة ( الصور والتماثيل ) ، واتخاذ قرار حاسم بشأنها . فاجتمع في مدينة نيقية عام (787م) حوالي (377) أسقفا ، وأصدروا قرارا بتعظيم صور المسيح وأمه والقديسين ، لا بعبادتها .وجاء في قرار هذا المجمع ما يلي :( نحكم بأن توضع الصور ليس في الكنائس والأبنية المقدسة والملابس الكهنوتية فقط ، بل في البيوت وعلى الجدران في الطرقات ، لأننا إن أطلنا مشاهدة ربنا يسوع المسيح ووالدته القديسة والرسل ، وسائر القديسين في صورهم ، شعرنا بالميل الشديد إلى التفكير فيهم ، والتكريم لهم . فيجب أن تؤدى التحية والإكرام لهذه الصور )واستمر الحال هكذا ، حتى قامت حركة الإصلاح الكنسي في القرن الخامس عشر الميلادي ، وكان من مبادئها منع اتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس والسجود لها . متأثرين في ذلك بما رأوه من المسلمين عن طريق الحروب الصليبية ورغم ذلك نجد غالبية المسيحيين لا تزال تقدس الصور حتى الآن وتلعن محطميها ، يقول الإمام القرافي في ذلك :( أكثر النصارى يسجد للتصاوير في الكنائس . وهو من كفرهم . وأي فرق بين عبادة الأصنام والسجود للتصاوير )وإذا زرت - عزيزي القارىء - كاتدرائية القديس بولس في لندن أو كنيسة القديس بطرس في روما ، فإنك لا تكاد تفرق بينهما وبين معبد ( سومناث ) في الهند !