جاءت الشبهة فى ما نقلته بعض كتب التفسير عند قوله تعالى ((وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ))


و هى روايات تزعم أن سليمان عليه السلام كان له خاتم يكمن فيه سر ملكوته فتشكل الشيطان فى هيئته مرة و أخذ الخاتم من زوجته التى كانت تحفظه بينما كان سليمان يقضى حاجته، فتسلط الشيطان على ملك سليمان و جار و ظلم، بينما كذب الناس سليمان و افتقر حتى وجد الخاتم فى جوف سمكة اصطادها يوماً ، و عاد إليه ملكه ، و من هذه الروايات ما أورده السيوطى عن قتادة و مجاهد فى الدر المنثور ، قال:{ وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا " قَالَ شَيْطَانًا يُقَال لَهُ آصَف فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَيْفَ تَفْتِنُونَ النَّاس ؟ قَالَ أَرِنِي خَاتَمك أُخْبِرك فَلَمَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ نَبَذَهُ آصَف فِي الْبَحْر فَسَاحَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَذَهَبَ مُلْكه وَقَعَدَ آصَف عَلَى كُرْسِيّه وَمَنَعَهُ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ نِسَاء سُلَيْمَان فَلَمْ يَقْرَبهُنَّ وَلَمْ يَقْرَبْنَهُ وَأَنْكَرْنَهُ قَالَ فَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَسْتَطْعِم فَيَقُول أَتَعْرِفُونَنِي ؟ أَطْعِمُونِي أَنَا سُلَيْمَان فَيُكَذِّبُونَهُ حَتَّى أَعْطَتْهُ اِمْرَأَته يَوْمًا حُوتًا فَفَتَحَ بَطْنه فَوَجَدَ خَاتَمه فِي بَطْنه فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكه }
و كذا رواه عن قتادة قال {...َكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل الْخَلَاء أَوْ الْحَمَّام لَمْ يَدْخُل بِالْخَاتَمِ فَانْطَلَقَ يَوْمًا إِلَى الْحَمَّام وَذَلِكَ الشَّيْطَان صَخْر مَعَهُ وَذَلِكَ عِنْد مُقَارَفَة قَارَفَ فِيهَا بَعْض نِسَائِهِ قَالَ فَدَخَلَ الْحَمَّام وَأَعْطَى الشَّيْطَان خَاتَمه فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر فَالْتَقَمَتْهُ سَمَكَة وَنُزِعَ مُلْك سُلَيْمَان مِنْهُ وَأُلْقِيَ عَلَى الشَّيْطَان شَبَه سُلَيْمَان قَالَ فَجَاءَ فَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيّه وَسَرِيره وَسُلِّطَ عَلَى مُلْك سُلَيْمَان كُلّه غَيْر نِسَائِهِ قَالَ فَجَعَلَ يَقْضِي بَيْنهمْ وَجَعَلُوا يُنْكِرُونَ مِنْهُ أَشْيَاء }.


بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله:


لاشك عقلاً و نقلاً فى كون هذه الخرافات من أكاذيب بنى إسرائيل و أباطيلهم،و أن ابن عباس و غيره تلقوها عن مسلمة أهل الكتاب و ليس أدل على ذلك مما ذكره السيوطى فى تفسيره قال: { و أخرج عبدالرازق، و ابن منذر، عن ابن عباس قال: أربع أيات من كتاب الله لم أدر ما هى؟ حتى سألت عنهم كعب الأحبار..... و ذكر منها : و سألته عن قوله تعالى ((وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ)) قال: الشيطان أخذ خاتم سليمان عليه السلام الذى فيه ملكه، فقذف به فى البحر، فوقع فى بطن سمكة، فانطلق سليمان يطوف إلى أن تصدق عليه بتلك السمكة فاشتواها ، فأكلها ، فإذا فيها خاتمه، فرجع له ملكه} ،
و كعب الأحبار من مسلمة أهل الكتاب المشهورين بحكاية ترهات الإسرائيليات شأنه فى ذلك شأن وهب ابن منبه و غيره.


- و قد نوهنا مراراً أن مثل هذه الروايات - و إن وردت- عن نفر من الصحابة الكرام فهذا لا ينفى كونها نفسها من الإسرائيليات التى تناقلوها عن مسلمة أهل الكتاب، و لا حجة فى أخبار أمم السابقة إلا بما وصل إلينا صحيحاً فى كتاب الله و سنة رسول الله (ص)
و قد نبه إلى ذلك أيضاً الإمام القاضى عياض