قوله تعالى (( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ))

الشعائر: جمع شعيرة: المعلم الواضح مشتقة من الشعور. وشعائر الله: لقب لمناسك الحج. جمع شعيرة بمعنى: مشعرة بصيغة اسم الفاعل أي. معلمة بما عينه الله.
فمضمون جملة )ومن يعظم شعائر الله( الخ أخص من مضمون جملة )ومن يعظم حرمات الله( وذكر الأخص بعد الأعم للاهتمام. أو بمعنى مشعر بها فتكون شعيرة فعلية بمعنى مفعولة لأنها تجعل ليشعر بها الرائي. وتقدم ذكرها في قوله تعالى )إن الصفا والمروة من شعائر الله( في سورة البقرة. فكل ما أمر الله به بزيارته أو بفعل يوقع فيه فهو من شعائر الله، أي مما اشعر الله الناس وقرره وشهره. وهي معالم الحج: الكعبة. والصفا والمروة. وعرفة، والمشعر الحرام. ونحوها من معالم الحج.
وتطلق الشعيرة أيضا على بدنة الهدي قال تعالى )والبدن جعلناها لكم من شعائر الله( لأنهم يجعلون فيها شعارا، والشعار العلامة بأن يطعنوا في جلد جانبها الأيمن طعنا حتى يسيل منه الدم فتكون علامة على أنها نذرت للهدي. فهي فعلية بمعنى مفعولة مصوغة من أشعر على غير قياس.
فعلى التفسير الأول تكون جملة )ومن يعظم شعائر الله( إلى آخرها عطفا على جملة )ومن يعظم حرمات الله( الخ. وشعائر الله أخص من حرمات الله فعطف هذه الجملة للعناية بالشعائر.
وعلى التفسير الثاني للشعائر تكون جملة )ومن يعظم شعائر الله( عطفا على جملة )ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام( تخصيصا لها بالذكر بعد ذكر حرمات الله.

معنى التبييت في قوله تعالى (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)

. والتبييت والبيات: مباغتة العدو ليلا. وعكسه التصبيح: الغارة في الصباح، وكان شأن الغارات عند العرب أن تكون في الصباح ولذلك يقول من ينذر قوما بحلول العدو (يا صباحاه)، فالتبييت لا يكون إلا لقصد غدر. والمعنى: أنهم يغيرون على بيته ليلا فيقتلونه وأهله غدرا من حيث لا يعرف قاتله ثم ينكرون أن يكونوا هم قتلوهم ولا شهدوا مقتلهم.
الفرق في معنى التبييت بين ما ورد أعلاه، والتبييت (في ما تحته خط) في الآية التالية من سورة النساء رقم 81:


﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ﴾


و(بيت) هنا بمعنى قدر أمرا في السر وأضمره، لأن أصل البيات هو فعل شيء في الليل، والعرب تستعير ذلك إلى معنى الإسرار، لأن الليل أكتم للسر، ولذلك يقولون: هذا أمر قضي بليل، أي لم يطلع عليه أحد، وقال الحارث بن حلزة:
أجمعوا أمرهم بليل فـلـمـا ** أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
وقال أبو سفيان: هذا أمر قضى بليل. وقال تعالى (لنبيتنه وأهله) أي: لنقتلنهم ليلا. وقال (وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول).