قال أبو بكر الصديق-رَضِيَ اللُه عَنهُ-:

يـا عيــنُ بكِّـــي و لا تَســـامـي ***** وحُقَّ البـــُكاءُ علــى السَّيـــِّدِ
على ذِي الفواضلِ والمكرُمـاتِ ***** ومَحضِ الضَّريبةِ والمَحتــــِدِ
علـى خَيرِ خِندِفَ ([1]) عِندَ البلاءِ***** أمســى يُغَيّــَبُ فِــي المُلــحَدِ
فصَــلَّى الـملِيـكٌّ وَلــيٌّ العِبَـــاد ***** وَرَبٌّ البــلادِ عَلــــَى أحمـــدِ
فكيفَ الإقامـةُ بعـــدَ الحبـيــــبِ***** وزيـــنِ المحــافلِ والـمَشهَــدِ
فليتَ الـمـمـــــات لنـــا كلِّــــنـا ***** وَكُنَّا جميـعاً مَـعَ المُهتَـدى([2])

ومِمَّا نُسِبَ إلى أبي بكرٍ, الصِّدِّيقِ في رِثَاءِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-([3]):
لمَّا رأيــتُ نبيّـنــــــا متجنـــــدلاً ***** ضاقـــت علىّ بعرضهنّ الدورُ
فارتـاع قلبي عنـد ذاك لِمـوتــــه ***** والعظــمُ مني ما حييــتُ كسيـرُ
أعتيق ويحك!! إن خِلَّك قـد ثوى ***** والصبرُ عندك ما بقيـتَ يسيــرُ
يا ليتني من قبـل مهلك صاحبـي ***** غُيِّبـتُ في لحـدٍ, عليه صخـــورُ
فلتــحدُثــنَّ بـدائـــع مــن بعــــده ***** تعيــا بهـنَّ جــوانـحٌ وصـــدورُ

وقال عمرُ بنُ الخَطَّابِ-رَضِيَ اللُه عَنهُ-:
ما زَالَتُ مُذ وضع الفِرَاشَ لِجنبِه *****وثَــوى مَريضــاً خائـــِفاً أَتَوقَّـــعُ
شَفَقاً عَليــهِ أن يـــزُولَ مكـــــانُه ***** عنَّــا، فَنَبــــقَى بَعـــدَه نَتَــوَجَّـــع
نَفســـي فـداؤُكَ مَن لنا في أَمرِنا **** أَو مَـــن نُشَـــاورُهُ إذاً فَتــَرَجَّـــعُ
وإذا تَحَدَّثنَـا الحــوادٍ,ثَ: مَـن لنــا ***** بالوَحي مِن رَبِّ رحيــمٍ, يسمــــعُ
ليتِ السمــاءَ تفطَّـــرت أَكنَافُـــهَا *****وتناثرت فيها النجــــومُ الطٌّلّــــَعُ
لمَّــا رأيــتُ النــاسَ هـدَّ جميعُهم ***** صوتٌ يُنـــادي بالنَّعــيِّ فيُسمـــَعُ
وسمعتُ صــوتاً قبلَ ذلِكَ هدَّنــي***** عَبَّـــاسُ يَنــــعاهُ بِصــوتٍ, يُقطَــعُ
فليَبــكِه أهـــلُ المــدائـنِ كُلّـــــِها *****والمُسلمون بكلِّ أرضٍ, تُجدع([4])

وقالَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ,-رَضِيَ اللُه عَنهُ-:
ألا طَرَق النّــَاعي بليـــلٍ, فــَرَاعَني *** وأَرَّقنـــي لمـــا استَـــهلَّ مُنَــادِيَــــا
فقلـتُ لـهُ لمّــَا رأيــتُ الـذي أتَـى *** أَغَيرَ رســول اللهِ أَصبَـحتَ نَاعِيــَا
فَحُقِّـقَ مـا أَشفَيــتُ منـه وَلـم يُبــل *** وكــان خليـلي عُدَّتِـــي وَجِمَــاليــا
فوالله لا أنسـاكَ أَحمَــدُ ما مَشَـت *** بيَ العِيسُ في أرضٍ, وجاوَزتَ واديا
وكنـتَ متى أَهبِطُ من الأرضَ تَلعَةً *** أَجِــد أثــراً منــهُ جــديــداً وعافِيــا
شديــدٌ جَـرِِيُّ النَّفــسِ نهـدٌ مُصـَدَّرٌ *** يــَرَين بـــه لَيثـــاً عليـهن ضَـارِيـــَا
من الأُسـدِ قد أَحمِي العَـرِينَ مهابةً*** هوَ الموتُ مَغـدُوٌ عليــه وغَدِيــا([5])
جـوَادٌ تشَظَّــى الخيــلُ عنــه كأنـَّما *** تَفَـــادَى سِبـاعُ الأرضِ منـه تفادِيـَا

وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب-رَضِيَ اللُه عَنهُ-:

أرقتُ فبات لــيلي لا يــزولُ **** وليلُ أخي المصيبةِ فيه طُولُ
وأسعدني البُكاء وذاك فيـــما ***** أصيــبَ المسلمــونَ بـه قليـلُ
فقد عَظُمَــت مُصيبتُنا وجَلَّت ***** عشيَّة قِيلَ: قَد قُبِضَ الرَّسُـول
فَظَلَّ النَّــاسُ منقطعيــن فيـها ***** كأنَّ النَّاس لَيــس لَهُـم حَوِيــلُ
كأنَّ النــاس إذ فقــدوه عُمـيٌ ***** أضرَّ بلـــبِّ حازِمِهِـم عَليـــلُ
وحُقَّ لتـلك مَـرزيــة علينـــا ***** وحُقَّ لها تطــير لها الُعقـــولُ
وأضحت أرضنُا ممـا عَراها ***** تكــادُ بنــا جـــوانِبُــها تميـــلُ
فقدنا الوحي والنـزيــل فيــنا ***** يروح به ويغـــدو جبــرائيــل
وذاك أحـــقٌّ ما سالـت عليهِ ***** نُفوسُ النَّاس أو كادت تسيلُ
أُصبنا بالنَّبــيّ وقــد رُزِئنـــا ***** مُصِيبتُنَـــا فَمحمَــــلُها ثَقِيــــلُ
نبيُّ كان يجلــو الشــكَ عنّــَا ***** بمــا يُوحَـــى إليـه وما يَقـولُ
ويهدينــا فلا يخشــى ملامــاً ***** علينا والرَّسُول لنــا دليــلُ([6])
يُخَبِّرُنا بظهــر الغيـب عـــمَّا **** يَكُونُ فلا يَخُــون ولا يَحُــولُ
فلم نَرَ مثلَهُ في النَّــاس حيــّاً **** وَلَيسَ لهُ من المـــوت عَدِيــلُ
أفاطمُ إن جزعت فذاك عـذر ***** وإن لم تَجزَعي فهــو السَّبِيـلُ
فَعُــوذي بالعــَزَاء فــإنَّ فيــه ***** ثـوابَ الله والفضلُ الجـزِيــلُ
وَقُـولِي في أبيك ولا تَمَلـِّــي ***** وَهَـل يَجــزي بفعـل أبيك قيلُ
فقبــر أيبــكِ سيــدُ كلِّ قبـــر ***** وفيـه سيــد النــاس الرَّسُــول
صــلاةُ الله مــن ربٍّ, رحيــم ***** عليـه لا تحـولُ ولا تَزُولُ([7])



[1]- خندف: المسرع، والخندفة: الهرولة والإسراع في المشي. راجع: اللسان, مادة خندف.
[2]- انظر: سلوة الكئيب بوفاة الحبيب ص (197-198).
[3]- المستطرف: لشهاب الدين الأبشيهي ص (366).
[4]- سبل الهدى والرشاد (12/287).
[5]- سبل الهدى والرشاد ش(12/287).
[6]- وفي بعض الكتب: ويهدينا فلا نخشى ضلالاً ....... انظر سلوة الكئيب بوفاة الحبيب: لابن ناصر الدمشقي ص (200).
[7]- انظر: الاكتفاء للكلاعي (2/456)، وسلوة الكئيب ص (199-200).