لملحدون لا يؤمنون بشي غير محسوس...
وغير المحسوس...أما أن يكون فعلا غير موجود....ونحن نتوهمه...
أو أنه موجودا ولكنه مغيب عن وعينا.
الملحدون يفسرون الميتفيزيقا بما وراء الطبيعة..أو ما وراء الحس البشري.....
ولكن ليس كل ما غاب عن وعينا ...أصبح خرافة...أو انتفى وجوده..فنحن نعيش اليوم حقائق قطعية كانت بالأمس مغيبة عن وعي العالم كله...
فرفض الميتافيزيقا لا يلتقي مع (النسبية) فنحن نقول عن هذا الجبل كبيرا ونحن نقارنه حتى دون أن نعلن بتل صغير...
ثم نقول عنه صغيرا إذا ما نسبناه إلى جبل أضخم ...
وهكذا فإن اكبر الملحدين علما بما هو غير مغيب يعلم أن ما اقتنصه من معرفة هو قليل جدا حتى وان كان كثيرا نسبة إلى التجربة البشرية
وبالتالي فإن هذه المعرفة القليلة تطلب إيمانا بأن في المجهول حقائق يجب الإيمان بها بقدر أثارها أو بقدر ما تفرضه من قوانين...
فمعيار الحقيقة ليس في وعينا بها..فكم من حقيقة لم نعيها بعد..وكم من حقيقة كانت مغيبة ثم وعينا بها فصارت غير ميتافيزيقية...
فعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ لقومه هذه الآية :
( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )
كان الإيمان بهذه الآية بالنسبة للنبي وأصحابه هو إيمان بغيب لم يعرفوه ولم يسمعوا به ولم يعرفه العلم البشري آنذاك ولم يسمع به....فهو كان مغيبا عن وعي الناس ثم صار فيما بعد حقائق علمية يعرفها طلاب الثانوي...
ونحن نسمي ما تعلمناه او ما عرفناه من حقائق اكتساب...وهذا صحيح صحة نسبية....فنحن استخدمنا وسائل لاكتساب هذه المعرفة مثل وسيلة العقل..ووسيلة البصر...ووسيلة السمع...وهذه الوسائل نحن لم نخلقها أو نكتسبها وإنما أخذناها منحة..... !!
فكيف نسمي معرفتنا اكتسابا وهي تمت بوسائل هي منحة لنا ليس لنا دور في خلقها أو صنعها ....!!
وهذه الوسائل التي أخذناها منحة ولا تحكم لنا في (السيستم ) الخاص بها..يخبرنا الواقع أنها لا تستطيع إدراك كل الحقائق...فنحن نسمع الأصوات فقط التي ترددها يوافق (سيستم) السمع لدينا.....فهل نملك ان نقول ان وجود أصوات أخرى هو خرافة ؟؟
والخلاصة إن الإلحاد هو عدم علم..لا علم.
ولهذا لم تستطع الفلسفات الملحدة الهروب من الميتافيزيقا في حقول الفن وعلم النفس والجمال
ولهذا كان رفض المغيب جهلا به...لا علما بعدم وجوده.