بسم الله الرحمن الرحيم
عملت أمريكا وحلفاؤها في العراق على وتر تعميق الخلافات الطائفية والعرقية [ ] والمذهبية ما بين السنة والشيعة [ ] والأكراد، وقد خططوا لهذا الأمر منذ سنوات، والآن ينفذون مخططهم، وهو ما يحدث في سوريا [ ] ولبنان أيضاً.
أما في مصر [ ] فالأمر يحتاج لنفس طويل، والعمل على عدة مستويات، فأقباط المهجر من ناحية يساهمون في استقواء أقباط الداخل، وإثارة القلاقل، هذا إلى جانب التنصير ودوره في عملية الاختراق وهو محور حديثنا اليوم.
وشبكة التنصير في مصر [ ] لم تعد تعمل بنفس الأساليب القديمة، أو الأساليب التي كانت شائعة حتى وقت قريب في بلاد العالم الإسلامي، فالإرساليات الأجنبية التي كانت تنشئ كنيسة، وتجمع حولها بعض الأفراد وتنصرهم بعد تقديم مبالغ مالية، أو خدمة صحية، أو بعض الأدويةº لم تعد هي كل أساليب التنصير الآن، فالتنصير الحديث يسير جنباً إلى جنب مع المؤسسات المالية الدولية مثل: البنك الدولي، وصندوق النقد، ووكالات الإغاثة المختلفة.
والجميع الآن لكي يخترق البلاد الإسلامية - وخصوصاً بلدان القلب [ ] في العالم الإسلامي - يستخدمون أسلوب المشاريع الاقتصادية المصغرة، ويتخفون خلف ستار ما يسمى بالتمكين، والاهتمام بالأقليات، وبالجامعات الهامشية، والمرأة [ ] وما أشبه.
وعلى هذا فاللعبة الجديدة الآن للاختراق هي تقديم أموال من خلال ما يسمى بمنظمات غير حكومية تتخذ أسماء جذابة وخداعة لا معنى لها، وهي تأخذ هذه الأموال وتنفقها داخل البلدان المستهدفة في مشاريع وأنشطة غير تلك التي يفترض أن هذه الجمعيات تعمل فيها، واللعبة الآن هي إعطاء قروض صغيرة للأشخاص الفقراء من خلال الجمعيات التنصيرية، والتي تتستر وراء أسماء تنظيم الأسرة، أو تمكين المرأة، أو تنمية المجتمع، أو الإعانة الاقتصاديةº لكي يقوم هؤلاء الأفراد بمشاريع تعود عليهم وعلى أسرهم بالدخل، مما يجعلهم قوة اقتصادية في وسط فقير ومنهار من المسلمين، ومما يساعد على جذبهم أكثر إلى الكنيسة المسيحية في بلدهم، وهم قبل ذلك من المسيحيين أو معظمهم من المسيحيين، أما المسلمون الذين يأخذون هذه القروض فهم أيضاً مستهدفون لكي ينجذبوا إلى الدعوة [ ] التنصيرية من خلال هذا العائد الاقتصادي أو المنفعة الاقتصادية، أو على الأقل لا ينتمون إلى دينهم أو يغارون عليه أو يتمسكون بتعاليمه.
إذن الأمر الآن لم يعد مجرد تقديم المعونات الخيرية، وإنما أصبح يقوم على إكساب الجمعيات التنصيرية المستترة وضعاً في النظام الاقتصادي للبلاد، وتسليم فئة معينة من المواطنين لهم لكي يعملوا في مشاريعهم، وبالتالي يصبح ولاؤهم للنصرانية وللغرب عموماً.
وفي نفس الوقت [ ] فإن هذه المجموعة التي تنتفع بالأرباح الاقتصادية تصبح مجموعة قوية ومستقلة داخل المجتمع، وتشكل بالتالي نقطة جذب لمسلمين آخرين يريدون الالتحاق بها وتقليدها، كما أنها تصبح داعية إلى القيم الغربية بمجرد قوتها الاقتصادية التي تعطيها فوق ذلك وضعاً متميزاً داخل المجتمع لاسيما عندما تدخل بكل قوة إلى دنيا السياسة، وتخلق لها منابر إعلامية، وجمعيات ثقافية وفكرية تتحدث باسمها، وتروج لأفكارها.
ولا يقتصر هذا الاختطاف للمواطنين إلى المسيحية وإلى الغرب على الأقباط والمسلمين، وإنما يمتد إلى جماعات يسمونها بالعرقية [ ] مثل أهل النوبة في مصر [ ] الذين تدور بينهم [وإن كان بعيداً عن الأضواء الإعلامية] نشاطات أمريكية وأوروبية عديدة تسعى إلى خلق ما يسمى بالوعي القومي بينهم، وعزلهم كمجموعة مستقلة عن الشعب المصري لها أهدافها، ولها لغتها، ولها مؤسساتها الخاصة التي تعيش بها بعيداً عن المجتمع المصري.
وقد أفصح عن ذلك لوسائل الإعلام أحد هؤلاء الرموز، وهو حجاج أدول الذي حصل على إحدى جوائز الأدب المحلية، واحتفى به الغرب وأمريكا من خلال بعض المؤسسات المشبوهة التي حاولت من خلاله عرض معاناة مفتعلة وحقوق ضائعة للنوبيين في مصر، وهذا يؤكد وجود عملية اختراق لمصر [ ] على المستوى الطائفي والعرقي، وباستخدام أساليب متنوعة وحديثة في العمل التنصيري والتحريض.
وفي جولة سريعة ما بين منشأة ناصر ومقابر اليهود، ومصر [ ] القديمة والبساتين، والدويقة وجبل المقطم [وهي مناطق شعبية فقيرة في القاهرة] تعمل العديد من المؤسسات التنصيرية منها مؤسسة بيلان ودير مريم، وهذه مؤسسات تنصيرية تقليدية قديمة تقدم المعونات واحتفاليات الأحد، وتشجع الصداقة بين الشباب [ ] والفتيات من سن 11 - 15 سنة من مصر [ ] والبلاد الأوروبية.
أما الجديد والذي فوجئت به أن مؤسسة تدعى جمعية حماية البيئة ولها العديد من الفروع في تلك المناطق الشعبية وفي شتى أنحاء مصر، وتلك المؤسسة تقوم على آلاف الأمتار في منشأة ناصر كمجمع متكامل، وقد التقيت بالعديد من السيدات العاملات هناك، ومنهن: إيفون عازر، ومرزوقة، وحنان إبراهيم، وقد رأيت بنفسي خطابات من متبرعات غربيات.
والمجمع يضم العديد من الورش، ويتم تدريب شباب وفتيات من كافة الأعمار على الأشغال اليدوية، هذا إلى جانب دور الحضانة والمدارس، وإنتاج تلك الجمعيات يتم بيعه للأجانب، وبالتنسيق مع السفارات وخاصة السفارة الأمريكية التي تساهم في إعداد معارض محلية ودولية لتلك المنتجات، وهي غالباً منتجات متواضعة، فهي تتمحور حول لعب الأطفال، وتدوير الورق، وعمل كروت ومشغولات ورقية [ ] وفنية، وكذلك تدوير البلاستيك والقماش وعمل سجاد وكليم.
وقد لاحظت وجود أطفال [ ] رضع مع الأمهات العاملات، وقد ذكرت لي إحداهن أنه مسموح لهن اصطحاب الأطفال [ ] الرضع حتى سن 3 شهور، ومنذ 6 شهور ينضمون لدور حضانة خاصة بهم نظير مبلغ زهيد وهو 2 جنيه في الشهر، هذا إلى جانب المدارس الداخلية أيضاً التي ترحب بكل أطفال [ ] المنطقة، إنها مؤسسات متكاملة تنطلق وتتشعب وتنتشر بين الطبقات الشعبية لتخلق عالماً جديداً ينتمي إلى الغرب، أو على أسوء الظروف يتخلي عن الإسلام وقيمه تحت ستار حماية البيئة، وهي في الحقيقة مؤسسات تنصيرية تعمل على رعايتها كنائس أوروبا وأمريكا، وتغدق عليها أموال طائلة.