مما نقله سعيد بن البطريق عما حدث في المجمع الثالث حيث اجتمع الوزراء والقواد الى الملك وقالوا : أن ما قاله الناس قد فسد وغلب عليهم ( آريوس ) و ( اقدانيس ) فكتب الملك الى جميع الأساقفة والبطارقة فاجتمعوا في القسطنطينية فوجدوا كتبهم تنص على أن الروح القدس مخلوق وليس باله فقال بطريق الإسكندرية
: ليس روح القدس عندنا غير روح الله , وليس روح الله غير حياته ، فإذاقلنا أنروح الله مخلوقة فقد قلنا أنحياته مخلوقة ، وإذاقلنا حياته مخلوقة فقد جعلناه غير حي وذلك كفر .
فاستحسنوا جميعا هذا الرأيولعنوا ( آريون ) ومن قال بقولته هذه ,واثبتوا أن( روح القدس اله حق من اله حق ثلاثة اقانيمبثلاثة خواص) !!.
ومن هنا بدأت القصة ياساده ... الفهم الخاطىء ... أدى إلى انحراف العقيدة حتى أن أقروا خالق ثالث .... وهو الروح القدس !!!!
وكما قال البوصيري : جعلوا الثلاثة واحدا ولو اهتدوا لم يجعلوا العدد الكبير قليلا

فلنبين المفهوم الإسلامي للروح أولا
فقد ورد بالقران والسنة النبوية أن المسيح روح الله ، وذلك كقوله تعالى عن سيدنا جبريل (( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا)) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه دخل الجنة ) .
وقام علماء المسلمين بتوضيح هذه النصوص لازالة ما يلبس من الخطأ في الفهم , فقالوا : ان الله عز وجل منزه عن الامتزاج باي مخلوق ، والامتزاج هو الحلول والاتحاد , الذي يمثل أساس النصرانية , حيث قالوا بحلول الله في جسد عيسى عليه السلام وهو ما بنى الصوفية عليه اعتقادهم حيث يجعلون الله يحل في كل شيء , وان الأقطاب تصير آلهة على الأرض ويعتبر من كمال التوحيد عند الصوفية اعتقاد أن الله يحل في كل شيء .((تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا)) .

وتضاف كلمة روح القدس وروح منه الى الله ليس لاتحادها به , وإنما نسبة تشريف فهي إضافة تشريف وليست تبعيض ( أي جزء منه ) كما يقال ناقة الله وبيت الله . . . الخ . فمن المعلوم انه ليس المراد من ناقة الله : الناقة التي يركبها الله , وبيت الله ليس بمعنى البيت الذي يسكنه الله . فروح الله أي روح من الأرواح التي خلقها الله , وأضيفت إليه بقصد التشريف كقوله تعالى : ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى )) يقصد به إضافة تشريف ... هذا عن الأعتقاد الإسلامي .

ولكن ... ما هو مفهوم الثالوث من وجهة نظر العقيدة المسيحية ؟
فلنبدأ بتعريف منقول من موقع مسيحي عن مفهوم كلمة أقنوم .. يقول بالضبط ما يلى ..
ثالثاً: ما معنى كلمة اقنوم؟
كلمة أقنوم كلمة سريانية معناها " الذات المتميزة غير المنفصلة"وهي باليونانية " هيبوستاسيس “ وهي تحمل المعنى الحقيقي للتمايز بين اقانيم اللاهوت، وهي الاصطلاح الذي يطلق على كل من الآب والإبن و الروح القدس.
ويخطئ من يظن أن الأقانيم الثلاثة مجرد صفات أو ألقاب عاديةلأننا نرى الاقنوم الواحد يكلم الآخر ويتحدث عن نفسه، ويرسل الواحد منها الآخر، وهكذا ... وبديهي أن الصفات أو الألقاب العادية لا يمكن أن يخاطب بعضها أو أن يتكلم أحدهـا عن الآخر.
وهذه الأقانيم ثلاثة في وحدة جوهرية خاصة بكيان الله ، فهو واحد في جوهره مثلث في أقانيمه.
وكل أقنوم يدعى الله ، فالآبيدعى اللهكما يقول الكتاب (يع 1 عدد 27) ، والابن يدعى الله ( تي 3 عدد 16) ، والروح القدس يدعى الله (أع 5 عدد 3 ، 4).
والمقصود بهذه الأسماء تقريب المعنى للعقل البشري المحدود، ولا يخفى على أحد أنه ليس مقصوداً بالإبن والآب العلاقة الناتجة عن التزاوج أو التناسل، إنما هي أسماء تقريبية أعطاها الله ليفهم البشر الحديث عن الله الكائن بذاته، الناطق بكلمته ، الحي بروحه.
ولكن ما لم يقله كاتب هذا التعريف أن المعنى الصحيح لكلمة أقنوم هو ( شخص ) ... نعم شخص ... نحن نتحدث عن أشخاص ... حتى لا توجد كلمة يمكنها ان تثبت معنى التثليث إبتدائا من الكلمة التي أستخدمها النصارى لإثبات المعنى .... !!!!
وأصل الأيمان المسيحي فى التثليث هو أن : كل واحد من الأقانبم شخص بمفرده ، ولكن ألوهية كل منهم هي نفس الألوهية ، ونفس العظمة ، ونفس الجلال الأبدي ، فالآب مثل الأبن ، والإبن مثل الروح القدس . وأى من الأقانيم ليس مخلوقاً ، ولهم نفس الأزلية ، والخلود ، والقدرة ، والعظمة

وبالرغم من ذلك فهم ليسوا ثلاثة قادرين على كل شيء بل واحد فقط هو القادر على كل شيء !!
وبالمثل فإن الآب إله والإبن إله والروح القدس إله
وبالرغم من ذلك فهم ليسوا ثلاثة آلهة بل هم واحد فقط !!!

وبنفس الطريقة فالزعم المسيحية يُحتِّم عليهم الاعتراف بكل شخص على حدة كإله ورب ولكن يمنعهم إيمانهم أن يذكروهم كثلاثة آلهة أو ثلاثة أرباب
فالآب ليس مصنوعاً أو مخلوقاً أو مولوداً ، وكذلك الإبن ، والروح القدس ليس مصنوعاً أو مخلوقاً أو مولودا من الآب أو الإبن ولكنه منبثق منهما.

وبين هؤلاء الأشخاص لا يوجد الأول أو الاخر ولا الأصغر أو الأعظم وإنما الأزلية والعظمة للثلاثة مجتمعين . . . .
فالمسيح إله من جوهر الآب ، ولد قبل الزمن ، وإنسان من جوهر الأم ولد عندما جاء الوقت ، وإله كامل ، وإنسان كامل ، يتكون من الروح الحكيمة واللحم الادمي .
وهو يساوي الآب في ألوهيته إلا أنه يصغره نسبة لآدميته . وعلى الرغم من كونه إلهاً وإنساناً إلا أنهما ليسا بإثنين بل هما المسيح . . . "


كما أن هناك أضطراب وتناقض عظيم في قولهم : إن الروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب ـ حسب عقيدة الارثوذكس ـ أو المنبثق من الأب والابن ـ حسب عقيدة الكاثوليك والبروتستانت .

وموضوعالثالوث في العقيدة المسيحية ذو أهمية وخطورة بالغة، ذلك لأن قول الكنيسة بوحدانية الله، وامتياز الأقانيم أحدها عن الآخر، ومساواتها في الجوهر، ونسبة أحدها إلى الآخر، كل ذلك لم يرد فيه جملة واحدة بالتصريح في الكتاب المقدس ،ونحن كمسلمين نعجب كيف يؤمن المسيحيون بعقيدة تعتبر لبّها ومحورها الاساسي ولا نرى لها نصاً صريحاً في الكتاب المقدس ؟!
و يعترف المسيحيين أن هذا لا سبيل لفهمه و إدراكه بالعقل و يسمونه "سرّ التثليث". با ان هناك قصة شهيرة عن القديس سانت أوغسطين تروى انه كان يتمشى على شاطىء البحر فرأى طفلا صغيرا يحفر حفرة ويضع فيها ماء البحر ... فسأله ماذا تفعل .. فقال أضع البحر فى الحفرة ... فتعجب سانت أوغسطين من رد الطفل وقال له ... هل تضع كل البحر فى هذه الحفرة ... ثم تبين لأوغسطين ان هذا الطفل ملاك .. ورد عليه وقال ان كنت لم تدرك اننى ممكن ان أضع ماء البحر فى هذه الحفرة .. فكيف تدرك بالعقل ان تفهم التثليث !!!!!

والروح القدس عندهم يمثل عنصر الحياة في الثالوث المقدس ، ويعتبر أقنوم قائم بذاته ، وإله مستقل بنفسه ، والثالوث المقدس ثلاثة أقانيم هي : الذات والنطق والحياة ، فالذات هو الله الآب ، والنطق أو الكلمة هو الله الابن، والحياة هي الله الروح القدس ، ويعتقدون أن الذات والد النطق أو الكلمة ، والكلمة مولودة من الذات ، والحياة منبثقة من الـذات أو من الذات والكلـمة على خـلاف بين الكنـائس .


... ويلزم من ذلك أن يكون المسيح فيه لاهوتان : الكلمة ، وروح القدس ، فيكون المسيح من ناحية الناسوت : أقنومين أقنوم الكلمة ، وأقنوم روح القدس ،

ويقول بعض مفسرى النصارى أنهم لم يسموا الله بهذه الأسماء من ذات أنفسهم ، ولكن الله سمى لاهوته بها ، والغريب انه ليس فيما ذكره النصارى عن الأنبياء أن الله سمى نفسه ، ولا شيئاً من صفاته روح القدس ، ولاسمى نفسه ولا شيئاً من صفاته ابناً ، فبطل تسميتكم لصفته التي هي الحياة بروح القدس، ولصفته التي هي العلم بالابن . وأيضاً فأنتم تزعمون أن المسيح مختص بالكلمة والروح ، فإذا كانت روح القدس في داود عليه السلام والحواريين وغيرهم بطل ما خصصتم به المسيح ، وقد علم بالاتفاق أن داود عبد الله عز وجل ، وإن كانت روح القدس فيه ، وكذلك المسيح عبد الله وإن كانت روح القدس فيه ، فما ذكرتموه عن الأنبياء ، حجة عليكم لأهل الإسلام ، لا حجة لكم )) .

ويدل أيضاً على عدم خصوصية الروح القدس بالمسيح ـ عليه السلام ـ ولا بغيره ، أن النصارى يقرون أن الروح القدس ناطق في الأنبياء ، إذ قالوا في قانون إيمانهم المقدس : ((الناطق في الأنبياء )) ، ويسمى ـ في زعمهم ـحياة الله ، وإذا كان كذلك فهذا باطل ، إذ يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (( وحياة الله صفة قائمة به لا تحل في غيره ، وروح القدس الذي تكون في الأنبياء والصالحين ليس هو حياة الله القائمة به ، ولو كان روح القدس الذي في الأنبياء هو أحد الأقانيم الثلاثة لكان كل من الأنبياء إلهاً معبوداً قد اتحد ناسوته باللاهوت كالمسيح عندكم !!!

فإن المسيح لما اتحد به أحد الأقانيم صار ناسوتاً ولاهوتاً ، فإذا كان روح القدس الذي هو أحد الأقانيم الثلاثة ناطقاً في الأنبياء كان كل منهم فيه لاهوت وناسوت كالمسيح ، وأنتم لا تقرون بالحلول والاتحاد إلا للمسيح وحده مع إثباتكم لغيره ما ثبت له ))


وقال ـ رحمه الله ـ في موضع آخر : (( وهم إما أن يسلموا أن روح القدس في حق غيره ليس المراد بها حياة الله ، فإذا ثبت أن لها معنى غير الحياة ، فلو استعمل في حياة الله أيضاً لم يتعين أن يراد بها ذلك في حق المسيح ، فكيف ولم يستعمل في حياة الله في حق المسيح ، وأما أن يدعوا أن المراد بها حياة الله في حق الأنبياء والحواريين ، فإن قالوا ذلك لزمهم أن يكون اللاهوت حالاً في جميع الأنبياء والحواريين ، وحينئذٍ فلا فـرق بين هـؤلاء وبين المسيح )) .