الشيخ رفاعي سرور
المرأة هي القضية التي جمعت فيها الجاهلية أخطرَ شبهاتها حول الشريعة الإسلامية؛ ذلك أن الجاهلية تواجه الشريعة بادِّعاء التناقض بين الشريعة والإنسانية..
وقضية المرأة هي الأساس في طرح أي تصور إنساني.. ومن هنا استحوذت هذه القضية على أخطر الشُّبهات الداعية إلى القول بالتناقض بين الشريعة والإنسانية..
وقد انعكست الطبيعة العاطفية لهذه القضية على هذه الشبهات.. مما ساهم في طرحها على سرعة التفاعل معها، وخصوصًا عندما تكون الأحكام الشرعية في الأساس غير مرهونة بمعرفة العلة العقلية منها.
ومن هنا كانت مواجهة هذه الشبهات.. في حقيقتها مواجهة لأبعاد أساسية في قضية الشبهات الجاهلية حول الشريعة الإسلامية.. والتي تبدأ دائمًا بأخطر المسائل المثيرة للعاطفة وهي «مكانة المرأة».
مكانة المرأة عند الله




ولكن قبل الدخول في إثبات مكانة المرأة في الشريعة يجب الانتباه إلى أن هذه المكانة لها أساسٌ مهمٌّ؛ ألا وهو مكانة المرأة عند الله سبحانه وتعالى: قدرًا وشرعًا .. ومن هنا تثبت مكانة المرأة في قدر الله قبل شرعه سبحانه.
ولعل أقوى الأدلة على مكانة المرأة في قدر الله هو قدَر إنشاء الأمم، وأخطر مثال على ذلك هو إنشاء أكبر أمَّتين ارتباطاً بتلك المكانة: أمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمة بني إسرائيل...
وذلك عند بناء البيت الحرام الذي تحدد مكانه لإبراهيم؛ (وذلك حين ولدت هاجر عليها السلام إسماعيل عليه السلام وغارت منها سارة فكان منها ما كان من خصومة معتادة بين الضرائر) (فتح الباري) ليذهب إبراهيم بزوجه هاجر إلى مكان البيت بعد غيرة سارة، التي رُزقت بإسماعيل؛ لتكون بذلك بداية أمة الرسول صلى الله عليه وسلم..
يقول الله عز وجل: )رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ( [البقرة: 129].
وبذلك يكون قدر أمة الرسول صلى الله عليه وسلم قد بدأ بالاستجابة لغيرة سارة من هاجر، ثم الاستجابة لدعاء إبراهيم وإسماعيل بأن يبعث في أهل هذا المكان رسولًا منهم؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا دعوة مستجابة من دعوات إبراهيم».
وكما كانت مراعاة الله بـ «قدره» لمشاعر سارة كانت رعاية الله لهاجر؛ حيث كانت رعاية هاجر أساسًا في دعاء إبراهيم: )رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ( [إبراهيم: 37].
وكذلك أمة بني إسرائيل، كما قال سبحانه: )فَلَمَّا قَضَى مُوسيَ الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( [القصص: 29، 30].
يذهب موسى ليبحث عن جذوة من نار تدفئ الزوجة فيدخل الوادي المقدس طوى؛ ليكون كلام الله معه، ووحي الله إليه؛ لتنشأ أكبر أمة بعد أمة النبي عليه الصلاة والسلام..
وتكون الأولى من خلال رغبة سارة في رحيل هاجر بعد غيرتها وحفظ هاجر وإسماعيل ببئر زمزم..
وتكون الثانية من خلال رعاية موسى لزوجته.
وبعد تحديد مكانة المرأة في قدر الله تأتي مكانة المرأة في شرع الله..
ومكانة المرأة تتحدد كأساس للأحكام الشرعية التي توفى حقوقها بصورة إنسانية كاملة.
وليس أدل على ذلك من خطبة الوداع «اللقاء الأخير» بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، يقوم فيهم ويوصي وصاياه التي ستعيش معهم، ويعيشون بها من بعده إلى قيام الساعة، يقول: «ألا واستوصوا بالنساء خيرا... ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا؛ فأما حقكم على نسائكم فلا يطئن فراشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن».
ولعلنا نلاحظ لفظ «أن تحسنوا إليهن» الذي يثبت أداء حق المرأة بصورة إنسانية تفوق مجرد أداء التكليف والواجب والذي يفسره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك» وفي رواية: «ومهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة ترفعها في فيِّ امرأتك ولعل الله يرفعك»فالأمر ليس مجرد الإطعام ولكنه الحنان والرحمة في الإطعام.
ولعلنا نلاحظ في الرواية الأخيرة أن الله يرفع العبد برفعه اللقمة إلى فم امرأته.
وليس أدل علي ذلك -أيضًا- من أن يذكر القرآن المخرج الشرعي الذي جعله الله لنبيه أيوب حتى يمنعه من ضرب زوجته!!
يقول ابن كثير في تفسير قوله سبحانه: )وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ( [ص: 44]:
(وذلك أن أيوب عليه الصلاة والسلام كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته... وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة... فلما شفاه الله عز وجل وعافاه ما كان جزاؤها -مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان- أن تقابل بالضرب؛ فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثا وهو الشمراخ فيه مائة قضيب، فيضربها به ضربة واحدة، وقد برت يمينه وخرج من حنثه)([1] )).
وليس أدل على تحديد مكانة المرأة كأساس للأحكام الشرعية من أن تشمل هذه الأحكام كل الأحوال:
حيث بلغت المعالجة النفسية للزوجة كل أحوالها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى موضع شرب السيدة عائشة من الإناء في حال الحيض.. للدلالة على شدة الارتباط والتوافق..
عن عائشة قالت:(كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب) (صحيح مسلم) وهو الأمر الذي نجده عند اليهود في هذه الحالة عزلة تامة في المأكل والمشرب.
والمرأة تراقب تصرف زوجها معها في حال حيضها؛ لأنها تحاول اكتشاف مدى معزتها عنده وأنه يحبها لذاتها وليس لرغباته وغريزته فقط.
وكذلك حال نوم الزوجة.. وهذا جبريل رسول الوحي والروح الأمين الذي قال الله فيه: )إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ . مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ(..
ينزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكلمه، فيجد عائشة نائمة بجواره فيُسمعه دون أن يصل صوته إلى عائشة؛ حتى لا تستيقظ، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: «... فإن جبريل أتاني حين رأيتِ فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك»(مسلم).
وهكذا يكون اعتبار حالة نوم عائشة من جانب خير الملائكة وخير الأنبياء والمرسلين!!
وعلى أساس هذه المكانة تُناقش الشبهات..
الحكم بنقصان العقل
وتفسير نقصان عقل المرأة.. كمالٌ في وظيفتها وشخصيتها.
لأن هذا النقصان جاء من الاختلاف بين طبيعة المرأة وبين ومقتضيات الواقع من خلال عدة زوايا..
تمثل مقتضًا جوهريًّا للوظيفة الطبيعية للمرأة..
- فالمرأة كزوجة ترغب نفسيًّا وبشدة أن تكون في نظر زوجها أجمل النساء على وجه الأرض؛ رغم أنها في الواقع ليست كذلك.. فهناك من هو أجمل منها...
ولكنها ترغب في أن تكون هذه صورتها في نظر زوجها.. ولذلك تجد راحة شديدة عندما يحدثها زوجها في المعاني التي تتخيلها في نفسها..
ومن هنا أجاز الشرع الكذب على الزوجة(1)والأصل في التعامل هو الصدق بين الأطراف، فإذا كذب أحد الأطراف على الآخر غضب عليه هذا الآخر، فإذا لم يغضب عليه ورضي بكذبه بل ورغب في أن يكثر من الكذب عليه فإن هذا سيكون بلا شك نقصانًا في عقله!!
وهذا هو واقع المرأة على وجه الحقيقة: ناقصة عقل لرغبتها في كذب زوجها عليها، حين يصور لها نفسها بالصورة التي ترغبها وإن كانت مخالفة للواقع.
- وغلبة الرجاء عند المرأة لا يقل خطورة عن رغبتها في الكذب عليها؛ لأن المرأة كما تحب أن تكون في نظر زوجها أحسن من واقعها فإنها تحب أن يكونمستقبلها أحسن من واقعها أيضاً.
وكما يكذب الرجل على المرأة في شخصها يكذب عليها في مستقبلها، وهي أيضاً تعلم ذلك وترغبه بنفس درجة الرغبة في الكذب عليها في شخصها.
ولأن أمل المرأة في مستقبلها يفوق إمكانيات أي رجل كان ضروريًّا أن يمنيها الرجل في مستقبلها ويجعلها في رجاء دائم في حياة أفضل.
وهذه حادثة سليمان التي رواها الحافظ أبو بكر البيهقي:
(مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: وما يقول يا نبي الله؟ قال: يخطبها إلى نفسه ويقول: زوجيني، أسكنك أي غرف دمشق شئت.
قال سليمان عليه السلام: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب).
- أما الزاوية الثالثة فهي الاختلاف بين عقل المرأة وواقعها في مقتضيات الأمومة..
فالعلاقة بين الأم وابنها في المرحلة الجنينية أمر ضروري للغاية بالنسبة للجنين، وفي نفس الوقت فإن طبيعة الأمومة قائمة في المرأة منذ الصغر.
فعندما تكون بهذه الطبيعة حتى تكبر وتصير أمًّا... فلا بد أن تتعامل بهذه الطبيعة مع الجنين الذي في بطنها.
حتى إن المرأة تتعامل مع جنينها إلى درجة المخاطبة والحوار، وهو أمر صحي للجنين لكن ممارسته تتطلب قدرًا من العاطفة الزائدة عن العقل؛ لأنها تنشئ علاقة مع طرف خفي وهو جنينها الذي لم يزل في بطنها.
وعندما تتخيل أن زوجًا دخل على امرأته الحامل ووجدها وحدها تتكلم مع الجنين الذي في بطنها وتتخيله يشاركها الحوار فتصمت حتى تعطيه فرصة الرد (أقصد الجنين) ثم تضحك وحدها إذا تخيلت أنها تكلمه كلامًا مضحكاً أو يرد عليها ردًا مضحكًا، وتعتب عليه لأنه لا يريد أن يكون كما تريد؛ فهي تريده كذا وهو يريد أن يكون شيئاً آخر.
فماذا سيقول الزوج؟!!
وهذا هو تفسير نقصان العقل الناشئ عن غلبة تخيلها الكمال في نفسها، وعن أملها الخيالي في مستقبلها، وعاطفتها الجامحة في أمومتها..
وكلها ضرورات جوهرية في وظيفتها الطبيعية.
ومن هنا كانت مسئولية استمرار العلاقة الزوجية تقع على الرجل أساسًا ومرتبطة بقراره وهو حكم القوامة..
المواريث


تبين من نقصان عقل المرأة لزيادة عاطفتها ضرورة أن تكون القوامة للرجل التي لا تكون إلا بالنفقة {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}.
وواجب النفقة من الزوج على الزوجة هو الذي ينقلنا تحديدا إلى حكم المواريث..
فمن الشبهات المثارة بخصوص المرأة حكم أن للمرأة نصف ميراث الرجل..
والحقيقة أن هذا الحكم يتضمن المساواة الكاملة بين الرجال والنساء، ولكن من خلال الأسرة التي يكون الرجل فيها هو المسئول شرعًا عن النفقة:
فيقرر الشرع أن إنفاق الزوجة على الزوج غير ملزم لها، وأنه إذا حدث يكون صدقة منها عليه، وذلك عندما جاءت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيجزئ عني أن أتصدق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ قال: «نعم ولها في ذلك أجران؛ أجر الصدقة، وأجر صلة الرحم».
ولذلك فإن الرجل الذي له ضعف حق المرأة سيتزوج امرأة لها نصف ميراث الرجل، وهي بدورها ستتزوج رجل له ضعف حق المرأة؛ فتتساوى الأسرتان أو يتساوى الرجل والمرأة على مستوي الأسرة الواحدة.
الحجــاب
ومن أهم أحكام الشريعة التي تحتاج في علاقتها بالطبيعة الإنسانية الأصلية إلى نوع مناقشة حكم الحجاب؛ إذ يطرح التساؤل نفسه: هل ترغب المرأة نفسيًّا وإنسانيًّا أن يراها الرجال.. ليكون حكم الحجاب مناقضًا لهذه الرغبة؟
والحقيقة.. وبصفة عامة فإن العلاقة الفطرية بين المرأة والرجل ليست قائمة في البداية على الرغبة المتبادلة بينهما؛ إذ يسبق هذه الرغبة الإحساس الذاتي لكل منهما بنفسه قبل إحساس كل منهما بالآخر.
والإحساس الذاتي لكل من الرجل والمرأة يكون بالنسبة للرجل من خلال مشاعر الرجولة والتميُّز والكرامة.
وبالنسبة للمرأة من خلال مشاعر الأنوثة والتميز والكرامة.
وإن نشأة هذا الإحساس المتبادل بينهما يأتي بعد هذه المرحلة..
وعلى هذا فإن العلاقة بين الرجل والمرأة في المرحلة الثانية تأتي باعتبار مشاعر المرحلةالأولى..
والحجاب يعالج الإحساس الذاتي للمرأة قبل معالجة إحساس المرأة بالرجل.
وتفسير ذلك..أن الرجل يختار المرأة التي تتمم له شعوره بالرجولة والتميز والكرامة، وكذلك المرأة تختار الرجل الذي يتمم لها شعورها بالأنوثة والتميز والكرامة.
وهذا المنطلق هو الذي يجعل الرجل ليس لكل النساء والمرأة ليست لكل الرجال، ولكن يكون الرجل لامرأة معينة والمرأة لرجل معين.
فإذا اتجهنا بالتفصيل إلى المرأة -باعتبارها موضوع الكلام- نجد أن المرأة -حسب هذه القاعدة- لا تشعر بذاتها إلا من خلال حجابها؛ ولكي يبقى شعورها بذاتها قائما فإنها لا تحب أن يراها كل الرجال، بل رجل معين؛ يغير عليها .. وتقبل معاشرته.
على أن يكون لهذا الحب منطلق أساسي هو إتمام المشاعر الذاتية للمرأة، وهي الأنوثة والتميز والكرامة.
وهدم هذه القاعدة هو الذي أحدث الانفصال بين الإحساس بالذات وبين الحجاب، الأمر الذي تؤكد عليه الأحكام الشرعية بصورة مستفيضة.
فمن حيث شعور المرأة بذاتها من خلال الحجاب جاء قول الله سبحانه: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً([الأحزاب:59].
ففي الآية ربط بين الإحساس بالذات والحجاب؛ لأنالإحساس بالانتماء للأُمة من خلال مقام النبوة )يا أيها النبي قل لأزواجك..(.
وهنا تأتي هذه العناصر الثلاثة:
- إن الحجاب الذي تتميز به المرأة المسلمة يغذي مشاعر الرغبة في التميز عند المرأة.
- إن الحجاب يمثل زي الكرامة في المرأة، ويكفي أن تعلم المحجبة أن اعتداء أحداليهود على زي امرأة مسلمة كان سببًا في جلاء بني قينقاع، وهي واحدة من أكبر قبائلاليهود في جزيرة العرب.
- إن الحجاب باعتباره زي طاعة لله؛ فإنه يكون زيًّا جماليًّا كما قال ابن القيم:(... والجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع: منه ما يحمد ومنه ما يذم ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم، فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له، كما كان النبي e يتجمل للوفود، وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال..)[الفوائد].
و المرأة تحب أن تتحقق فيها كل هذه العناصر من خلال الأحكام الشرعية للعلاقة بين الرجال والنساء، فعندما تسير مجموعة من النساء المحجبات فقد تشعر كل واحدة داخل نفسها أنها من خلال المظهر العام للحجاب أنها بذاتها موضع تكريم واختصاص ولا مانع من هذا الإحساس في إطار المظهر العام للالتزام بالحجاب.
وفي المقابل يكون التبرج ظاهرة غير فطرية.. لأنها لا تتضمن هذه العناصر الثلاثة، بل تجعل المرأة لأي رجل، وبذلك تفقد إحساسها بجمالها وتميزها وكرامتها.
حتى المرأة المتبرجة ترفض مغازلة رجل لها وتقبل بمغازلة آخر؛ لأن نظرتها إلى الرجل هي التي تحدد رفض أو قبول الغزل..
حتى هذه المرأة وهي تكشف جسدها لكل الناس تشعر أنها ليست لكل الناس... بل لمن ترغب هي أن يراها!!
وبذلك يكون في الحجاب اعتبار كبير للإحساس الطبيعي عند المرأة بألا تكون إلا لمن تحب... وهو زوجها ورجُلها الذي لا يراها أحد غيره...
حكم الطلاق
والزواج الصحيح حماية من الطلاق لأن الأسرة تتكون بأسباب حمايتها ..
من حيث الاختيار الصحيح والقبول الحقيقي بين الطرفين
ومن حيث معالجة المشاكل.
وحكم الطلاق شرعا يمنع وقوعه حدوثا...!!
ذلك أن جواز الطلاق يحقق توازنا نفسيا في العلاقة الزوجية ويحقق الإحساس بإرادة «الاستمرار» بعد إرادة «البدء والاختيار»..
لأن إرادة الاختيار التي بدأ بها الزواج لا بد أن تبقى مع الزواج في استمراره.. بمعني أن يكون لدى كل طرف من الطرفين الشعور بالرغبة في استمرار هذه العلاقة، وأنها باقية بإرادتهما كما بدأت بإرادتهما.. ولا يحقق الشعور بإرادة الاستمرار إلا الشعور بالقدرة علي الانفصال وهو ما يتضمنه حكم إباحة الطلاق..
وعلى ضوء هذا المفهوم الإسلامي ندرك مدى شناعة خطأ النصاري في منع الطلاق؛ لأن مجرد الشعور بفقد إرادة الطرفين في استمرار العلاقة يفقدها أكبر معني لها؛ وهو الإرادة الذاتية لهما في تكوين وبقاء العلاقة بينهما.
أما الزعم بأن ما يجمعه الله لا يفرقه إنسان فهو تفسير خاطئ للعلاقة بين الإرادة الإلهية والإنسانية في الزواج..
حيث يكون الزواج بعد صلاة الاستخارة من خلال مشاعر الرغبة التي يضعها الله في قلب الخطيبين: إذا كان الزواج خيرا لهما فيتم بقدر الله فيهما وبالحب بينهما.
وبذلك يكون القبول النفسي وصلاة الاستخارة هما الحد الفاصل بين فكرة أن الزواج اختيار إلهي لا ينظر فيه إلى رغبة الخطيبين..
وبين فكرة أن يكون الزواج قدرا مكتوبا عند الله دون اعتبار مشاعر الخطيبين
وبعد بداية العلاقة والزواج..
فإن مراحل معالجة النزاع تمثل ضمانات واقعية لاستمرار العلاقة الزوجية..
فعند الخوف من النشوز تجب المتابعة الدقيقة من الزوج للزوجة بما تتضمنه تلك المتابعة من اهتمام الزوج بكل تصرفات الزوجة..
ثم تكون الموعظة وهي الكلام اللين المؤثر الرقيق.
فإذا لم تكن الطاعة...
يأتي حكم جواز الضرب ..
وهو من الأحكام التي يجب أن تناقش شرعاً وباعتبار إنساني، وهو الوارد في قول الله..
)الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(.
وهذه الآية تنبه صيغتها إلى حقيقة هامة وهي أن الضرب لا يكون إلا آخر الأمر؛ولذلك كان قبل الضرب)فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع(.
الأمر الذي لا يكون في النهاية إلا اضطرارا. وبمجرد أن يتحقق الغرض بلا زيادة؛ لأن الزيادة ستكون بغياً.
ولذلك قالت الآية بعد الضرب: )فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً(.
ولذلك أورد البخاري في صحيحه باب كراهية ضرب النساء.
ويجب أن يكون مفهوماً أن أثر الضرب المباح إباحة محدودة.. مرهون بطبيعة العلاقةأصلاً.
بمعنى أن جواز الضرب استثناء يثبت الأصل.
والأصل هو المودة والرحمة والعطف والحنان؛ فعندما يكون الضرب استثناء من هذاالأصل وبمجرد حدوثه بأقل صورة يكون له في نفس الزوجة أكبر الأثر.
والحقيقة أنالمرأة السوية عندما يضربها زوجها بهذه الصورة الشرعيةوبهذه الروح الحانية..
فإنالزوجة تزداد حباً لزوجها.. لعدة أسباب.
لأنها تشعر أن زوجها حريص على علاقته الزوجية بها فأذهب غضبه بهذاالتصرف(وليس بأي تصور يؤثر في العلاقة ذاتها).
ولأن المرأة تحب أن ترى في نفسها المرأة المدللة؛ ولأنها تحب أن تعيش هذا الإحساسفإنها تحب مع ذلك أن يكون زوجها بجانبها لينبهها عندما تغيب بهذا الإحساس عنمقتضيات الواقع وواجباته..
فتحب أن تشعر بيد قوية تمسك بزمامها وتنبه غفلتها.
تماماً مثل التعامل مع إنسان غائب عن الوعي ويحب الاطمئنان إلى من يكون بجانبه ..
لأن المرأة عندما يكون زوجها حاسماً معها بجانب حنانه عليها.. ترى فيه قوة الحسم التي لا يكون معها بغي عليها، ورقة الحنان التي لا يكون معها ضعف أمامها.
والمرأة تشعر بالفرق بين ضرب الزوج حبا لها وحرصا عليها وبين الضرب الذي يكون لمجرد الرغبة أو سوء خلق..
فترى الرجولة العاقلة الحكيمة.. فتزداد حباً له
فإذا لم تكن الطاعة وكان الطلاق فإن أول إجراء فيه هو بقاؤها في بيت زوجها فترة عدتها.
وذلك في حالة وقوع الطلقة الأولى التي يكون لها إجراءات وشروط تمثل ضمانًا آخر للاستمرار في العلاقة الزوجية.
وحكم العدة وبقاء المرأة التي وقع عليها الطلاق في بيت زوجها سينشئ إحساسا جديدا بينهما؛ حيث سيكونا معًا في بيت واحد ولا يستطيعا الاقتراب من بعضهما فينشئ ذلك شعورا جديدا بقيمة كل طرف عند الآخر حيث سيعود هذا الشعور بهما إلى فترة الاختيار الأولي التي كان يتمني فيها كل طرف الارتباط بصاحبه
فتتجدد المشاعر الزوجية بينهما
ومع كل ما سبق يمكن أن يقع الطلاق البائن «الذي لا رجعة فيه».
وهنا تتابع الأحكام الشرعية مع الحالة ليكون التسريح بإحسان كما كان الإمساك بمعروف لقوله تعالى: )الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ( [البقرة: 229].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*أنظر المسيح دراسة سلفية.
([1]) تفسير ابن كثير (4/51).
(2) في حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِيثَلَاثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ) اخرجه ابن عساكر