هل هناك أدلة على قتل الأسرى في الإسلام ؟!


قال البعضُ :إن الأسرى لا يقتلون في الإسلام؛ فأسير الحرب يخير فيهم القائد المسلم بين تركهم لحريتهم دون مقابل، أو الفداء أي إطلاقه بمقابل ، وهذا ما جاء في القرآن من قوله I :" فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا(4 )"(محمد).
ثم تساءلوا من أين جاء البعض بقتل الأسير، وهذا هو القرآن واضح بعدم قتل الأسير؟


الرد على الشبهة


أولًا: إن ما سبق ذكره حق ولا شك فيه ولكن ينقصه الجمع بين الأدلة كلها حتى يتضح لنا موقف الأسير في الإسلام .

فبالنسبة للمعاملة فهو يعامل أحسن المعاملة يخاطبون بخير الكلام ويدعى إلى الإسلام ؛ كما يطعم مما يطعم المسلمون وأحسن أن وجد؛ وهذا من قوله I: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) "(الأنفال).

وقوله I:" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)"( الإنسان).

جاء في التفسير الميسر: إلا مَن رحم الله، ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم.



أما بالنسبة لجواز قتل الأسير ،فقد جاء في القرآن الكريم ليحكم بالقتل على الأسير الذي كثر شره وتفاقمت جرائمه وله ماض مع المسلمين ... وهذا من قوله تعالى :" مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) "(الأنفال).

جاء في التفسير الميسر : لا ينبغي لنبي أن يكون له أسرى مِن أعدائه حتى يبالغ في القتل; لإدخال الرعب في قلوبهم ويوطد دعائم الدين، تريدون -يا معشر المسلمين- بأخذكم الفداء من أسرى "بدر" متاع الدنيا، والله يريد إظهار دينه الذي به تدرك الآخرة. والله عزيز لا يُقْهر، حكيم في شرعه.


إذاً : من خلال ما تقدم من الجمع بين الآيات تبين لنا : أن القائد المسلم هو مخيرٌ في الحكم على الأسير بالمن أو الفداء بالمال أو تبادل الأسرى، أو القتل إذا كانت حياته تمثل شراً أ و خطراً على المسلمين، وهو ما يطلق عليه في زمانا (مجرم الحرب) ؛ وهذا هو فعل النبي r في غزو بدر وغيرها ...

دليل ما سبق ذكرها بن القيم- رحمه الله- في كتابه القيم زاد المعاد الجزء 5/ ص59 :فصل: في حكمه في الأسرى.
ثبت عنه في الأسرى أنه قتل بعضهم، ومنّ على بعضهم، وفادى بعضهم بمال، وبعضهم بأسرى من المسلمين، واسترق بعضهم ولكن المعروف أنه لم يسترق رجلًا بالغاً.
فقتل يوم بدر من الأسرى عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث ،وقتل من يهود جماعة كثيرين من الأسرى، وفادى أسرى بدر بالمال بأربعة آلاف إلى أربعمائة، وفادى بعضهم على تعليم جماعة من المسلمين الكتابة، ومن علي أبي عزة الشاعر يوم بدر وقال في أسارى بدر : "لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له ".
وفدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين .
وفدى رجالًا من المسلمين بامرأة من السبي استوهبها من سلمة بن الأكوع.
ومن على ثمامة بن أثال وأطلق يوم فتح مكة جماعة من قريش فكان يقال لهم : الطلقاء .
وهذه أحكام لم ينسخ منها شيء بل يخير الإمام فيها بحسب المصلحة ؛واسترق من أهل الكتاب وغيرهم فسبايا أوطاس وبني المصطلق لم يكونوا كتابيين وإنما كانوا عبدة أوثان من العرب ،واسترق الصحابة من سبي بني حنيفة ولم يكونوا كتابيين؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : خير رسول الله r في الأسرى بين الفداء والمن والقتل والاستعباد يفعل ما شاء وهذا هو الحق الذي لا قول سواه .اهـ


إذًا: القائد المسلم مخير في الحكم على الأسير بما يجلب المصلحة لجيشه وللمسلمين ؛ فإن وجد القتل لمجرمي الحرب ينتج عنه رعبًا للعدو كان له ذلك ، وكان له أن يمن ّ على من ليس خطرًا مع حسن المعاملة ودعوته للإسلام، وله أن يتبادل بين أسراه مع العدو...هذا كله يرجع للقائد المسلم فله الخيار بعد الشورى .



ثانيًا : إن الكتاب المقدس يحكم على الأسير الرجل بالقتل والمرأة بالسبي والإذلال لها ، ولا يوجد تخير للقائد بل هو القتل لا سواه ...
وهذه بعض نصوص الكتاب المقدس تبين ذلك كما يلي:

1-سفر التثنية إصحاح 20 عدد10وَحِينَ تَقتَرِبُونَ مِنْ مَدِينَةٍ لِتُحارِبُوها، فاعرِضُوا السَّلامَ أوَّلاً. 11 فَإنْ قَبِلُوا عَرضَكُمْ لِلسَّلامِ وَفَتَحُوا بَوّاباتِهِمْ، يَصِيرُ جَميعُ سُكّانِ تِلكَ المَدِينَةِ خُدّاماً وَعُمّالاً لَدَيْكُم. 12 وَلَكِنْ إنْ لَمْ تُسالِمكُمْ وَحارَبَتكُمْ، فَحِينَئِذٍ يَنبَغِي أنْ تُحاصِرُوها. 13 وَعِنْدَما يُعْطِيكُمُ إلَهُكُمْ المَدِينَةَ، اقْتُلُوا كُلَّ ذُكُورِهِمِ الكِبارِ. 14 أمّا النِّساءُ وَالأطفالُ وَالحَيواناتُ وَكُلُّ ما هُوَ ثَمينٌ فِي المَدِينَةِ، فَخُذُوهُ لِأنفُسِكُمْ، وَاستَخدِمُوا غَنِيمَةَ أعدائِكُمُ الَّتِي يُعطِيها إلَهُكُمْ لَكُمْ. 15 هَكَذا تَفعَلُونَ لِكُلِّ المُدُنِ البَعِيدَةِ عَنكُمْ، الَّتِي هِيَ لَيسَتْ مُدُناً لِلأُمَمِ الَّتِي هُنا. 16 «لا تُبقُوا شَيئاً حَيّاً فِي كُلِّ مُدُنِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعطِيها إلَهُكُمْ لَكُمْ مَلكاً. 17 اقْضُوا عَلَيهِمْ تَماماً – الحِثِّيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالكَنعانِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالحُوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ – كَما أوصاكُمْ إلَهُكُمْ. 18 لِكَي لا يُعَلِّمُوكُمُ الأشياءَ الكَرِيهَةَ الَّتِي يَعمَلُونَها لِألِهَتِهِمْ، فَتَخطِئُونَ إلَى إلَهِكُمْ.

2- أخبار الأيام الثاني إصحاح25 عدد10 فَأعادَ أمَصْيا جَيشَ بَنِي إسْرائِيلَ إلَى بَلَدِهِمْ فِي أفْرايِمَ. فَعادُوا إلَى بَلَدِهمْ وَهُمْ يَشْتَعِلُونَ غَضَباً مِنَ المَلِكِ وَمِنْ شَعْب يَهُوذا.11 ثُمَّ اسْتَجمَعَ أمَصْيا شَجاعَتَهُ وَقادَ جَيشَهُ إلَى وادِي المِلحِ في أدُومَ. وَفِي ذَلِكَ المَكانِ قَتَلَ جَيشُ أمَصْيا عَشْرَةَ آلاف جُندِيٍّ منْ ساعِيرَ.12 وَأسَرُوا أيضاً عَشْرَةَ آلافِ رَجُلٍ مِنهُمْ. وَأخَذُوهُمْ إلَى قِمَّةِ تَلَّةٍ، وَألقَوْا بهِمْ أحْياءً مِنْ فَوقِها، فَتَحَطَّمْتْ أجْسادُهُمْ عَلَى الصُّخُورِ.

نلاحظ: أن أمَصْيا بن يواش ملك مملكة يهوذا قتل الأسرى دون تردد.


3- سفر أخبار الأيام الأولى إصحاح 20 عدد 1 وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، اقْتَادَ يُوآبُ قُوَّةَ الْجَيْشِ وَأَخْرَبَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ وَأَتَى وَحَاصَرَ رَبَّةَ. وَكَانَ دَاوُدُ مُقِيمًا فِي أُورُشَلِيمَ. فَضَرَبَ يُوآبُ رَبَّةَ وَهَدَمَهَا. 2وَأَخَذَ دَاوُدُ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، فَوُجِدَ وَزْنُهُ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ، وَفِيهِ حَجَرٌ كَرِيمٌ. فَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا. 3وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرِ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسٍ. وَهكَذَا صَنَعَ دَاوُدُ لِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.

نلاحظ: فعل داود مع الأسرى حيث نشرهم بالمناشير...


4-سفر التثنية إصحاح 21 عدد 10 إِذَا خَرَجْتَ لِمُحَارَبَةِ أَعْدَائِكَ وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ، وَسَبَيْتَ مِنْهُمْ سَبْيًا، 11وَرَأَيْتَ فِي السَّبْيِ امْرَأَةً جَمِيلَةَ الصُّورَةِ، وَالْتَصَقْتَ بِهَا وَاتَّخَذْتَهَا لَكَ زَوْجَةً، 12فَحِينَ تُدْخِلُهَا إِلَى بَيْتِكَ تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَتُقَلِّمُ أَظْفَارَهَا 13وَتَنْزِعُ ثِيَابَ سَبْيِهَا عَنْهَا، وَتَقْعُدُ فِي بَيْتِكَ وَتَبْكِي أَبَاهَا وَأُمَّهَا شَهْرًا مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا وَتَتَزَوَّجُ بِهَا، فَتَكُونُ لَكَ زَوْجَةً. 14وَإِنْ لَمْ تُسَرَّ بِهَا فَأَطْلِقْهَا لِنَفْسِهَا. لاَ تَبِعْهَا بَيْعًا بِفِضَّةٍ، وَلاَ تَسْتَرِقَّهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ أَذْلَلْتَهَا.


5-سفر العدد إصحاح 31 عدد 17فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ. وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلاً بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ اقْتُلُوهَا. 18لكِنْ جَمِيعُ الأَطْفَالِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَمْ يَعْرِفْنَ مُضَاجَعَةَ ذَكَرٍ أَبْقُوهُنَّ لَكُمْ حَيَّاتٍ.
وبالنظر إلى كتابِ ترجمة الحياة نقرأ: " فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ، وَاقْتُلُوا أَيْضاً كُلَّ امْرَأَةٍ ضَاجَعَتْ رَجُلاً، 18وَلَكِنِ اسْتَحْيَوْا لَكُمْ كُلَّ عَذْرَاءَ لَمْ تُضَاجِعْ رَجُلاً ".
لاتعليق!

كتبه / أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان