السلام عليكم يقوم الفكر العلماني في المقام الأول على نقطتين:

النقطة الأولى :

التسوية بين الأديان، فلا يفهم العلماني أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم مبعوث للعالمين وليس لطائفة دون طائفة كسائر الأنبياء، ولا يفهم العلماني أن دين الإسلام - الذي بعث الله عز وجل به سيدنا محمد - ناسخ لما يسبقه من الأديان، وأن دخول إنسان في الإسلام يعني أنه لا يرى أي شئ إلا بمنظور الإسلام، فالمباح ليس مباح لأن طبيعته الذاتية ترفض التحريم والحظر والإيجاب والفرضية والكراهة والاستحباب، بل لأن الإسلام جعله مباحاً، ولو أن الإسلام لم يجعل " الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل على الحظر " ما كانت هذه الأشياء مباحة بذاتها، بعبارة أخرى : نحن لسنا
" أعلم بشئون دنيانا "
إلا لأن الإسلام وضع قاعدة " أنتم أعلم بشئون دنياكم " وليس لأننا نحن مَن نُقَرر مجال إعمال " الإسلام " لو صح التعبير . كل هذه الأمور التي ينبغي أن تكون حتميات عند كل مسلم، ليست بحتميات عند
" العلماني " أيّما كان دينه، بل يمكن أن نقول أن العلماني، لا يكتفي بعدم الإيمان بها، بل تقريباً يؤمن بخطئها، وذلك إستناداً لنظرية
" التفكير فيما هو نسبي بما هو نسبي وليس بما هو مُطلَق "

النقطة الثانية :
وبالتالي: لا يوجد شئ اسمه " الحق المُطلق " لأن المُطلَق عندك ليس مُطلَق عند غيرك، وما تراه أنت يقين لا يراه غيرك كذلك وبالتالي: تضيع الحقيقة ونعود لنظرية العبثية التي تقول: أن الله خلق الكون والمخلوقات ولم يُدبر شئونها بل ترك كل شئ يفعل ما يشاء دون ضابط ولا قيد . فهذا الفكر لا يعترف بشئ اسمه " التخصص في العلوم الشرعية " وبالتالي لا يحترم العلماء إلا لو وافق أحدهم طريقته، بل غالباً لا يهتم بمعرفة ما إذا كان أحداً من العلماء يتفق مع رأيه أو يختلف معه . هذا الفكر لا يعترف بشئ اسمه " فهم خاطئ " و " فهم صحيح " للدين، لأن الدين - عند أصحاب هذا الفكر - وجهة نظر، الشيعة لهم وجهة نظر والخوارج لهم وجهة نظر، أبو حنيفة له وجهة نظر والشافعي له وجهة نظر، الأشاعرة لهم وجهة نظر والسلفية لهم وجهة نظر، اليهود والنصارى والمسلمين الذين يتفقون على فكرة " اتصال السماء والأرض برسالات من السماء " لهم وجهة نظر، والملحدين والمشركين واللادينيين لهم وجهة نظر وليس من حق أي أحد أن يعتبر غيره خاطئ لأنه خاطئ من وجهة نظرك وأنت خاطئ من وجهة نظره، وليس من حق أي أحد أن يأمر أحد بمعروف أو ينهاه عن المنكر لأن المنكر عندك ليس منكر عند غيرك، وحتى لو اتفقتما في كون " كذا " معروف، فإن طلبك منه أن يفعله يعني أنك متعالي ومتغطرس وترى نفسك أكثر هُدَىً منه وأنك الملاك الطاهر وهو الشيطان الذي يحتاج لهدايتك . العلماني لا يسمح لأحد أن يسأله عن دينه، فالصحابة لما كان الواحد يسألهم عما يدينون به كان يقول بفخر " أشهد ألا إله إلا الله وان محمد رسول الله " لكن العلماني يقول لك " ملكش دعوة بديني أنا حر وليس لك أن تسأل لأن لك المعاملة فقط " .

وانطلاقاً من هذا الفكر ، أصر العلماني " نصر حامد أبو زيد " أن يرفض النطق بالشهادتين أمام القضاء المصري مما ترتب عليه أن حكم عليه بالردة والتفريق بينه وبين زوجته ثم خرج " نصر أبو زيد " في أحد المؤتمرات خارج مصر ونطق بالشهادتين معللاً رفضه النطق بهما أمام القضاء بأنه يرفض أن يتسلط أحد على أحد باسم الدين . هذا هو ملخص الفكر العلماني وأكثر نقطة - بعد مساواة الأديان واستبدال الانتماء إلى الوطن بالانتماء إلى الدين أي بدلاً من أن ينتمي الشخص لدينه وأهل ملته صار ينتمي لأرضه وأهل بلدته - استفزتني في الفكر العلماني أنه لا يرى أن هناك شئ اسمه " فهم صحيح للدين " و " فهم خاطئ للدين " ، فاهتممت بجمع أكبر ما يمكن من القصص التي حدثت في عهد الصحابة رضوان الله عليهم وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم التي توضح أن هناك بعضاً من المسلمين في هذا الوقت وقعوا في فهم خاطئ لبعض الآيات القرآنية وكان هناك آخرين أعلم منهم أوضحوا لهم الفهم الصحيح . لأن العلماني - وبسبب بعده عن العلوم الشرعية - يرى أن كل الآراء صحيحة من وجهة نظر أصحابها لأن كل واحد منهم عنده دليل على ما يقول ولا يصح لأحد تَخطِئَة أحد أو دعوته لتعلم الفهم الصحيح لأنه لا يوجد شئ اسمه فهم خاطئ أصلاً ، ولأن الدعوة لتعلم الفهم الصحيح فيها تعالي من الداعي على المدعو .

الدليل الدامغ على أن هناك في الإسلام " فِهْم صحيح " و " فِهْم خاطئ "

القصة الأولى:
قُلتُ لعائشةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا يومَئِذٍ حَديثُ السِّنِّ : أرأيتِ قولَ الله تباركَ وتعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } . فلا أُرَى علَى أحَدٍ شيئًا أنْ لا يَطَّوَّفَ بهِما ؟ . فقالتْ عائشةُ : كلا، لو كانت كما تقولُ، كانت (فلا جُناحَ عليهِ أنْ لا يَطَّوَّفَ بهِما)، إنَّما أُنْزِلَت هذهِ الآيَةُ في الأنْصارِ : كانوا يُهِلُّونَ لِمَناةَ، وكانتْ مَناةُ حَذْوَ قُدَيدٍ، وكانوا يَتَحَرَّجُونَ أنْ يَطوفوا بينَ الصَّفا والمَروَةِ، فلما جاء الإسلامُ سألوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك، فأنزلَ اللهُ تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } . زاد أبو سفيان وأبو مُعاويَةَ، عن هِشامٍ : ما أتَمَّ اللهُ حَجَّ امْرِئٍ، ولا عُمرَتَهُ، مالم يَطُف بين الصَّفا والمَروَةِ .

المستفاد من القصة:
أن أحد المسلمين فهم من قول الله : " فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا " أن الطواف بالصفا والمروة اختياري، مَن يفعله فله الثواب ومن تركه فلا جناح عليه ولا إثم عليه فشرحت له السيدة عائشة الفهم الصحيح للآية وهو أن المسلمين الأوائل كانوا يَتَحَرّجون من الطواف بين الصفا والمروة في العمرة لأن المشركين كانوا يضعون على رأس الصفا وعلى رأس المروة - وهما جبلين من جبال مكة - صنم من أصنام قريش فكان الصحابة يشعرون أن طوافهما بين الصفا والمروة قد يكون فيه تعظيم للأصنام الموضوعة على هذين الجبلين، فأنزل الله هذه الآية لبيان أنه لا جناح - أي لا إثم ولا حَرَج - على مَن يطوف بالصفا والمروة حتى ولو كان عليهما أصنام لأنه يقصد بقلبه الله عز وجل وليس الأصنام ولمّا جاء هذا المسلم بفهمه الخاطئ فأوضحت له السيدة عائشة أن المعنى الذي يفهمه كان يمكن اعتباره صحيحاً لو كانت الآية تقول " فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا " والآية ليست كذلك بل هي " فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا "

القصة الثانية:
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، قال أحد صحابة رسول الله: " لما نُزِّلَت : { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ } . عَمَدْت ُإلى عِقَالٍ أسودَ وإلى عِقَالِ أبيضَ ، فجَعلتُهما تحتَ وُسَادتي ، فجعلتُ أنظرُ في الليلِ فلا يَسْتَبِينُ لي ، فَغَدَوتُ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فذكرتُ لهُ ذلكَ ، فقالَ : إنمّا َذاكَ سوادُ الليلِ وبياضُ النهارِ ."

المستفاد من القصة :
أن أحد صحابة رسول الله كان يفهم أن المقصود من هذه الآية هو أن يأتي المسلم بخيط أبيض وخيط أسود ويضعهما بجوار بعضهما ، فإذا ذهبت ظلمة الليل وطلع ضوء الفَجْر بحيث استطاع التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود فهنا عليه الامتناع عن الطعام والشراب والبدء في الصيام حتى المغرب فأوضح له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفهم الصحيح للآية أن المقصود هو بياض النهار وسواد الليل وليس خيط أبيض وخيط أسود

القصة الثالثة:
القصة تقول أنَّ أبا بكرٍ سُئِلَ عن قوله تعالى { وَفَاكِهَةً وَأَبًّا } فقال : " أيُّ سماءٍ تُظلُّني وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني إذا قلتُ في كتابِ اللهِ تعالى ما لا أعلمُ " وأجاب عنها عبد الله بن العباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " والأبُّ : ما أنبتَتِ الأرضُ مما لا يأكُلُه الناسُ "

المستفاد من القصة:
فدل ذلك على أن الكلام في الدين عموماً وفي فهم القرآن خصوصاً عِلم يتفاضل الناس عموماً والصحابة خصوصاً فيه وأنه لا يصح القول في الدين بالرأي وأن الذي ليس لديه علم يسأل من له علم ولا يعتمد على رأيه الشخصي
ومن ذلك قول رسول الله : " أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أبو بكرٍ وأَشَدُّهُمْ في أَمْرِ اللهِ عمرُ وأَصْدَقُهُمْ حَياءً عثمانُ وأعلمُهُمْ بِالحَلالِ والحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ بْنُ كعبٍ ، ولِكلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وأَمِينُ هذه الأُمَّةِ أبو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ "
فدل على أن أعلم الصحابة بالحلال والحرام هو الصحابي معاذ بن جبل وأعلم الصحابة بالفرائض الذي هو علم الميراث هو الصحابي زيد بن ثابت وأعلم الصحابة بأحكام الترتيل وتجويد وقراءة القرآن هو الصحابي أُبيّ بن كعب
فالدين ليس آراء متعددة وأجوه نظر شخصية بل هو علم يتلقاه الآخر عن الأول
وأكبر دليل عملي على أن هناك مَن فَهِمَ الدين فِهْم خاطِئ ، أن هناك مقولة فهمها كثير مِن الناس بشكل خاطئ وهي مقولة
" أينما تكن مصلحة الناس فثمَّ شرع الله "
فهذه عبارة حق أُريدَ بها - في كثير من الأحيان – باطل، فكثير من الناس مَن يستخدم هذه الكلمة لتحليل ما يراه هو مصلحة، والدليل على أن هذه العبارة الجليلة لا تنطبق على كل مصالح الناس، أن الشريعة الإسلامية لما جاءت، أقرَّت بعض المصالح الموجودة في المجتمع آنذاك، ونسخت البعض الآخر، فصاحب المال الحلال له الحق في الدفاع عن ماله في مواجهة مَن يعتدي عليه ظلماً، وقد أقر الإسلام هذه المصلحة بل وجعل صاحب المال إن مات في هذه الحالة فهو شهيد ويكون في حالة دفاع شرعي – ومن ثَمَّ لا يأثم - إن تَعَذَّر الدفاع عن ماله إلا بقتل المُعتدي خاصة لو كان الأخير مُسَلَّح، وهناك بعض المصالح الأخرى التي ألغاها الشرع، فالدائن له مصلحة في التعامل مع مدينه بالربا، وتاجر الخمور يرى مصلحته في كثرة المُقبلين عليه مِن روَّاد الحانات، وإن كانت هذه الأمثلة قد يراها الناس مبالغٌ فيها، إلا أنها هي الحقيقة، فهذه كانت مصالح مُعتَبَرَة عند العَرب قبل الإسلام وأتى الإسلام فنسخها، وللتأكيد على الفكرة فنضرب مثالين من الأمثلة المعاصرة : فضابط الشرطة الفاسد له مصلحة في أن يتقاسم المال مع تاجر المخدرات بدلاً من تسليمه للنيابة العامة لأن الضابط لو سلَّمه للنيابة لن يستفِد شئ، لكن لو تقاسم معه فسيخرج بمصلحة، والتاجر الفاسد – أياً كانت البضاعة المشروعة التي يتاجر فيها – له مصلحة في دفع رشوة لمأمور مصلحة الضرائب حتى لا يربط عليه ضرائب باهظة، فليس كل ما يراه الناس مصلحة، يأتي الشرع مُهَرْوِلاً – كما يَتَصَوَّر البعض بسبب فهمه الخاطئ للعبارة الجليلة السابق ذكرها – لإضفاء الصفة الشرعية عليها، بل الشرع الحكيم جاء لضبط حياة الناس على ما يوافق الحق المُطلَق وهو الإسلام، إذ كل ما عداه باطل، لأنه هو الدين عند الله الذي لا يقبل الله من الخلق ديناً غيره، فالمصلحة المُعتَبرة شرعاً هي ما إعتبره الشارع الحكيم مصلحة وليس ما إعتبره الناس مصلحة لهم . وعلى ذلك تكون العبارة بشرحها كالتالي :
" أينما تكن مصلحة الناس التي يعتبرها الإسلام مصلحة فثم شرع الله " .
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه (روضة الناظر في أصول الفقه الجزء الأول صفحة 413) : " ليس كل حاجة تبيح للإنسان اقتراف مُحَرَّم من أجلها أو ترك واجب ، ولو أنه كلما لاحت حاجة ما لإنسان أخذ بموجبها لكان ذلك وضعاً للشرع بالرأي ولما احتجنا إلى بعثة الرسل . " انتهى

القصة الرابعة:
لمَّا نزلت { الَّذِينَ آمَنُوْا وَلَمْ يَلْبِسُوْا إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } . قلنا : يا رسولَ اللهِ ، أيُّنَا لا يظلمُ نفسَهُ ؟ قال: ( ليس كما تقولونَ { لَمْ يَلْبِسُوْا إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } بشِرْكٍ ، أَوَ لم تسمعوا إلى قولِ لقمانَ لابنِهِ : { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } )

القصة الخامسة:
ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة عن أسلمَ أبي عمرانَ قال: غَزونا منَ المدينةِ نريدُ القسطنطينيَّةِ، وعلى الجماعةِ عبدُ الرَّحمنِ بنُ خالدِ بنِ الوليدِ، والرُّومُ مُلصِقو ظُهورِهم بحائطِ المدينةِ، فحملَ رجلٌ على العدوِّ، فقالَ النَّاس: مَه مَه لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يلقي بيديْهِ إلى التَّهلُكةِ، فقالَ أبو أيُّوبَ: " إنَّما نزلت هذِهِ الآيةُ فينا معشرَ الأنصارِ لمَّا نصرَ اللَّهُ نبيَّهُ، وأظْهرَ الإسلامَ قلنا: هلمَّ نقيمُ في أموالِنا ونصلحُها "، فأنزلَ اللَّهُ تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بَأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ فالإلقاءُ بالأيدي إلى التَّهلُكةِ أن نقيمَ في أموالِنا ونُصلِحَها وندَعَ الجِهادَ "، قالَ أبو عمرانَ: فلَم يزَل أبو أيُّوبَ يجاهِدُ في سبيلِ اللَّهِ حتَّى دفنَ بالقسطنطينيَّةِ

القصة السادسة:
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله قدمَ [ عديُّ بنُ حاتمٍ ] على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو نصرانيٌّ فسمعه يقرأُ هذه الآيةَ : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، قال : فقلتُ له : إنَّا لسنا نعبدُهم ، قال : أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه ، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه ، قال : قلتُ : بلى ، قال : فتلك عبادتُهم

المستفاد من القصة:
أن هذا النصراني - الذي صار من الصحابة بعد أن أسلم - كان يعتقد أن الآية القرآنية غير صحيحة، لأنها تجعل من النصارى عُبّاد للأحبار والرُهبان ، وكان هذا النصراني يفهم أن العبادة معناها السجود والتذلل والتقرب للمعبود فقط، ولأن النصارى لا يسجدون لأحبارهم ورُهبانهم فهم بالتالي لا يعبدونهم، وبالتالي تكون الآية القرآنية خاطئة، فأوضح النبي صلى الله عليه وسلم له أن مجرد إطاعة النصراني للقساوسة والأحبار في إباحتهم لما حَرّم الله وتحريمهم لما أحل الله هو عين العبادة . مما يدل على أن فِهم عُديّ بن حاتم الطائي لهذه الآية كان فهماً خاطئاً . ومن أجل ذلك كله قال الله عز وجل:
" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " .