الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجاً و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده اشرف الخلق سيدنا محمد و على اله و صحبه و سلم ثم اما بعد ...
يقول الله تعالى في كتابه العزيز : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات : 13) و قال تعالى ايضاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بما يعملون محيط (آل عمران 118 – 120)
حرب ضروس و معارك فكرية قوية يخوضها اعداء الإسلام و مدعين الحريات و الحقوقيين على الإسلام العظيم لتشويه كل مبدأ عرفناه و تعلمناه عن ديننا الحنيف و يتبعون طرقاً عوجاء و مسالك مختلفة لتبليغ افكارهم المسمومة الى العامة ليصدوا عن سبيل الله و من آخر تلك الافكار ادعاء ان الاسلام دين عنصرية و تمييز و يأتون بكل ناعق للباطل فيعلوه و كل متبع هواه ليخرج علينا باعجب الافكار طالما ان هذا الفكر يهاجم الاسلام .. بل و يخرج علينا هؤلاء المدعين بأفكار معسولة ممزوجة بالسم القاتل لنتبع مبادئهم التي في شكلها الظاهر جميلة و محببة و بين جنابتها يكمن الخطر ... تماماً كالحيات السامة جلدها منقوش و جميل و تحت انيابها سم فتاك يقتل بلا رحمة.
و من ضمن هذه الحرب الفكرية ادعاء مكنون لا يصرحون به صراحة و هو ان الاسلام دين عنصري مييز المسلم على غير المسلم في الحقوق و الواجبات و أن هذا الحق يعتبر حقاً عنصرياً و نقول ان الاسلام بريء من هذا التلبيس و هذه الادعات الكاذبة.
فقد خرج علينا حديثاً ناعق جاهل يدعو الى مبدأ غريب يحارب به الاسلام الا و هو "من حق المصريين ان يمارسوا حقوقهم السياسية دون تمييز في الجنس و العرق و الدين" ففي طي هذا المبدأ الذي يبدوا عادلاً يكمن الخطر الذي و ان اقتنع به المسلم قد يخرج و العياذ بالله من ملة الاسلام أو على أقل تقدير يصبح عاصياً رافضاً لأوامر الله و ما جاء به الوحي على لسان المصطفى صلوات ربي و سلامه عليه ... ففي جنبات هذا المبدأ ان لا تمييز بين المسلم و غير المسلم في ممارسة حق السياسة و من هذه الحقوق السياسية الحق في الترشح للرئاسة و هنا نقف وقفة لتعريف كلمة حق فتعريف الحق قد يشمل مجلداً كاملاً و لكن نذكر منه ما نريده... فالحق العام هو شيء مشروع يعطى و يمنح من قبل القائمين على الامور العامة للأشخاص ... و تعريف معنى "الحقّ" في القانوني شمل أمور منها يقف حقُّ الشخص "سواء كان طبيعياً أو اعتباريا" حين تتعارض غاية منحه هذا الحقَّ مع غاية منح حقٍّ آخر لشخصٍ آخر. ... حماية صاحب الحقِّ من الآخرين، وبقاء هذه الحماية ما دام صاحب الحقِّ يتَّجه إلى الغاية التي مُنِح الحقَّ لأجلها. و اختلف معنى "الحقّ" في الشريعة والقانون في ثلاثة أمور:
نظرة الإسلام للحقِّ مبنيةٌ على أنه واجبٌ على الغير، بينما نظرة القانون له على أنَّه حقٌّ مستحقٌّ لمباشره
بينما الإسلام في نظرته للحقوق هو مصلحة الجماعة، بينما مبنى نظرة القانون هو مصلحة الفرد.
يشمل تعريف "الحقّ" في الإسلام من قد لا يناله فائدة من ذلك كحقوق الله تعالى، بينما "الحقّ" في القانون مرتبطٌ بمستفيد
أي انه لا يصح تحت أي مسمى منعه من ممارسة هذا الحق ... و نأتي هنا لأمر المسلم العامي الذي ان اقر بهذا المعنى مضموناً فإنه يخالف ما جاء به أمر الله في الآية السابقة في سورة آل عمران و هو (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) فإن الله تعالى هو من يعطي الحقوق في هذه الارض و هو من يمنعها و علينا نحن المسلمين المؤمنين بهذا القرءان ان نتبع ما جاءنا من الحق و ننبذ ما يأتي به اصحاب الاهواء الكاذبة خلف ظهورنا و الا فانا قد نقع في الشرك او الكفر و العياذ بالله.
و لن اتطرق الى مبحث باقي هذا المبدأ فيكفيني فيه أوله حتى انبذه بالكلية و نأتي لبحث هل الاسلام فعلاً كما يدعون دين عنصري؟ أولاً علينا ان نعرف معنى العنصرية لكي نرى ان كان ما يدعونه حقٌ ام باطل ... فقد تربى المسلم على ان الاسلام دين لا يفرق بين عربي و أعجمي و لا بين أبيض و أسود فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ... اي ان الافضلية هنا للتقوى و يذكرنا الله اننا جميعاً من ذكر و أنثى واحدين .. اي اننا جميعاً عرقاً واحداً و اختلفت الواننا و السنتنا فيقول الحق سبحانه في مستهل سورة النساء : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ... و قال ايضاً : وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (الانعام : 98)
فكيف يدعون اننا دين عنصري .. فالعنصرية و القبلية و العصبية كانت في الجاهلية فأتى الدين الحنيف لينبذها نبذاً تاماً و في تعريفها أنها تأتي من العنصر و هي التمييز بين الخلق من خلال عناصرهم أو جهتهم أو قبائلهم أو لونهم ... و هنا نتذكر قول ابليس اللعين لرب العالمين سبحانه و تعالى عندما امره بالسجود فرد عليه قائلاً : أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (ص : 76) فظهرت عنصريته لجنسه فعاقبه الله بالطرد و اللعن و من سيرة المصطفى ايضاً الكثير و الكثير الذي يبين مدى نبذ الاسلام للعنصرية فنذكر منها من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صحيح البخاري حديث رقم (4905) : كنا في غزاة ... قال سفيان مرة : في جيش ... فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما بال دعوى جاهلية ) . قالوا : يا رسول الله ، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال : (دعوها فإنها منتنة ) ... الى آخر الحديث
فالعنصرية ليست في الاسلام و هنا نأتي ...اذاً كيف الفرق بين المسلم و غير المسلم و هنا نتوقف هنية ... العنصرية تكون في اشياء فرضية لا اختيار فيها ... فلا يختار المرء منا لون جلده أو لون عينيه أو عائلته أو قبيلته ... و لكن يختار دينه ... اذاً كيف يلوون عنق الحقائق ليلبسوا الحق بالباطل ... نقول هذا بإدعائهم زوراً ان الدين يفرض على المرء فالمسلم يولد مسلم و النصراني يولد هكذا و لا اختيار لديه ... مقولة مغلوطة ايضاً ... فالمرء منا يولد مسلماً و هو دين الفطرة ... فيقول رسول الله و هو الصادق الامين الذي لا ينطق عن الهوى: من رواية ابا هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري حديث رقم (1359) : ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء . ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه : (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) ... فيشب المرء فينا ان كان على الاسلام فهو على الدين الصحيح ... فان راوده شك فليبحث و ليطمئن قلبه ... و ان كان غير هذا فعليه ان يبحث عن دين الله الحق ... فلا اكراه في الدين ... فهل بعد كل ما تقدم يصبح الاسلام دينأ عنصرياً ؟ ... و الله ان كانت هذه عنصرية ... و إن كان الله رفع المؤمن على الكافر بقوله في سورة آل عمران: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (آل عمران : 59) و معلوم ان المسلم هو من يتبع سيدنا المسيح بحق ...و نقول هنا إن كان الكافر برى هذا تمييزاً ... فباب الاسلام مفتوح للجميع ... فقد جاء الاسلام ليعزنا به و لا نستطيع ان نساوي بين الاسلام و بين غيره من الباطل و لا ان ننزع من المسلم هذه العزة بدعوى العلمانية او الليبرالية ... فمن اراد العزة و الرفعة فلينضم الى هذا الركب الفائز ... و من فضل البقاء على ما هو عليه فلا يلومن الا نفسه و كما قال الله تعالى في سورة الكهف : حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ** قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا ** وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (الكهف : 86 – 88) ... نسأل الله ان يرد كيد الكائدين عليهم و ان ينفعنا و اياكم بما نسمع و نقرأ ... اللهم امين