هل في القرآن أن الله يجهل ولا يعلم؟!

قالوا : إله الإسلام يجهل ولا يعلم.... فقد قرر أن عشرين يغلبون مائتين ، وأن مائة يغلبون ألفًا.
ثم عدل عن رأيه لما قال: : " الآن خفف اللهُ عنكم وعلم الله أن فيكم ضعفًا " - غير رأيه- لأنه لم يكن يعلم من قبل وعلم بعدها ؛ فقال : " إن مائة يغلبون مائتين و ألفًا يغلبون ألفين ".

وتعلقوا على ذلك بقوله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) (الأنفال).

الرد على الشبهة


أولًا : إن من أسماء الله العليم ؛ أي : الذي يعلم كل شيء ولا تخفى عليه خافية ؛ لا في السماء ولا الأرض ، ويعلم ما في داخل الذرة و المجرة....

بعض أدلتي على ذلك جاءت فيما يلي :1- قوله : قالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) (البقرة).2- قوله : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) (البقرة).3- قوله : فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) (البقرة).4- قوله : قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) (المائدة).5- قوله : وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) (الإنعام).
6- قوله : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) (الأنفال).

وعليه : فلا يصح أن يقال ذلك عن رب العالمين أنه يجهل .....كيف ذلك ومن أسمائه العليم والحكيم أي : الذي يعلم السر وأخفى، الذي يضع الأمور في نصابها الصحيح... بل الذي يجهل هو الرب الذي يعبده المعترضون بحسب الكتاب المقدس كما سيتقدم معنا – إن شاء الله-...

ثانيًا : إن علم الله على نوعين :

الأول : علم الله القديم : وهو الذي عنده قبل خلق الخلق؛ لم يطلع عليه أحد بل في كتاب مبين ... بيان ذلك من الآتي:1- قوله : " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) " ( الحديد).جاء في التفسير الميسر: ما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم من الأمراض والجوع والأسقام إلا هو مكتوب في اللوح المحفوظ من قبل أن تُخْلَق الخليقة. إن ذلك على الله تعالى يسير.

2- صحيح مسلم برقم 4797 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : " كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ".

الثاني : علم الظهور : وهو العلم الذي يظهره الله لعباده، وهو علمه بحدوث أفعالنا التي كان يعلم أنها ستكون ثم أظهرها لنا...
ويسميه العلماءُ (علم المشاهدة ) أي : مشاهدة ورؤية ماعلمه الله أزلًا، ثم تحقق فراءه ، وراءه المُقدر عليه أيضًا...
بالمثال يتضح المقال :1- الآيات التي معنا ؛ الله بعلمه القديم علم أن فيهم ضعفًا لا يقدر عشرون أن يغلبون مائتين ، ولا يقدر مائة يغلبون ألفًا...
فأظهر علمه القديم لهم قائلًا : الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال 65-66).
أظهر علمه لهم بأن مائة يغلبون مائتين وأن ألفًا يغلبون ألفين.... فنسخ الأول ، وثبت الثاني تخفيفًا لهم ورحمة بهم... وكل ذلك في علمه القديم (الأزلي).
إذًا : كان اللهُ يعلم بعلمه القديم (الأزلي ) أن فيهم ضعفًا ولكنه أراد أن يظهر علمه لهم عن طريق علم الظهور (المشاهدة ) ليظهر رحمته بهم فكم خفف عنهم ...جاء في تفسير الجلالين : "يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضْ" حُثَّ "الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال" لِلْكُفَّارِ "إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" مِنْهُمْ "وَإِنْ يَكُنْ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء "مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ" أَيْ: بِسَبَبِ أَنَّهُمْ "قَوْم لَا يَفْقُهُونَ" وَهَذَا خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ: لِيُقَاتِل الْعِشْرُونَ مِنْكُمْ الْمِائَتَيْنِ وَالْمِائَة الْأَلْف وَيَثْبُتُوا لَهُمْ ثُمَّ نُسِخَ لَمَّا كَثُرُوا بِقَوْلِهِ : "الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا" بِضَمِّ الضَّاد وَفَتْحهَا عَنْ قِتَال عَشَرَة أَمْثَالكُمْ "فَإِنْ يَكُنْ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء "مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" مِنْهُمْ "وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّه" بِإِرَادَتِهِ وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ: لِتُقَاتِلُوا مِثْلَيْكُمْ وَتَثْبُتُوا لَهُمْ "وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ" بِعَوْنِهِ. أهـ2- قوله : لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ (الجن 28).
جاء في تفسير القرطبي : المعنى: ليعلم الله ذلك علم مشاهدة كما علمه غيبا.اهـ

ثالثًا : ذكرتُ أن الكتاب المقدس هو الذي ذكر أن الربَّ الذي يعبده المعترضون هو من يجهل ولا يعلم ....... جاء في رِسَالَةِ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ إصحاح 1عدد 25 " لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ " ! لا تعليق !كتبه/ أكرم حسن مرسي