من هم الذين كتبوها ؟ ومتى كتبوها ؟ وبأي لغة كتبت ؟ وكيف فقدت نسخها الأصلية ؟ كما
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 27)


ترى ذلك مفصلا في دائرة المعارف الفرنسية الكبرى وفي غيرها من كتب الدين والتاريخ .
[TR]

[/TR]


وهذه كلمات من كتب المدافعين عنها :
[TR]

[/TR]


قال صاحب كتاب ( مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين ) : إن متى بموجب اعتقاد جمهور المسيحيين كتب إنجيله قبل مرقس ولوقا ويوحنا ، ومرقس ولوقا كتبا إنجيلهما قبل خراب أورشليم ، ولكن لا يمكن الجزم في أية سنة كتب كل منهم بعد صعود المخلص لأنه ليس عندنا نص إلهي على ذلك .
[TR]

[/TR]


( إنجيل متى ) : قال صاحب ( ذخيرة الألباب) : إن القديس متى كتب إنجيله في السنة 41 للمسيح باللغة المتعارفة يومئذ في فلسطين وهي العبرانية أو السير كلدانية . ( ثم قال) : ثم ما عتم هذا الإنجيل أن ترجم إلى اليونانية ، ثم تغلب استعمال الترجمة على الأصل الذي لعبت به أيدي النساخ الأبونيين ومسخته بحيث أضحى ذلك الأصل هاملا بل فقيدا ، وذلك منذ القرن الحادي عشر . اهـ .
[TR]

[/TR]


أقول : يا ليت شعري من هو الذي ترجم إنجيل متى باليونانية ومن عارض هذه الترجمة على الأصل قبل أن يعبث به النساخ ويمسخوه . الله أعلم .
[TR]

[/TR]


ثم قال صاحب الذخيرة : يترجح أنه كتبه في نفس أورشليم . وقال : إنما هو رواية جدلية عن المسيح لا ترجمة حياته .
[TR]

[/TR]


وقال : إن البروتستانت المتأخرين امتروا وشكوا في كون الفصلين الأولين منه لمتى .
[TR]

[/TR]



[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 28)


وقال الدكتور ( بوست ) في قاموس الكتاب المقدس : واختلف القول بخصوص لغة هذا الإنجيل ، هل هي العبرانية أو السريانية التي كانت لغة فلسطين في تلك الأيام ؟ وذهب آخرون إلى أنه كتب باليونانية كما هو الآن . ثم تكلم في شبهة عظيمة على أصل هذا الإنجيل تكلم فيها صاحب الذخيرة أيضا ، وهي أن شواهده في العظات من الترجمة السبعينية للعهد العتيق ، وفي بقية القصة من الترجمات العبرانية . وأجاب كل منهما عن ذلك بما تراءى له .
[TR]

[/TR]


ثم رجح ( بوست ) أنه ألف باليونانية خلافا لجمهور رؤساء الكنيسة المتقدمين . فثبت بهذا وذلك أنه لا علم عندهم بتاريخه ولا لغته
وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ

[TR]

[/TR]


ثم قال : ولا بد أن يكون هذا الإنجيل قد كتب قبل خراب أورشليم . إلى أن قال : ويظن البعض أن إنجيلنا الحالي كتب بين سنة 60 وسنة 65 . وقد علمت أن صاحب الذخيرة زعم أنه كتب سنة 41 ، وإن هي إلا ظنون وأوهام يناطح بعضها بعضا .
[TR]

[/TR]


وأما علماء النصارى الأقدمون فالمأثور أن متى لم يكتب هذا الإنجيل ، وإنما كتب بعض أقوال المسيح باللغة العبرانية ، والنصارى يحتجون الآن على كون هذه الأناجيل التي لا سند لها لفظيا ولا كتابيا كانت معروفة في العصور الأولى بأقوال لأولئك العلماء المتقدمين هي حجة عليهم لا لهم ، وقد جاء في ( المنار ) بيان ذلك غير مرة .
[TR]

[/TR]


وأقدم شهادة يتناقلونها في ذلك شهادة ( بابياس ) أسقف هيرابوليس في منتصف القرن الثاني فقد نقل عنه ( أوسابيوس ) المتوفى سنة 340 ما ترجمته :
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 29)


إن متّى كتب مجموعة من الجمل باللغة العبرانية ، وقد ترجمها كل بحسب طاقته .
[TR]

[/TR]


ويمتاز إنجيل متّى بأن من نسب إليه من تلاميذ المسيح ، وبأنه أقرب إلى التوحيد وأبعد عن الوثنية من سائر الأناجيل .
[TR]

[/TR]


( إنجيل مرقس ) : ذكر صاحب الذخيرة أن مرقس كان عبرانيا ملة ( أي لا نسبا ) وأنه كان تلميذا لبطرس ، وتبناه بطرس ، وأنه اقتبس إنجيله من إنجيل متى ومن خطب بطرس ، وأن بعض المتأخرين زعموا أنه كان يوجد إنجيل سابق لإنجيلي متى ومرقس أخذا عنه إنجيلهما ، وأن بعض البرتستانت شكوا في الأعداد الاثني عشر الأخيرة من الفصل السادس عشر من هذا الإنجيل لأسباب ، منها أنه لا ذكر لها في النسخ الخطية القديمة .
[TR]

[/TR]


وقال ( بوست ) : مرقس لقب يوحنا ، يهودي يرجح أنه ولد في أورشليم . ( قال) وتوجه مرقس مع بولس وبرنابا خاله في رحلتهم التبشيرية الأولى غير أنه فارقهما في ( برجه ) فصار علة مشاجرة قوية بين بولس وبرنابا ، وبعد ذلك تصافح مع بولس فرافقه إلى ( رومية ) ، وكان مع بطرس لما كتب رسالته الأولى ( 1 بط 5 : 136) ثم مع ثيموثاوس في ( أفسس ) ، ولا يعرف شيء حقيقي عن حياته بعد ذلك .
[TR]

[/TR]


ثم ذكر أنه كتب إنجيله باليونانية وشرح فيه بعض الكلمات اللاتينية ، فاستدل بذلك على أنه كتبه في رومية . ( قال ) إنما المشابهة بين إنجيلي متى ومرقس حملت بعض الناس على أن يعتقدوا أن الثاني مختصر من الأول .
[TR]

[/TR]



[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 30)


ولم يذكر هذا ولا ذاك تاريخ كتابة هذا الإنجيل ، وقد روي عن ابرنياوس أنه كتبه بعد موت بطرس وبولس فلم يطلعا عليه . فكيف نثق بأنه وعى ما سعه من بطرس وأداه كما سمعه ؟ هذا إذا صحت نسبته إليه بسند متصل ، ولن تصح .
[TR]

[/TR]


( إنجيل لوقا ) : قال في الذخيرة : إن لوقا كان من أنطاكية . ومن الشراح من ظن أنه إغريقي متهود ؛ لأنه لا يذكر الكتاب المقدس إلا نقلا عن الترجمة السبعينية . ومنهم من قال : إنه وثني هاد إلى الحق وارتد إلى الدين القويم . وقال : لوقا كان تلميذا ومعاونا لبولس .
[TR]

[/TR]


ثم قال ما نصه : وقد أغفل متى ومرقس بعض حوادث وأمور تتعلق بسيرة المسيح ، وقام بعض الكتبة واختلقوا ترجمة مموهة ليسوع المسيح ، وكثيرا ما فاتهم فيها الرواية والتدقيق ، فبعث ذلك بلوقا على وضع إنجيله ضنا بالحق ، فكتبه باليونانية وجاء كلامه أصح وأفصح وأشد انسجاما من كلام باقي مؤلفي العهد الجديد . وذهب كثير من المحققين إلى أنه كتب إنجيله في السنة 53 للمسيح ، وقيل : بل سنة 51 .
[TR]

[/TR]


ثم ذكر الخلاف في المكان الذي كتبه فيه وبين غرضه منه ، فقال في آخره : وأن يكشف النقاب عن الأغلاط المدخولة في تراجم حياة المسيح المموهة - أي الأناجيل التي ردتها الكنيسة بعد - وينفي كل ركون إليها ، ثم يبين أنه كان يحمل إنجيلي متى ومرقس وأنه اقتبس منها ما وافقهما فيه . ثم عقد فصلا لما اعترض به على ما حذفوه وأسقطوه من هذا الإنجيل ؛ لأنهم رأوه لا يليق بالمسيح أو لعلة أخرى .
[TR]

[/TR]



[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 31)


وقال الدكتور بوست في قاموسه : ظن بعضهم أنه - أي لوقا - مولود في أنطاكية إلا أن ذلك ناتج من اشتباهه بلوكيوس . قال : ومن تغيير صيغة الغائب إلى صيغة المتكلمين في سياق القصة يستدل على أن لوقا اجتمع مع بولس في ترواس - أع 16 : 1 - وذهب معه إلى فيلبي في سفره الثاني ثم اجتمع معه ثانية في فيلبي بعد عدة سنين - أع 20 : 5 و 6 - وبقي معه إلى أن أسر وأخذ إلى رومية - أع 28 : 30 - ولم يعلم شيء من حياته بعد ذلك .
[TR]

[/TR]


فلينظر القارئ كيف يستنبطون تاريخه من أسلوب عبارته التي لم تصل إليهم بسند متصل لا صحيح ولا ضعيف ، كما استدلوا على كونه إيطاليا لا فلسطينيا من كلامه عن القطرين ، ذلك بأنه ليس عندهم نقل يعرفون به شيئا عن مؤسسي دينهم .
[TR]

[/TR]


ثم قال : وظن البعض أن لفظة إنجيلي الواردة في - 2 : تي 2 : 8 - تدل على أن بولس ألف إنجيل لوقا وأن لوقا لم يكن إلا كاتبا .
[TR]

[/TR]


ثم قال : وقد كتب هذا الإنجيل قبل خراب أورشليم وقبل الأعمال ، ويرجح أنه كتب في قيصرية في فلسطين مدة أسر بولس سنة 58 - 60 م غير أن البعض يظنون أنه كتب قبل ذلك . ا هـ .
[TR]

[/TR]


فأنت ترى من التعبير بلفظ الترجيح والظن ومن الخلاف بين سنة 51 و 53 كما في الخلاصة و 58 و 60 ، كما أنه لا علم عند القوم بشيء
وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ
ولعل الذين قالوا : إن بولس هو الذي كتب هذا الإنجيل هم المصيبون لمشابهة أسلوبه لأسلوب رسائله باعترافهم . فإن قيل : وما تفعل بتحريفه ؟ قلت : هو كتحريفها ، وتجد
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 32)


فيه مثل ما تجد فيها من ذكر وضع بعض الناس لأناجيل كاذبة . ومن لنا بدليل يثبت لنا صدقه هو ؟ وأنى لنا بتمييز هذه الأناجيل ومعرفة صادقها من كاذبها ؟
[TR]

[/TR]


( إنجيل يوحنا ) : تقول النصارى : إن يوحنا هذا هو تلميذ المسيح ابن زبدي وسالومه . ويقول أحرار المؤرخين منهم غير ذلك ، كما في دائرة المعارف الفرنسية . ويرجح بعضهم أنه من تلاميذ بولس أيضا . وذكر في الذخيرة ثلاثة أقوال في تاريخ كتابته وهي 64 و 94 و 97 وأنه كتبه باليونانية ليثبت ألوهية المسيح ويسدد النقص الذي في الأناجيل الثلاثة ، إجابة لرغبة أكثر الأساقفة ونواب كنائس آسية وإلحاحهم عليه أن يبقى من بعده ذكرا مخلدا . ومفهوم هذا أنه لولا هذا الإلحاح لم يكتب ما كتب ، وإذا لبقيت أناجيلهم ناقصة وخلوا من شبهة على عقيدتهم المعقدة التي لا تعقل ، إذ لا توجد الشبهة عليها إلا في هذا الإنجيل الذي هو أكثر الأناجيل تناقضا ، وناهيك بجمعه بين الوثنية والتوحيد ، وقوله عن المسيح : إنه إن كان يشهد لنفسه فشهادته حق . ثم قوله عنه في موضع آخر : إنه وإن كان يشهد لنفسه فشهادته ليست حقا - إلى أمثال ذلك .
[TR]

[/TR]


وقال الدكتور بوست : ويظن أنه كتب في أفسس بين سنة 70 و95 . ثم قال في الرد على علماء أوربا الأحرار ما نصه : وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل ؛ لكراهتهم تعليمه الروحي ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح . غير أن الشهادة بصحته كافية ، فإن بطرس يشير إلى آية منه 2 بط 1 : 14 قابل يو
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 33)


21 : 18 وأغناطيوس وبوليكريس يقتطفان من روحه وفحواه وكذلك الرسالة إلى ديوكنيتس وباسيلدس وجوستينس الشهيد وتانيانس . وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني .
[TR]

[/TR]


وبناء على هذه الشهادة وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم أنه من قلمه . وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم . وهذا الأمر يعسر تصديقه ؛ لأن الذي يقصد به أن يغش العالم لا يكون روحيا ولا يتصل إلى علو وعمق الأفكار والصلوات الموجودة فيه . وإذا قابلناه بمؤلفات الآباء رأينا بينه وبينها بونا عظيما حتى نضطر للحكم أنه لم يكن منهم من كان قادرا على تأليف كهذا ، بل لم يكن بين التلاميذ من يقدر عليه إلا يوحنا ، ويوحنا ذاته لا يستطيع تأليفه بدون إلهام من ربه . ا هـ .
[TR]

[/TR]


أقول : إن من عجائب البشر أن يقول مثل هذا القول أو ينقله معتمدا له عالم طبيب كالدكتور بوست ، فإنه كلام لا يخفى بطلانه وتهافته على الصبيان ، ولا أعقل له تعليلا إلا أن يكون تصنعا وغشا لإرضاء عامة النصارى لا لإرضاء اعتقاده ووجدانه ، أو يكون التقليد الديني من الصغر قد ران على قلب الكاتب فسلبه عقله واستقلاله وفهمه في كل ما يتعلق بأمر دينه . وإليك البيان بالإيجاز :
[TR]

[/TR]


إن الدكتور بوست من أعلم الأوروبيين الذين خدموا دينهم في سورية وأوسعهم اطلاعا ، وهو يلخص في قاموسه هذا أقوى ما بسطه علماء اللاهوت في إثبات دينهم وكتبهم ورد اعتراضات العلماء عليها . فإذا كان هذا منتهى شوطهم في إثبات إنجيل يوحنا
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 34)


الذي هو عمدتهم في عقيدة تأليه المسيح ، فما هو الظن بكلام المؤرخين الأحرار والعلماء المستقلين في إبطال هذا الإنجيل ؟
[TR]

[/TR]


ابتدأ رده على منكري هذا الإنجيل بأن بطرس أشار إلى آية منه في رسالته الثانية . فهذا أقوى برهان عندهم على كون هذا الإنجيل كتب في العصر الأول .
[TR]

[/TR]


فأول ما نقوله في رد هذا الدليل الوهمي : إن رسالة بطرس الثانية كتبت في بابل سنة 64 ، 68 كما قاله صاحب كتاب ( مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين ) وإنجيل يوحنا كتب سنة 95 أو 98 على ما اعتمده بوست وصاحب هذا الكتاب وسائر علماء طائفتهم ( البروتستانت) فهو قد ألف بعد كتابة رسالة بطرس بثلاثين سنة أو أكثر على رأيهم ، فإذا وافقها في شيء فأول ما يخطر في بال العاقل أنه نقله عنها وإن ألف بعدها بعدة قرون ، فكيف يكون ذلك دليلا على صحته ؟ ولو لم يكن في رد هذه الشبهة الواهية إلا احتمال نقل المتأخر وهو مؤلف إنجيل يوحنا عن المتقدم وهو بطرس لكفى ، وهم جازمون بتقدمه عليه وإن لم يكن عندهم تاريخ صحيح لأحد منهما ، بل تاريخ ولادة إلههم وربهم الذي يؤرخون به كل شيء فيه خطأ كما حققه يعقوب باشا أرتين وغيره .
[TR]

[/TR]


ونقول ( ثانيا ) : إننا قابلنا بين - 2 بط 1 : 14 - وبين - يو21 : 18 - فلم نجد في كلام بطرس في ذلك العدد إشارة واضحة إلى ما ذكره يوحنا . فعبارة بطرس التي سموها شهادة له هي قوله : عالما أن خلع سكني قريب كما أعلن لي ربنا يسوع المسيح أيضا . وعبارة يوحنا المشهود لها هي أن المسيح قال لبطرس : الحق الحق أقول لك لما
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 35)


كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء ، ولكن متى شخت فإنك تمد يدك وآخر يمنطقك ويحملك حيث لا تشاء .
[TR]

[/TR]


فمعنى عبارة بطرس أنه يستبدل مسكنه باختياره ويرحل عن القوم الذين يكلمهم . ومعنى عبارة المسيح أنه إذا شاخ وهرم يقوده من يخدمه ويشد له منطقته . فإن فرضنا أن بطرس كتب هذا بعد يوحنا لم يكن فيه أدنى شبهة على تصديق يوحنا في عبارته هذه ، فضلا عن تصديقه في كل إنجيله ، فما أوهى دينا هذه أسسه ودعائمه !
[TR]

[/TR]


ذكرني هذا الاستدلال نادرة رويت لي عن رجل هرم من صيادي السمك - ولا أذكر هذا الوصف تعريضا بتلاميذ المسيح عليه السلام وعليهم الرضوان - قال : إن رجلا غريبا من الدراويش علمه سورة لا يعرفها أحد من خلق الله سواهما ، إلا أن خطيب البلد يحفظ منها كلمتين تدلان على أصلها . وأول هذه السخافة التي سماها سورة : الحمد لله الذين المددا . عند النبي أشهدا ، نبينا محمدا ، في الجنان مخلدا ، أجت فاطمة الزهرا ، بنت خديجة الكبرى ، آلت لو يا با بتي يا با بتي علمني كلمتين . . . إلخ . والكلمتان اللتان يحفظهما الخطيب منها هما فاطمة الزهرا ، وخديجة الكبرى ، رضي الله عنهما ؛ لأنه كان يقول في دعاء الخطبة الثانية بعد الترضي عن الحسن والحسين ، وارض اللهم عن أمهما فاطمة الزهرا ، وعن جدتهما خديجة الكبرى .
[TR]

[/TR]


ولا يخفى على القارئ أن الاتفاق بين هذه الأسجاع العامية وخطبة خطيب البلد في تينك الكلمتين أشهر من الاتفاق بين رسالة
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 36)


بطرس وإنجيل يوحنا ، بل ليس بين هذا الإنجيل وهذه الرسالة اتفاق ما فيما زعموه تكليفا وتحريفا للعبارة عن معناها .
[TR]

[/TR]


وأما استدلاله باقتطاف أغناطيوس وبوليكريس من روح هذا الإنجيل فهو مثل استدلاله بشهادة بطرس له بل أضعف . إذ معنى هذا الاقتطاف أنه روي عن هذين الرجلين شيء يتفق مع بعض معاني هذا الإنجيل . فإذا سلمنا أن هذا صحيح فهو لا يدل على أن هذا الإنجيل كان معروفا في زمنهما في القرن الثاني للمسيح ، لأنهما لم يذكراه ولم يعزوا إليه شيئا . ويجوز أن يكون ما اتفقا فيه من المعنى إن صح ذلك ولم يكن كالاتفاق الذي ذكروه بينه وبين بطرس مقتبسا من كتاب آخر كان متداولا في ذلك الزمان ، كما يجوز أن يكون مأخوذا من التقاليد الموروثة عند بعض شعوبه . مثال ذلك : أن يوحنا انفرد باستعمال لفظ - الكلمة - والقول بألوهية الكلمة ، ولم يؤثر هذا عن غيره من مؤلفي الكتب المقدسة عندهم ، ولا عن أحد من تلاميذ المسيح . وقد بينا في تفسير قوله تعالى :
وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ
أن هذه العقيدة وهذا اللفظ مما أثر عن اليونان والبراهمة والبوذيين وقدماء المصريين . وبحث فيها أيضا ( فيلو ) الفيلسوف اليهودي المعاصر للمسيح . فإذا فرضنا أن ( أغناطيوس ) استعمل هذا اللفظ وذكر هذه العقيدة في القرن الثاني ، لا يكون هذا دليلا على نقلها عن يوحنا ، وعلى أن إنجيل يوحنا ورسالته ورؤياه كانت معروفة في القرن الثاني ؛
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 37)


لاحتمال أن يكون نقل ذلك عن الأمم الوثنية التي كانت تدين بهذه العقيدة قبل يوحنا وقبل المسيح عليه السلام . وإذا كان الاتفاق بينهما في المعنى الذي انفرد به يوحنا عن غيره لا يدل على ذكر ، فكيف يدل عليه الاتفاق في المعاني الأخرى التي لم ينفرد بها يوحنا ؟
[TR]

[/TR]


فتبين من هذا النقد الوجيز أن ما ذكره بوست وسماه كغيره شهادة لإنجيل يوحنا ليس شهادة ، وأن ما سميناه شهادة مندوحة لنا عن القول بأنها شهادة زور . وأما زعمهم أن كتابة هذا الإنجيل توافق سيرة يوحنا ولا يقدر عليه غيره ، فهو تمويه نقضوه بقولهم : إنه هو لا يقدر عليه أيضا إلا بالإلهام ، إذ كل ملهم يقدر بأقدار الله الذي ألهمه ، وليس ليوحنا عندهم سيرة تثبت أو تنفي .
[TR]

[/TR]


بقي استدلاله الأخير على صحة هذا الإنجيل بأنه لو لم يكن من قلم يوحنا لكان الكاتب له على جانب عظيم من المكر والغش . قال : هذا الأمر يعسر تصديقه ؛ لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحيا . . . إلخ . فنقول : إن هذا الاستدلال ينبئ بسذاجة من اخترعه ونقله وغرارتهم ، وإن شئت قلت : بغباوتهم أو قصدهم مخادعة الناس . وبطلانه بديهي ، فإن الكاتب للمعاني الروحية لا يجب أن يكون روحيا ، والكاتب في الفضائل لا يقضي العقل أن يكون فاضلا . وقد كان في مصر كاتب من أبلغ كتاب العربية في الأخلاق والفضائل ، ومع هذا وصفه بعض عارفيه بقوله : إن حروف الفضيلة تتألم من لوكها بفمه ، ووخزها بسن قلمه . وإن الروحانية التي نجدها في إنجيل برنابا وما فيه من تقديس الله وتنزيهه ، ومن الأفكار والصلوات ، لهو أعلى وأشد تأثيرا في النفس من إنجيل يوحنا .
[TR]

[/TR]



[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 38)


ويزعمون مع هذا كله أنه قصد به غش الناس ، وتحويلهم عن التثليث والشرك إلى التوحيد والتنزيه !
[TR]

[/TR]


إن هذا المسلك الأخير الذي سلكه بوست في الاستدلال على صحة نسبة إنجيل يوحنا إليه يقبله المقلدون لعلماء اللاهوت عندهم بغير بحث ولا نظر . والناظر المستقل يراه يؤدي إلى بطلان نسبته إليه لأسباب أهمها ثلاثة :
[TR]

[/TR]


1 - أنه جاء بعقيدة وثنية نقضت عقيدة التوحيد الخالص المقررة في التوراة وجميع كتب أنبياء بني إسرائيل . وقد صرح المسيح بأنه ما جاء لينقض الناموس بل ليتممه ، وأصل الناموس وأساسه الوصايا العشر ، وأولها وأولاها بالبقاء ودوام البناء وصية التوحيد .
[TR]

[/TR]


2 - مخالفته في عقيدته وأسلوبه لكل ما هو مأثور عن جماعته وقومه قبل المسيح وبعده .
[TR]

[/TR]


3 - مخالفته للأناجيل التي كتبت قبله في أمور كثيرة أهمها : تحاميه ما ذكر فيها من الأعراض البشرية المنسوبة إلى المسيح مما ينافي الألوهية ، كتجربة الشيطان له ، وخوفه من فتك اليهود به ، وتضرعه إلى الله خائفا متألما ليصرف عنه كيدهم وينقذه منهم ، وصراخه وقت الصلب من شدة الألم - إلى غير ذلك .
[TR]

[/TR]


ومن تأمل أساليب الأناجيل وفحواها يرى أن إنجيل يوحنا غريب عنها ، ويجزم بأن كاتبه متأخر سرت إليه عقائد الوثنيين ، فأحب أن يلقح بها المسيحيين .
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 39)


ونقول ( ثانيا ) : إذا فرضنا أن موافقة بعض أهل القرن الثاني لهذا الإنجيل في روح معناه يعد شهادة له بأنه كان موجودا في منتصف القرن الثاني ، فأين الشهادة التي تثبت أنه كان موجودا في القرن الأول والصدر الأول مما بعده ؟
[TR]

[/TR]


ثم تبين لنا من تلقاه عنه حتى وصل إلى أولئك الذين اقتطفوا من روحه .
[TR]

[/TR]


بعد كتابة ما تقدم راجعت ( إظهار الحق ) فرأيته استدل على أن إنجيل يوحنا ليس من تصنيف يوحنا الذي هو أحد تلاميذ المسيح بعدة أمور . ( منها) : أسلوبه الذي يدل على أن الكاتب لم يكتب ما شاهده وعاينه بل ينقل عن غيره . ( ومنها) : آخر فقرة منه وهو ما أوردناه في الاستدلال على أنه لم يكتب عن أحوال المسيح وأقواله إلا القليل ، فإنه ذكر فيها يوحنا بضمير الغائب وأنه كتب وشهد بذلك . فالذي ينقل هذا عنه لا بد أن يكون غيره ، وقصاراه أنه ظفر بشيء مما كتبه فحكاه عنه ونقله في ضمن إنجيله ، ولكن أين الأصل الذي ادعى أن يوحنا كتبه وشهد به ؟ وكيف نثق بنقله عنه ونحن لا نعرفه ، ورواية المجهول عند محدثي المسلمين وجميع العقلاء لا يعتد بها البتة . ( ومنها) : أنهم نقلوا أن الناس أنكروا كون هذا الإنجيل ليوحنا في القرن الثاني على عهد ( أرينيوس ) تلميذ ( بوليكارب ) الذي هو تلميذ يوحنا ، ولم يرد عليهم أرينيوس بأنه سمع من بوليكارب أن أستاذه يوحنا هو الكاتب له . ( ومنها ) : نقله عن بعض كتبهم ما نصه : كتب استادلن في كتابه : إن كافة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية بلا ريب . ( ومنها ) : أن المحقق
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
[TR]

[/TR]
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 40)


( برطشنيدر ) قال : إن هذا الإنجيل كله وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه بل صنفها أحد ( كذا ) في ابتداء القرن الثاني . ( ومنها ) : أن المحقق ( كروتيس ) قال : إن هذا الإنجيل عشرين بابا ألحقت كنيسة أفساس الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنا . ( ومنها ) : أن جمهور علمائهم ردوا إحدى عشرة آية من أول الفصل الثامن . . . إلخ .