عن عبد الرحمن بن حرملة قال:


جاء رجل إلى سعيد بن المسيب يودِّعه بحجٍّ أو عمرة، فقال له: لا تبرح حتى تصلِّي؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخرج بعد النداء من


المسجد إلا منافق، إلا رجل أخرجته حاجة وهو يُريد الرجعة إلى المسجد».


فقال: إنَّ أصحابي بالحرَّة. فخرج، فلم يزل سعيد يذكره، حتى أُخبِر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه([28]).




عن أبي يحيى الساجي قال:


كنا نمشي في أزقَّة البصرة إلى باب بعض المحدثين، فأسرعنا المشي ومعنا رجلٌ ماجنٌ مُتَّهمٌ في دينه، فقال مستهزِئًا: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة


الملائكة لا تكسروها.


فلم يزل من موضعه حتى جفَّت رجلاه وسقط([31]).



قال النووي:



قال الحافظ عبد الحافظ: إسناد هذه الحكاية كالوجد أو كرأي العين، لأنَّ رواتها أعلام أئمَّة.




قال القاضي أبو الطيب:


كنا في مجلسٍ بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، حتى استدلَّ بحديث أبي هريرة الوارد فيها، فقال (وكان


حنفيًا): أبو هريرة غير مقبول الحديث.


فما استتمَّ كلامه حتى سقطت عليه حيَّة عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب منها، وهي تتبعه، فقيل له: تب، تب.



فقال: تبت، فغابت الحية، فلم يُرَ لها أثر..!




قال الذهبي: إسنادها أئمة ([32]).



[حكاية عن بعض من استخف بالسنة!]



ذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي - رحمه الله - في كتابه شرح "صحيح مسلم":



-هذه الحكاية فيها وشلت رجلاه ويداه وسائر أعضائه. قال: ورأيت في بعض الروايات أنه تفسخت بنيته! قال: وقرأت في بعض الحكايات؛ أن بعض المبتدعة

حين سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم:


(إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين باتت يده).


-قال ذلك المبتدع على سبيل التهكم: أنا أدري أين باتت يدي، في الفراش! فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه!.


-قال التيمي: "فليتق المرء الاستخفاف بالسنن ومواضع التوقيف. فانظر كيف وصل إليهما شؤم فعلهما".



قال الإمام الشافعي في هذا


-قلت: ومعنى هذا الحديث: ما قاله الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وغيره من العلماء رضي الله تعالى عنهم:


-أن النائم تطوف يده في نومه على بدنه، ولا يأمن أنها مرت على نجاسة؛ من دم بثرة، أو قملة، أو برغوث، أو على محل الاستنجاء، وما أشبه ذلك، والله

أعلم.
موقف سلف الأمة مِمَّن عارض السُّـنة


عن أبي قتادة قال:

كنا عند عمران بن حصين في رهطٍ منا، وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران يومئذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحياء خيرٌ كلُّه» أو قال:



«الحياء كلُّه خير»، فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة: أنَّ منه سكينة ووقارًا لله، وفيه ضعف.

فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال: ألا أراني أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتُعارض فيه



([أخرجه البخاري (ح6117) ومسلم (ح 61) واللفظ له.])؟



وعن أبي المخارق قال:


ذكر عبادة بن الصامت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن درهمين بدرهم، فقال فلان: ما أرى بهذا بأسًا، يدًا بيد.


فقال عبادة: أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقول: لا أرى به بأسًا؟.. والله لا يظلُّني وإياك سقف أبدًا

([أخرجه ابن ماجه (ح18) والدارمي ح (443) واللفظ له والحديث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح18).]).

وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال: «إنها لا تصطاد صيدًا، ولا تنكأ عدوًا، ولكنها تفقًأ العين، وتكسر

السن» .. فقال رجل لعبد الله بن مغفل: وما بأس هذا؟ فقال: إني أحدِّثك عن رسول الله، وتقول هذا؟ والله لا أكلمك أبدًا

([أخرجه البخاري (ح5479) ومسلم (ح1954) وهذا اللفظ لابن بطة في الإبانة (ح96).]).


قال النووي:

فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السُّنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائمًا، أمَّا النهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام فإنما هو فيمن هُجِر لِحَظِّ نفسه

ومعايش الدنيا، وأمَّا أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائمًا .. وهذا الحديث مِمَّا يُؤيِّده مع نظائره له، كحديث كعب بن مالك وغيره. اه

ـ([شرح صحيح مسلم (13/106)).
قال ابن حجر:

وفي الحديث جواز هجران من خالف السُّنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث؛ فإنه يتعلَّق بِمَن هُجِر لِحَظِّ نفسه. اهـ

([الفتح (9/608).]).

وعن قتادة قال:

حدَّث ابن سيرين رجلاً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: قال فلان كذا وكذا، فقال ابن سيرين: أحدِّثك عن النبي صلى الله عليه وسلم

وتقول: قال فلان كذا وكذا؟!.. لا أكلمك أبدًا

([أخرجه الدارمي (ح441).]).

وعن سالم بن عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها»، فقال

بلال بن عبد الله: والله لنمنعهنّ.


فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أُخبِرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟!

([أخرجه مسلم (ح442) رقم خاص: (135).]).

قال النووي: فيه تعزير المعترض على السُّنة والمعارض لها برأيه([شرح صحيح مسلم (4/162).).

قال ابن حجر: أُخِذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترِض على السُّنن برأيه، وجواز التأديب بالهجران، فقد وقع في رواية أبي نجيح عن مجاهد عند


أحمد «فما كلَّمه عبد الله حتى مات»([المسند ح (4933، - 8/527).])،

وهذا – إن كان محفوظًا – يُحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير([الفتح (2/349)]).

وعن عطاء بن يسار أنَّ رجلاً باع كسرة من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُنهى عن مثل

هذا إلاَّ مثلاً بمثل، فقال الرجل: ما أرى بمثل هذا بأسًا.


فقال أبو الدرداء: من يعذرني من فلان؟ أحدِّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه!.. لا أساكنك بأرض أنت بها

([ أخرجه ابن بطة في الإبانة (ح94)]).

وعن الأعرج قال:

سمعت أبا سعيد الخدري يقول لرجل: أتسمعني أحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تبيعوا الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم إلا مثلاً

بمثل، ولا تبيعوا منها عاجلاً بآجل» ثم أنت تفتي بما تفتي، والله لا يؤويني وإياك ما عشت إلا المسجد

([أخرجه ابن بطة في الإبانة (ح95).]).

وقال أبو السائب:

كنا عند وكيع، فقال لرجل عنده مِمَّن ينظر في الرأي: أشعر([الإشعار: هو أن يشق أحد جني سنام البدنة حتى يسيل دمها، ويجعل ذلك لها علامة تعرف
بها أنها هدي. النهاية (2/479).) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول أبو حنيفة «هو مُثلة».


قال الرجل: فإنه قد رُوي عن إبراهيم النخعي أنه قال: «الإشعار مُثلة»، قال: فرأيت وكيعًا غضب غضبًا شديدًا وقال: أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم وتقول: قال إبراهيم؟!.. ما أحقّك بأن تُحبس ثم لا تخرج حتى تنـزع عن قولك هذا

([جامع الترمذي (3/250).]).

وعن خُرَّزَاذ العابد قال:

حديث أبو معاوية الضرير عند هارون الرشيد، بحديث «احتجَّ آدم وموسى».

فقال: رجل شريف من وجوه قريش فأين لقيه؟.. فغضب هارون الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق يطعن في الحديث .. فما زال أبو معاوية يُسكنه ويقول:
بادرة يا أمير المؤمنين ولم يفهم، حتى سكن

([تاريخ بغداد (14/7) وذم الكلام وأهله (4/263) وسير أعلام النبلاء (9/288).).

وقال عاصم: مرَّ رجل على زرِّ بن حبيش وهو يؤذِّن فقال: يا أبا مريم، قد كنت أكرمك عن ذا، فقال: إذن لا أُكلِّمك كلمة حتى تلحق بالله

([السير (1/169).]).

قال الحاكم: سمعته – يعني أبا بكر الصبغي – وهو يخاطب فقيهًا، فقال: حدِّثونا عن سليمان بن حرب، فقال له: دعنا مَن حدَّثنا إلى متى حدَّثنا وأخبرنا؟


فقال: يا هذا، لست أشمُّ من كلامك رائحة الإيمان، ولا يحلُّ لك أن تدخل داري .. ثم هجره حتى مات([سير أعلام النبلاء (15/485)، وطبقات الشافعية
للسبكي (3/10).]).

قال الواقدي:

حدَّثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: قال مروان بن الحكم، وهو على المدينة وعنده ابن يامين النضري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان
غدرًا.

وكان محمد ابن مسلمة جالس، شيخ كبير، فقال: يا مروان، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندك؟.. والله ما قتلناه إلاَّ بأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم .. والله لا يؤويني وإيَّاك سقف بيت إلا المسجد، وأما أنت يا بن يامين فلله عليّ إن أفلتّ وقدرتُ عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك([
الصارم المسلول (ص90).]).

وقال أبو عبد الله المؤذن:

كنت مع ابن أبي شريح في طريق غور، فأتاه إنسان في بعض تلك الجبال فقال له: إنَّ امرأتي ولدت لستة أشهر..

فقال: هو ولدك، قال رسول الله «الولد للفراش»، فعاوده، فردَّ عليه كذلك.

فقال الرجل: أنا لا أقول بهذا. فقال: إنَّ هذا الغزو، وسلَّ عليه السيف، فأكببنا عليه، وقلنا: جاهل، لا يدري ما يقول

([ذم الكلام وأهله (4/398) رقم (1258).]).

وقال أبو الحسين الطبسي:

سمعت أبا سعيد الأصطخري يقول: ...وجاءه رجل وقال له: أيجوز الاستنجاء بالعظم؟ قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هو
زاد إخوانكم من الجن».. فقال له: الإنس أفضل أم الجن؟

قال: بل الإنس. قال: فلِمَ يجوز الاستنجاء بالماء وهو زاد الإنس؟

قال: فنـزا عليه وأخذ بحلقه وهو يقول: يا زنديق، تُعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.. وجعل يخنقه، فلولا أني أدركته لقتله، أو كما قال
([مدارج السالكين (1/334).]).



قال ابن القيم:


هل كان في الصحابة من إذا سمع نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته؟.. وهل كان قط أحدٌ منهم


يقدم على نصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياسًا أو ذوقًا أو سياسة أو تقليد مقلِّد؟. فلقد أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا

حاله أو يكون في زمانهم.


ولقد حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على من قدَّم حُكمه على نصِّ الرسول بالسيف، وقال: هذا حُكمي فيه..


فيا الله!


كيف لو رأى ما رأينا؟ وشاهد ما بُلينا به من تقديم رأي كلِّ فلان وفلان على قول المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ومعاداة من اطَّرح آراءهم وقدَّم عليها قول

المعصوم؟


فالله المستعان .. وهو الموعد .. وإليه المرجع


([مدارج السالكين]).