ليس سوى واهمٍ إلى حد الحماقة، كل من ينتظر رأساً للنصارى بعامة والكاثوليك منهم بخاصة، يقف من الإسلام موقفاً عاقلاً..
فوجود الأحبار والرهبان المختصين في استعباد العباد وأكل أموال الناس بالباطل يتناقض جذرياً مع الإسلام، لأنه يدحض العقائد المزورة التي يتبنونها، ويفضح ممارساتهم غير الأخلاقية، ولا سيما أنهم يفعلونها تحت رداء ديني مفترى.

ولذلك ينحصر الفرق بين بابوات الفاتيكان في الدرجة والأسلوب الظاهري أما من حيث النوع فإنهم جميعاً ينتمون إلى فصيلة البغضاء ذاتها.

فالبابا الحالي للفاتيكان بندكتوس السادس عشر لا يخفي كراهيته العميقة للإسلام، في حين كان سلفه ثعلباً مراوغاً، يعبر عن ضغائنه بالعمل الخبيث وإن كان يضع في يديه قفازات حريرية، اتخذت دعاوى الحوار المخاتل، لتخدير المسلمين والتسلل أكثر فأكثر إلى مجتمعاتهم من خلال تسهيل عمل البعثات التنصيرية المتسترة وراء معاهد التعليم والمستشفيات والنشاط الإغاثي الزائف...

فبندكتوس السادس عشر يتطاول على الإسلام صراحة، ويفتري على عقائده ومبادئه ورجاله وتاريخه، ويهاجم الدعاة إلى الله من خلال النمط الأمريكي الصارخ، الذي يتهمهم جميعاً بالتشدد ودعم الإرهاب!!


إن هذه الأرضية التمهيدية ضرورية جداً لوضع زيارته الأخيرة إلى قبرص في سياقها الصحيح.

فهي أول سابقة من نوعها، أن يزور زعيم الكنيسة الكاثوليكية بلداً ينتمي أكثر النصارى فيه إلى الكنيسة الأرثوذكسية، وبين الكنيستين إرث ثقيل من الكراهية المزمنة تخللتها حروب عدة، أريقت فيها دماء غزيرة.

صحيح أن تلك الصفحات قديمة نسبياً، لكنها تركت رواسبها لدى الجانبين، وإن كانت قد أخذت تكبو لسبب يتيم هو توجيه مشاعر الحقد نحونا نحن المسلمين باعتبارنا العدو المشترك.


وما كان لهذا الانقلاب أن ينجح لولا جهد ضخم بذله بابوات متعاقبون وبصفة خاصة في الجانب الكاثوليكي، إلى أن أنشئ مجلس كنائس مشترك لمنطقتنا التي يصرون على استعمال التسمية الاستعمارية لها"الشرق الأوسط"!!

وليس التواطؤ الصليبي بين رجال الدين والساسة العلمانيين مقتصراً على التسميات المتعمدة ولا على التعاون القديم في فترات الاحتلال العسكري المباشر لكثير من البلدان الإسلامية، فها هم أدعياء العلمنة الصليبيين في عواصم الغرب المهمة، اتفقوا من قبل ومن بعد، على اعتبار قبرص جزءاً من أوربا، بالرغم من وقوعها في قارة آسيا جغرافياً!!

بل إن قسماً كبيراً من أراضي تركيا يقع في قلب أوربا، وإلى الغرب عن موقع قبرص، لكنه لم يشفع لأنقرا الأتاتوركية المغالية في علمنتها، لكي تدخل الاتحاد الأوربي، لأن أكثرية شعبها من المسلمين!!

ومع ذلك يحدثك القوم وأذيالهم عندنا عن العلمنة والإنسانية والبعد عن تأثير الدين الصليبي في قرارات الغربيين ضدنا!!


وإذ سبق العلمانيون الصليبيون كنيستهم، فإن رئيسها الحالي لحق باستراتيجيتهم بزيارته إلى قبرص -الشطر اليوناني النصراني فحسب!!- فالساسة خانوا حقائق الجغرافيا والكهنة يخونون أراجيف المعتقدات التي يزعمون أنها "مبادئ"راسخة!! لكن الحقد على الإسلام وأهله يفسر ذلك التواطؤ القديم الجديد المستمر.


والمضحك/المبكي أن البابا عندما سئل في قبرص عن رأيه في المجزرة التي اقترفها الجيش الصهيوني ضد أسطول الحرية، طلع بجواب يهتك الستر عن مكنونات صدور هؤلاء الموتورين، فقد قال بسفه لا يُحْسَدُ عليه: "إن علينا أن لا نفقد أبدا الأمل في البحث عن السلام"، محذراً من خطر نفاد الصبر والوصول إلى مرحلة القول "لم أعد أريد أن أبحث عن السلام"!!! فعن أي سلام يتحدث هذا الحقود بين الوحوش الكاسرة وضحاياهم البريئة؟

إنه ينحاز فعلياً إلى عدوان وقح اضطر عتاة الساسة الصليبيين في الغرب إلى انتقاده!! ولنلحظ أن هذا الذي ينسب إلى المسيح عليه السلام مقولة: من صفعك على خدك الأيمن فأدرْ له الأيسر، يتغاضى عن جريمة قرصنة همجية قام بها جيش مدجج بالسلاح على أناس عزل مسالمين في عرض البحر.

هذا مع أن المشاركين في أسطول الحرية يحملون جنسية 42 دولة، وفيهم يهود ونصارى، بل قسس!! فكيف لو كانت مواجهة عسكرية بين جيش مسلم وجيش اليهود!!!