لقد كان الأنبا بيشوي دائما صوت العقل في كنيسة الإسكندرية، والحقيقة انه كان دائما يعمل لاحتواء الفتنة الطائفية، وأحسبه سيظل كما اعتدنا منه، يمثل الجناح المعتدل في الكنيسة، والحماقات الأخيرة التي بدرت منه، لن تستمر، طويلا، اللهم ألا إذا طال جلوس البابا شنودة على كرسي المرقصية
بيشوي لم يتغير ولم يصب بالجنون وكل ما في الأمر ان عيناه حاليا علي الكرسي البابوي، ويبدوا ان الجالس القادم على كرسي مار مرقس، يجب أن يكون كلبا علي شاكلة زكريا بطرس والخنزير مرقس عزيز، فكان لا بد أن يطلق بيشوي بعض التصريحات السخيفة للاستهلاك المحلي، تماما كما يفعل حكامنا في وقت الأزمات،
ومن النغمات التي يعجب بعض الأطراف في الكنيسة، اعتبار المسيحيين أصحاب البلد،
ومهما كان الأمر أظن يجب الرد على مقولة بيشوي حتى وان كانت قيلت لأسباب نعلمه، وسوف أعتمد فقط على المصادر المسيحية




تصريح الأنبا بيشوي وقوله بأن المسيحيين أصحاب البلد، والمسلمين ضيوف، فرية قديمة، وسخيفة في نفس الوقت، وذلك لعدة أسباب، أهمها ان المسلمين فتحوا مصر عنوة، ثانيا المسيحية ذاتها ليست ديانة أهل مصر، فقد جاءتهم من الخارج أيضا، ثالثا، الحقائق التاريخية غير القابلة للنقض، تؤكد ان مسلمي مصر هم أتباع الغزاة وليسوا أبناء الغزاة [1]، رابعا، الأقباط أي المصريون مسلميهم ومسيحييهم هم أحفاد نوح بحسب المصادر المسيحية
اصل الأقباط

ولنبدأ بأصل الأقباط، بحسب المصادر المسيحية، وأؤكد، على المصادر المسيحية، لأنني لا أتبنى هذه الأقوال ولا أريد الدخول في مباحث تاريخية طويلة، لذلك أكتفي بما شهد به المؤرخون المسيحيون،
ووفقا ليعقوب نخلة روفيلة فان الأقباط ليسوا أهل البلد وليسوا هم من سموا مصر باسمها فهم وفدوا إليها بعد بناء برج بابل وعقب بلبلة الألسنة،
قال يعقوب نخلة روفيلة في كتاب تاريخ الأمة القبطية
مصر كلمة عبرانية الأصل مشتقة من مصرايم بن حام بن نوح الذي أتي بعشيرته إلى وادي النيل واتخذه مقرا له ولأولاده من بعده وذلك عقب تبلبل الألسنة ببابل ( ص3)
وإذا كان اليهود هم من سموا مصر باسمها "مصر" فان اليونانيين هم من سموها بـ " إيجبت" عقب فتح مصر على يد الإسكندر المقدوني المعروف بألإسكندر الأكبر، و" إيجبت" عبارة مركبة من كلمتين" ايـ" وتعني الأرض، وقيل ان قفط من قفطايم وقفطايم ابن مصراييم حفيد نوح عليه السلام، وكان هذا ابتني مدينة بالصعيد سميت باسمه ( ص4 من نفس الكتاب)
إذن الأقباط هم أحفاد نوح وقد وفدوا إلي مصر عقب بلبلة الألسنة وسكنوا مدينة قفط بالصعيد، فان اعتبرناهم اصحبا البلد فهم أصحاب مدينة فقط فقط، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه بقوة وهو، من منا ليس بحفيد نوح
نترك السؤال مفتوحا ونستمر مع الأستاذ روفيلة الذي يفيدنا بان قبيلة القبط التي سكنت المدينة الجديدة، كانت تحتكم إلى قوانين وضعها الكهنة الوثنيون وكانوا يعبدون الإله البتاه الأقنوم الأصلي وعلة الوجود، ومعه الإله را أي الإله شمس وهو الأقنوم الثاني، وكان الأقنوم الأول قد دفع كل سلطان إلى الأقنوم الثاني ( ص 10 )
استمر الحال على هذا إلى ان ظهر اقنوم الابن، أي ابن الإله شمس وكان اسمه مينا، وثار هذا على الكهنة وأسس مملكته وبنى مدينة منفيس ( ص11 ) ومن هناك بدأت فتوحاته التي استمرت بعد موته( ص12 ) وتوسعت حتى بلغت مملكة الفراعنة آسيا وأفريقيا،
سقطت دولة الفراعنة علي يد الفرس 527 ق م وتذوق الشعب الويل ( ص16 ) وغزاها بعد ذلك اليونانيون في عهد لإسكندر الأكبر الذي بنى مدينة الإسكندرية ( ص17 ) ثم جاء الرومان في القرن الأول واستأنف اضطهاد الشعب
وفي القرن الأول بعث الله سيدنا المسيح عليه السلام في فلسطين إلى اليهود وأعلنها صراحة " لم أرسل إلا إلى خراف إسرائيل" ولما ظهر بولس الرسول، بدأت النصرانية تأخذ صبغة العالمية، وأقر هذا الأمر بعد نقاش في مجمع أورشليم بحسب ما ورد في سفر أعمال الرسل، ووصلت دعوة بولس مصر وتفاعلت مع المفاهيم الوثنية والغنوصية،
، لقد ساهم اليونانيون المصريون في تطوير النصرانية، ولكن لم تكن النصرانية صناعة محلية، إذ لم يكن بولس مصريا وما كان مرقص مصريا، والأخير تعتبره الكنيسة خطئا من أدخل المسيحية إلى مصر، وهو بمثابة البطريق الأول للكنيسة القبطية،
أما الذين طوروا النصرانية في مصر، فمن حقهم أن يطلق عليهم مصريين، وفي نفس الوقت لا ننسي أنهم لم يكونوا ينتمون إلى العرق القبطي، بل كانوا يونانيين منن أتي مع الاستعمار، ويكفي أن ننظر إلى أسمائهم لنعرف أنهم ما كانوا قبطا
مار مرقس الرسول (1)
البابا أنيانوس (2)
البابا ميليوس (3)
البابا كردونوس (4)
البابا بريموس (5)
البابا يسطس (6)
البابا أومانيوس (7)
البابا مريانوس (8)
البابا كلاديانوس (9)
البابا أغريبنوس (10)
البابا يوليانوس (11)
البابا ديمتريوس الأول (12)
البابا ياروكلاس (13)
البابا ديونيسيوس (14)
البابا مكسيموس (15)
البابا تيئوناس (16)
البابا بطرس الأول " خاتم الشهداء"(17)
البابا أرشيلاوس (18)
البابا ألكسندروس (19)
القديس أثناسيوس الرسولي (20)
البابا بطرس الثاني (21)
البابا تيموثيئوس الأول (22)
البابا ثيئوفيلس (23)
البابا كيرلس عامود الدين(24)
البابا ديسقورس (25)

هذه سلسلة بأسماء الباباوات في الكنيسة القبطية وقد اكتفيت بأول 25 بطريرك من القرن الأول إلى القرن الخامس، ومن الواضح ان أسماءهم ليست قبطية، والمصيبة أنها أسماء يونانية وثنية، فالبابا ديسقورس مثلا اسمه خادم المشترى، أي عبد كوكب المشترى، رغم أنه ولد مسيحيا،وقد كان تلميذا للبابا كيرلس الكبير
يقول المؤرخ جاك تاجر[2] في كتابه أقباط ومسلمون ( ص 11)
ان المستشرقين أمثال لوفير، شميدت وشولتز اتفقوا على ان المسيحية ظلت غريبة على أهل مصر الأصليين
ويضيف
"ظل الشعب القبطي بعد انتشار المسيحية على يد الرومان والبيزنطيين يعبد بحرارة آلهته الفرعونية ويكرم آثار ماضيه التليد وكان يرفض أن يقدم القرابين للآلهة اليونانية والرومانية، كما انه لم يقبل المسيحية إلا بتحفظ شديد لأنها جاءته من الخارج" ( ص11 )
إذا كانت النصرانية ليست صناعة محلية، فبأي منطق يكون المسيحيون مواطنين والمسلمين ضيوف، وماذا لو تنصر المسلمون؟ هل وقتها يمنحهم بيشوي الجنسية القبطية؟ إنها حقا سخافة، ولكنها تردد منذ زمن بعيد، وقد كتب الشيخ العلامة محمد الغزالي معلقا على هذه السخافات في كتابه التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، فقال ( ص163 )
"من ألوان الحرب التى تشن الآن ضد الإسلام اعتباره طارئا على البلاد. وفد عليها مع فاتحين غرباء، ثم استقر فيها على كره من أصحابها الأصلاء!!. وهذه مزاعم مضحكة، فإن كلتا الديانتين جاءت مصر من الخارج. وليست مسيحية عيسى صناعة محلية يجب ـ لتشجيعها ـ أن توضع العوائق الجمة أمام ما قد يزاحمها من واردات أخرى ! كلا
ولو كان من حق أهل بلد ما أن يطردوا الأفكار الغريبة عن بيئتهم لأنها ليست أفكار مواطنين أصلاء، لوجب إخراج المسيحية والإسلام معا من مصر، ولوجبت إعادة البلد على عجل إلى حظيرة الوثنية المحضة التى تعبد فيها الأصنام وتقدس العجول. فإن الوثنية هى الديانة التى عرفها تاريخنا آلاف السنين، إنها بضاعتنا العريقة
" ( .
قبل الحديث عن الفتح الإسلامي، يجب أن نلقي نظرة سريعة على حال مصر قبل الفتح الإسلامي، فقد مر المصريون باضطهادات قاسية وصل إلى الذروة في عصر الشهداء ولم يقطع دابره إلا الإسلام، ولنترك المؤرخ المسيحي يحدثنا بنفسه، عن حالة مصر إبان الحكم الفارسي
يقول يعقوب نخلة روفيلة
أعاد الفرس الكره واستولوا عليها ثانية وأذاقوا أهلها مر العذاب فقهروهم وأذلوهم وخربوا المدن وهدموا المعابد وسبوا النساء وقتلوا الرجال وسلبوا الأموال وأحرقوا الحرث والنسل ( ص15 )
وفي القرن الأول احتل الرومان مصر، واستمر الاضطهاد، واعتبر المصريون أقل من العبيد، ولم يكن للمصريين حتى حق المحاكمة، فالرأي ما يراه الوالي الروماني، يغعل ما يشاء في المصري دون محاكمة، فقد كانت المحاكم خاصة للرومانيين واليونانيين فقط ( ص23،24 ) ووصل الظلم الذروة في عصر دقلديانوس حتى سمي عصر الشهداء لكثرة ضحايا عصره، فقد فتك بالمصريين فتكا وحرق المدن وهدم الكنائس، وأجبر المسيحيين على تقديم الخرابين للآلهة الوثنية ( ص26) ومما زاد الطين بله، ان المصرين المسيحيين اختلفوا في العقيدة كل فئة تلعن أختها، ويقول يعقوب روفيلة، ان في يوم واحد فقط قتل في إسكندرية، 100 ألف نفس [3]جراء هذا الصراع العقدي بين المسيحيين اليعقوبيين والملكانيين ( ص28 )
وقبل دخول الإسلام إلى مصر حاول هرقل توحيد الطائفتين الرئيسيتين، ولكنه لم يوفق في ذلك فاستباح دماء اليعاقبة، إذ كان هو ينتمي إلى مذهب الملكانية، وعزل البابا بنيامين وعين مكانه بابا آخر على مذهبه وأراد قتل بنيامين ففر البابا إلى الجبال، وقتل هرقل أخ البابا بنيامين انتقاما منه ( ص 35 )
يتحدث المؤرخ روفيله عن شجاعة عمرو بن العاص وحسن تدبيره، ثم يقول
وصار عمرو بن عاص يخترق الهضاب والبطاح ويجوب الفيافي والبلاد حتى وصل إلى حدود مصر فدخل مدينة العريش وذلك سنة 639 ومنها وصل إلى بليس وفتحها بعد قتال طال أمده نحو شهر ولما استولى عليها وجد بها أرمانوسة بنت المقوقس فلم يسمها بأذى ولم يتعرض لها بشر بل أرسلها إلى أبيها في مدينة منف مكرمة الجانب معززة الخاطر، فعد المقوقس هذه الفعلة جميلا ومكرمة من عمرو بن العاص ( ص 39،40 )
ثم يحدثنا المؤرخ المسيحي روفيله عن المفاوضات بين مقوقس وعبادة بن الصامت،نيابة عن عمرو، وكان رضي الله عنه شديد السواد طويل القامة هائل المنظر، فرفض مقوقس الحديث معه، لكن الوفد المسلم، بين ان هذا الأسود أميرهم ( ص 43 )
وعقدت المعاهدة بين الطرفين وتنص الوثيقة على " أن يعطى الأمان للأقباط ومن أراد البقاء بمصر من الروم، على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وفي نظير ذلك يدفع كل قبطي دينارين ما عدا الشيخ والولد والمرأة، وأحصى من دفع الجزية فكان عددهم ستة ملاينين وقيل ثمانية ( ص 44 )
وكان أول شيء فعله عمرو بعد أحكام السيطرة هو استدعاء البطريك بنيامين الذي فر من المسيحيين الملكانيين، وكتب أمانا أرسله إلى كل الجهات يدعوا البابا بنيامين للحضور ولا خوف عليه ولا تثريب ( ص 55 )وهكذا كان بنيامين ضيفا على القائد العظيم والصحابي الجليل عمرو بن العاص
وعين عمرو المقوقس حاكما على الإسكندرية والوجه البحر ( ص 51 )
أهم النقاط من نقلنا للمؤرخ المسيحي روفليه هي
ان مصر فتحت عنوة وان تعداد مصر كان على الأقل 6 مليون
الجيش غادر مصر وترك فيها عدد قليل من الجنود لا يتعدي 500 جندي
وأمام هذه الحقائق الجلية ومن المصادر المسيحية، نتساءل: بأي منطق يتحول خمسة مئة شخص إلى 75 مليون خلال هذه الفترة، بينما يتناقص 6 مليون إلى ثلاثة، أو أربعة وإن شئت قل لم ينقصوا وظلوا كما هم ستة ملايين ؟ إن هذا لقول عجاب
لنضرب مثال للأنبا بيشوي
لقد بدأ الحكم الأجنبي في مصر عام 527 ق م، وحكمها اليونانيون منذ عام 332 ق م وفتحها أغسطس الروماني سنة 30 إضافة إلى ذلك كان هناك اليهود التي وفدوا إلى مصر منذ أيام يعقوب عليه السلام ،
وفتحها المسلمون عام 639 وبين بداية الحكم الأجنبي ودخول الإسلام1166 سنة وخلال هذه السنين كلها لم يصل عدد الأجانب إلى عدد الأقباط بل ظل الأقباط هم الأغلبية بنسبة ستة أضعاف،فكيف يقال ان 75 مليون ضيوف على الأنبا بيشوي، وقد كانوا 500
إذن، الحقيقة هي ان الشعب المصري وجد شيئا لم يجده في الفرس أو اليونانيين والروم، لقد وجد الشعب المصري في الإسلام شيئا لم يجدوه المسيحية الملكانية ولا اليعقوبية
لقد وجد المصريون في الإسلام ما يحييهم في الدنيا والآخرة
لقد كانت حياة المصري في يد المواطن اليوناني أو الروماني يفعل به ما يشاء، ولا يملك المصري إلا اللجوء إلى أصنامه، فالمحاكم كانت تتعامل مع الرومانيين واليونانيين فقط أي انها كانت تنظر فقط في القضايا بين الأجانب فقط كانت خاصة بهم
ولما دخل الإسلام، وبعد بضع سنين نجد مصريا كان يمشي مطأطأ الرأس في ظل الحكم اليوناني والروماني، نجده الآن يرفع رأسه لأول مرة وبكل جرأة يطالب بمقابلة رأس الإمبراطورية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ترى من أين له هذه الجرأة يا نيافة الأنبا بيشوي
وماذا يريد هذا العبد القبطي من أعظم شخص في عصره
هل جاء يعلن ولائه ولاء الأقباط للدولة الإسلامية
كلا
لقد أتي يشتكي من ابن الأكرمين، طبعا بمفهوم ابن عمرو الخاطئ
هل أرضاه الخليفة بالعطايا وانتهي الأمر؟
كلا يا بيشوي
بل استدعى عمرا وابنه كي يقتص منه القبطي
واقتص القبطي وكادت ان تضرب صلعة ابن العاص
وقال عمر مقولته الشهيرة
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً
أترون بقبل القبط دينا غير هذا
أيختارون العبودية والظل والمهانة على الحرية
الجواب يعلمه الأنبا بيشوي وهو أكبر من الترهات التي تفوه بها ولكن بريق كرسي المرقسية يلمع أمامه اسأل الله أن يهديه

[1] هذه المقولة أقتبسها من لشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، قالها ردا على افتراءات النصارى واظنه قال( نحن ليسنا أبناء الغزاة بل أتباع الغزاة ) أو ما يشبه ذلك
[2] جاك تاجز دكتور في الآداب في جامعة باريس، وهو ماروني حاقد على الإسلام كما يظهر من كتابه أقباط ومسلمون منذ الفتح، وكان الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قد قام بالرد عليه في كتاب التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، ولكن الشيخ تجنب ذكر اسم الكتاب والكاتب،
[3] يعقوب نخلة روفيلة ينقل عدد القتلى من المصادر التاريخية ويرى ان مقتل 100 ألف في يوم عدد مبالغ فيه ولكن يشير الى ضراوة الصراع بين المسيحيين في مصر