يا أيها الآخر . . .
هاك مثال في الأمانة ، جدير بالالتفات إليه وتدبره بكل حاسة ،،،
يوم أن أزمع الهجرة من مكة ، من بعد أن وصل مع قريش إلى الطريق المسدودة ، خلف عليا بن أبي طالب كرم الله وجهه في مكة ،
أتدري لماذا ؟
ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .
اقرأها مرة أخرى . . .
ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .

نعم ، ودائع القرشيين كانت عنده ،،،
مع كل هذه الخصومة والمخالفة في العقيدة ،،،
عادوه إلى الحد الذي أزمع معه الخروج من بين ظهرانيهم ، هجرة إلى بلد آخر ،،،
ومع كل ذلك ، لا يجدون من هو أوثق منه لودائعهم ، ولا أأمن منه لأماناتهم ،،،
ومع كل ذلك ، ومع استطاعته ــ وقد خرج إلى بلد آخر ــ على أن يأخذ هذه الودائع معه إلى حيث هاجر ، أو يلحقه بها ابن عمه .
مع كل هذا ، لم يفعل ،
أتدري لماذا ؟
لأنه الصادق الأمين ،،
ولأنها الحقيقة التي هي أعمق من كل شيء.
لأنها الرسالة . . . رسالة الإسلام .

يا أيها الآخر . . .
وقعت لنبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال كثيرة ومتنوعة ، لم تتيسر مجتمعة لكل نبي على حدة ،،،،
ولد بدون أن يرى أباه ، وماتت أمه وهو صبي في السادسة ، ولم يكن ليتمه صلي الله عليه وسلم في طفولته شأن يذكر بصدد تكوين عقدة نفسية بشكل أو بآخر ،
فلقد كان أكرم يتيم ، تحوطه عناية أهله وذويه ، ممن يحتلون السيادة والوجاهة في قبيلة قريش ، ذات السيادة والوجاهة علي مستوي قبائل العرب قاطبة ،،،
إذ كفله جده عبد المطلب أحد كبار سادة قريش ،، ثم كفله عمه أبو طالب بن عبد المطلب حتى تزوج .

تزوج نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان زوجا مثاليا ،،،
مارس العلاقة الزوجية بكل ما فيها ، فكان نعم الزوج ،
وماتت في حياته الزوجة المثالية ، فذاق لوعة الفراق من فقد السكن والرفيق الحبيب المخلص ،،
ماتت أم الأولاد في حياته ،
أنجب ،، فمارس حياة الأبوة ،
مات في حياته الأبناء ، الولد و البنت ، فقاسى لوعة فقد فلذة الكبد ، بما فيها من مرارة ، لا يكاد يصنفها ويصفها إلا من ذاقها بنفسه .
أوذي في جسمه الشريف ،
وأوذى في أهله ، بل وصل إلى حد الاتهام في العرض ،،،
وفي من ؟
في أحب زوجاته إليه آنذاك ، وابنة أحب الخلق إليه .
مارس التجارة ، وباع واشترى ،
ومارس من قبل رعي الغنم .
[ يؤكد مؤرخو السير علي صدق القول بأنه ما من نبي إلا ورعي الغنم ،،،
فراعي الغنم يتعامل طيلة وقته مع حيوانات عجماوات ، تفتقر إلي الرعاية الرشيدة ، بما فيها من صبر ورحمة وشجاعة وقوة وتحمل مشاق كثيرة ، إلي جانب الإنفراد الشخصي بالنفس معظم الوقت ، بما في ذلك من متسع زماني ومكاني للتأمل ، والسمو الروحي الذي قلما يتهيأ بذات النسبة لغير راعى الغنم
، وبالإضافة إلي ذلك ،،، فإن رعي الغنم يمثل تدريبا عمليا ( أوليا ) علي ما يعرف بالقيادة ، تلك التي ستكون عين مهمته ( أي النبي ) ، حين يقود الآخرين علي سبيل العبودية للواحد الأحد رب العالمين ].
فرح في أيام ، وحزن في أيام ، وبكى في أيام ، دمعا يسيل على الخد .
أمسك السيف والحربة وقاتل ، وانتصر ،،،
ووصفت شجاعته من الشجعان فقالوا : كنا حين تشتد المعركة نلوذ ونحتمي برسول الله .
فلم تكن قيادته للجيوش وهو في برج خاص خارجها ، إنما هو أقرب ما يكون للعدو ، بل في الأمام من طليعة المحاربين .
عاهد ، ووفى بكل ما عاهد ، كغيره من الأنبياء .
سالم وحارب ، فكان نعم المسالم ونعم المحارب ، باعتراف أبي سفيان بن حرب يوما ما ( قبل أن يهديه الله للإسلام ) .
وشارك نبينا محمد صلي الله عليه وسلم قومه في قتالهم في حرب الفجار ،، وهو غلام يافع ، حمية للحق ، وردا للبغي والظلم ،

وحضر نبينا محمد صلي الله عليه وسلم حلف الفضول ( الثاني ) وشارك فيه ، ومدحه فيما بعد ذلك ، لما تضمنه من نصرة المظلوم ، والتعاون في سبيل الحق والخير والإنصاف ،،،،

وامتنع نبينا محمد صلي الله عليه وسلم تماما عن مقارفة الرذائل ، وارتكاب الفواحش ، ومن أهمها الزنا وشرب الخمر ومجالس اللهو،، وما أشبه ،،،
وكلها أمور كانت شائعة في مجتمع هذا العصر ، بين كثير من الناس آنذاك ، دون غضاضة أو تثريب أو مؤاخذة ، ،
وكره عبادة التماثيل والأصنام ،، مما يؤصل لدينا ويؤكد لنا علي فكرة هامة مهمة ، ألا وهي رعاية الله تعالي له ، وتربيته علي عينه ، منذ بدء حياته ، طاهرا نقيا ، تمام الطهارة والنقاء ، بعيدا عن صور الشرك والوثنية ، وأدران الذنوب ، ونجاسات الآثام ، ،، مما يحسب له صلي الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق ، التي أعلن يوما أنه إنما بعث ليتممها .