تشير الإحصاءات إلى أنه مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي كان كل يهود الغرب من أصل بولندي .. وكانت وظيفتهم المراباة وجمع الضرائب وعوائد الضياع فيما كان يسمى بنظام الأرندا وقامت الحكومات المتتالية في بولندا ببناء قلاع حصينة لليهود حتى يتمكنوا من حماية أنفسهم ضد الفلاحين البولنديين وفي نفس الوقت تمويل الحكومة البولندية بالعوائد الضخمة وبعد أن تفككت بولندا وانضم جزء منها لألمانيا وجزء لروسيا تم الاستغناء عن اليهود في بولندا وصاروا جماعات وظيفية بلا وظيفة وبدأت تنشأ المشكلة اليهودية وظهر هرتزل وحاول أن يساعد أوربا في التخلص من اليهود واقترح هضبة أثيوبيا مكانا لليهود ثم زار مصر وذهب لكرومر المندوب السامي البريطاني في مصر وطلب منه إعطاءه أرض العريش ليقيم فيها دولته الصهيونية ... ثم توجه هرتزل إلى جوزيف تشامبرلين وزير المستعمرات البريطاني طالبا منه قطعة أرض لا يسكنها الانسان الابيض .. كان هرتزل يبحث عن حل للمشكلة اليهودية في أوربـا !!

وفي هذه الأثنـاء ظهر المفكر الصهيوني نيثان بيير نباوم الذي قام بتأسيس الحركة الصهيونية بل وهو المسئول عن اختراع كلمة صهيونية ( نحت كلمة صهيونية ) والذي اشترك في المؤتمر الصهيوني الاول وبدأت تتبلور قضية المشكلة اليهودية على الساحة الدولية فتم إغراء اليهود بالقدس أرض الأجداد أرض العودة وفي هذه الأثناء اكتشف نيثان بيير نباوم حقيقة الصهونية وأنها ضد اليهودية وأنها تهدف لحل مشكلة يهود أوربـا الشرقية فترك نيثان الصهيونية وانضم لليهود المحافظين وبدأ يحارب الصهيونية بشراسة فقد اكتشف أن الصهيونية ذات جذور غربية ثم أضيفت لها ديباجات يهودية ...
فاليهودية الحاخامية تُحرم العودة إلى فلسطين وتعتبرالعودة لفلسطين خطيئة كبرى

يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري ( الذي قضى 25 سنة في كتابة موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية أكبر عمل موسوعي في النصف الثاني من القرن العشرين ) يقول في كتابه رحلتي الفكرية ص 603 :- ( اليهودية الحاخامية تحرم العودة إلى فلسطين إلا بعد عودة الماشيح ويجب الإنتظار في صبر وأناة إلى أن يأذن الله ومحاولة العودة من خلال الإرادة الإنسانية الزمنية ومن خلال الإمبريالية الصهيونية هي من منظور ديني يهودي توراتي من قبيل إرغام الإله وفرض الإرادة البشرية عليه ومن يفعل ذلك يرتكب خطيئة التعجيل بالنهاية ( بالعبرية : دحكيات هاكتس )

يقول الحاخام يوسف بيخر إن الصيونية هي حرب ضد اليهودية ولا يزال يوجد أغلبية يهود العالم خارج إسرائيل

ويكفي الصهيونية أن تعقد زواج بين رجلين يهوديين أمام حائط المبكى فقد وصل الصهاينة إلى مرحلة مرعبة واخترعوا فكرا جديدا يتناقض والتوراة المتوارثة لقد اخترعوا عقيدة حلولية مرعبة فهم صاروا يؤمنون بأن الإله يحل حلولا كليا في الشعب وبالتالي لا يوجد إله منفصل ولا يوجد آخرة ولا يوجد إيمان توراتي بالمعنى العتيق يقول الحاخام كوك الأب الروحي للجوش إيمونيم الصهيونية الإرهابية يقول إن روح الإله وروح إسرائيل شيء واحد ويقول فلاديميير جابوتنسكي الملحد الصهيوني الشهير إن شعب إسرائيل هو ربه و يقول موشيه ديان إن الأرض هي الإله ..... وكان بن جوريون يرى أن التوراة مجرد كتاب فولكلور مثل السيرة الهلالية في البلاد العربية .. و مارتن بوبر أهم فلاسفة اليهود في القرن العشرين تلقى هدية في عيد ميلاده الستين عبارة عن نسخة من التلمود وكانت هذه هي أول مرة تقع عيناه عليه

فالصهاينة ملاحدة ولا يمكن إستيعابهم إلا داخل المنطومة الإلحادية وكل مؤسسي الفكر الصهيوني كانوا عتاة الملاحدة يقول الدكتور المسيري ص621 :- ( من المعروف أن مؤسسي الحركة الصهيونية كانوا ملاحدة وهرتزل على سبيل المثال كان لا يعرف الشعائر اليهودية والحاخام الذي جاء لعقد زواجه غادر دون أن يكمل مهمته لانه وجد أنه لا يمكن عد هرتزل يهوديا أما صديقه ماكس نورداو فكان يؤمن بانه سيأتي يوم يحل فيه كتاب هرتزل الدولة اليهودية محل التوراة ....والمستوطنون الصهاينة هم أيضا ملاحدة وكانوا يسيرون في الثلاثينات في يوم كيبور ( أكثر الأيام قداسة في اليهودية ) ويأكلون لحم الخنزير أمام حائط المبكى ( ولحم الخنزير نجس في اليهودية وهو رجاسة الخراب التي هي أعظم إساءة لليهودية وهي عبارة عن تدنيس الأماكن المقدسة اليهودية بلحم خنزير كما ورد في التوراة أشعياء66-3 فكان المستوطنون يقومون بهذا الأمر إعلانا عن نجاحهم في التخلص من موروثهم اليهودي وقد تنبأ المسيح أنه متى ظهر الذين يأكلون لحم الخنزير في القدس ساعتها سيكون هلاك اليهود قد اقترب جدا ولا مفر منه متى24-15:- فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس.ليفهم القارئ. فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال والذي على السطح فلا ينزل لياخذ من بيته شيئا. والذي في الحقل فلا يرجع الى ورائه لياخذ ثيابه وويل للحبالى والمرضعات في تلك الايام وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت. لانه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم الى الآن ولن يكون... إنها نبوءة عن نهاية اليهود قبل يوم القيامة مباشرة بمجرد إظهار رجاسة الخراب - تدنيس المقدس بلحم الخنزير -.)

ودعوى أرض صهيون من النيل إلى الفرات دعوى كاذبة لا يوجد عليها دليل من التوراة بل التوراة تقول عكس ذلك سفر العدد34-12

وزيارة القدس في الشريعة الموسوية كل سنة 3 مرات للذكور .. فقط هذا كل ما أمرت به الشريعة الموسوية كما ورد في سفر التثنية 16-16

ولا مانع من إقامة العبادات اليهودية في أي مكان في العالم ولا إلزام للعودة للقدس يقول الكتاب ( في ذلك اليوم يقام مذبح للرب وسط ديـار مصر أشعيا19-19 )

بل إن العودة إلى أورشليم فيها تعجيل بنهاية اليهود ويساق اليهود أسرى إلى جيمع الأمم وتبقى أورشليم تدوسهـا الأمم إلى أن تكتمل أزمنة الأمم لوقا21-24 .........

والذين أيدوا المشروع الصهيوني هم الذين أرادوا تخليص أوربا من اليهود فألفريد نوسيج شارك في تأسيس المنظمة الصهيونية مع هرتزل وأعان الجوستابو النازي في أواخر حياته على إبادة اليهود .. فلا فرق بين بلفور وهتلر فكلاهما تخلص من اليهود على طريقته بل وهتلر لم يكن يمانع إطلاقا من استخدام الطريقة البلفورية ولذا تبنى عدة مشروعات استيطانية صهيونية لتسكين اليهود فيها مثل مشروع موزمبيق ولكن لم يقدر لها النجاح- والكلام للدكتور المسيري- ..بل لقد تحالف هتلر مع الصهيونية وعقد معها معاهدة الهعفراة بحيث يمد الصهاينة بالمال مقابل كسر طوق المقاطعة اليهودية للبضائع الألمانية بل يقول أحد المعلقين أنه إذا كان هرتزل هو ماركس الصهيونية فإن هتلر (وليس بن جوريون ) هو لينينيهـا

فالدولة الصهيونية ليست دولة يهودية وإنما دولة إستيطانية علمانية شبيهة بالولايات المتحدة فالولايات المتحدة واسرائيل جيبين استيطانيين احلاليين وكما يقول أحد الصهاينة فإن الفرق بين أمريكا واسرائيل هو أن الأولى ذات تاريخ صغير وجغرافية كبيرة والثانية ذات تاريخ كبير وجغرافية صغيرة

وفي أمريكا تمت إبادة الهنود الحمر عن طريق المستوطن الجديد فالمستوطن الجديد كان يرفع شعار شعب بلا أرض لأرض بلا شعب وكان يتعامل مع الهنود الحمر من مُنطلق عبء الرجل الأبيض ومن نفس المنظور جاء اليهود الذين هم شعب بلا أرض لفلسطين التي هي أرض بلا شعب وماكس نوردو max Nordau شريك هرتزل في تأسيس الحركة الصهيونية عرف لأول مرة بوجود الفلسطينيين فاندفع إلى هرتزل قائلا :- لم لم تخبرني بوجود الفلسطينيين فطيب هرتزل خاطره وقال هذا الامر ستتم تسويته

وكيف يمكن تأسيس دولة للصهيونية على أرض عربية مكتظة بالسكان العرب دون إبادتهم أو طردهم على الاقل فلا فرق بين حركات الإبادة في أمريكا الشمالية وحركات الإبادة في القدس فلا فرق بين المستعمر الأمريكي والمستعمر الصهيوني فالجمهورية الوليدة هي صهيون الجديدة فلا يوجد كبير فرق بين نيويورك وحيفا
فالدولة اليهودية لا تدور في إطار مقدسات ومطلقات يهودية وإنما هي دولة إستيطانية إحلالية لا تختلف كثيرا عن أي دولة استيطانية أخرى تنبع من الاستعمار الغربي وليس من التاريخ اليهودي ولذا لا يمكن فهم إسرائيل من خلال سفر الخروج وإنما من خلال منظومة الإمبريالية الغربية
ونزع فكرة اليهودية عن الدولة الصهيونية تاكيد لجوهرها الإستعماري الإستيطاني الإحلالي فالصهاينة محتلون وليسوا عائدين فهم مجرد مغتصبون للأرض يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه رحلتي الفكرية ص 614 :- ( الصهيونية في تصوري ليست جزءا من العقيدة اليهودية وإنما هي تجَّل غربي إمبريالي فالصهيونية حركة استيطانية إحلالية تمت في كنف الإمبريالية الغربية وتحت مظلتها وبدون هذه الامبريالية ما امكن وضع الصهيونية موضع التنفيذ وقد قامت هذه الامبريالية بنقل كتلة بشرية من أوربا لتوطنها في فلسطين )