قال تعالى “ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِين” السجدة 8
وقال تعالى “أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ” المرسلات 20 وفي ذلك قال الطبري: أي من نطفة ضعيفة رقيقةوقال ابن كثير: أي ضعيف
وقال البغوي: أي: ضعيف وهو نطفة الرجل وقال السعدي: وهو النطفة المستقذرة الضعيف.
وقال الشنقيطي صاحب أضواء البيان: ومعنى { مّن مَّاء مَّهِينٍ } : من ماء ممتهن لا خطر له عند الناس وهو المنيّ
وقال الزجاج: من ماء ضعيف حقير، وهو النطفة
وقال القرطبي: أي ضعيف حقير وهو النطفة وقال ابن عاشور: والمهين: الشيء الممتهن الذي لا يعبأ بهلقد وقع الكثير من علمائنا من السلف والخلف في الخطأ حين لجأوا للتعريف بالماء المَهين على أنه ماء حقير وضعيف وعلى أنه النُطفة وذلك لأنه على العكس من ذلك تماماً فالسلالة لا تعني النطفة وذلك لأن النطفة هي الخلية، أما السلالة فهي الخارطة الجينية والتي تحتوي عليها الخلية في نواتها والمعروفة بعلم الوراثة بالدنا… كما لو تمعنا في قول الله تعالى “ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ” وأعتمدنا التفسير على أن الحديث هنا كان بالتحديد عن الجنس الآدمي والذي يُحدثنا الله تعالى عن نسله وتَذَكرنا خلق الله للإنسان في أحسن تقويم، وركبه بأحسن صورة، وعلمه البيان وعلمه ما لم يعلم، وخلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وكرمه، وفضله على الكثير من خلقه لعلمنا بأن الله لم يخلق البشر الآدميين من ماء حقير وضعيف، وبالتالي فإن علينا التحقق من معنى كل من مَهين ومُهين وإعتماد الأصح من القول، فحسب لسان العرب فهو يخبرنا بأن المَهْنَة والمِهْنَة والمَهَنَة والمَهِنَةُ كله: الحِذْق بالخدمة والعمل ونحوه، وحين نقول قامت المرأَة بِمَهْنةِ بيتها أَي بإِصلاحه، وكذلك الرجل، وحين القول ما مَهْنَتُك ههنا ومِهْنَتُكَ ومَهَنَتُكَ ومَهِنَتُكَ أَي عَمَلُكَ ووظيفتك، وقد مَهَنَ يَمْهُنُ مَهْناً إِذا عمل في صنعته وحرفته أو وظيفته والفروقات واضحة وجليّة فيما بين ماهو مُهين وماهو مَهين، وهذا نأخذه من قوله تعالى،
“وَلَقَدْنَجَّيْنَابَنِيإِسْرَائِيلَمِنَالْعَذَابِالْمُهِينِسورةالدخان 30 .
وقوله تعالى “وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ” سورة النساء 14 .
ومعنى ذلك اي من العذاب الذليل والمخزي والحقير، وهذا يختلف عن وصف الماء المَهين والذي في تفسيره نستعين بقول الله تعالى،
“وَلاتُطِعْكُلَّحَلَّافٍ مَّهِينٍ” سورةالقلم 10 .
ومَهين هنا هي صفة للكاذب وكأن الكذب هو مهنته وإختصاصه ووظيفته، وهنا لا نستشهد بالحادثة والتي تحدثت عنها الآية الكريمة ولكن نستشهد بالقيمة اللغوية لكلمة مَهين وللإستفادة من معناها اللغوي فقط والتي أتت لوصف للمهنة أو الدور الوظيفي على وجه الخصوص وبالتحديد ومن هنا نتعرف على معناها والغير محدود أو مربوط بظرف أو حالة معينة.
ولنا مثال آخر في الإشارة على خطاب فرعون وملأه لموسى عليه السلام ووصفه بالساحر أي إمتهانه لمهنة السحر والتي لا تُقارن بمُلك فرعون ومنزلته حسب ما نسب لنفسه وفي ذلك كان قوله تعالى،
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ( 5 1) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ( 52)” سورة الزخرف.
إذن فالماء المَهين هو ماء ذو مهنة ووظيفة وتخصص وهو صاحب الدور الوظيفي، والمهنة هنا والذي يحتوي من خلاله السلالة والتي هي ذات وظيفة محددة ومسؤولة عن خلق الإنسان وتكاثره، فكيف لأن تكون من ماء حقير وهذا الماء يحضر للوجود من كرمه الله وفضله، ومهنته الحمل لسلالة الدي إن إيه والتي تحمل الخارطة الوراثية المجهرية للإنسان كُلها وبذلك يكون المسؤول عن توالد وتكاثر الإنسان، إن كل من سلالتي الطين والماء المهين لهم وظائف ومهن إمتهونا في عملية نسِلِّهم لهذا الإنسان وهم أساس التكوين الإنسي وأصله وأبتداءه.
يعتقد البعض بأن تعبير المهنة هي من الألفاظ المستحدثة أي المستعملة في السنين المتأخرة والتي لا تزيد عن المائة عام، ويزعمون على أن العرب لم يعرفوا استعمالاً لتلك المفردة وقت نزول الوحي على أنها تعبير عن الوظيفة او المهنة ولذلك فقد فسر كبار المفسرين والصحابة هذه المفردة على الوجه الذي يعرفون ويشيع بينهم وبالتالي لا يحمل اللفظ على غير ظاهره”وبالتالي فعليناتقع مسؤولية البحث عما إذا كان تعبير المهنة هو لفظ مُستحدث كما يدّعون أم هو لفظ عربي قديم ومنذ قِدم الجاهلية وكان لربما قد سهى عنه المفسرون من غير قصد “وجلَّ من لا يسهو”.
لقد كُنت أشرت على المعنى المهني أو الوظيفي للماء المَّهين من خلال ما توسعت بإجتهادي به بما يتناسب ويتوافق مع ما عرّف قاموس لسان العرب عليه للمهنة والذي أخذته مرجعية لبحثي هذا، وللتعريف بلسان العرب فهو أشمل معاجم اللغة العربية وأكبرها، ويحتوي هذا المعجم على 80 ألف مادة وهو من أغنى المعاجم على الإطلاق ويعتبر هذا المعجم موسوعة لغوية وأدبية لغزارة مادته العلمية واستقصائه واستيعابه لحل مفردات اللغة العربية. لقد قام ابن منظور وهو محمد بن مكرم الانصارى بن منظور والذي توفي عام 1311 ميلادي بجمع مادة معجم لسان العرب. إن إبن منظور هو مؤرخ وشاعر وكاتب ولغوى مصرى عاش فى العصر الايوبى والعصر المملوكى فحسب معجم لسان العرب أي ما جمع ابن منظور نرى بأن معنى كلمة مهن (لسان العرب) هو المَهْنَة والمِهْنَة والمَهَنَة والمَهِنَةُ كله: الحِذْق بالخدمة “المهارة” والعمل ونحوه، وأَنكر الأَصمعي الكسر. وقد مَهَنَ يَمْهُنُ مَهْناً إِذا عمل في صنعته. قال الأَصمعي: المَهْنة، بفتح الميم، هي الخِدْمة، اي إذن فإن لسان العرب كان قد جُمع قبل سبعمائة سنة أي قبل سبعة قرون وفيه نجد التعريف بالمهنة على أنها الحذق بالخدمة والعمل ونحوه، والحذق هو المهارة في كُل عمل أي إشارة على الدور الوظيفي وإستعمال تعبير المهنة كلفظ.
لقد قام ابن منظور بجمع مادته من خمسة مصادر رئيسية وأولها تهذيب اللغة لأبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (توفي 370هـ) والذي توفي قبل أكثر من ألف عام، وثانيها المحكم لعلي بن إسماعيل والمعروف بابن سـِيدَه ( توفي 458هـ/ 1065م) والذي توفي قبل ما يقارب الألف عام أيضاً وهو كاتب معاجم أندلسي، وثالثها من تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري وهو إسماعيل بن حماد الجوهري (توفي 393هـ) والذي توفي قبل الألف عام ايضاً وهو عالم لغوي وصاحب معجم (تاج اللغة وصحاح العربية أو الصحاح أو الصحاح في اللغة)، ورابعها حواشي ابن بري على صحاح الجوهري، وخامسها النهاية في غريب الحديث والأثر لعز الدين ابن الأثير الجزري والمتوفي في القرن السابع الهجري أي قبل أكثر من ثمنمائة عام …. وكل هذا هو نبذة تاريخية لقِدم معجم لسان العرب وبالتالي قِدم مراجعه والفاظه ومعانيه والتي تزيد عن القرن بالعديد من القرون فأين المستحدث إذن…
فالمصادر التي جُمعت منها مادة هذا المعجم والتي تتراوح أو تزيد تاريخها على الألف عام كانت قد إستشهدت بقولٍ للأصمعي قبل ما يُقارب الألف ومائتي عام اي إثنا عشرة قرن مضت قال الأَصمعي: المَهْنة، بفتح الميم، هي الخِدْمة فعرّف على المهنة على أنها العمل.
فالأصمعي هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي والمتوفي عام (216 هـ/831 م) أي حوالي مائتي عام بعد وفاة الرسول “صلى الله عليه وسلم” وهو أحد أئمة العلم باللغة والشعر وشهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور والمتوفي عام 775 ميلادي.
كما واستشهدت المصادر ذاتها في (لسان العرب) بابن الأثير، فكان وفي الحديث: ما على أَحدِكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعته سوى ثوبَيْ مَهْنَته؛ قال ابن الأَثير: أَي بِذْلَته وخِدْمته، والرواية بفتح الميم، وقد تكسر، ابن الأثير “ثمنمائة عام على الأقل مضت على قوله هذا وتعريفه بالمهنة على أنها الخدمة والتي هي العمل والوظيفة.
أيضاً نقلت لنا المصادر نفسها في (لسان العرب) عن الكسائي، فكان فيه قول: ومَهَنَ الإِبلَ يَمْهَنُها مَهْناً ومَهْنةً: حلبها عند الصَّدَر؛ وأَنشد شمر: فقُلْتُ لماهِنَيَّ: أَلا احْلُباها، فقاما يَحلُبانِ ويَمْرِيانِ وأَمة حسنة المِهْنةِ والمَهْنَةِ أَي الحلب. ويقال: خَرْقاءُ لا تُحْسِنُ المِهْنَةَ أَي لا تحسن الخدمة. قال الكسائي: المَهْنَةُ الخدمة. ومَهَنَهُم أَي خدمهم.
والتعريف بالكسائي فهو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الكسائي والمتوفي عام (189 هـ/805 ميلادي) وكان إمام الكوفيين في اللغة والنحو وكان سابع القراء السبعة ويعد المؤسس الحقيقي للمدرسة الكوفية في النحو، وبلغ عند هارون الرشيد منزلة عظيمة، فمن خلال تعريف الكسائي للمهنة نستنتج بأن العرب أشاروا عليها كلفظ منذ أكثر من 1200 إلى 1250 عام وكانت تعني الخدمة أي “الوظيفة” والحذق أي المهارة وهذا يُقربنا أكثر وأكثر إلى وقت نزول الوحي أي منذ الألف واربعمائة عام مضت …..
وفي (لسان العرب) وفي حديث عائشة: كان الناسُ مُهّانَ أَنفُسِهم، وفي حديث آخر: كان الناس مَهَنَّةَ أَنفسهم؛ هما جمع ماهِنٍ ككاتِبٍ وكُتَّابٍ وكَتَبةٍ….
ولكن هل أستعمل لفظ المهنة حتى في الجاهلية وقبل نزول الوحي… وهل يوجد دليل على ذلك؟ والجواب على ذلك وهو نعم، ففي (لسان العرب) نرى بأن المصادر نفسها نقلت لنا التالي: ويقال: هو في مِهْنةِ أَهله، وهي الخدمة والابتذال. قال أَبو عدنان: سمعت أَبا زيد يقول: هو في مَهِنَةِ أَهله، فتح الميم وكسَرَ الهاء، وبعض العرب يقول: المَهْنة بتسكين الهاء؛ وقال الأَعشى يصف فرساً: فَلأْياً بلأْي حَمَلْنَا الغُلا مَ كَرْهاً، فأَرْسَلَه فامْتَهَنْ أَي أَخرج ما عنده من العَدْوِ وابتذله. وفي حديث سلمان: أَكره أَن أَجْمعَ على ماهِنِي مَهْنَتَينِ؛ الماهِنُ: الخادم أَي أَجْمَعَ على خادِمِي عملين في وقت واحد كالخَبْزِ والطَّحْن مثلاً “وهنا نرى الإشارة على وظيفتي عمل أي خباز وطحان”…
ولكن من هو الأعشىى والجواب وهو أعشى قيس (والمتوفي عام 625 ميلادي) وهو من شعراء الجاهلية كان قد شهد الإسلام ولكن لم يسلم، وهو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن افصى بن دعمي بن جديلة بن اسد بن ربيعة بن نزار،. وفي حديث الاعشى عن الفرس أي أخرج ما عنده من العدو أي مهنة الفرس هي العدوِ …
فإذا كان قد فسَّر كبار المفسرين هذه المفردة على الوجه الذي يعرفون ويشيع بينهم وكان تفسيرهم غير صائب فهل لا يزال يلُزِمنا أو يُقيدنا أو حتى يُفيدُنا تفسيرهم … إن الماء المهين لا يعني الماء الحقير كما أجمع عليه معظم علماء التفسير من علماء السلف، ومع ذلك لا زال البعض من علماؤنا يُدافعون عنهم دفاع المستميت وكأنهم معصومين عن الخطأ، فأنا لا أحاول لأن أنتقص من قدرهم لا سمح الله وجزاهم الله ألف خير وأثابهم ولكن أنبه من بعض الأخطاء التي أوقعوا أنفسهم فيها والتي هي بحاجة للتصحيح وعلينا لأن نتذكر بأنهم لم يفسروا القرآن بالشكل النهائي فلقد أخبرنا العلي القدير بأن نبا القرآن لم يكتمل فقال تعالى “ولتعلمن نبأه بعد حين” إذن فلماذا التعامل مع المفسرين وأخطاءهم والتي لا تحصى وكأنهم يوحى لهم.
أما بالنسبة لقول البعض على أن “مَهين هو إسم مفعول من الفعل هان بينما مُهين هو إسم فاعل من الفعل أهان” فإختلافنا ليس بالإعراب بل في المعنى فبعض المفسرين والمغسولة أدمغتهم يُصرون على أن المعنى هو ماء حقير وأنا أخالفهم في طبيعة هذا الماء وبمعنى المهين، ومن يدّعي بأن أهان وهان يعنيان نفس الشيء فهو خطأ كبير لأن الفعل أهان معناه إحتقر وأخزى ووبخ أي وجّه الإساءة للآخر، وأسم الفاعل هنا هو المــُهين وهذا يتفق مع قوله تعالى “عذاب مُهين” بضم الميم، وليس مع قوله تعالى “ماء مّهين” بتشديد وفتح الميم “مَّهين أي إممَهين” ميم ساكنة يتبعها ميم مفتوحة فتشدد. أما بالنسبة للفعل هان فمعناه أي سَهُل ويَسُر عمله. فهان الشيء أي أصبح سهلاً وزادت القدرة على تطويعه وجعله وتسويته،
“قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تكُ شيئا” مريم 9 .
وردد ذلك مرة أُخرى في سورة مريم الآية 21 .
ونقول هان الأمر أي خف وأصبح ممكن قضاءه، ونقول لقد هان لي فيه أي لقد كان من الهين علي أي من السهل واليسر، وهو من الهيان وما هَيَانُ هذا الأَمرِ أَي شأنُه. وما هَيَّانُهُ: ما أمْرُهُ وشأنه. ونقول لم يهُن أو يهون لي فيه أي لم يكُن من السهل التفريط به، فالهيان هو الأمر والهيّان هو الآمر وصاحب الشأن، إذن فلقد كان نتيجة تدخل أمر الله فيه وهو هينّ عليه،
وقال تعالى “وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه” سورة الروم27 .
بالتالي بأن جعل الله الماء مَّهين أي مَهنهُ وجعله ذا شان وخصوصية ووظيفة، والله هو ذو الشأن والأمر وبالتالي إذن ماء مَّهين أي ذا شأن وأمر وخصوصية ووظيفة ووقع عليه التكليف.
إن تقنية المجهر والذي تم إختراعه في حوالي الـ 1590 ميلادي مكننا من البحث داخل تركيبتنا المجهرية ورؤية آية خلقنا والتي عجزالإنسان عن رؤيتها منذ أن خُلق، ومن خلاله تم التعرف على أول نسيج حي، وإكتشاف خلايا الدم والحيوان المنوي، والتعرف على المجهريات الدقيقة كالفيروسات والبكتيريا والميكروبات والجراثيم، وشجعنا في التعمق في دراسة وفهم البناء الخلوي للإنسان وعلى ماذا تحتوي الخلية وهي الوحدة التركيبية والوظيفية في الكائنات الحية وما تحتوي عليه من أجسام أصغر منها تسمى عضيات، مثل أجسام جولجي، وهناك أيضا النواة التي تحمل في داخلها الشيفرة الوراثية الدنا: الـ ديه ان إيه والمعروف أيضاً بالحمض النووي الذي تم إكتشافه عام 1953 .
وهنانتذكرقولاللهتعالى،
“سَنُرِيهِمْآيَاتِنَافِيالْآفَاقِوَفِي أَنفُسِهِمْحَتَّىٰيَتَبَيَّنَلَهُمْأَنَّهُالْحَقُّۗأَوَلَمْيَكْفِبِرَبِّكَأَنَّهُعَلَىٰكُلِّشَيْءٍشَهِيدٌ” سورةفصلت 53 .
ويربط الله في هذه الآية الكريمة بين كل من النظر في الآفاق والنظر في طيات النفس وذلك من إظهار الحق من خلال عظيم صنعه والذي لا يمكن للإنسان لأن يتوصل إليه من خلال مقدراته المتواضعة وحدود علمه القليل دون الإستعانة بالقدرات الذكيه وسلطان العلم الذين مكننّا من البحث في ما هو أعمق وابعد من حدود قدراتنا، فلقد كان من المستحيل رؤية السلالة من الطين أو من الماء المهين في الطرق العادية حتى تقدم العلم وتم إختراع المجهر والذي مكننا من رؤية الصفائح الطينية الدقيقة المكونة للطين ورؤية الكرموسومات وجزيء الـ دي أن إيه والذي يحتوي عليه التكوين الخلوي للخلية المكونة للكائنات الحي، فما هو مُهين وما هو مَهين يختلفان الإختلاف التام عن بعضهم البعض ولا صلة بينهما ومن الخطأ الفادح لأن نعطي صفة المَهين لما هو مُهين.
لقد كان بأن إخترع العقل البشري ما يُمكِنه من التعرف على ذلك من خلال استعمال الميكروسكوبات البصرية والتي تعتمد على حاسة البصر مستخدماً قُدرات العين حيث يُرى من خلالها على ما يؤكد على حقيقة الطرح القرآني إستناداً لقوله تعالى “سنُريهم” أي لِما سيُريهم الله في أعماق تركيبة هذا الإنسان الخلوية والدقيقة وبالغة التعقيد والتي هي على الرغم من صغر حجمها كانت المسؤولة عن هذا البناء المتطور للكائن الحي البشري، فكانت النتائج العلمية الدقيقة ليست مبنية على الدراسات السطحية بل كما حدّث بها القرآن وهي في دراسة النفس، ودراسة النفس هي دراسة لبنة الأساس الحي والأصلي لهذا البناء الكامل أي بالغوص فيه والتي تبدأ به ومسؤولة عنه الخلية الواحدة ووحدة البناء الأولية، وكان قوله تعالى في غاية الدقة العلمية المتناهية والتي هي محكومة ومحصورة في القدرة على الرؤيا البصرية والمعنية بالعلوم المجهرية للبحث ” في أنفسهم” أي في داخل النفس ورؤية محتواها الداخلي،
وكانفيذلكقولهتعالىوفيالأرضآياتللموقنون.وفي أ نفُسِكُم أفلا تُبصرونسورةالذاريات 20 – 21 .
فكان لابد من الإنسان من التحقيق فيها وليس بالشكل السماعي أو الغيبي أو القلبي بل وتحديداً البصري وذلك لكي يستيقن ويتأكد المبصر بنفسه لماهو عليه من الإعجاز، وصدق كلام الله ومخاطبته لهم وتحديده لمجالي البحث المستقبلي لبني البشر في الأنفس وفي الآفاق، فسنُريهم لا تعني فقط القدرة على الرؤية بل فهي تشمل على البرهان والإعجاز والعظمة، فوضعنا أمام حقيقة رهيبة وهي دراسة التكوين الدقيق للإنسان في اقصى حدود المادة الدقيقة والمجهرية والتعرف على عظيم خلقه في أبعد حدود السماء والذي يُقدر حجمه وأبعاده بمليارات السنين الضوئية، ولكن لماذا قدّم الله آيات الآفاق على أية النفس فهذا جوابه بسيط وفيه كان قوله تعالى،
“لَخَلْقُالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِأَكْبَرُمِنْخَلْقِالنَّاسِوَلَـٰكِنَّأَكْثَرَالنَّاسِلَايَعْلَمُونَ” سورةغافر 57 .
لقد شهد العصر الحديث الظهور الملحوظ لعلم الهندسة الوراثية وخاصة دور الغرب الصليبي البارز في محاولات النسخ والتطويع الخلوي والتلاعب في الجزيئات التي تُكون البناء الداخلي للكائنات الحية حيث وكان نتيجة تقدم التقنيات المجهرية الحديثة وتوفر الإمكانيات العلمية والمادية بأن أصبح من الممكن إعتماد تقنية البحث الخلوي والتي منها ماهو الإيجابي والذي يهتم بتحسين الحياة وتطويرها ومنها وأكثرها ماهو السلبي والذي هو يعمل على نشر الفساد والهمجية واللاأخلاق، والذي فيهم كان قوله تعالى والمنقول لنا عن وعيد الشيطان لهم،
قال تعالى “وَلَأُضِلَّنَّهُمْوَلَأُمَنِّيَنَّهُمْوَلَآمُرَنَّهُمْفَلَيُبَتِّكُنَّآذَانَالْأَنْعَامِوَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِۚوَمَنيَتَّخِذِالشَّيْطَانَوَلِيًّامِّندُونِاللَّهِفَقَدْخَسِرَخُسْرَانًامُّبِينًا” سورةالنساء 119 .
ونُضيف على ذلك تقبيح السيد المسيح عليه السلام في كتاب الإنجيل للكتابيين والذي فيه كما هو منقول عنهم،
الكتابالمقدسكتابالإنجيل يوحنا / الإصحاحالثامن/44 أَنْتُمْمِنْأَبٍهُوَإِبْلِيسُ،وَشَهَوَاتِأَبِيكُمْتُرِيدُونَأَنْتَعْمَلُوا.”
ونرى ذلك التغيير في خلق الله في عمليات التجميل الغير ضرورية أي غير ما هو ناتج عن تشوه خلقي عرضي أو ولادي، وعمليات تغير الجنس للمثليين والشواذ وزراعة الأوجه والأطراف، وعمليات نقل الأجنة بأحد خطوات الإخصاب في المختبر كزراعة العديد من البويضات داخل رحم المرأة في آن واحد بقصد الحمل والنتيجة عادة هو الحصول على الحمل بالأربعة والخمسة … وحتى الثمانية من الأجنة في نفس الوقت متجاهلين ما في ذلك تدني للمكانة البشرية وتشبيه أُلانثى من البشر التي كرّمها الله بأنثى الحيوان من القطط والكلاب وغيره، فنحن لسنا ضد تكريس العلم ومنجزاته لما هو في حدود العقل والمنطق والأخلاق والقيم الإنسانية ويتفق ويتماشى معها بل نحن ضد التدني بمنزلة الإنسان الذي كرَمه الله وخلقه بيده، فها نحن نشهد أعمالهم الهدّامة من خلال صناعاتهم الحربية الجرثومية ومن خلال معالجاتهم للحوم والخضار بالهرمونات والكيماويات، ومحاولتهم الدائبة لنسخ الحيوانات ومؤخراً إنتشار فكرة نسخ الإنسان، ومحاولة ترويج أعمال النسخ على أنها خلق تشبيهاً لأنفسهم بالخالق، ولكن تأتي الإجابة على كبرهم وجهلهم من السماء ومباشرة وقبل أن يشرعوا في هذه البحوث بل سبقتهم بأربعة عشر قرناً ليذكرهم الله تعالى على ضُعف قدرتهم على خلق حتى الذباب فيقول العلي القدير،
“يَاأَيُّهَاالنَّاسُضُرِبَمَثَلٌفَاسْتَمِعُوالَهُۚإِنَّالَّذِينَتَدْعُونَمِندُونِاللَّهِلَنيَخْلُقُواذُبَابًاوَلَوِاجْتَمَعُوالَهُ … …”سورةالحج 73 .
فإن لن يستطيعوا خلق الذباب فهل من الممكن لأن يخلقوا إنسان !