الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عداون إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله رب الأولين والأخرين وقيوم السموات والأراضين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وخاتم النبيين بعث الله رحمة للعالمين ونورًا للمؤمنين فقال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} (15) سورة المائدة
أما بعد

لم يزل الحديث عن النقاب وحكمه، مثار جدل بين العلماء منذ القدم وحتَّى اليوم، إلا إنه أصبح حديث كبار (رجال الدين) (1) المسيسيين في بلادنا الإسلامية أخص منهم (شيخ الأزهر المبجل، ووزير الدعاة الموقر محمود حمدي زقزوق، ومفتي جمهورية مصر العربية على جمعة المحترم .. إلخ أصحاب الكراسي والفخامات ،،)، فبعد أن خرج علينا شيخ الأزهر بفتاواه الطنطاوية عن قضية الحجاب الفرنسية الشهيرة (عام 2006م) التي أقر فيها؛ بل أوجب على أخواتنا وأمهاتنا نزع الحجاب لإرضاء نفر من الكفار على حساب دين رب العالمين، القائل في كتابه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب، وتلك مصيبة عظمى وطامة كبرى لحقت بشيخ الأزهر، حتى جاء في نفسي قول زويمر كبير المنصرين (إنه لا يقطع الشجرة إلا أحد أغصانها)، وبدلاً من أن يعارض شيخ الأزهر تلك الدعوات الهدامة لدين الله، لا وقف يترقب من بعيد، ثم ليأخذ دوره للمشاركة من النصارى في هدم هذا الدين، بكتاباته وفتواه .

ومؤخرًا تأكد لدينا هذا الأمر وهو" أن النصارى استطاعوا أن يتمكنوا من أعمالهم التنصيرية عن طريق التحاور، والتشاور، والتعايش، بل وصلوا إلى مدى أبعد مما نتصوره؛ استطاعوا أن يمارسوا عملهم التنصيري باستخدام كبار المسؤولين الدينيين في البلاد الإسلامية .
فالحرية الدينية والكرامة الإنسانية من أكثر الموضوعات التي دارت وتدور في فلكها اللقاءات الحوارية الفاتيكانية الإسلامية، يقصد من خلال الجانب الفاتيكاني إنكار حد الردة المحرم في الإسلام تحت مسمى الحرية الدينية وحقوق الإنسان، ومع أن الدعوة الفاتيكانية تنادي بالحرية الدينية إلا إنه لا يزال مصرًّا على ربطها بالبشارة (التنصير) التي ينادون بها، إضافة إلى التعصب المتعمد تجاه الإسلام؛

وإليك التوضيح من كلمات البابا يوحنا بولس الثاني:

ـ "إن الحرية الدينية حق من حقوق الشخص البشري... وتقوم هذه الحرية على أن يصان الناس أجمعون من كل ضغط، سواء كان من قبل أفراد أم من قبل فئات اجتماعية أم من قبل أي سلطة بشرية، ومع ذلك، يجب القول، بأن "جميع الناس، بمقتضى كرامتهم، وبما أنهم أشخاص، أي متزيّنون بالعقل والإرادة الحرة، وبالتالي، بالمسؤولية الشخصية، مدفوعون، بطبيعتهم ذاتها، إلى البحث عن الحقيقة التي تتناول الديانة أولًا، وملزمون بها أدبيًّا، فعليهم أن يعتنقوها حالما يعرفونها، وينظموا حياتهم كلها وفقًا لمقتضياتها) .
ـ (في جميع أشكال النشاط الرسولي تعمل على تعزيز حرية الإنسان بإعلانها بيسوع المسيح، كما أنه من الواجب على الكنيسة أن تعمل كلّ شيء لنشر رسالتها في العالم حتَّى تبلغ كل الشعوب فإنها تتمنى أن تمنح الحرية الدينية الحقيقة للجميع وفي كلّ مكان، وعلى الكنيسة أن تسعى إلى ذلك في مختلف البلدان، وبخاصة في البلدان ذات الأكثرية الكاثوليكية، حيث لها تأثير أكبر بيد أن الأمر لا يتعلق بمسألة ديانة الأكثرية أو الأقليّة، بل بحقّ لا ينتزع لكل شخص بشري، والكنيسة تتوجه من ناحية أخرى إلى الإنسان بالاحترام الكلّي لحريته، إنّ الرسالة لا تضيّق على الحرية، بل إنها تعززها. الكنيسة تعرض، ولا تفرض شيئًا: تحترم الأشخاص والثقافات وتتوقّف أمام مذبح الضمير. إلى الذين يعارضون نشاطها الرسولي، تكرّر الكنيسة: افتحوا الأبواب للمسيح! إذا على الكنيسة أن تعمل كلّ شيء لنشر رسالتها في العالم حتَّى تبلغ كل الشعوب. لها أيضا الحقّ في ذلك، الحقّ الذي منحها إياه الله ليضع تصميمه الخلاصي في حيّز العمل).- وهو مما يفسر تلك الدعوات الخارجة من أثواب العلمانيين تجاه عدة قضايا أبرزها النقاب، كما ندرك من خلال تلك الكلمات مدى التخطيط التنصير المتوغل عن طريق الحرية الدينية المزعومة.
لم ينته الأمر إلى هذا الحد فحسب؛ بل قد تطاول كبار النصارى على النقاب الإسلامي وطالبوا المسؤوليين الدينيين بإلغائه تدريجيًا، بكافة الوسائل والسبل، كالتشويه، والتشكيك في أمره، - حرمان الأخوات المنتقبات من الإمتيازات ومنعهن من الوصول إلى أعلى الدجات في العمل، على الرغم من تفوقهن على المتبرجات، بل وتسند إليهن أعمال صغيرة لا ترقى إلى كفاءتهن، وإصدار العديد من الكتيبات رخيصة الثمن، والتي توزع على الدعاة بالمجان، ومن بين هذه الكتيبات الرخيصة في ثمنها وقيمتها العلمية، كتاب " النقاب عادة وليس عبادة " تقديم وزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق.
وهو مما من شأنه أن فتح الباب على مصرعيه أمام مسئولان كبيران من الفاتيكان لينضما إلى قائمة متزايدة من الزعماء السياسيين والدينيين الأوروبيين في التعبير عن القلق من تأثير ارتداء بعض النساء المسلمات الوافدات للنقاب على فرص اندماجهن في المجتمعات الأوربية وهو مما يبرز الوجه النصراني المتعصب تجاه الإسلام وأهله .

لقد تحدث الكردينال ريناتو مارتينو والأسقف أجوستينو مارشيتو في مؤتمر صحفي الثلاثاء 14-11-2006 عرضا فيه رسالة بابا الفاتيكان، بندكيت السادس عشر، في اليوم العالمي للكنيسة الكاثوليكية للمهاجرين واللاجئين، والتي دعا فيها البابا إلى سن قوانين تساعد على اندماج المهاجرين الوافدين في المجتمع.

وقال مارتينو، رئيس مجلس العدل والسلام في الفاتيكان، ردا على سؤال عن ارتداء النقاب
: إن الوافدين من معتنقي الديانات الأخرى "يجب عليهم احترام تقاليد البلدان التي ينتقلون إليها ورموزها وثقافتها
وديانتها". وأضاف قوله: "يبدو لي أنه أمر جوهري وله مبررات قوية أن تطالب السلطات به ". الكردينال ريناتو مارتينو
الحوار هو المفتاح

وبدوره قال مارشيتو، كبير خبراء الفاتيكان في مجال الهجرة: "هناك عدة أنواع مختلفة من النقاب، والقانون الإيطالي يقضي بأن يكون الوجه ظاهرا، ومن ثم فحتى تكون مقبولا في البلد فإنه يجب عليك أن تقبل قوانين هذا البلد".
وشدد مارشيتو على أن الحوار هو مفتاح مساعدة المسلمين على الاندماج في المجتمع بأوروبا. وقال: "بالحوار يجب أن نحاول إفهامهم أن عواقب بعض رغباتهم النابعة من دينهم أو تقاليدهم قد لا تكون إيجابية في المجتمع الذي يجدون الآن أنفسهم فيه".
وكان جون سنتامو، كبير أساقفة يورك، انتقد النقاب في مقابلة مع صحيفة بريطانية الأسبوع الماضي.

دعوات متزايدة
وفي الأشهر الأخيرة قال زعماء أوروبيون، منهم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ورئيس الوزراء الإيطالي، رومانو برودي: إن النقاب يسبب صعوبات في دولهم، وإنه يجب على المهاجرين المسلمين الاندماج في المجتمعات الغربية.
وقالت الحكومة الهولندية الأسبوع الماضي إنها تبحث عن وسيلة لحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة.
وفي السويد قالت وزيرت الاندماج: إن النقاب وغطاء الرأس يؤديان إلى وضع التلميذات المسلمات في عزلة عن المجتمع. ويشكو بعض المسلمين في أوروبا من تزايد ظاهرة "الخوف من الإسلام".

أما في فرنسا فقد حظرت السلطات في عام 2004 ارتداء "الرموز الدينية البارزة" مثل الحجاب والصلبان الكبيرة وغطاء الرأس اليهودي (القلنسوة) في المدارس قائلة بأنها تتعارض مع فصلها بين الدين والدولة.

الإسلاموفوبيا
ورغم تلك الدعوات المتزايدة فإن بعض الأصوات الأوربية ترفض تدخل الحكومات في مثل هذه الأمور الدينية.
ففي بريطانيا انتقد أسقف كانتربري ********* الإنجليكانية البريطانية) روان وليامز، تدخل الحكومة فيما يتعلق بارتداء المواطنين لرموزهم الدينية، معتبرا أنه من حق المسلمة ارتداء النقاب ومن حق المسيحي ارتداء الصليب.
وأشار وليامز في مقال له نشرته صحيفة "تايمز" البريطانية يوم 27-10-2006 إلى خطورة أن تحد الحكومة من الحريات الدينية لمواطنيها، محذرا من أن تتحول إلى "سلطة ترخيص" تقرر أي من الرموز الدينية يعتبر مقبولا.
ويأتي الجدل بشأن النقاب في ظل موجة متصاعدة من العداء للمسلمين "الإسلاموفوبيا" تجتاح أوروبا، في ضوء الطموحات الانتخابية لليمين المتطرف في العديد من البلدان الأوروبية.
ويرى عدد من المفكرين الغربيين أن "الإسلاموفوبيا" أصبحت الطريقة الأسهل للحصول على الأصوات الانتخابية، ففي فرنسا كما في بلجيكا وبريطانيا والدانمارك وغيرها من البلدان الأوروبية أصبحت كلمات "إسلام ومسلمين وقرآن..." تُعَدّ بالنسبة لليمين المتطرف مرادفات للعنف والتطرف والإرهاب ونبذ الآخر.


أما حكم النقاب في الإسلام فهو كما يلي :
لقد اختلف العلماء قديماً، وحديثا في حكم النقاب على قولين:
الأول: يجب على المرأة ستر وجهها أمام الرجال الأجانب؛ لأن الوجه عورة، وهو مذهب الإمام أحمد، والصحيح من مذهب الشافعي.
والثاني: استحباب النقاب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، لكن أفتى علماء الحنفية والمالكية - منذ زمن بعيد - أنه يجب على المرأة ستر وجهها عند خوف الفتنة بها أو عليها، والمراد بالفتنة بها: أن تكون المرأة ذات جمال، والمراد بخوف الفتنة عليها أن يفسد الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفساق؛ قال ابن عابدين - الحنفي - في "رد المحتار على الدر المختار" -: "وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة لأنه أغلظ"، والمعنى تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها؛ فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة.
وقال الحطَّاب - المالكي - في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل": "واعلم أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين؛ قاله القاضي عبد الوهاب، ونقله عنه الشيخ أحمد زروق في شرح الرسالة، وهو ظاهر التوضيح، هذا ما يجب عليها"، وقال في "منح الجليل": "وإن علِمَت أو ظَنَّت الافتتان بكشف وجهها، وجب عليها ستره لصيرورته عورة حينئذ، فلا يقال كيف تترك الواجب، وهو كشف وجهها - يعني في الحج - وتفعل المحرم وهو ستره لأجل أمر لا يطلب منها، إذ وجهها ليس عورة على أنها متى قصدت الستر عن الرجال فلا يحرم ولا يجب الكشف كما يفيده الاستثناء ونصها ووسع لها مالك -رضي الله عنه- أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت ستراً، فإن لم ترد ستراً، فلا تسدل".
فالمُفتَى به الآن على المعتَبَر من المذاهب الأربعة، هو وجوب تغطية الوجه.


وأما الأدلة على وجوب النقاب:
فمنها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب:59]، وقد قرر أكثر المفسرين أن معنى الآية: الأمر بتغطية الوجه، فإن الجلباب هو ما يوضع على الرأس، فإذا أُدنِي ستر الوجه، وقيل: الجلباب ما يستر جميع البدن، وهو ما صححه الإمام القرطبي، وأما قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]، فأظهر الأقوال في تفسيره: أن المراد ظاهر الثياب، كما هو قول ابن مسعود -رضي الله عنه- وهو رواية عن ابن عباس، أو معناه: ما ظهر منها بلا قصد، كأن ينكشف شيء من جسدها بفعل ريح أو نحو ذلك.
وأيضا الزينة في لغة العرب ما تتزين به المرأة، مما هو خارج عن أصل خلقتها، كالحلي والثياب، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة كالوجه والكفين؛ خلاف الظاهر.
ومنها: قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]، فهذه الطهارة ليست خاصة بأمهات المؤمنين، بل يحتاج إليها عامة نساء المؤمنين، بل سائر النساء أولى بالحكم من أمهات المؤمنين الطاهرات المبرءات .
ومنها: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]. وقد روى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "لما أنزلت هذه الآية أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشى فاختمرن بها" قال الحافظ ابن حجر (فاختمرن): أي غطين وجوههن.
ومنها: ما روى الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان))، وهذا دليل على أن جميع بدن المرأة عورة بالنسبة للنظر.

ومنها: ما رواه البخاري وغيره عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين))؛ قال الإمام أبوبكر بن العربي: "وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها، غير لاصق به، وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها".
فإذا تقرر هذا؛ فالذي نراه لك هو وجوب تغطية الوجه، على المعتبر من المذاهب الأربعة؛ لكثرة الفساد وانتشار الفساق، وتلصصهم على النساء وما شابه.

ولتعلمي أن النساء على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كن منتقبات؛ ومن أجله نهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لبس النقاب عند الإحرام، إذا لو لم يكن معروفاً لما نهاهم عنه؛ ومن ثَمَّ كان النساء يسدلن أثوابهن على وجوههن بدلاً عن النقاب، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرمات؛ فإذا حاذونا، سدلت إحدانا جلبابها من رأسها إلى وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه".
وروى مالك عن فاطمة بنت المنذر، أنها قالت: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما".
وأما حديث حجة الوداع المشار إليه؛ فهو في الصحيحين عن عبد الله بن عباس قال: "قال كان الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت امرأة من خثعم وضيئة، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبى - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر"؛ ففيه: أن النبي أنكر على الفضل باليد فلوى عنقه ولم يتركه كما ذكر في السؤال.
وهذا الحديث قضية عين ولا يعم جميع الحالات، فهو يتعلق بمسألة جواز كشف المرأة لوجهها في الحج من عدمه، ولا يعم غير الحج، كطواف النساء مع الرجال لايجوز الاستدلال به على جواز اختلاط الرجال بالنساء فيما سوى ذلك.
ومع هذا فليس في الحديث دلالة على أن هذه المرأة كانت كاشفة لوجهها، ولكن فهم ذلك بعضهم من قوله: "وضيئة"، وفي بعض ألفاظ الحديث: "حسناء"، وأن الفضل كان ينظر إليها، مع أن الوضاءة والحسن يمكن أن تعرف وإن لم تكن المرأة كاشفة لوجهها كما هو معلوم من لغة العرب، والواقع الذي يعيشه الناس؛ قال الشاعر الحطيئة:
طافت أمامة بالركبان ياحسنه من قوام ما ومنتقبا
فوصفها بالحسن مع أنها منتقبة.
ومن المعلوم أن هذه المرأة كانت على بعير كما في بعض طرق الحديث، فلا يستبعد أن يكون انكشف منها شيء وهي على هذا المركب الصعب كما لايخفى، وعُلِم أنها وضيئة من انكشافه غير المقصود، الذي يجب معه على الفضل بن عباس أن يغض بصره، ولا يطلقه، ولهذا لوى النبي صلى الله عليه وسلم عنقه، ولعل مما يشير إلى هذا أن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- وهو والد الفضل - لم يعلم بالذي حصل، فسأل فقال: يارسول الله، لم لويت عنق ابن عمك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((رأيت شابًّا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما)).
وهذا الحديث هو أقوى ما استدل به على عدم وجوب النقاب، ولكن لا يخفى أن الفتنة كانت مأمونة في زمانهم، بخلاف زماننا الذي كثر فيه الخبث؛ فتعين فيه النقاب على النساء، كما سبق عن أهل العلم، ومن المعلوم أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان،، والله أعلم
(1) كلمة رجال الدين لا تستعمل إلا على الذين يحلون ويحرمون، ستقها من باب التهكم والسخرية