كان عبد الملك بن مروان يقول:
(( اللحنُ في الكلام أقبحُ من الجدريّ ِ في الوجه !)) ،
و :
(( شيّـَبَني ارتقاءُ المنابر مخافة َ اللحن !! ))
اليوم لم يعدْ أحد ٌ يستحيي من اللحن في اللغة..
ولم يعد يكترث به إلا قلة من النقاد و أساتذةِ اللغة ...
ولم تعد الغيرة على اللغة كما كانت من قبل، وكما ينبغي أن تكون!..
أيامَ العباسيين كان «الخليل بن احمد الفراهيدي» يصغي إلى رجل كان يتلو بعض آي الذكر الحكيم ، وحين قرأ الرجل هذا الجزء من الآية الثالثة من سورة التوبة :
{وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ....}
نطقها الرجل «ورسولِهِ» بكسر اللام وليس بضمها ، فثارت ثائرة " الخليل " و نهر الرجل قائلا له :
ماذا تقول يا رجل ؟!
قل : « ورسولُه » بضم اللام ، هكذا نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم !!
انظروا إلى أين نقل ( الرجل – القارئ) المعنى بإبداله الضمة بالكسرة !!
برر الرجل خطأه بأن المصحف في ذلك الوقت لم يكن فيه أية وسيلة ترشد القارئ إلى النطق السليم .
كانت هذه الحادثة هي البداية التي تحرك لها عقل ووجدان «الخليل بن احمد الفراهيدي» ، فعكف على دراسة مخرج لذلك حتى توصل إلى الحركات التي تضبط كلماتِنا الآن:
"الفتحة والكسرة والضمة والسكون " .
اليوم صار الخطأ أمرًا عاديًّا و لا بأسَ عليه ، وصارت الغيرة على اللغة ورد الخطأ ضربًا من المبالغة والحماسةِ غير ِ المحمودة ... و هذا أمر خطير ... لماذا ؟؟
لماذا لا نشير إلى الخطأ ؟؟ كان الخليفة عمر بن الخطاب يقول " رحم الله امرأ أهدى إلينا عيوبنا " ، فكان البدوي الآتيٍ من أطراف الصحراء لا يتردد في انتقاد عمر ...
نحن أمة علم ٍ و تعلّم !
تتجول هاهنا في منتديات واتا الحضارية ، فتقرأ ما لذّ َ و طابَ من إبداعات في فنون الأدب و اللغة جميعِها ، النثر و الشعر ، القصة و الخاطرة و المقامة و ... و ... و يندر أن تخلوَ هذه المساهمات الإبداعية من الأخطاء النحوية و الإملائية ، و يغلب عليها جلّـِها عدم استخدام علامات الترقيم .
و ما يفرحني أن النقاد و الكتاب و الشعراء و القراء و.. يدلون بآرائهم المفيدة في النصوص التي تـُطرح و يتفاعلون معها كأروع ما يكون التفاعل
و يؤرقني في الآن نفسه ، أنهم – ماعدا البعض – لا يتطرقون إلى ما في هذي النصوص من أخطاءَ نحويةٍ أو إملائية ، و كأن ذلك يلغي من قراءاتِهم نَفـَسَ التشجيع ِ و المجاملة لكاتبي النصوص .
أذكر أن الأديبة " نجوى النابلسي " و هي تطرح أحد مواضيعها قالت للأساتذة جميعهم ما معناه ( لا تجاملوني ، لا تمدحوني ... أريد أن أعرف موقعي !!) مَن يريد أن يتطور ؛ يتعامل بهذا النفس .. و لا أظن أن أحدا منا لا يريد أن يتطور ...
و مَن يُخرج نفسه من دائرة "التلمذة" يحكم عليها بالتوقف عن طلب العلم ، و هو حكم - فيما أرى – يوازي الحكمَ بالإعدام في قوانين الأحوال المدنية !!
إن فوق كل ذي علم عليما ، كلنا يلحن ، يغلط ، و كلنا بحاجة إلى الوقوف علي حقيقة مستوى ما يكتب ... مَن يحيطُ بكل شيءٍ علما هو الله تبارك و تعالى .
منذ زمن ليس بالبعيد كان اللحن أو الخطأ في اللغة ، إن كان نطقًا ، أو كتابة أمرًا خطيرًا ترتعد له أقلام المتخصصين و النقاد ، ويمتعض منه كل إنسان غيور على لغته وتراثه.
إنها لغة القرآن الكريم ، إنها لغتنا ؛ جامعتنا ، مُوَحِدتُنا ، رجاؤنا !!..
وسيلة ُ تفاهمِنا ، تراثنا ، وعاءُ ذكرياتِنا ، ركيزتنا الحضارية و جذورنا المترامية البعد في أعماق التاريخ !!..
و ربما لأنها كل هذا تتعرض اليومَ لهذه الموجة العاتية الهادفة للنيل منها على أيدي "بعض" أبنائها قبل أعدائها ، والتي أدت إلى ترديها على المستويات كافة .