لماذا أجمع الناس على بيعة الصديق؟

يبدو أننا مهما قلنا..
ومهما شرحنا..
ومهما ذكرنا من مواقف وأحداث..
فإننا لن نوفي هذا الرجل حقه..

ونحن إن كنا نقارنه بأناس عاديين.. لكان يسيرًا أن نفقه هذا الاجتماع على صعوبته..
لكنه يُقارن برجال أعلام أفذاذ عباقرة...
ما تكرر في التاريخ جيل مثلهم...
كل رجل منهم أمة..

أَخْرِج كتب السيرة والتاريخ.... واقرأ..

اقرأ مثلاً قصة حياة عمر بن الخطاب ...
وما فعله للإسلام والمسلمين منذ أسلم وحتى مات..
اقرأ عن علمه وعدله وفقهه و ورعه وتقواه...

اقرأ مثلاً عن عثمان بن عفان ...
وما قدمه في حياته الطويلة..
اقرأ عن كرمه وزهده.... وعن أخلاقه.

اقرأ مثلاً عن علي بن أبي طالب...
وعن تاريخه المجيد وفضله العظيم وكلامه الحكيم...
اقرأ عن قوته وحكمته وحلمه وشجاعته وذكائه.

اقرأ عن غيرهم من الصحابة..
عن الزبير وطلحة وأبي عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد.. وغيرهم..

ومن المؤكد أن كل اسم من هذه الأسماء...
يترك في النفس العديد من ذكريات من الإيمان، والجهاد، والبذل، والمروءة.

اقرأ عنهم وعن عشرات معهم..
وعن مئات معهم..
وعن آلاف معهم..
بل عن ملايين معهم.

اقرأ عن عظماء وعلماء المسلمين في كل عصر... وفي كل مكان..

واعلم أنهم لو جُمعوا في كفة جميعًا... والصديق في كفة ...لرجح بهم الصديق..

فأيّ فضل!

وأيّ قدر!

وأيّ عظمة!

وأيّ مكانة!

روى الإمام أحمد رحمه الله بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال:

خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: "رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ، وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ، فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ، فَوُزِنَ بِهِمْ، فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ، فَوُزِنَ، فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ، فَوُزِنَ بِهِمْ، ثُمَّ رُفِعَتْ"

وهناك الكثير من الأحاديث التي تتحرى فضل الصديق..

ففي البخاري عن ابن عمر ..

"كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان ....وفي رواية الطبراني زاد: فيعلم بذلك النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ولا ينكره."

وفي البخاري عن عبيد الله بن عمر..

"كنا لا نعدل بأبي بكرٍ أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فلا نفاضل بينهم"

وعند أحمد عن علي بن أبي طالب ..

"خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر"

فكيف نسى المعترضون على خلافة أبي بكر .. هذا الحديث عن علي ؟!

وفي البخاري عن عمرو بن العاص ..

"قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: "عَائِشَةُ". قلت: من الرجال؟ قال: "أَبُوهَا". قلت: ثم من؟ قال: "عُمَرُ". قلت: ثم من؟ قال عمرو بن العاص: فعد رجالاً"


وأخرج الترمذي وحسنه ابن ماجه وأحمد وغيرهم عن أنس (وأخرج الترمذي نفس الحديث عن علي)..

"قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي بكر وعمر: "هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِيينَ وَالآخِرِينَ خَلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ"

وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري ..

"قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ النَّجْمَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ"

وأخرج الطبراني نفس الحديث عن جابر بن سمرة وعن أبي هريرة.

وأخرج الترمذي والحاكم وابن ماجه عن ابن عمر ..

"أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج ذات يوم، فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهو آخذ بأيديهما وقال: "هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

وأخرجه الطبراني عن أبي هريرة ..

وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر ...

"قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضَ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ"

وأخرج الترمذي وقال: حسن صحيح عن ابن عمر ..

"أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لأبي بكر: "أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ، وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ"

فهذه الدرجة العالية من الفضل والإيمان ...
جعلت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يطمئن إلى إيمان الصديق...
وإلى تصديق الصديق حتى في غيابه..
وهذه درجة عالية جدًّا في الفضل..

بمعنى إذا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمرًا عجيبًا غريبًا قد يشك فيه بعض الناس..
فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يطمئن..
ويضمن أن يصدقه الصديق حتى قبل أن يعرف موقف الصديق...

وهاكم دليلاً على ذلك:
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة ..

قال: قال صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصبح، ثم أقبل على الناس
فقال: "بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا .. فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ"
فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ..
فَقَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ"


(أي لم يكونا موجودين في هذا اللقاء الذي يتحدث فيه رسول الله)

ثم يكمل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

"وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ
فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي"
فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ,
قَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ".


واختلفوا كثيرًا في شرح المقصود بحادثة السبع هذه...
لكن الشاهد الثابت من القصة هو تكلم الذئب، وتكلم البقرة، وإيمان الرسول (صلى الله عليه وسلم) بذلك...
وإيمانه بأن الصديق وعمر سيؤمنون بذلك حتمًا...
ولم يكونا حاضرين في المجلس..
وهي فضيلة ولا شك للصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

إذن ليس من عجب أن يختار المؤمنون أبا بكر الصديق للخلافة ..
بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..

فالأحاديث السابقة وغيرها ...
تشير إلى أن الصحابة جميعًا كانوا يعتبرونه أفضلهم..
وأقربهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
وأعلاهم منزلة في الدنيا والآخرة..

وهذا كله سَهّل عليهم اختياره خليفة للمسلمين..
بل إن هذا الأمر لم يكن خافيًا حتى على المشركين..
الذين كانوا يعلمون أن أبا بكر الصديق هو وزير النبي الكريم ..

حتى بعد الهجرة النبوية .. أول ما فعله المشركون هو الذهاب لبيت أبي بكر للتأكد من وجود محمد فيه؟!

لدرجة أن أبي جهل قد لطم أسماء بنت أبي بكر حينما أنكرت معرفتها ..
فلماذا تجاوز أبو جهل الحدود ؟!
لأنه على يقين من أن (محمد وأبي بكر) لن يفترقان ..

وفي يوم أحد .. لما انسحب المسلمون ..
جاء أبو سفيان ليتأكد من موت زعماء الطرف الآخر ..

فقال .. أفيكم محمد ؟!

فلم يجيبوه.. لأنه (صلى الله عليه وسلم) أمرهم بذلك ..

فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟!!

فأبو سفيان يعلم إن لم يجد محمدا فسيجد أبو بكر.. لأن هذا هو القائد المتوقع بعده (صلى الله عليه وسلم) ..

ثم قال أبو سفيان .. أفيكم عمر ؟!

وأيضا هذا هو القائد المتوقع للمسلمين بعد أبي بكر ..
فلم يجيبوه أيضًا .. لأنه (صلى الله عليه وسلم) منعهم من الإجابة ..

عندها قال أبو سفيان: أما هؤلاء فقد كفيتموهم..

هنا لم يملك عمر نفسه فقال: يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله ما يسوءك.

إذن الشاهد من هذه الأمور..
أن الناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم كانوا يرون أن أبا بكر هو الرجل الثاني في هذه الدولة..
وهو الرجل المتوقع أن يخلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
إذا غاب الرسول أو مات..