في احدي حلقات برنامج القمص زكريا بطرس تحدى القمص الازهر الشريف في الرد على مخطوطات للراهب بحيرا يدعي انها تثبت ان الراهب بحيرا هو ملهم القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم. وذكر ان هذه المخطوطة تتكون من ما يشبه مذكرات لبحيرا دون فيها كيف كان يجيب على اسئلة الرسول صلى الله عليه وسلم وان فيها الاسباب الحقيقية لنزول القرآن.

وادعى كذلك ان المخطوطة محققة اثريا وتاريخيا وكان دليله كالعادة هو اظهار غلاف واسم كتاب للمشاهدين بطريقة بهلوانية مضحكة كالحواة وكأنه اقام الحجة وامتلك ناصية العلم بمجرد شرائه لكتاب. ولقد قرأ من هذه المخطوطات على مدار حلقتين ما اراد ان يثبت به ان القرآن ليس من عند الله وان مصدره الراهب بحيرا وطلب من الازهر الرد عليها وعلى كل اسئلته المثارة في هذا الموضوع.

وللأسف تجاهل الازهر اسئلة القمص زكريا بطرس عن هذه المخطوطة النادرة ورأيت انه يجب الرد بالرغم من اني قليل العلم ولكني سأجتهد بقدر علمي المتواضع. والرد سيقتصر فقط على المخطوطة التي تحدث عنها القمص زكريا بطرس ولن يكون اعادة لما اثبته العلماء والمحققون عن مقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم بالراهب بحيرا وهو صغير في رحلتة للشام مع عمه أبي طالب.

لننظر اولا للمخطوطة التي ادعى القمص انها محققة تاريخيا (إضغط على الصورة لتكبيرها)
بعد النظر ــ حتى بدون تدقيق ــ للمخطوطة يرى ضعيف النظر ما يلي:
المخطوطة المزعومة مكتوبة على ورق مسطر بانتظام وبقلم حبر جاف لم يكن قد اخترع حتى قبل مائة عام. ولا نجد من آثار الزمن الا اصفرار الورق الذي اختير بهذا اللون ليوحي بقدمه لمن لا يستخدم عقله في الحكم على ما يسمع ويرى.

في حلقة سابقة كان القمص زكريا بطرس يصرخ ويقول ان القرآن نزل بدون تنقيط وان التنقيط تم بأمر من الحجاج بن يوسف الثقفي بعد فترة طويلة من جمع القرآن. وطبعا المخطوطة منقطة وقد نسي من كتبها ما ذكر من قبل عن عدم وجود تنقيط في ذلك الوقت. وكالعادة يجهل النصارى اللغة العربية وهناك اخطاء املائية في كل سطر. فمثلا في السطر الاول من الصفحة السادسة كتبت كلمة الملائكة بالعامية “الملايكة”.

وإمتلأت مواقع ومنتديات النصارى بخبر المخطوطة لدرجة أن أحد المواقع هدد بعقد مؤتمر عالمي لنشر المخطوطة:

وإعتبر موقع آخر أن الوثيقة تهز أركان الإسلام وأنها بداية العد التنازلي لنهايته:

ومرت الأيام والشهور ونحن في إنتظار هذا المؤتمر العالمي الذي وعدونا به ولكن كعادتهم لم يوفوا بعهدهم. وكما توقعت من شهور، قام زكريا بطرس بسحب المخطوطة المزعومة من موقعه بعد أن أصبحث مثارا لسخرية كل من يراها. ولكني ما زلت محتفظا بنسخة كاملة منها أقوم بتصفحها كلما شعرت برغبة في الضحك. وكلما قرأتها أتذكر زلة لسان وقع فيها زكريا بطرس عندما كان يتكلم عنها فلنشاهدها سويا:

وما زلنا نتساءل عن الرجل الذي ألف وكتب المخطوطة ونطالب زكريا بطرس أن يعقد المؤتمر الصحفي الذي وعدونا به ونطالب اصدقائنا النصارى الذين على صلة به أن يذكروه بها. فنحن كمسلمين في شوق منذ شهور لمعرفة المزيد عن تلك المخطوطة.

ولكن كيف ألف زكريا بطرس هذه الأكذوبة؟
التاريخ يقول أن النصارى وجدوا أن الإسلام ينتشر بقوة في قرونه الأولى ولذلك أرادوا محاربته بشتى السبل. وكعادة النصارى عبر التاريخ، فإن الكذب هو الأسلوب المفضل عندهم للدفاع عن دينهم. ولذلك بدأوا في تأليف قصص تحاول إثبات أن الإسلام هرطقة نصرانية وبدأت هذه الأكاذيب في القرن التاسع وزادت حدتها في أثناء الحروب الصليبية لتشجيع الجنود الصليبيين على محاربة الإسلام بإعتباره هرطقة.
وعندما فتح النصارى كتب التاريخ الإسلامي، لم يجدوا ذكر لأشخاص لهم علاقة بالنصرانية إلا ورقة بن نوفل والراهب بحيرا. وإكتشفوا أن ورقة بن نوفل مات في بداية البعثة وأن الراهب بحيرا قابله الرسول صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وهو في الثانية عشرة في الشام. ولذلك قاموا بتأليف قصص خرافية بدون أي سند تاريخي بعضها يناقض البعض الآخر. فمرة يدعون أن ورقة بن نوفل هو ملهم القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا لنا كيف فعل ذلك وهو ميت أو كيف كتب الآيات قبل أن تحدث أسباب نزولها! وفي قصة أخرى أن الراهب بحيرا أعطى القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم عندما قابله في طفولته ولم يذكروا لنا أيضا كيف تنبأ بالآيات قبل أن تحدث أسباب نزولها! وقد حاول البعض إيجاد حل لهذه المعضلة بأن ادعوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستشير الراهب بحيرا الذي كان يلهمه. ولم يفسروا لنا كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في مكة أو المدينة يستشير الراهب بحيرا وهو في الشام ( مع علمنا أن تغطية شبكة المحمول كانت ضعيفة في الجزيرة العربية والإنترنت لم يكن متوفرا في صومعة الراهب بحيرا لبعدها عن أقرب شركة لخدمات الإنترنت وكان كبيرا في السن لا يستطيع الذهاب لمقهى إنترنت ).
وهناك كتب لمستشرقين في عصرنا تروي الأساطير المختلفة التي ألفها النصارى حول الراهب بحيرا مثل كتاب “A Christian Bahira Legend” أو “خرافة بحيرا النصرانية” للمؤلف ريتشارد جوثيل Richard Gottheil و هو يروي بعض تلك الخرافات النصرانية عن بحيرا. وإلتقط زكريا بطرس هذا الكتاب وترجم ما فيه مدعيا أنها السيرة الذاتية لبحيرا وليس خرافات كما ذكر المؤلف الأصلي. والمدهش أن يستشهد زكريا بطرس بهذا الكتاب والذي عنوانه يؤكد محتواه بأنها خرافات وليست حقائق ولكن زكريا بطرس يعتمد على جهل النصارى وأنهم لا يبحثون وراءه فإستهزأ بهم وللأسف أطاعوه. وطبعا أضاف زكريا بطرس إضافات من مخيلته كعادته وزعم أن الراهب بحيرا إنتقل للعيش في مكة ( لكنه لم يذكر لنا كيف كان مختبئا عن الناس طوال 23 عاما للبعثة والأهم هو عنوان خيمته حتى نتأكد ). وكانت النتيجة النهائية لتدليس وكذب زكريا بطرس هي المخطوطة التى رأيناها والتي لا يوجد مرجع واحد من الذين ذكرهم القمص يدعي أنها موجودة بل على العكس كلها تثبت أنها خرافات ألفها النصارى. والتحدي ما زال مفتوحا بأن يأتي أي نصراني بدليل واحد على هذه الوثيقة أو حتى يثبت أن المواقع التي ذكرها القمص تحوي ما ذكره من أكاذيب.
بصراحة الموضوع لا يتعلق بزكريا بطرس الذي إنتهت صلاحيته عمليا بعد أن إكتشف الجميع ـ مسلمون ونصارى ـ أنه كاذب حاقد على الإسلام وأصبحت وظيفته الآن هي قمص تخصص نقد إذاعي وتليفزيوني لأنه تفرغ للتعليق على خبر من هنا أو هناك أو حلقة من برنامج في قناة فضائية لهالة سرحان أو سهير جودة أو عمرو أديب بعد أن أفلس وتم الرد على كل أكاذيبه. ولكن الموضوع يتعلق ببعض النصارى الذين رضوا أن يساقوا كالخراف من رجل كهذا و كأن هناك إتفاق مسبق بينهم على أن يكذب عليهم وهم يصدقوا كذبه. هذه النوعية من البشر إختاروا الكفر بإرادتهم ويستحقون عذاب جهنم لأنهم رأوا الحق وإتبعوا الباطل وسوف يندمون في يوم لن ينفع فيه الندم. ويصور القرآن الكريم حالهم يوم القيامة في سورة البقرة:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِإِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)صدق الله العظيم