فمَرْيَم هو مَفْعَل من رام يَرِيم. وقال ابن سيده في كتابه يضع من ابن السكيت: أيُّ شيء أَذْهَبُ لزَيْن وأَجْلب لغَمْر عين من معادلته في كتابه الإِصلاح الرَّيْمَ الذي هو القبر، والرَّيْمُ: الزيادة والزوائد وهي فضلات العظام يقال: لها رَيمْ على هذا أي فضل والرَّيْمُ: النصيب يَبقى من الجَزورِ، وقيل: هو عظم يبقى بعدما يُقْسَمُ لحم الجَزور والمَيْسِر، وقيل: هو عظم يفضل لا يبلغهم جميعاً فيُعْطاه الجَزَّارُ؛ قال اللحياني: يؤتى بالجَزور فَيَنْحَرُها صاحبها ثم يجعلها على وَضَمٍ وقد جَزَّأَها عشرة أَجزاء على الوركين والفخذين والعَجُزِ والكاهلِ والزَّوْرِ والمَلْحاء والكتفين، وفيهما العضدان، ثم يَعْمِدُ إلى الطَّفاطِف وخَرَزِ الرقَبة فيقسمها صاحبها على تلك الأَجزاء بالسوية، فإن بقي عظم أَو بَضعة فذلك الرَّيْمُ.قال تعالى “إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)” سورة آل عمران.فالمعنى الظاهر لمريم: هو اسم علم وهو مأخوذ من معنى الإقبار والقبر ومعناه المواراه أي فمريم هي المتوارية عن أعين الناس وهي المُقيمة في عزلة عن الأنظار وهنا نلفت النظر على إقامتها ولجوءها إلى المعبد، ومن لسان العرب: وريّم بالمكان أي برح به وبالتالي أقام به والمريم المُقيمة بالمكان.والمعنى الخفي أو المُستتر للمريم: فهو حسب لسان العرب لربما مُشتق من الرَّيْمُ: وهو القَبر، وقيل: وسطه؛ قال مالك بن الرَّيْبِ: إذا مُتُّ فاعتادِي القُبورَ وسَلِّمِي على الرَّيْم المقيمين بها والرَّيْمُ: البَراحُ أي المُقيمين أي الموتى أو ما تبقى من عظامهم، والفعل رامَ يَرِيمُ إذا بَرِحَ. يقال: ما يَرِيمُ يفعل ذلك أَي ما يَبْرَحُ. ابن سيده: يقال ما رِمْتُ أَفعله وما رِمْتُ المكان وما رِمْتُ منه. ورَيَّمَ بالمكان: أقام به إشارة على الميت أي وفي ذلك الإقبار وفيه المواراة عن أعيُن الناس.فاسم مريم كما سبق وأشرنا عليه فهو مَفْعَل من رام يَرِيم: ويريم في المكان أي المقيم فيه وساكن القبر يريم فهو لا يبرح المكان بل يتوارى فيه ويُقيم وهو الميت: والرّم منه هو إشارة على ما تبقى من العظم أو الزائد وبالتالي أليس ذلك إذن هو إشارة على عظام القبر أي ما هو مُتبقي من الميت.أما بالنسبة لمعنى إبن قال تعالى “وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ” وبالتالي وجب علينا بالتعرف على ما معنى وابنها،فماذا يعني نسبه لها مع أننا كُنّا لقد توصلنا بحثياً بأن المسيح لا يمكن لأن يكون أبنها في الطريقة التقليدية “البيولوجية” أي ما هو مُشتق من بنن أي تعبير ما يخدم النسل لأنه لا يُمكن لأن يكون منسول من ذريتها لأن مريم كانت قد أحصنت فرجها فلم تُلقح بويضتها ولذلك فمريم هي ليس أمه بالمعنى المراد به بيولوجياً وبالتالي،فالمعنى الظاهر لإبن: هو إشارة إلى نسبه إلى أُمه ومن ولدته نتيجة لزومه لها أي إقترانه بها وهو، أولاً: إن قول ابن مريم لا يتعدى كونه تعبير مجازي كقولنا ابن السبيل وابن الأرض وابن الوطن وابن العروبة … فلو أخذنا مثالاً على ذلك “ابن السبيل” فهو عند جمهور العلماء كناية عن المسافر الذي يجتاز من بلد إلى بلد، والسبيل: الطريق، وقيل للضارب فيه “ابن السبيل” وذلك للزومه إياه، وابن السبيل لا يعني بأن السبيل أب له، فعيسى هو ابن مريم لأنه عاش في كنفها ورعايتها وهي التي استضافته في رحمها وحملته ومن ثم إحتضنته ورعته وربته فلزمها طيلة مراحل حياته الجنينية والطفولية وبالتالي فهي أمه وهو ابنها وكان لابد وأن ينتسب إليها فهو وليد رحمها فكانت له أم وكانت له منشأ فتشكل وكُوِن في رحمها فكان قد أُبني فيها فكان أبنها .. وبالتالي فالإشارة على أنه ابنها هو تعبير غير حقيقي وإن كان قد اُشتق من بنن وذلك لأنه يُشير على دورها فهي راعيته وحاضنته كما هو صغيرها كبنانها .. فلزمهاوبتفسير للقرطبييقول وكذلك تفعل العرب، وتسمي اللازم لشيء يعرفه به “ابنه” تفسير الطبري – بتحقيق محمود شاكر: 14/31. فنُسب عيسى لأُمه للزومه إياها. ومثال على ذلك الأم البيولوجية والأم في التبني والأم البديلة فكلهم يُطلق عليهم لقب الأم وبالتالي فلقب الأُم ليس محصور بالأم البيولوجية وحدها.ثانياً: وهو أن الأصل في ذلك هو مُشتق من “أبن” فحسب لسان العرب: نقول أَبَنَ الرجلَ يأْبُنُه ويأْبِنُه أَبْناً: اتَّهمَه وعابَه، وقال اللحياني: أَبَنْتُه بخَير وبشرٍّ آبُنُه وآبِنُه أَبْناً، وهو مأْبون بخير أَو بشرٍّ؛ فإذا أَضرَبْت عن الخير والشرّ قلت: هو مأْبُونٌ لم يكن إلا الشرّ، وكذلك ظَنَّه يظُنُّه. الليث: يقال فلان يُؤْبَنُ بخير وبشَرّ أَي يُزَنُّ به، فهو مأْبونٌ.. يقال: أَبَنْتُ الرجلَ آبُنُه إذا رَمَيْتَه بِخَلَّةِ سَوْء، فهو مأْبُونٌ، وهو مأْخوذ عن الأُبَن، الجوهري: أَبَنَه بشرٍّ يَأْبُنُه ويأْبِنه اتَّهَمَه به. وفلانٌ يُؤْبَنُ بكذا أي يُذْكَرُ بقبيح. وبالتالي فهذا المعنى يمكن لأن ينطبق على الأُنثى إذا ذُكرت في قبيح أو اُتهمت به أو رُميت بخلة سوء وبالتالي فهي مأبونة وهو مأخوذ من الأبن ويُقال أبنه بِشرْ أي يُذكر بقبيح، وكذلك الأنثى إذا قيل أبنها بِشر أي اتهمها به، وفي حديث الإفْك: أَشِيروا عليَّ في أُناسٍ أَبَنُوا أَهْلي أَي اتَّهَموها. وأَبَّنَ الرجلَ: كأَبَنَه. وآبَنَ الرجلَ وأَبَّنَه، كلاهما: عابَه في وجهه وعَيَّره. وكذلك المرأة. وفي الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه نهى عن الشِّعْر إذا أُبِنَتْ فيه النساءُ،وفي حديث ابن أَبي هالة في صفة مجلس النبي، صلى الله عليه وسلم: مجلِسُه مجلسُ حِلْمٍ وحيَاءٍ لا تُرْفَعُ فيه الأَصْواتُ ولا تُؤْبَنُ فيه الحُرَمُ أَي لا تُذْكَر فيه النساءُ بقَبيح، ويُصانُ مجلسُه عن الرَّفَث وما يَقْبُحُ ذِكْرُه وقال ابن الأَعرابي: أَبَنْتُ الرجلَ آبِنُه وآبُنُه إذا رَمَيْتَه بقبيح وقَذَفْتَه بسوء، فهو مأْبُونٌ، وقوله: لا تُؤْبَنُ فيه الحُرَمُ أَي لا تُرْمى بسُوء ولا تُعابُ ولا يُذْكَرُ منها القبيحُ وما لا يَنْبَغي مما يُسْتَحى منه.وبالتالي فلربما كان المقصود في قوله تعالى “”وجعلناها وابنها آية للعالمين” يُشير على أن الله جعلها وما اتُهِمت به ورمُيت به وما عابوها به آية للعالمين أي حملها للمسيح، أما ما عابوها فيه فكان في ذلك،قوله تعالى “وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا” سورة النساء 156 .وقوله تعالى “فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)” سورة مريم .وبالتالي وهذا ما نميل إليه وهو بأن قوله تعالى “وجعلناها وابنها آية” معناه بأن جعلناها وعيسى آية وعبرة على خلاف ما قبحوها وأتهموها به.والمعنى الخفي أو المُستتر لإبنوفي التعريف بذلك سنبدأ من حيث ما انتهينا أي حديث الطبري وفيه قوله: وكذلك تفعل العرب، وتسمي اللازم لشيء يعرفه به “ابنه” تفسير الطبري – بتحقيق محمود شاكر: 14/31. فنقول هو نُسب لذرية من لزم القبر وسكن وأقام فيه أي الموتى فهو ابن المريم – ابن مريم وبالتالي فكان قد خُلق من عظام من توارى في القبور ومن ترابهم ومن ذُريتهم … كحال خلق آدم من قبله.إذن ومن خلال ما نستنتجه من ما يحمله كل شق من اسمه المركب من معاني نتوصل إلى خلاصة تحتمل أكثر من معنى:أولها الظاهر: الصفة التي تجسد بها بحضوره الإنسي وشكلت شخصيته وعرّفت به كشخص وإنسان.وثانيها المُستتر: إشتقاق أصل التسمية والذي يُشير على طبيعته الترابية التي خُلق منها.لقد أختار الله للمسيح أسمه وعرّف عليه بإعطائه اسم مركب من ثلاثة مقاطع دلالة على خلقه،قال تعالى “اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ” آل عمران 45 .فكان اسمه الثلاثي الكامل يبدأ بـ (المسيح وهو لقبه والذي أصله مشتق) من سلالة تراب الأرض المسحة الجرداء والخالية من النبت، ولحق بذلك أسم عيسى ( وهو أسمه والذي أصله مُشتق من العيس) فكان إسم هذا الكيان مشتق من مادة خلقه “كاسم آدم من الأديم، والأدمة إشارة على الخلطة والتي عرّف الله عليها بخلقه للإنسان من “النطفة الأمشاج” وبالتالي فهو من ذرية ونُطفة الأولين من الإنس حيث لحق بذلك نسبه وهو ابن (مريم والذي هو مُشتق من رام يريم وريم) أي من ما تبقى من عظم السابقين ممن ماتوا وأصبحت القبور مكان إقامتهم فهو ابنهم ومن ذُريتهم وهو من ترابهم وينطبق عليه ما انطبق على آدم وبالتالي فكان المسيح لقبه، وعيسى أسمه، وابن مريم نسبه، فتوافقت تسميته مع حقيقة خلقه من التراب تأكيداًعلى قوله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) سورة آل عمران 59 .فكان بأن حمل اسمه حقيقة خلقه الترابية والمماثلة لحقيقة خلق آدم من قبله.وقال تعالى “ذَ‌ٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ” سورة مريم 34 .وقال تعالى “”بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)” سورة ق.ويقول الله عز وجل: افعيينا بالخلق الأول … والجواب والرد أتى من الخالق نفسه فقال “ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ” أي ولكنهم ومع ذلك هم في حيرة وإلتباس من خلقهم من التراب ولكن فلم الحيرة والشك حيث أنكم كنتم قد خلقتم من التراب وها ابن مريم وهو حاله كحالكم يخلقه الله من التراب وهو خلق كنتم قد شهدتموه وعلمتوه وهو بالخلق الجديد. ثم ذكر الله تعالى لنا دلائل القدرة والوحدانية الدالة على عظمتة فقال “أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ” أي أفلم ينظروا نظرة تفكر واعتبار إِلى السماء في علوها واتساعها، فأعلموا بأن القادر على إِيجادها قادر على إِعادة الإِنسان بعد موته … “أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ” أي أفعجزنا عن ابتداء الخلق حتى نعجز عن إِعادتهم بعد الموت، فإذا كان ابتداء الخلق “الأول” لم يعجزنا وكان فيه جوابٌ لقولهم “ذلك رجعٌ بعيد” وذلك حتى لا يبقوا في حيرة وشك من قدرتنا على خلق جديد “بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيد” وبالتالي فإن كان ذلك مستبعدين حدوثه فإن الله سيتركهم يتخبطون في محاولة التعرف على خلق المسيح ابن مريم والذي جعله الله آية للناس.