إن تسمية المسيح عند المسلمين مرجعها إلى الله فهو من سمّى المسيح بهذا الإسم الثلاثي في القرآن في الآية 45 من سورة آل عمران،
قال تعالى “إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ” سورة آل عمران 45 إذن فما هو المقصود بتسميته هذه وماذا تحمل من معنى في مضمونهايُطلق النصارى المسيحيين على عيسى إسم يسوع وهو منقول من اللغة العبرية “يشوع” بالشين، وقد كان هذا الاسم منتشرًا بين أسباط بني إسرائيل إذ تسمى به عدد من الشخصيات الهامة في العهد القديم أبرزها يشوع بن نون “يوشع” الذي خلف موسى في قيادة الأسباط، أما في اللغة اليونانية وهي لغة ثقافة ذلك العصر، ظهر مترجمًا إليها ومنطوقًا وفق قواعدها (ησου، إيسو أو إيسوس)، وقد اشتقت اللغات الأوروبية أجمعها الترجمة اليونانية للكلمة مع بعض التعديلات فظهرت العبارة بالإنجليزية: Jesus (جيسيس) فكان أسم عيسى مأخوذ من اللغة الآرامية ذات الأصول العربية وهي اللغة التي بشر بها السيد المسيح وتكلمها بطلاقة فلفظ عيسى الآرامي حسب زعمهم هو نفس اللفظ المستخدم في القرآن، فالقرآن لم يُعرِّب أسم المسيح ولم ينقله عن اليونانية أو غيرها، فالقرآن أتى بلسان عربي مُبين، وعيسى بالتالي أسم عربي وليس آرامي أو يوناني، ولو رجعنا لقواميس اللغة العربية لتمكنا من إشتقاق ما المقصود في كلمة عيسى ومن أين أتت وذلك كما كان الحال في إشتقاق كلمة آدم أي من الآديم. إن الله قد أخبرنا بأن القرآن أنزل بلسان عربي مبين أي مرجعيته البيانية وأشتقاقات مصطلحاته يجب لأن تعود لأصله العربي وبالتالي فإن ذكر أسم عيسى في القرآن يصُب في سياق أصل الكلمة ومرجعها هو للغة العربية وهي مشتقة من العوس أو العيس وكلاهما واحد وليس مصدر التسمية هو من اللغة اليونانية والتي لم يتكلمها أو بشر بها السيد المسيح بالإضافة على أن عيسى لم يكن باليوناني حتى نفترض بأن أسمه كان قد تُرجم من اليونانية، كما أنه لابد ولأن نُشير على أن الله تعالى قال “إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب”، فسماهما القرآن بآدم وعيسى .. فإشتقاق واصل كلمة آدم هو من الأديم وهي مأخوذة من اللغة العربية وفي إستعمالاتها في كل لغات العالم بقي الأصل وهو آدم سواء إن تحدثت اللغة الإنجليزية أو الرومانية أو اللاتينية أو اليونانية أو أي شيء آخر فأبقت على حقيقتها وأصلها المشتق من اللغة العربية الأم وهذه حقيقة ثابتة، وأسم عيسى كذلك فهو كمثل أسم آدم ولكن الغربيين يدعونه بجيسسس أو جيسوس أي عيسى فقط نتيجة صعوبة اللفظ ولذلك تم التعديل على لفظ الأسم حتى يناسب لسان حال المتكلم ومع ذلك بقي يحافظ على أصله ومرجعيته ومعناه المستنبط من أم اللغات، وبالتالي فإن إشتقاق اسم عيسى لابد وأن نأخذه من (لسان العرب): حيث يقال جَمل أَعْيَس وناقة عَيْساء أي معنى ذلك بأن فيه أُدْمَة، ومعنى فيه أدمه أي فيه خليط وخُلطة أي كالإشارة على ناقة مخلوطة بلونين، وهكذا حال آدم فهو من الأديم أي الطين ذو الأدمة أي فيه خليط والعيس كذلك مثله. بالنسبة لمعنى المسيحفالمعنى الظاهر للمسيح: هو لقبه قيل سُمي بالمسيح لأَنه كان سائحاً في الأَرض لا يستقرّ، وقيل: سمي بذلك لأَنه كان يمسح بيده على العليل والأَكمه والأَبرص فيبرئه بإِذن الله؛ بالإضافة على أنه مسح بالبركة وكان جوال في الأرض كثير المسحوالمعنى الخفي أو المُستتر للمسيح: نقول الأَمْسَحُ من الأَرض: المستوي؛ والجمع الأَماسِح؛ وقال الليث: الأَمْسَحُ من المفاوز كالأَمْلَسِ، وجمع المَسْحاء من الأَرض مَساحي؛ وقال أَبو عمرو: المَسْحاء أَرض حمراء والوحْفاء السوداء؛ ابن سيده: والمَسْحاء الأَرض المستوية ذاتُ الحَصَى الصِّغارِ لا نبات فيها، وقال الفراء: يقال مررت بخَرِيق من الأَرض بين مَسْحاوَيْنِ؛ والخَرِيقُ: الأَرض التي تَوَسَّطَها النباتُ؛ وقال ابن شميل: المَسْحاء قطعة من الأَرض مستوية جَرْداء كثيرة الحَصَى ليس فيها شجر ولا تنبت غليظة ولقد كان في صفة النبي، صلى الله عليه وسلم: مَسِيحُ القدمين؛ أَراد أَنهما مَلْساوانِ لَيِّنَتانِ ليس فيهما تَكَسُّرٌ ولا شُقاقٌ، إِذا أَصابهما الماء نَبا عنهما، إذن نستنتج بأن معنى المسيح هو الملس واللين من الارض الحمراء الجرداء التي لا نبت فيها وذلك “كمن ليس له ذرية ونحن نعلم بأن المسيح لم يُرزق بالذرية فلربما لقب المسيح أيضاً يُشير على مسح ذريته” - أما بالنسبة لمعنى عيسىفالمعنى الظاهر لعيسى: هو اسم علم … وفي لسان العرب: هو بياض يُخالِطُه شيء من شُقْرة وقيل: هو لون أَبيضُ مُشْرَب صَفاءً في ظُلمة خفِية، وتقول العرب جَمل أَعْيَس وناقة عَيْساء وظَبْيٌ أَعْيَس: فيه أُدْمَة، وفي حديث طهفة: تَرْتَمِي بِنَا العِيس وهنا هي الإِبل البيض مع شُقرة، وقال الأَصمعي: إِذا خالط بياض الشعَر شُقْرة فهو أَعْيَسوالمعنى الخفي أو المُستتر لعيسى: هو صفته ويكون اشتقاقه من شيئين: أَحدهما العَيَس، والآخر من العَوْس: والعيس هو كل شيء فيه خُلطة أي أدمه، فحسب لسان العرب: فالأدمة: القَرابةُ والوَسيلةُ “اي الصلة” إِلى الشيء. يقال: فلان أُدْمَتي إِليك أَي وَسيلَتي. ويقال: بينهما أُدْمةٌ ومُلْحة وقيل: الأُدْمة الخُلْطة، وبالتالي إذن فعيسى هو دلالة على المخالطة وهذا يقودنا إلى ما هو ممشوج كآدم من قبله ومن له صلة وقرابة مع من سبقه وكان من أدمته.أما حتى نتعرف على ما هو المقصود بـ “إبن مريم” علينا بأن نتعرف على ما هو المقصود بأمه وبمريم أولاً قال تعالى “وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً” سورة المؤمنون 50 وقال تعالى “الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ” سورة المائدة 17 أما المعنى الحاضر لمفهوم الأم لـ “أُمه” في الآيات الكريمة:فنقول بأن قوله تعالى “وأمه” لا يعني بالضرورة والدته البيولوجية ولنا مثال في قوله تعالى وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) سورة القارعة. فإذا كانت النار هي أم من خفت موازينه إذن فمفهوم الأم له ابعاد لغوية غير محصورة في الدور البيولوجي وتُشير على الحاضنة والمضيفة بأشكالها المتعددة، والنار هنا هي أم ومثال آخر على ذلك ناخذه من أُم القُرَى: مكة، والتي شرَّفها الله تعالى لأَنها توسطَت الأرض ولأنها قِبْلةُ جميع الناس يؤُمُّونها فجعلوها أُم لهم، وقيل: سُمِّيَت بذلك لأَنها كانت أَعظم القُرَى شأْناً وكذلك هي منزلة الأُم،قال تعالى “وَكَذَ‌ٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَاِ” سورة الشورى 7 .وقال تعالى “وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا” سورة الأنعام 92 .وقال تعالى “وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا” سورة القصص 59 .وتقول العرب: وأَمَّتْ تَؤُمُّ أُمُومَةً: صارت أُمّاً. وقال ابن الأَعرابي في امرأَة ذكرها: كانت لها عمة تَؤُمها أي تكون لها كالأُمِّ. وتَأَمَّها واسْتَأَمَّها وتأَمَّمها: اتَّخَذَها أُمّاً؛ قال الكميت: ومِن عَجَبٍ، بَجِيلَ، لَعَمْرُ أُمّ غَذَتْكِ، وغيرَها تَتأَمّمِينا قوله: ومن عَجَبٍ خبر مبتدإِ محذوف، تقديرهُ: ومن عَجَبٍ انْتِفاؤكم عن أُمِّكم التي أَرْضَعَتْكم واتِّخاذكم أُمّاً غيرَها. قال الليث: يقال تأَمَّم فلان أُمّاً إذا اتَّخذَها لنفسه أُمّاً، قال: وتفسير الأُمِّ في كل معانيها أُمَّة لأن تأْسيسَه من حَرْفين صحيحين والهاء فيها أصلية، ولكن العَرب حذَفت تلك الهاء إذ أَمِنُوا اللَّبْس.قال ابن دُريَد: كل شيء انْضَمَّت إليه أَشياء، فهو أُمٌّ لها. وأُم القوم: رئيسُهم وأُمُّ الكِتاب: فاتِحَتُه لأَنه يُبْتَدَأُ بها في كل صلاة، وجاء في الحديث: أنَّ أُم الكِتاب هي فاتحة الكتاب لأنها هي المُقَدَّمة أَمامَ كلِّ سُورةٍ في جميع الصلوات وابْتُدِئ بها في المُصْحف فقدِّمت …. وفي الحديث أيضاً: اتَّقوا الخَمْر فإنها أُمُّ الخَبائث.والسؤال هنا وهو كيف نُفسر قوله تعالى “وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ” أي لماذا لم يقل الله مثلاً بدلاً عن ذلك عيسى وأمه أو المسيح وأُمه وهل نقول مثلاً محمد ابن آمنة وأمه لولا المراد بذلك إكتشاف حقيقة ما عن ابن آمنة تختلف عن دور أمومة آمنة له، إذن فماذا يعني ابن مريم حين القول ابن مريم وأمه لأن ما تحمله من معنى لابد وأنه يختلف عن دور الأمومة والتي لم يُذكر فيها اسم أمه بل أشارت على وظيفتها كحاضنة فلو قال الله عيسى وأمه مريم لكان تعريف بأسمها ولكن قال ” ابن مريم وأمه”، فمريم هي أمه فلماذا لم يقل الله “هو وأمه أو عيسى وأمه أو كانت مريم وأبنها عيسى” ولكن أتى قوله تعالى “ابن مريم وأمه” وذلك حتى يُفرّق بين ابن مريم وأمه وذلك كقول الملائكة لها منذ البداية،إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ” سورة آل عمران 45 .فهُنا تقول الملائكة لها “يا مريم” وتُبشرها بما وهب لها الله وتذكره لها بالإسم فتقول لها “اسمه المسيح ابن مريم” ولم تقُل لها “اسمه المسيح ابنك” ولذلك أصبح من الضروري التعرف على معنى وما هو المقصود بالمريم لأنه لم يأتي هنا للتعريف باسم أمه بل بما نُسب عيسى إليه فهو ابن مريم أي منسوب للمريم وبالتالي فمريم أمه ليست هي من نسب إليها ولكن فلقد نُسب عيسى من خلال الآية الكريمة للمريم وليس لأُمه مريم.