في البداية سنعرض تصور للدكتور صبري الدمرداش يتعلق في هذا الموضوع والذي يُشير عليه بعالم الذر خلق أبونا آدم – الدكتور صبري الدمرداش ►-ففي هذه المحاضرة المسجلة للدكتور صبري الدمرداش بعنوان خلق ابونا آدم يعرض الدكتور على المدعوين السؤال التالي: من خُلق أولاً بالإنسان ذاته أم بدنه؟ أي هل الذات مخلوقة قبل البدن أم البدن مخلوق قبل الذات .. طبعاً ويُجيب هو على السؤال بالقول بأن من المؤكد بأن الذات خُلِقت أولاً وبالتالي وحين يأتي موعد خروج الإنسان إلى الدنيا يأمر الله الذات بان تلبس البدن فالذات هي موجودة في الاصل أي كانت موجودة قبل البدن ويتسائل ماهو الدليل على ذلك … ويُجيب هو على ذلك بالإستشهاد بقوله تعالى،“قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ” سورة غافر 11 .ويعتبر استاذنا الكريم بأن هذه الآية هي الدليل على ذلك، ويتساءل ماهما الحياتين وماهما الموتتين … ويبدأ بالقول“إعلموا رحمني وإياكُم الله .. قبل تواجدنا في الدنيا كُنّا نحيا حياة حقيقية في عالم الذر والدليل الآية 172 من سورة الاعراف، قال تعالى “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ” سورة الأعراف 172 .ويُكمل بالقول: “لقد كُنّا أحياء ليس بأبداننا ولكن بذواتنا، فحين خلق الله أبونا آدم مسح على ظهره فطلعت كُل الذرات الموجودة التي هي أولاد آدم من لدُن قابيل وهابيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها … خرجوا إزاي حسب تسائلة: ويُجيب بالقول، خرجوا بذواتهم الإنسانية المخلوقة … ويُكمل: فلربما تسائل البعض عن كيفية إتساع الأرض إلى كُل هذا الخلق الإنساني منذ خلق آدم وحتى آخر آدمي … ولكن لم يخرجهم الله بأبدانهم بل بذواتهم الإنسانية فالذات كانت مخلوقة، ويُكمل الدكتور على أن اصل الذات ليس لها مكان فهي مثل الكهرباء غير مرئية وبالتالي فالمكان الذي حصلت فيه الواقعة يتسع لبلايين بلايين أمثال هؤلاء الذوات الإنسانية، لقد كُنّا أحياء في عالم الذر وربُنا أخذ علينا الحُجة .. قالوا بلى ..” … ويقول بأن كلمة شهدنا تعود على الملائكة والذين كانوا موجودين وبالتالي هم الشاهدين على الميثاق وليس كلامنا نحن، ويقول بأن كان هذا هو عالم الذر عالم الميثاق وهذه هي الحياة الأولى حياة حقيقة كُنّا قد نسيناها.فأعتبر حياتنا الأولى وموتنا الأول كان قد اقتصر على عالم الذر وللتعليق والتعقيب على قول الدكتور نقول:أولاً: بأن الله لم يقل بأنه مسح على ظهر آدم بل قال أخذ ومعناها القاموسي لغوياً هو”أي بمعنى جمع” من بني آدم وليس من آدم نفسه … ““وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ”. ثانياً: أما ما نقل الله تعالى عنهم في قوله تعالى فهو “ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ” الحياتين والموتتين سنأتي عليها وما المقصود بالحياتين والموتتين في شرحنا لأجلي الإنسان الحقيقيين وليس عالم الذر والخيال الذي نسجه لنا الدكتور مع عظيم احترامي لشخصه وعلمه ولكن كيف يرسم لنا الدكتور لوحة تصويرية خيالية وبدون دليل حقيقي أو إشارة قرآنية تؤكد على حقيقتها ويعمل على محاولة تسويق فكرته للناس وعلى قناة تلفزيزنية يُشاهدها الملايين من الناس من دون الأخذ بالإعتبار بأن فكرته لربما غير مكتملة وغير صحيحة.ثالثاً: ألم ينتبه شيخنا الكريم بأن قوله تعالى “قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ” سورة غافر11 .منقول عن اهل النار والذين كانوا قد ماتوا وأتى حسابهم وما وعد الله بحدوثه المستقبلي يوم الحساب وهم في الآية الكريمة يُشيرون على إنقضاء أجل الإنسان الأول وموته من قبل خلق الله لآدم وهو الموت الأول ومن ثم إحياء الإنسان من الموت بصورة آدم، ثم الموت الثاني وهو موت الآدميين وانقضاء أجلهم المُسمى ومن ثم قيامتهم من الموت،قال تعالى “كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” سورة البقرة 28 .وكما هو مُلاحظ فلقد بدأت الآية الكريمة بقوله تعالى “بأمتّنا” أي ومعناه لابد وإن كنا أحياء قبل إماتت الله لنا فكان موت وحياة تبعه موت وحياة.. فكانت حياتين ومماتين وهذا يخص الآدميين وليس عالم الذر والخيال.-لقد أخبرنا الله العلي القدير بأنه خلق الإنسان على أطوار أي مراحل أو حقب زمنية وفترات مختلفة،فقال تعالى “وقد خلقكم أطوارا” سورة نوح 14 .ففي لسان العرب: معنى أَطْوَاراً؛ ضُرُوباً وأَحوالاً مختلفةً؛ وقال ثعلب: أَطْواراً أَي خِلَقاً مختلفة كلُّ واحد على حدة؛ الطَّوْرُ: التارَةُ، تقول: طَوْراً بَعْدَ طَوْرٍ أَي تارةً بعد تارة … إذن فهي المراحل الخلقية المنفردة والمتعاقبة والمحكومة للعامل الزمني ومنها ايضاً وقال الفراء: خلقكم أَطْواراً، قال: نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظْماً؛ وقال الأَخفش طوراً علقة وطوراً مضغةقال تعالى “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ” سورة الأنعام 2 .وعند التدبر في الآية الكريمة من سورة الأنعام نرى بأنها تُشير على أجلين للإنسان وليس أجل واحد، أحدهما كان قد إنقضى وأنتهى أما الآخر فبقي أجل مُسمى وغير منقضي بعد، أما التذكير في خلق الإنسان من الطين تحديداً في الحديث القرآني هنا في قوله “هو الذي خلقكم من طين” ففيه الرجوع إلى أصل خلق الإنسان وإلا كان قد خصنا الله نحن البشر الآدميين في الحديث حول نسلنا من الماء المهين أي ما لحق بخلق الطين وأصبحنا ذرية منه، فالتذكير القرآني يعود على بدء الخلق أي على أول خلق للإنسانقال تعالى “وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ” سورة السجدة 7 لقد أوضح لنا الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام بأنه كان قد قضى أجل للإنسان وأنتهى وهذا الاجل المنقضي يعود على الذين بدأ الله خلق الإنسان بهم، وأخبرتنا الآية الكريمة نفسها من سورة الأنعام بأجل آخر ينتظر قضاءه للإنسان وهذا الاجل الذي ننتظر قضاءه في المستقبل هو موتنا نحن بني البشر أي الناس وذلك حين يأتينا الأجل المُسمى عند الله والذي فيه،قوله تعالى “وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا” سورة فاطر 45 وفي الحديث عن الناس وذكره بالتحديد هنا في “سورة فاطر 45″ نرى بأن أجل الناس لم ينقضي بعد وقول الله تعالى “ولكن يؤخرهم إلى أجل مُسمى” في حديثه عن الناس لهو أكبر دليل على ذلك. إذن فمن هم الذين انقضى أجلهم سوى الذين يعود خلقهم على البداية كما أن الإشارة على موت الإنسان الأول وإنقضاء أجله فيه الإشارة المؤكدة على وجوده البدائي في الزمان الماضي، إذن وما يمكننا لأن نستنتجه من الآية الكريمة وهو بإن الإنسان الأول كان قد مات وأنتهى أجله أما بني آدم (خلفاء الأرض الجدد) والذين أشار الله عليهم بالتحديد بالناس لا زالوا ينتظرون مصيرهم وأجلهم، ويخبرنا الله على الرغم من هذا الوجود الإنسي الأول والمتعدد والذي وجد على مراحل ألا أنه كان قد مضى وانقضى دون ان يصنع حدث أو يترك بصمات له أو يخلف مدنية وحضارة، فلقد خلق الله الإنسان الأول وهو الذي بدأ خلقه له من طين كما أخبرنا وقضي أجله وأنتهت مسؤوليته وتكليفه ومهمته واستبدل بآدم وذريته والذين ينتظرون أجلهم والذي لا يعلمه إلا الله وفيه قوله تعالى “وأجل مسمى عنده”، وقوله “ولكن يؤخرهم إلى أجل مُسمى” وبذلك أتى الدليل والذي نستخلصه من الإشارة على موت وإنقضاء أجل الإنسان البدائي الأول وانتهاء وجوده الحياتي القديم على الأرض وإستخلاف البديل محله من البشر الآدميين والذي يجمعهم الأصل الواحد ويفرقهم الجنس.قال تعالى “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ” سورة الأنعام 2 فما إنتهت الآية الكريمة عن الحديث عن الأجلين حتى إختتمت في نهايتها بقوله تعالى “ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ” أي ومع ذلك فأنتم تُشككون وتشكون وتُكذبون وتُجادلون، وبالتالي فأنتم في شك في أنفسكم من هذه الحقيقة المُغيبة عنكم ولطالما سهوتم عنها أو غيبتموها عن أنفسكم، فإن كان هذا التبليغ وكلام الله والذي خلق الإنسان وأعلم به هو بغاية الوضوح والبيان فلماذا لا زلتم في شك منه … فما رأي علماءنا بذلك.فكان إنقضاء الأجل الأول بالإشارة على موت الإنسان الأول .. وأتى التصريح بذلك في …سورة عبس 17 – 23 .-لقد أشار أحد المهتمين والحريصين من القرّاء على وجود العديد من الأخطاء في هذا الموضوع ووصفها على أنها أخطاء ليست طبيعية بل غريبة حسب رأيه وخص بالذكر وبالتحديد قولي هذا: “فخلق الله آدم من ذرية سلفت وكانت ميتة وصنعه الله بخلق ونشأة جديدة من ذرة من تراب الموتى السابقين … ” والرد السريع على هذه الجملة التي خُصّت بالذكر وهو بأنها كانت في الحقيقة مستمدة من قول الله تعالى، فقولي “خلق الله آدم من ذرية سلفت” هو مستمد من قوله تعالى “كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ” سورة الأنعام 133 .وقولي “وكانت ميتة” هو مُستمد من قوله تعالى “وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ”. سورة البقرة 28. أما قولي “وصنعه الله” فهو مُستمد من قوله تعالى” قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ” سورة ص 75 .وقولي “بخلق ونشأة جديدة” هو مُستمد من قوله تعالى “ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ..” سورة المؤمنون 14 .وقولي “من ذرة من تراب الموتى السابقين – إشارة على ما تبقَّى من عظام الميت وهو “عجز الذنب” فهو مُستمد من قوله تعالى “قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ” سورة ق 4 .وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ” وإن في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة قالوا أي عظم يارسول الله ؟ قال عجب الذنب. رواه البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجة واحمد في المسند وأخرجه مالك.