رغم انتصار عمرو بن العاص رضي الله عنه للمظلوم وهم الأرثوذكس على حساب الظالم وهم الكاثوليك , إلا أنهم أقروا بسماحة الفتح الإسلامي لمصر - أي الكاثوليك - , لكنهم كالعادة طعنوا في الأرثوذكس , فزعموا أنهم خدموا العرب , فلذلك أحسنوا إليهم وأعطوهم كنائس الكاثوليك !!

يقول الأقباط الكاثوليك في مدونتهم على شبكة المعلومات تحت عنوان : " تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية " : ( أما عمرو بن العاص, كتب إلى البطريرك بنيامين طالباً منه أن يعود ليدير بيعته وطائفته. فعاد بنيامين إلى الإسكندرية بعد غيبة استمرت 13سنة . وأحسن عمرو استقباله , كما عاد كثير من الأقباط الهاربين إلى أراضيهم . كانت سياسة عمرو ترمى إلى كسب مودة الأقباط , واحترام شعورهم الديني, ولم يستولى على ممتلكات الكنيسة , لكنه كافأ الأقباط اليعاقبة على خدماتهم للعرب , إذ تركهم يستولون على معظم كنائس الملكيين وأديرتهم. ولم يضغط على الأقباط ليعتنقوا الإسلام وكلفهم بحصر الضرائب , وعين لهم قاضياً مسيحياً ليحكم بينهم حسب ما جاء في شريعتهم , وتولى عبد العزيز بن مروان ولاية مصر بعد وفاة عمرو (٦٨٥ م) ، وهو أول من فرض الجزية على الرهبان والأساقفة والبطاركة. وخلاف ذلك كان حكمه عادلاًً. واتخذ له كاتبين أرثوذكسيين هما أثناسيوس , واسحق وخدما مصالح الأقباط ومصالح البطريرك يوحنا السمنودى(٦٧٧ – ٦٨٦م). وكان بعض حكام الأقاليم من الأقباط أشهرهم بطرس حاكم الصعيد الذي اعتنق الإسلام في نهاية حكم عبد العزيز بن مروان . وكان حاكم مريوط يتبع المذهب الملكي. ثم تولى ولاية مصر قرة بن شريك الذي ترك معظم وظائف الدولة في أيادي الأقباط ) .



الإضطهاد بين الحقيقة والإفتراء !


رغم كل ما قيل , فنحن لا ندعي العصمة لأحد إلا لله ولرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين , فأما الحكام وأولي الأمر , فهم ليسوا بمعصومين , ولكن من حكم فينا بشرع الله فهو العادل , ومن خالف الشرع فهو ظالم لنفسه وأمته وشعبه , فأي ظلم وقع على النصارى – بغير وجه حق – على يد حاكم مسلم فالإسلام منه بريء , ورغم هذا لم يعرف تاريخ المسلمين ظلمًا وقع على أهل الذمة واستمر طويلاً , فقد كان الرأي العام - والفقهاء معه – دائمًا ضد الظلمة والمنحرفين , وسرعان ما يعود الحق إلى نصابه .

والنصارى الأرثوذكس في كتبهم يعتبرون أي فعل من شأنه إقامة الدولة وتنظيم الأحوال المدنية والشخصية بين أفراده من باب الإضطهاد !! فلقد نسوا ما هو الإضطهاد الذي عانوا منه على يد إخوانهم الكاثوليك من قتل وسفك وتشريد قبل الفتح الإسلامي , بعد أن تنعموا بالحرية والعدل في ظل الإسلام ودولته !!

فإذا أخذنا من البالغين القادرين على حمل السلاح الجزية , جزاء حمايتهم وكفايتهم عدوا ذلك في كتبهم من الإضطهاد !! وهم الذين كانوا يدفعون الضرائب رغمًا عنهم , ودون أي إعفاء لكبير أو صغير من الجنسين , وليس من أجل الحماية والكفاية عنهم !!

وإذا قمنا بتغيير اللغة الرسمية للبلاد عدوا ذلك من باب الإضطهاد !! كما فعل عبد الله بن عبد الملك بن مروان في مصر شرفها الله , ولا ندري أي اضطهاد في ذلك , وقد صارت مصر دولة إسلامية يحكمها لسان عربي , كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , واللذان ضمنا حرية العقيدة والتدين لأهل الذمة !

بل لقد كان النصارى في مصر – على سبيل المثال – هم أول من أثاروا الفتن بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص , فبالرغم من إكرام عمرو بن العاص ومن جاء بعده لهم إلا أنهم أرادوا زعزعة أمن البلاد واستقراره !

يقول الأقباط الكاثوليك في مدونتهم على شبكة المعلومات تحت نفس العنوان أعلاه : ( في عام 754م كوَّن أقباط الصعيد جيشاً لتحرير البلاد في عهد عمر بن عبد العزيز , لكنهم هزموا , وفي عام ٧٥٥م- ٧٧٩م تكون جيش من أقباط الوجه البحري بقيادة مينا بن بكير . استولى على سمنود ورشيد والبحيرات ودمياط . وهزموا جيوش الوالي عمر بن عبد العزيز , تلاه جيش مروان , ثم جيش الكوثر بن الأسود الذي انتقم بأن قبض على البطريرك ميخائيل , ورد الأقباط على ذلك بأن أحرقوا مدينة رشيد وقتلوا من فيها من المسلمين . لكنهم هزموا عام ٧٧٦ م على يد موسى بن على ) .

عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه , الخليفة العادل , الذي أكرم النصارى وأمنهم على حياتهم وكنائسهم وأموالهم وسدد ديونهم , أرادوا زعزعة دولته ومحاربته !!

الذي يجب أن يعرفه النصارى أن الإسلام ضمن لهم العهد طالما أنهم لم يحاربوا دولته , وأرادوا زعزعة أمنه واستقراره , أما إن كان الأمر منهم نقيض ذلك , فلقد أوجب الإسلام علينا أن نطهر جسد الدولة من هذه النتوءات التي تحيا على حسابه !

ونحن نعلم أن حكام الإسلام اجتهدوا في حفظ العهد معكم , لكن نظرتكم الحزبية للأمور , وتهيج بعض رهبانكم وقساوستكم لكم , من أجل الخروج على نظام دولتكم , يدفعكم دائمًا لمزيد من الحقد والكراهية , وما أشبه الليلة بالبارحة !


نظرات في دعوى الإضطهاد !


لقد ذكرت لجنة التاريخ القبطي عدة أمثلة لبعض ما وقع من أحداث خالف فيها الحكام عهدهم مع النصارى , لكنهم لم يجرؤوا – ولن يجرؤوا – على ذكر السبب , فلقد كان النصارى الأرثوذكس رغم الحرية التي تنعموا بها يشعرون دائمًا - وإلى الأن - بأن ولاءهم الأول لبني جلدتهم خارج الدولة , الذين ظلموهم وقتلوهم وفرضوا عليهم الدين !

لكننا سنتماشى معهم من أجل أن نثبت أن الإسلام دين الرحمة والعدل , وأنه لولا هذا الدين ما بقي لعقيدتهم أثر , خاصة في مصر , تقول لجنة التاريخ القبطي : ( القرن التاسع : سانوتيوس الأول ( شنودة ) البابا 55- ( 859م-881م ) ... وفي أيامه اشتد الإضطهاد على الأقباط , وفرضت الضرائب على الرهبان ورجال الدين , وأوقاف الكنائس والأديرة , ووقع نهب كثير في الأماكن , فاستقر رأي البطريرك ورجال الأمة على إرسال رجلين منهم إلى بغداد , ليبسطا الأمر للخليفة , ويطلبا منه أن يصدر أمره إلى عامله ابن المدبر بأن يرفع المظالم , واختاروا لهذه المهمة اثنين من غير موظفي الديوان , أحدهما يدعى ساويرس والأخر إبراهيم , وزودهما البطريرك بكتاب للخليفة , فأجاب الخليفة لهما سؤلهما , وسلمهما أمرًا بمعافاة الرهبان وخدام الدين من الجزية وتخفيفها عن باقي الناس , ولما نزل المعتز عن الخلافة وخلفه المهدي , عادت الأحوال فساءت في مصر , فرجع إبراهيم وحصل من الخليفة على أمر يؤيد الأمر الأول ) ( خلاصة تاريخ المسيحية في مصر ص 116-117 ) .

هذا هو الإضطهاد الذي يتحدث عنه النصارى الأرثوذكس !! إن هؤلاء النصارى المذكورين أعلاه لما خرجوا إلى الخليفة لم يخشوا الإضطهاد , لأنهم يعلمون أنه مسألة عارضة ليست هى الأصل في دولتهم , ولأنهم يعلمون أن العدل أساس دولة الإسلام , وأن الخليفة لن يرضى بما فعله عامله – إذا كان قد فعل ذلك – , ونحن لا نقول بعصمة الولاة , بل طال ظلمهم المسلمين قبل غيرهم في بعض الفترات , لكن الأمة لا ترضى بالظلم حتى ولو وقع على أهل ذمتها , طالما حفظوا العهد ولم يحيدوا عنه !

أليست هذه الديمقراطية التي يتحدثون عنها ؟! وفد الكنيسة يخرج إلى الخليفة ويعرض مطالبه , لعلمهم أن لهم حقوقًا فرضها الإسلام علينا لهم , من أجلهم , نأثم إن لم نؤدها لهم !!