إخلال بني إسرائيل بشروط موعود الله:
إن الجواب المنصف عن الأسئلة ـ سالفة الذكر ـ والبعيد عن كل تعصب، يدعونا لأن نسوق ـ لإثبات نقض سوادهم الأعظم لجميع المواثيق وخرقهم لجميع العهود وعصفهم بجميع الأوامر وتآمرهم على جميع الأنبياء ـ طرفاً مما جاء في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم، ذلك أن ما أحدثه الله لبنى إسرائيل من نعم وتمكين ومن إنجاء وتفضيل على العالمين، كان ينبغي أن يقابل بالشكر والاعتراف بالجميل والانكباب على عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، لكن ما حدث منهم كان على العكس من ذلك تماماً فقد وقع منهم ما أحس به موسى عليه السلام وما تخوف منه، فما أن تجاوزوا معه البحر قاصدين ما اشرأبت إليه نفوسهم وتطلعت إليه أفئدتهم من دخول الأرض المقدسة، حتى تناسوا كل ما أوصاهم به ربهم على لسانه، وراحوا وهم في صحبته يؤملون أنفسهم بعبادة الأصنام بل وشرعوا- دون ما حياء ولا استحياء- يطلبون ذلك منه، وفي ذلك يقول سبحانه: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون* إن هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون* قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين .. الأعراف/138-140).
وبعد أن قال لهم موسى كلمته ووعظهم بأن ما يطلبونه يعد جهلاً فاضحاً يجب أن يربأوا بأنفسهم عنه، وبعد أن أوصاهم وأرشدهم لما فيه صلاحهم، تعجل الذهاب لملاقاة ربه تحرقا وشوقا وطلبا لرضاه، واستخلف عليهم أخاه هارون ورجاه الترفق بهم ووصاه بالإصلاح وعدم الإفساد، لكن أنى لهارون ولا لمئات أو حتى لآلاف من مثله أن تفلح دعوتهم مع قوم يجرى الكفر وإغاظة الرب به في نفوسهم مجرى الدم في العروق، لقد تحدثت جميع الكتب السماوية عما جرى من بنى إسرائيل عقب ذلك وذكرت أنه ما أن ذهب موسى لميقات ربه حتى أعلمه سبحانه من هناك بأن قومه اتبعوا السامري واتخذوا العجل معبوداً لهم من دون الله ، وذلك بعد أن فشلت معهم دعوة هارون وبعد قوله لهم: (يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري .. طه/90)، وبعد أن كان جوابهم له (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى .. طه/91)، الأمر الذي أوقع هارون في حرج مع أخيه موسى ظناً من الأخير أن هارون قصر في نهيهم عن عبادة العجل أو لم يحسن تنفيذ ما كلفه به في قوله: (اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين .. الأعراف/142)، أو خشية أن يقول له: (فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي .. طه/94).
وكان حاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم وعبدوا العجل! وذلك بعد أن صاغوه من الذهب والحلي الذي استلبوه من مصر واصطحبوه معهم، وكان هارون قد أشار عليهم أن يلقوا به في حفرة فيها نار فيجعلونه سبيكة واحدة حتى إذا رجع موسى عليه السلام رأى فيه ما يشاء ، لكن كان ما حكاه القرآن في قوله سبحانه: (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً)، أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله، وقيل هو ما وعدهم به سبحانه من الوصول إلى جانب الطور الأيمن، وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن، وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته، (أفطال عليكم العهد)، بنسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي .. طه/86) ، وكان الغضب الذي أصابهم بإرادتهم وافترائهم أن أذلهم الله ولم يقبل منهم توبة حتى يقتل بعضهم بعضاً كما قال تعالى: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم .. البقرة/54).
وجاءت تصريحات التوراة والإنجيل والقرآن بعبادة القوم ومن تلاهم من الأبناء والأحفاد لغير الله وبقتلهم الأنبياء بغير حق وبنقضهم المواثيق التي أخذها الله عليهم في معظم فترات حياتهم، مما يعنى أن ما حُكى عنهم في هذا الصدد مما لا يستطيعون إنكاره أو تكذيبه هو الذي أدي بهم إلى إيقاع وعيد الله بهم من تشتيت ومحق كانوا هم السبب فيه.
ففي سفر الملوك الثاني 17: 11- 20 "عملوا أموراً قبيحة لإغاظة الرب. وعبدوا الأصنام التي قال الرب لهم عنها لا تعملوا هذا الأمر. وأشهد الرب على إسرائيل وعلى يهوذا ـ أي بنيهما ـ عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلا: ارجعوا عن طرقكم الردية واحفظوا وصاياي- فرائضي- حسب كل الشريعة التي أوصيت بها آباءكم والتي أرسلتها إليكم عن يد عبيدي الأنبياء. فلم يسمعوا بل صلبوا أقفيهم كأفقية آبائهم الذين لم يؤمنوا بالرب إلههم. ورفضوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم وشهاداته التي شهد بها عليهم وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً وراء الأمم الذين حولهم الذين أمرهم الرب أن لا يعملوا مثلهم. وتركوا جميع وصايا الرب إلههم وعملوا لأنفسهم مسبوكات عجلين وعملوا سواريَ وسجدوا لجميع جند السماء وعبدوا البعل. وعبّروا بنيهم وبناتهم في النار وعرفوا عرافة وتفاءلوا وباعوا أنفسهم لعمل الشر في عيني الرب لأغاظته. فغضب الرب جداً علي إسرائيل ونحاهم من إمامه ولم يبق إلا سبط يهوذا وحده. ويهوذا أيضا لم يحفظوا وصايا الرب إلههم بل سلكوا في فرائض إسرائيل التي عملوها. فرذل الرب كل نسل بني إسرائيل وأذلهم ودفعهم ليد ناهبين حتى طرحهم من أمامه"، فهل بعد تحدي الرب وإغاظته وإعلان الكفر به وعبادة العجل والأصنام وجند السماء وغير ذلك من دونه، من ذنب؟.
وعلى لسان موسى كليم الله ورد في سفر التثنية 9: 23، 24 "عصيتم قول الرب إلهكم ولم تصدقوه ولم تسمعوا لقوله. قد كنتم تعصون الرب منذ يوم عرفتكم"، وفيه31: 27-30 يقول: "إني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة، هو ذا وأنا بعد حيّ معكم، اليوم قد صرتم تقاومون الرب، فكم بالحريّ بعد موتي. اجمعوا إلىّ كل شيوخ أسباطكم وعرفاءكم لأنطق في مسامعهم بهذه الكلمات وأشهد عليكم السماء والأرض .لأني عارف أنكم بعد موتى تفسدون وتزيغون عن الطريق ألذي أوصيتكم به ويصيبكم الشر في آخر الأيام لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم. فنطق موسى في مسامع كل جماعة إسرائيل بكلمات هذا النشيد إلى تمامه"، وأقام عليهم بذلك حجة الله.
وعلى لسان عيسى روح الله جاء في إنجيل متى 23: 31-33 "أنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء . فاملأوا أنتم مكيال آبائكم. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم".
وما بين هذين النبيين من أولي العزم، من زمن امتد بهم عشرات القرون، و ضم خلاله مئات بل آلاف الأنبياء، (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون .. المائدة/70).
ونذكر مما ورد على لسان بعض أولئك الأنبياء وفي أسفارهم ما جاء في سفر يشوع 7: 10-11من قول الله له: "قال الرب ليشوع: قم لماذا أنت ساقط على وجهك. قد أخطأ إسرائيل بل تعدوا عهدي الذي أمرتهم به بل أخذوا من الحرام بل سرقوا بل أنكروا"، وسفر الملوك الأول 19: 9-10من قول الرب لإيليا (إلياس عليه السلام): "ما لك ههنا يا إيليا. فقال: قد غرت غيرة للرب إله الجنود لأن بنى إسرائيل قد تركوا عهدك، ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، فبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها"، وسفر إشعياء وعلى لسانه 28: 14-15 في عبارات تحمل البشارة بمقدم النبي محمد صلي الله عليه وسلم منقذ البشرية من شرورهم: "اسمعوا كلام الرب يا رجال الهُزء ولاةَ هذا الشعب الذي في أورشليم. لأنكم قلتم قد عقدنا عهداً مع الموت وصنعنا ميثاقاً مع الهاوية، السوط الجارف إذا عبر لا يأتينا لأننا جعلنا الكذب ملجأنا وبالغش استترنا"، "آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع. لأن أيديكم قد تنجست بالدم وأصابعكم بالإثم، شفاهكم تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر. ليس من يدعو بالعدل وليس من يحاكم بالحق يتكلمون على الباطل ويتكلمون بالكذب.. أعمالهم أعمال إثم وفعل الظلم في أيديهم. أرجلهم إلى الشر تجري وتسرع إلى سفك الدماء الزكي، أفكارهم أفكار إثم، في طرقهم اغتصاب وسحق. طريق السلام لم يعرفوه وليس في مسالكهم عدل، جعلوا لأنفسهم سبلاً معوجة كل من يسير فيها لا يعرف سلاماً. من أجل ذلك ابتعد الحق عنا ولم يدركنا العدل" إشعياء59: 2-4، 6-9، وسفر إرمياء 2: 4-5-7-9-10 وعلى لسانه في عبارات تحمل أيضاً الإشارة والبشارة بمقدم رسول الرحمة وخاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه ونبي من هم أهل لحمل رسالة الله وتنفيذ أوامره ووصاياه: "اسمعوا كلمة الرب يا بيت يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل.. ماذا وَجد فيّ آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً .. وأتيت بكم إلى أرض بساتين لتأكلوا ثمرها وخيرها فأتيتم ونجستم أرضي وجعلتم ميراثي رجساً.. لذلك أخاصمكم بعد يقول الرب، وبني بنيكم أٌخاصم. فاعبروا جزائر كتيم وانظروا وأرسلوا إلى قيدار"، يعني جد النبي محمد من جهة إسماعيل، كناية عن إرساله- صلى الله عليه وسلم - وتحول النبوة إليه بدل بني إسرائيل، و(تكتم) اسم بئر زمزم سميت بذلك لأنها كانت اندفنت بعد جرهم، فصارت مكتومة حتى أظهرها عبد المطلب، وفي حديث زمزم: (إن عبد المطلب رأى في المنام قيل: احفر تكتم بين الفرث والدم) .
وفي أرميا 3: 20-21 حكاية عن جرائمهم: "حقاً إنه كما تخون المرأة قرينها هكذا خنتموني يا بيت إسرائيل يقول الرب..عوّجوا طريقهم نسوا الرب إلههم"، وفي 5: 19- 21-22-23-25منه "تقولون لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه، نقول لهم كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم هكذا تعبدون الغرباء في أرض ليست لكم .. اسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم الذين لهم أعين ولا يبصرون، لهم آذان ولا يسمعون. أإياي لا تخشون.. وصار لهذا الشعب قلب عاص ومتمرد، عصوا ومضوا .. آثامكم عكست هذه وخطاياكم منعت الخير عنكم"، وفي 19: 5-6- 7-11-15 منه "وبنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا أبنائهم بالنار- يعني جهنم لأنهم تسببوا لهم في ذلك- محرقات للبعل الذي لم أوصِ ولا تكلمت به ولا صعد على قلبي. لذلك ها أيام تأتي .. أنقض مشورة يهوذا وأورشليم في هذا الموضع وأجعلهم يسقطون بالسيف أمام أعدائهم وبيد ظالمي نفوسهم وأجعل جثتهم أُكلاً لطيور السماء ولوحوش الأرض .. هكذا أكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يُكسر وعاء الفخاري بحيث لا يمكن جبره بعد، وفي توفة يدفنون حتى لا يكون موضع للدفن.. هاأنذا جالب على هذه المدينة وعلى كل قراها كل الشر الذي تكلمت به عليها لأنهم صلبوا رقابهم فلم يسمعوا لكلامي".
وفي سفر حزقيال 22: 3-9، 12، 15، 16خطاباً لمن سكن منهم أورشليم القدس: "أيتها المدينة السافكة الدم .. الصانعة أصناماً لنفسها لتتنجس بها. قد أثمت بدمك الذي سفكت ونجست نفسك بأصنامك التي عملت وقربت أيامكِ وبلغت سنيّكِ فلذلك جعلتكِ عاراً للأمم وسخرة لجميع الأراضي. القريبة إليك والبعيدة منك يسخرون منك يا نجسة الأمم يا كثيرة الشغب. هو ذا رؤساء إسرائيل كل واحد حسب استطاعته كانوا فيك لأجل سفك الدم. فيك أهانوا أباً وأماً، في وسطك عاملوا الغريب بالظلم، فيك اضطهدوا اليتيم والأرملة.ازدريتِ أقداسي ونجست سبوتي. كان فيك أناس وُشاةٌ لسفك الدم وفيك أكلوا على الجبال، في وسطك عملوا رذيلة.. فيك أخذوا الرشوة لسفك الدم، أخذتِ الربا والمرابحة وسلبت أقرباءكِ بالظلم ونسيتني.. أبددك بين الأمم وأذرِّيك في الأراضي وأزيلُ نجاستك منك. وتتدنسين بنفسك أمام عيون الأمم، وتعلمين أني أنا الرب"، وبداهة أن يكون الكلام لمن يقطنونها من بني إسرائيل.
وفي سفر دانيال وعلى لسانه9: 4-9، 11 جاء قوله "صليت إلى الرب إلهي، واعترفت وقلت: أيها الرب .. أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك. وما سمعنا من عبيدك الأنبياء .. كل إسرائيل قد تعدى على شريعتك وحادوا لئلا يسمعوا صوتك، فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله لأننا أخطأنا إليه.."، وفي سفر هوشع وعلى لسانه 4: 1-3: "اسمعوا قول الرب يا بني إسرائيل، إن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض. لعنٌ وكذب وقتل وسرقة وفسق يعتنقون، ودماء تلحق دماء. لذلك تنوح الأرض ويذيل كل من سكن فيها مع حيوان البرية وطيور السماء، وأسماك البحر أيضا تنتزع".
وفي سفر عاموس2: 4 "رفضوا ناموس الله ولم يحفظوا فرائضه وأضلتهم أكاذيبهم التي سار آباؤهم ورائها"، وفي سفر يونان بن أمتّاي(يونس بن متى) عليه السلام 1: 1 قال له الرب: "قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه صعد شرهم أمامي"، وفي سفر ميخا 3: 9-11وعلى لسانه: "اسمعوا هذا يا رؤساء بيت يعقوب وقضاة بيت إسرائيل الذين يكرهون الحق ويعوجون كل مستقيم. الذين يبنون صهيون بالدماء وأورشليم بالظلم. رؤساؤها يقضون بالرشوة، وكهنتها يعلمون بالأجرة".
وفي سفر حبقوق 2: 12 "ويل للباني مدينة بالدماء وللمؤسس قرية بالإثم"، وفي سفر صَفَنْيَا 3: 1-4 "ويل للمتمردة المنجسةِ المدينة الجائرة. لم تسمع الصوت لم تقبل التأديب لم تتكل على الرب لم تتقرب إلى إلهها. رؤساؤها في وسطها أسود زائرة قضاتها ذئاب مساء لا يبقون شيئاً إلى الصباح .. كهنتها نجسوا القدس خالفوا الشريعة"، وفي سفر زكريا: 7: 9-12، 14 "اقضوا قضاء الحق واعملوا إحسانا ورحمة، كل إنسان مع أخيه. ولا تظلموا الأرملة ولا اليتيم ولا الغريب ولا الفقير ولا يفكر أحد منكم شراً على أخيه في قلبكم. فأبوا أن يُصغُوا وأعطوا كتفاً معاندة وثقلوا آذانهم عن السمع. بل جعلوا قلبهم ماساً لئلا يسمعوا الشريعة والكلام الذي أرسله رب الجنود بروحه عن يد الأنبياء الأولين فجاء غضب عظيم من عند رب الجنود.. وأعصفهم إلى كل الأمم الذين لم يعرفوهم، فخربت الأرض ورائهم لا ذاهب ولا آئب فجعلوا الأرض البهجة خراباً".
وفي سفر ملاخي 2: 8، 9، 17 وعلى لسانه: "أما أنتم فحدتم عن الطريق وأعثرتم كثيرين بالشريعة.. فأنا أيضا صيرتكم محتقرين ودنيئين عند كل الشعب كما أنكم لم تحفظوا طرقي بل حابيتم في الشريعة.. لقد أتعبتم الرب بكلامكم وقلتم بم أتعبناه، بقولكم كل من يفعل الشر فهو صالح في عيني الرب وهو يسرّ بهم. أو أين إله العدل"، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وعلى غرار ذلك وردت آيات كثيرة توضح هي الأخرى نقض بنى إسرائيل للمواثيق والعهود، بل وتنص على كثير مما تضمنته تلك المواثيق من بنود كم كانت ستعود عليهم بالخير والنفع في أمور دينهم ودنياهم وأخراهم لو أنهم أقاموا حكم الله فيها، لكن لتوليهم وعصيانهم عوقبوا من الله بما استحقوا، نذكر من ذلك قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون* ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين* ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين .. البقرة/63-65)، (وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون* وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون* ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان.. البقرة/83-85)، (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم.. البقرة/93)، (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجداً وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً* فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير الحق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً * وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيماً* وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم.. النساء/154-157)، (ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل* فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم .. المائدة/12-13)، والآيات في ذلك في القرآن وفي الأسفار أكثر من أن تعد، وحسبنا منها ما ذكرنا.
فأنى لقوم لم يحققوا في أنفسهم فعل الشرط أن يتحقق لهم من قِبل الرب أو ينتظروا منه جوابه وجزاءه؟.