هل النبي آدم أول البشر أم لا؟

يزعم البعضُ أن آدم عليه السلام كان له أبٌ وأمٌ وأجداد وجدات... وليس هو أول البشر؛ بل هو أول الأنبياء فقط وقد سبقه بشر آخرون قبله وقد اصطفاه الله تعالى من هؤلاء البشر...
تعلقوا بأدلة لا أجدُ فيها حجة دامغة ؛ مثل قولهI:" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)"(آل عمران).
قالوا: إن الاصطفاء يكون من البشر وقد اصطفى الله آدم من البشر كما اصطفى بقية الأنبياء في الآية من البشر، وهذا يعني أن آدم ليس أول البشر....!

الرد على الشبهة

أولًا: ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ما يصرح بأن آدم له أب وأم وأن هناك بشرًا قبله ...فما قيل ما هي إلا أحلام وتخاريف لا أساس لها....

ثانيًا: إن الاصطفاء في الآية الكريمة واضح من الآية نفسها، وذلك لما قال الله تعالى إنه اصطفاهم "عن العالمين" ولم يقل اصطفاهم "عن البشريين".
فلآية تقول:" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)"(آل عمران).
فالله اصطفى الأنبياء عن جميع خلقه بما فيهم البشر ... وهذا لا يعني بالضرورة أن آدم اصطفي من قومه، بل اصطفاه عن سائر مخلوقاته ...
وهذا يشبه قوله I:" لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)"(الإسراء).
إن قيل : إن هناك آية تدل على أن هناك بشرًا قبل خلق آدم وسفكوا الدماء ألا وهي قوله تعالى:" وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(30) "(البقرة).
فكيف عرفتِ الملائكةُ أنّ بني آدمَ سيسفكون الدماءَ؟!

قلتُ: إن الظاهر من الآيةِ الكريمةِ نفسِها أنّ اللهَI قد أطْلعَ الملائكةَ على حالِ بني آدمَ وعن طبيعتِهم البشرية، كيف سيفسدون في الأرضِ، ويسفكون الدماءَ...
فقالتِ الملائكةُ على سبيلِ السؤالِ عن معرفةِ الحكمةِ: ] أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[
فكانَ الجوابُ مِن الربِّ I: ] إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[.
يدلّلُ على ما سبقَ هو ما جاءَ في الآتي:
1- تفسيرُ ابنِ كثيرِ: قالَ ابنُ أبي حاتمٍ: وحدّثَنا الحسنُ بنُ محمدٍ بنِ الصباحِ، حدّثَنا سعيدٌ بنُ سليمانَ، حدّثَنا مباركُ بن فضالةَ، حدّثَنا الحسنُ، قالَ: قالَ اللهُ للملائكةِ: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً } قالَ لهم: إنّي فاعلٌ. فآمَنَوْا بربِّهم، فعلّمَهم علمًا وطَوى عنهم علمًا عَلِمَه ولم يعْلموه، فقالوا بالعلمِ الذي علّمَهم: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ }؟ { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ }... قال ابنُ جُرَيْجٍ: إنّما تكلموا بما أعلَمَهم اللهُ أنّه كائنٌ مِن خلقِ آدمَ، فقالوا: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ }... وقال ابنُ جُرَيْرٍ: وقال بعضُهم: إنّما قالتِ الملائكةُ ما قالتْ: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ }؛ لأنّ اللهَ أذِنَ لهم في السؤالِ عن ذلك، بعد ما أخبرَهم أنّ ذلك كائنٌ مِن بني آدمَ، فسألتْه الملائكةُ، فقالتْ على التعجّبِ منها: وكيف يعصونك يا ربُّ وأنت خالقُهم !؟ فأجابَهم ربُّهم: { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } يعني: أنّ ذلك كائنٌ منهم، وإنْ لم تعلموه أنتم ومِن بعضِ مَن ترَوْنه لي طائعًا. قال: وقال بعضُهم: ذلك مِن الملائكةِ على وجهِ الاسترشادِ عمّا لم يعلموا من ذلك، فكأنّهم قالوا: يا ربُّ خَبِّرْنا، مَسألةَ [الملائكةِ] استخبارٍ منهم، لا على وجهِ الإنكارِ، واختارَه ابنُ جريرٍ.
وقال سعيدٌ عن قتادةَ: قولُه { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً } فاستشارَ الملائكةَ في خلْقِ آدمَ، فقالوا: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } وقد علمتِ الملائكةُ مِن عِلمِ الله أنّه لا شيءَ أكرَه إلى اللهِ مِن سفْكِ الدماءِ والفسادِ في الأرضِ { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } فكان في علمِ اللهِ أنّه سيكونُ مِن تلك الخليقةِ أنبياءٌ ورسلٌ وقومٌ صالحون وساكنو الجنّة... اهـ بتصرف.
2- تفسيرُ المنتخبِ: واذكرْ قولَ الملائكةِ: أتجعلُ فيها مَن يفسدُ فيها بالمعاصي، ومَن يسفكُ الدماءَ بالعدوانِ والقتلِ لِما في طبيعتِه من شهواتٍ، بينما نحن نُنزّهك عمّا لا يليقُ بعظمتِك، ونظهِرُ ذِكْرَك ونمجِّدُك؟ فأجابَهم ربُّهم: إنِّي أعلمُ ما لم تعلموا مِن المصلحةِ في ذلك. اهـ

ثالثًا: إن الأدلة الصحيحة على أن آدم هو أول البشر والأنبياء كثيرة جدًا منها ما يلي:
1-قوله I :" يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)"(الأعراف).
نلاحظ من الآية: أن أبوينا هما آدم وحواء فقط ، فآدم أبو البشر جميعًا ،لهذا نادانا الله في مواطن كثيرة في كتابه العزيز "يَا بَنِي آدَمَ ".أي: يا أبناء آدم. وقال في الآية الكريمة:" كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ".
2- قوله I:" إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)"(ص).
فلو كان هناك بشرٌ قبل آدم ما قالI للملائكة حكاية عن آدم:" إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ".
وهذا ما أكده نبينا من قوله :" خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ".
أي من طين ، وليس مولودًا من بطن امراءة....

4- صحيح مسلم بَاب (ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ وَخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام) برقم 4997 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ r بِيَدِي فَقَالَ :"خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ."
دل الحديث على أن أول البشر هو آدم فلو كان قبله بشر ما قال النبي ما جاء في الحديث....

5- سنن الترمذي برقم 2879 عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ فَجَاءَ مِنْهُمْ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ".
قَالَ أَبُو عِيسَى :هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الحديث فيه بيان وتفصيل لخلق آدم فهو مخلوق من طين وليس مولودًا من أم وله أجداد كما يزعم الزاعمون....
رابعًا: إن الكتاب المقدس الذي فيه من الحق لا يقول بقول الزاعمون بل يثبت أن آدم هو أول البشر وكان يعيش مع زوجته وأنجبا البشر كما نعتقد نحن –المسلمين- فهو كتاب تاريخي نستشهد به على سبيل الاستئناس حينما يوافق مع شرعنا ...
وعلى ذلك فإن آدم -عليه السلام- هو أول البشر مخلوق لا مولود.
كتبه/ أكرم حسن مرسي